الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْهُ، لَا تُمْلَكُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ بِحَالٍ.
ــ
لغيرِه، فيَجِبُ ذلك؛ لنَهْي النبيِّ صلى الله عليه وسلم[عن إضاعَةِ المالِ](1)، ولِما فيه مِن المَصْلَحَةِ والحِفْظِ لمالِ المُسْلِمِ عليه، ولأنَّ في إثْباتِ المِلْكِ حَثًّا على الْتِقاطِها وحِفْظِها وتَعْرِيفِها؛ لكَوْنِه وَسِيلةً إلى المِلْكِ المَقْصُودِ للآدَمِيِّ، وفي نَفْي مِلْكِها تَضْيِيعٌ لها، لِما في الْتِقاطِها مِن الخَطَرِ والمَشَقَّةِ والكَلَفِ مِن غيرِ نَفْعٍ يَصِلُ إليه، فيُؤَدِّي إلى أن لا يَلْتَقِطَها أحَدٌ، فتَضِيعَ. وما ذَكَرُوه (2) في الفَرْقِ مُلْغًى في الشّاةِ، فقد ثَبَتٍ المِلْكُ فيها مع هذا الفَرْقِ، ثم يُمْكِنُنا أن نَقِيسَ على الشّاةِ، فلا يَحْصُلُ هذا الفَرْقُ بين الفَرْعِ والأصْلِ، ثم نَقْلِبُ دَلِيلَهُم فنقولُ: لُقَطَةً لا تُمْلَكُ في الحَرَمِ، فما أُبِيحَ الْتِقاطُه منها مُلِكَ إذا كان في الحِلِّ، وما لا يُباحُ لا يُمْلَكُ، كالإبِلِ.
2511 - مسألة: وعن أحمدَ، أنَّ (لُقَطَةَ الحَرَمِ لا تُمْلَكُ بحالٍ)
المَشْهُورُ عن أحمدَ وفي المَذْهَبِ، أنَّ لُقَطَةَ الحَرَمِ والحِلِّ سَواءٌ. وهو ظاهِرُ كلام الخِرَقِيِّ. رُوِيَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ، وابنِ عباسٍ، وعائِشَةَ، وابنِ المُسَيَّبِ. وهو مَذْهبُ مالِكٍ، وأبي حنيفةَ. ورُوِيَ عن أحمدَ، أنَّه لا يَجُوزُ الْتِقاطُ لُقَطَةِ الحَرَمِ للتَّمْلِيكِ، ويجوزُ لحِفْظِها لصاحِبِها، فإنِ الْتَقَطَها عَرَّفَها أبَدًا حتى يَأْتِيَ صاحِبُها. وهو قولُ عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وأبي عُبَيدٍ. وعن الشافعيِّ كالمَذْهَبَينِ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مَكَّةَ: «لَا
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «ذكره» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَحِلُّ سَاقِطَتُها إلَّا لمُنْشِدٍ». مُتَّفَقٌ عليه (1). والمُنْشِدُ المُعَرِّفُ. قاله أبُو عُبَيدٍ (2). والنّاشِدُ الطّالِبُ. ويُنْشَدُ:
* إصَاخَةَ النّاشِدِ لِلْمُنْشِدِ (3) *
فيكونُ مَعْناه: لا تَحِلُّ لُقَطَةُ مَكّةَ إلَّا لمَن يُعَرِّفُها؛ لأنَّها خُصَّتْ بهذا مِن بينِ سائِرِ البُلْدانِ. وروَى أبو داوُدَ (4)، بإسْنادِه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن لُقَطَةِ الحاجِّ. قال ابنُ وَهْبٍ: يَعْنِي يَتْرُكُها حتى يَجِدَها صاحِبُها. وَوَجْهُ الرِّوايَةِ الأُولَى عمُومُ الأحادِيثِ، ولأنَّه أحَدُ الحَرَمَين، أشْبَه حَرَمَ المَدِينةِ، ولأنَّها أمانَةٌ، فلم يَخْتَلِفْ حُكْمُها بالحِلِّ والحَرَمِ، كالوَدِيعَةِ. وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إلَّا لِمُنْشِدٍ» . يَحْتَمِلُ أنَّه يُرِيدُ إلَّا لمَن عَرَّفَها عامًا.
