الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ غَيرِ مَمْلُوكٍ؛ كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ، فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَ إِلَى مَنْ يَلِيهِ.
ــ
2486 - مسألة: (وإذا كان الماءُ في نَهْرٍ غيرِ مَمْلُوكٍ؛ كِمياهِ الأمْطارِ، فلِمَن في أعْلاه أن يَسْقِيَ ويَحْبِسَ الماءَ حتى يَصِلَ إلى الكَعْبِ، ثمَّ يُرْسِلَ إلى مَن يَلِيه)
وجملةُ ذلك، أنَّه لا يَخْلُو الماءُ مِن حالين؛ إمّا أن يكونَ جارِيًا، أو واقِفًا. والجارِي ضَرْبانِ؛ أحَدُهما، أن يكونَ في نَهْرٍ غيرِ مَمْلُوكٍ، وهو قِسْمان؛ أحَدُهما، أن يكونَ نَهْرًا عَظِيمًا؛ كالنِّيلِ، والفُراتِ، الذي لا يَسْتَضِرُّ أحَدٌ بالسَّقْي منهما، فهذا لا تَزاحُمَ فيه، ولكلِّ أحَدٍ أن يَسْقِيَ منها متى شاء وكيفَ شاء. القِسْمُ الثانِي، أن يكونَ نَهْرًا صَغِيرًا يَزْدَحِمُ النّاسُ فيه، ويَتَشاحُّون في مائِه، أو سَيلًا يَتَشاحُّ فيه أهْلُ الأرَضِينَ الشّارِبَةِ منه، فيُبْدَأُ بمَن في أوَّلِ النَّهْرِ، فيَسْقِي ويَحْبِسُ الماءَ حتى يَبْلُغَ الكَعْبَ، ثمَّ يُرْسِلُ إلى الذي يَلِيه، فيَصْنَعُ كذلك، وعلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا حتى تَنْتَهِيَ الأراضِي كلُّها. فإن لم يَفْضُلْ عن الأوَّلِ شيءٌ، أو عن الثانِي، أو عَمَّن يَلِيهما، فلا شيءَ للباقِينَ؛ لأنَّهم ليس لهم إلَّا ما فَضَل، فهم كالعَصَبَةِ في المِيراثِ. وهذا قولُ فُقَهاءِ المَدِينَةِ، ومالِكٍ، والشافعيِّ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا؛ لِما روَى عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ، أنَّ رجلًا مِن الأنْصارِ خاصَمَ الزُّبَيرَ في شِراجِ الحَرَّةِ التي يَسْقُونَ بها إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:«اسْقِ يَا زُبَيرُ، ثُمَّ أرْسِلِ الْمَاءَ إلَى جَارِكَ» . فغَضِبَ الأنْصارِيُّ، وقال: يا رسولَ اللهِ: أن كان ابنَ عَمَّتِك. فتَلَوَّنَ وَجْهُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثمَّ قال: «يا زُبَيرُ اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الجَدْرِ» . فقال الزُّبَيرُ: فواللهِ إِنِّي لأَحْسَبُ هذه الآيَةَ نَزَلَتْ فيه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ} (1). مُتَّفَقٌ عليه (2).
(1) سورة النساء 65.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب سكر الأنهار، وباب شرب الأعلى قبل الأسفل، وباب شرب الأعلى إلى الكعبين، من كتاب المساقاة، وفي: باب إذا أشار الإمام بالصلح. . .، من كتاب الصلح، وفي: باب {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ. . .} ، من كتاب التفسير. صحيح البخاري 3/ 145، 146، 245، 6/ 57، 58. ومسلم، في: باب وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم 4/ 1829، 1830.
