الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أوْدَع عَبْدًا وَدِيعَةً فَأتْلَفَهَا، ضَمِنَهَا في رَقَبَتِهِ.
ــ
2454 - مسألة: (وإن أوْدَعَ عَبْدًا وَدِيعَةً فأتْلَفَها)
خُرِّجَ على الوَجْهَين في الصَّغِيرِ، إذا أتْلَفَ (1) الوَدِيعَةَ، فإن قُلْنا: لا يَضْمَنُ الصَّبِيُّ. كانت في ذِمَّتِه. وإن قُلْنا: يَضْمَنُ. كانت في رَقَبَتِه.
(1) في م: «تلفت» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا أوْدَعَه شيئًا، ثم سَألَه دَفْعَه إليه في وَقْتٍ أمْكَنَه ذلك، فلم يَفْعَلْ حتى تَلِف، ضَمِنَه. ولا نَعْلَمُ خِلافًا في وُجُوبِ رَدِّ الوَدِيعَةِ على مالِكِها إذا طَلَبَها، فأمْكَنَ أداؤُها إليه بغيرِ ضَرُورَةٍ، وقد أمَرَ اللهُ تعالى بذلك، فقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (1). وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أدِّ الأمَانَةَ إلَى مَنِ ائتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» (2). يَعْنِي عندَ طَلَبِها. ولأنَّها حَقٌّ لمالِكِها لم يتَعَلَّقْ بها حَقُّ غيرِه، فلَزِم أداؤُها إليه، كالمَغْصُوبِ والدَّينِ الحالِّ. فإنِ امْتَنَعَ مِن دَفْعِها في هذه الحال، فتَلِفَتْ، ضَمِنَها؛ لأنَّه صار غاصِبًا، لأنَّه أمْسَكَ مال غيرِه بغيرِ إذْنِه بفِعْل مُحَرَّمٍ، أشْبَهَ الغاصِبَ. فأمّا إن طَلَبَها في وَقْتٍ لم يُمْكِنْ دَفْعُها؛ لبُعْدِها، أولمَخافَةٍ في طَرِيقِها، أو للعَجْزِ عن حَمْلِها، أو غيرِ ذلك، لم يكنْ مُتَعَدِّيًا بتَرْكِ تَسْلِيمِها؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها. فإن تَلِفَتْ لم يَضْمَنْها؛ لعَدَمِ عُدْوانِه. وإن قال: أمْهِلُونِي حتى أقْضِيَ صَلاتِي -أو- آكُلَ، فإنِّي جائِعٌ -أو- أنامَ فإنِّي ناعِسٌ -أو- يَنْهَضِمَ عنِّي الطَّعامُ، فإني مُمْتَلِئٌ. أُمْهِلَ بقَدْرِ ذلك.
(1) سورة النساء 58.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وليس على المُسْتَوْدَعِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ وحَمْلُها إلى رَبِّها، إذا كانت ممّا لحَمْلِها مُؤْنَةٌ، قَلَّتِ المُؤْنَةُ أو كَثُرَتْ؛ لأنَّه قَبَض العَينَ لمَنْفَعَةِ مالِكِها على الخُصُوصِ، فلم تَلْزَمْه الغَرامَةُ عليها، كما لو وَكَّلَه في حِفْظِها في مِلْكِ صاحِبِها، وإنّما عليه التَّمْكِينُ مِن أخْذِها. فإن سافَرَ بها بغيرِ إذْنِ رَبِّها، رَدَّها إلى بَلَدِها؛ لأنَّه بَعَّدَها بغيرِ إذْنِ رَبِّها، فلَزِمَه رَدُّها، كالغاصِبِ.
فصل: إذا مات الرجلُ، وثَبَت أنَّ عندَه وَدِيعَةً لم تُوجَدْ بعَينِها، فهي دَينٌ عليه، تُغْرَمُ مِن تَركَتِه، فإن كان عليه دَينٌ سِواها، فهما سَواءٌ إن وَفَّتْ تَرِكَتُه بهما، وإلَّا اقْتَسماها (1) بالحِصَصِ. وبه قال الشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ، وداودُ بنُ (2) أبي هِنْدٍ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأبو حنيفةَ وأصْحابُه، وإسحاقُ. ورُوِيَ ذلك عن شُرَيح، ومَسْرُوقٍ، وعَطاءٍ، وطاوُسٍ، والزُّهْرِيِّ، وأبي جَعْفَرٍ محمدِ بنِ عليّ. ورُوِيَ عنِ النَّخَعِيِّ: الأمانَةُ قبلَ الدَّين. وقال الحارِثُ العُكْلِيُّ: الدَّينُ قبلَ الأمانَةِ. ولَنا، أنَّهما حَقَّان وَجَبا في ذِمَّتِه، فتَساوَيا كالدَّينَين. وسَواءٌ وُجِد في تَرِكَتِه مِن جِنْسِ الوَدِيعَةِ أو لم يُوجَدْ. وهذا إذا أقَرَّ المُودَعُ أنَّ عندِي وَدِيعَةً، أو عليَّ وَدِيعَةً لفُلانٍ، أو ثَبَتَتْ بَيِّنَةٌ أنَّه مات وعندَه وَدِيعَةٌ. فأمّا إن كانت عندَه وَدِيعَةٌ
(1) في الأصل، ر 2:«اقتسماه» .
(2)
في الأصل، م:«وابن» .
وهو داود بن أبي هند واسمه دينار بن عذافر القشيري مولاهم، من فقهاء التابعين بالبصرة، توفي سنة تسع وثلاثين ومائة. طبقات الفقهاء للشيرازي 90، تهذيب التهذيب 3/ 204.