(1) أخرجه البخاري، في: باب كيف تعرف لقطة أهل مكة، من كتاب اللقطة، وفي: باب وقال الليث حدثني يونس. . . .، من كتاب المغازي، وفي: باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، من كتاب الديات. صحيح البخاري 3/ 164، 165، 5/ 194، 9/ 6. ومسلم، في: باب تحريم مكة وصيدها وخلاها. . . .، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 988، 989.
كما أخرجه أبو داود، في: باب تحريم حرم مكة، من كتاب المناسك. سنن أبي داود 1/ 465. والنسائي، في: باب النهي أن ينفر صيد الحرم، من كتاب المناسك. المجتبى 5/ 166. وابن ماجه، في: باب فضل مكة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1038. والدارمي، في: باب النهي عن لقطة الحاج، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 265. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 318، 348، 2/ 238.
(2)
في غريب الحديث 2/ 133.
(3)
عجز بيت للمثقب العبدي. ديوانه 41. وصدره:
* يصيخ للنبأة أسماعه *
(4)
في كتاب اللقطة، سنن أبي داود 1/ 399.
كما أخرجه مسلم، في: باب في لقطة الحاج، من كتاب الحج. صحيح مسلم 3/ 1351. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 499.
فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي اللُّقَطَةِ حَتَّى يَعْرِفَ وعَاءَهَا، وَوكَاءَهَا، وَقَدْرَهَا، وَجنْسَهَا، وَصِفَتَهَا. وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ وجْدَانِهَا، وَالإشْهَادُ عَلَيهَا.
ــ
وتَخْصِيصُها بذلك لتَأْكِيدِها؛ لقَوْلِه عليه السلام: «ضَالَّةُ المُؤْمِنِ حَرَقُ النَّارِ» (1) وضالَّةُ الذِّمِّيِّ مَقِيسَةٌ عليها. والله أعلمُ.
فصل: (ولا يجوزُ له التَّصرُّفُ في اللُّقَطَةِ حتى يَعْرِفَ وعاءَها، وَوكاءَها، وقَدْرَها، وجِنْسَها، وصِفَتَها. ويُسْتَحَبُّ ذلك عند وجْدانِها، في الإشْهادُ عليها) لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَديثِ زَيدٍ: «اعْرِفْ وكَاءَهَا وعِفَاصَهَا» (2). وقال في حديثِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: «اعْرِفْ عِفَاصَها وَوكَاءَهَا وعَدَدَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةٌ» (3). وفي لَفْظٍ عن أُبَيِّ بنِ
(1) تقدم تخريجه في صفحة 193.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 186.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 227.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كَعْبٍ، أنَّه قال: وَجَدْتُ مائةَ دِينارٍ، فأتَيتُ بها النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:«عَرِّفْهَا حَوْلًا» . فعَرَّفْتُها حَوْلًا فلم تُعْرَفْ، فرَجَعْتُ إليه، فقال: «اعْرِفْ عِدَّتَها وَوعَاءَهَا ووكاءَها واخْلِطْهَا بمَالِكَ، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأدِّهَا إلَيهِ؟. ففي هذا الحَدِيثِ أمَرَه بمَعْرِفَةِ صِفَاتِها بعد التَّعْرِيفِ، وفي غيرِه أمَرَه بمَعْرِفَتِها حين (1) الْتقاطِها قبلَ تَعْرِيفِها، وهو الأوْلَى؛ لِيَحْصُلَ عندَه