كما أخرجه أبو داود، في: أبواب من القضاء، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 283، 284. والترمذي، في: باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء، من أبواب الأحكام، عارضة الأحوذي 6/ 119، 120. والنسائي، في: باب الرخصة للحاكم الأمين أن يحكم وهو غضبان، وباب إشارة الحاكم بالرفق، من كتاب القضاة. المجتبى 8/ 209، 215. وابن ماجه، في: باب تعظيم حديث رسول الله. . . .، من المقدمة، وفي: باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 1/ 7، 8، 2/ 829. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذَكَر عبدُ الرَّزّاقِ (1)، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ، قال: نَظَرْنا في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ احْبِسِ الماءَ (2) حَتَّى يَبْلُغَ الجَدْرَ» . وكان ذلك إلى الكَعْبَين. قال أبو عُبَيدٍ: الشِّراجُ: جَمْعُ شَرْجٍ. والشَّرْجُ: نَهْرٌ صَغِيرٌ. والحَرَّةُ: أرضٌ مُلْتَبِسَةٌ بحِجارَةٍ سُودٍ. والجَدْرُ: الجِدارُ. وإنَّما أمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الزُّبَيرَ أن يَسْقِيَ ثمَّ يُرْسِلَ، تَسْهِيلًا على غيرِه، فلَمّا قال الأنْصارِيُّ ما قال، اسْتَوْفَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم للزُّبَيرِ حَقَّه. وروَى مالِكٌ في «المُوَطَّأ» (3) عن عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرِ بنِ عَمْرِو (4) بنِ حَزْمٍ، أنَّه بَلَغَه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال في سَيلِ مَهْزُورٍ (5) ومُذَينِيبٍ:«يُمْسِكُ حَتَّى يَبْلُغَ الكَعْبَينِ، ثُمَّ يُرْسِلُ الأعْلَى على الأسْفَلِ» . قال ابنُ عبدِ البَرِّ: هذا حديثٌ مَدَنِيٌّ
(1) لم نجده في مصنف عبد الرزاق.
(2)
سقط من: م.
(3)
في: باب القضاء في المياه، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 744. كما أخرجه أبو داود، في: أبواب من القضاء، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 284. وابن ماجه، في: باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 830.
(4)
في م: «عمر» .
(5)
في م: «مهزوز» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَشْهورٌ عندَ أهلِ المَدِينَةِ مَعْمُولٌ به عندَهم. قال عبدُ المَلِكِ بنُ حَبِيبٍ (1): مَهْزُورٌ (2) ومُذَينِيبٌ، وادِيان مِن أوْدِيَةِ المَدِينَةِ يَسِيلانِ بالمَطَرِ، يَتَنافَسُ أهْلُ الحَوائِطِ في سَيلهِما. وروَى أبو داودَ (3) بإسْنادِه، عن ثَعْلَبَةَ بنِ أبي مالِكٍ، أنَّه سَمِع كُبَراءَهم يَذْكُرُون، أنَّ رجلًا مِن قُرَيشٍ كان له سَهْمٌ في بَنِي قُرَيظَةَ، فخاصَمَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في مَهْزُورٍ -السَّيلِ الذي يَقْتَسِمُونَ ماءَه- فقَضَى بينَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ الماءَ إلى الكَعْبَين، لا يَحْبِسُ الأعْلَى على الأسْفَلِ. ولأنَّ مَن أرْضُه قَرِيبَةٌ مِن رَأْسِ النَّهْرِ سَبَق (4) إلى المَاءِ (5)، فكان أوْلَى به، كالسّابِقِ إلى المَشْرَعَةِ. فإن كانت أرْضُ صاحِبِ الأَعْلَى مُخْتَلِفَةً، منها عالِيَةٌ ومنها مُسْتَفِلَةٌ، سَقَى كلَّ واحِدَةٍ منها على حِدَتِها. فإنِ اسْتَوَى اثْنان في القُرْبِ مِن أوَّلِ النَّهْرِ، اقْتَسَما
(1) عبد الملك بن حبيب بن سليمان أبو مروان السلمى الأندلسي الفقيه، كان حافظًا للفقه نبيلا، ذابًّا عن مذهب مالك، صنف في الفقه والتاريخ والأدب، له «الواضحة» في الفقه. توفي رابع رمضان سنة ثمان وثلاثين ومائتين، وله أربع وستون سنة. تهذيب التهذيب 6/ 390، 391.
(2)
في الأصل، م:«مهزوز» .
(3)
في: أبواب من القضاء، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 284.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في م: «المكان» .