فَصْلٌ: وَالْمُودَعُ أمِينٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ رَدٍّ وَتَلَفٍ وَإذْنٍ في دَفْعِهَا إِلَى إِنْسَانٍ، وَيُدَّعَى عَلَيهِ مِنْ خِيَانَةٍ وَتَفْرِيطٍ.
ــ
في حَياتِه، ولم تُوجَدْ بعَينِها، ولم يُعْلَمْ هل هي باقِيَةٌ عندَه أو تَلِفَتْ؟ ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، وُجُوبُ ضَمانِها؛ لأنَّ الوَديعَةَ يَجِبُ رَدُّها، إلَّا أن يَثْبُتَ سُقُوطُ الرَّدِّ بالتَّلَفِ مِن غيرِ تَعَدٍّ، ولم يَثْبُتْ ذلك، ولأنَّ الجَهْلَ بعَينِها كالجَهْلٍ بها، وذلك لا يُسْقِطُ الرَّدَّ. والثانِي، لا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ الوَدِيعَةَ أمانةٌ، والأصْلُ عَدَمُ إتْلافِها والتَّعَدِّي فيها، فلم يَجِبْ ضَمانُها. وهذا قولُ ابنِ أبي لَيلَى، وأحَدُ الوَجْهَين لأصْحابِ الشافعيِّ. والأوَّلُ ظاهِرُ المَذْهَبِ؛ لأنَّ الأصْلَ وُجُوبُ (1) الرَّدِّ، فيَبْقَى عليه، ما لم يُوجَدْ ما يُزِيلُه.
فصل: قال الشيخُ، رحمه الله:(والمُودَعُ أمِينٌ، والقولُ قَوْلُه فيما يَدَّعِيه مِن رَدٍّ أو تَلَفٍ أو إذْنٍ في دَفْعِها إلى إنْسانٍ) إذا ادعى المُسْتَوْدَعُ تَلَفَ الوَدِيعَةِ، فالقولُ قَوْلُه بغيرِ خِلافٍ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كلَّ
(1) في م: «وجود» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَنْ نَحْفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ على أنَّ المُودَعَ إذا أحْرَزَ الوَدِيعَةَ، ثم ذَكَر أنَّها ضاعَتْ، أنَّ القولَ قَوْلُه. وقال أكْثَرُهم: مع يَمِينِه. وإنِ ادَّعَى رَدَّها على صاحِبِها، فالقولُ قَوْلُه مع يَمينِه. وبه قال الثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْي، وإسحاقُ. وبه قال مالِكٌ إن كان دَفَعَها إليه بغيرِ بَيِّنةٍ، وإن كان أوْدَعَه إيّاها ببَيِّنةٍ، لم يُقْبَلْ قَوْلُه في الرَّدِّ إلَّا ببَيِّنةٍ. وحَكاه القاضي أبو الحُسَينِ رِوايَةً عن أحمدَ. ولَنا، أنَّه أمِينٌ لا مَنْفَعَةَ له في قَبْضِها، فقُبِل قَوْلُه في الرَّدِّ بغيرِ بَيِّنةٍ، كما لو أُودِعَ بغيرِ بَيِّنةٍ. وإن قال: دَفَعْتُها إلى فُلانٍ بأمْرِكَ. فأنْكَرَ مالِكُها الإذْنَ في دَفْعِها، فالقولُ قولُ المُودَعِ. نَصَّ عليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدُ في رِوايَةِ ابنِ منصورٍ. وهو قولُ ابنِ أبي لَيلَى. وقال مالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، والعَنْبَرِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْي: القولُ قولُ المالِك؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الإِذْنِ، وله تَضْمِينُه. ولَنا، أنَّه ادَّعَى دَفْعًا يَبْرأُ به مِن الوَدِيعَةِ، فكان القولُ قَوْلَه، كما لو ادَّعَى رَدَّها على مالِكِها. ولو اعْتَرَفَ المالِكُ بالإِذْن، ولكنْ قال: لم يَدْفَعْها. فالقول قول المُسْتَوْدَعِ أيضًا، ثم يُنْظرُ في المَدْفُوعِ إليه؛ فإن أقَرَّ بالقَبْضِ، وكان الدَّفْعُ في دَينٍ، فقد بَرِئَ الكلُّ، وإن أنْكَرَ، فالقولُ قَوْلُه مع يَمِينِه. وقد ذَكَر أصْحابُنا أنَّ الدّافِعَ يَضْمَنُ؛ لكونِه قَضَى الدَّينَ بغيرِ بَيِّنةٍ، ولا تَجِبُ اليَمِينُ على صاحِبِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوَدِيعَةِ؛ لأنْ المُودَعَ مُفَرِّطٌ، لكونِه أذِنَ له في قَضاءٍ يُبَرِّئُه مِن الحَقِّ ولم يَبْرَأْ بدَفْعِه، فكان ضامِنًا، سَواءٌ صَدَّقَه أو كَذَّبَه. وإن أمَرَه بدَفْعِه وَدِيعَةً، لم يَحْتَجْ إلى بَيِّنةٍ؛ لأنّ المُودَعَ يُقْبَلُ قَوْلُه في التّلَفِ والرَّدِّ، فلا فائِدَةَ في الإشْهادِ عليه. فعلى هذا، يَحْلِفُ المُودَعُ ويَبرَأُ، ويَحْلِفُ الآخَرُ ويَبْرَأُ أيضًا، ويكونُ ذَهابُها مِن مالِكِها. وإنِ ادَّعَى عليه خِيانَةً أو تَفْرِيطًا، فالقولُ قَوْلُه مع يَمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ ذلك، أشْبَهَ الوَكِيلَ.