(1) في م: «بعين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عِلْمُ ذلك، فمتى جاء صاحِبُها فنَعَتَها، غَلَب على ظَنِّه صِدْقُه فدَفَعَها إليه. وإن أخَّرَ مَعْرِفَةَ ذلك إلى حينِ مجئِ باغِيها، جاز؛ لأنَّ المَقْصُودَ يَحْصُلُ بمَعْرِفَتِها (1) حينَئِذٍ. فإن لم يَجئْ طالِبُها، فأرادَ التَّصَرُّفَ فيها بعدَ الحَوْلِ، لم يَجُزْ له حتى يَعْرِفَ صِفاتِها؛ لأنَّ عَينَها تَنْعَدِمُ بالتَّصَرُّفِ، فلا يَبْقَى له سَبِيلٌ إلى مَعْرِفَةِ صِفاتِها إذا جاء طالِبُها، وكذلك إن خَلَطَها بمالِه على وَجْهٍ لا تَتَمَيَّزُ منه، فيكونُ أمْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُبَيٍّ بمَعْرِفَةِ صِفاتِها عند خَلْطِها بمالِه أمْرَ إيجابٍ مُضَيَّقٍ، وأمْرُه لزَيدِ بنِ خالدٍ بمَعْرِفَةِ ذلك حينَ الالْتِقاطِ أمْرَ اسْتِحْبابٍ. قال القاضي: يَنْبَغِي أن يَعْرِفَ جِنْسَها، ونَوْعَها، وإن كانت ثِيابًا عَرَف لُفافَتَها وجِنْسَها، ويَعْرِفَ قَدْرَها بالكَيلِ، أو الوَزْنِ، أو العَدَدِ، أو الذَّرْعِ، ويَعْرِفَ العَقْدَ عليها، هل
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو عَقْدٌ واحِدٌ أو أكْثَرُ؟ أُنْشُوطَةٌ (1) أو غيرُها؟ ويَعْرِفَ صِمامَ القارُورَةِ الذي يَدْخُلُ رَأْسَها، وعِفاصَها الذي تَلْبَسُه. ويُسْتَحَبُّ أن يُشْهِدْ عليها حينَ يَجِدُها. قال أحمدُ: لا أُحِبُّ أن يَمَسَّها حتى يُشْهِدَ عليها. فظاهِرُ هذا أنَّه مُسْتَحَبٌّ غيرُ وأُجِبٍ، وأنَّه لا ضَمانَ عليه إذا لم يُشْهِدْ. وهو قولُ مالكٍ، والشافعيِّ. وقال أبو حنيفةَ: يَضْمَنُها إذا لم يُشْهِدْ عليها؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ، أو ذَوَيْ عَدْل» (2). وهذا أمْرٌ يَقْتَضِي الوُجُوبَ، ولأنَّه إذا لم يُشْهِدْ، كان الظّاهِرُ أنَّه أخَذَها لنَفْسِه. ولنَا، خَبَرُ زَيدِ بنِ خالدٍ، وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، فإنَّه أمَرَهُما بالتَّعْرِيفِ دُونَ الإشْهادِ، ولو كان واجِبًا لبَيَّنَه، فإنَّه لا يجوزُ تَأخِيرُ البيانِ عن وَقْتِ الحاجَةِ، سِيَّما وقد سُئِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن حُكْمِ اللُّقَطَةِ، فلم يَكُنْ ليُخِلَّ بذِكْرِ الواجبِ فيها، فيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الأمْرِ في حَدِيثِ عِياضٍ على الاسْتِحْبابِ. ولأنَّه أَخْذُ أمانَةٍ، فلم يَفْتَقِرْ إلى الإِشْهادِ، كالوَدِيعَةِ. والمَعْنَى الذي ذَكَرُوه غيرُ صَحِيحٍ. فإنَّه إذا حَفِظَها وعَرَّفَها لم يَأْخُذْها لنَفْسِه، وفائِدَةُ الإِشْهادِ صِيانَةُ نَفْسِه مِن الطَّمَعِ فتيها، وحِفْظُها مِن وَرَثَتِه إن مات، ومن غُرَمائِه إن أفْلَسَ، وإذا أشْهَدَ عليها، لم يَذْكُرْ
(1) الأنشوطة: عقدة يسهل انحلالها.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 235.