الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهِيَ عَلَى ثَلًاثَةِ أضْرُبٍ؛ حَيَوان، فَيُخَيَّرُ بَينَ أكْلِهِ وَعَلَيهِ قِيمَتُهُ، وَبَينَ بَيعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، وَبَينَ حِفْظِهِ والإنْفَاقِ عَلَيهِ مِنْ مَالِهِ.
ــ
أحمدُ: يُعَرِّفُها سَنَةً في دارِ الإِسْلامِ، ثم يَطْرَحُها في المَقْسِمِ. إنَّما عَرَّفَها في دارِ الإِسْلامِ، لأنَّ أموال أهْلِ الحَربِ مُباحَةٌ، ويجوزُ أن تكونَ لمُسْلِم، وقد لا يُمكِنه المُقَامُ في دارِ الحَرب لتَعرِيفِها. ومَعناه، واللهُ أعلمُ، أنَّه يُتِمُّ التَّعرِيفَ في دارِ الإِسْلامِ، فأَمّا ابْتِداءُ التّعرِيفِ فيكونُ في (1) الجَيشِ الذي هو فيه، لأنَّه يَحتَمِلُ أن تكونَ لأحَدِهِم، فإذا قَفَل أتَمَّ التَّعرِيفَ في دارِ الإِسْلامِ. فأمّا إن دَخَل دارَهُم بأمَانٍ، فيَنْبَغِي أن يُعَرِّفَها في دارِهِم، لأن أموالهُم مُحَرّمةٌ عليه، فإذا لم تُعرَفْ مَلَكَها، كما يَملِكُها في دارِ الإِسْلامِ. وإن كان في الجَيشِ، طَرَحَها في المَقسِمِ بعدِ التَّعرِيفِ؛ لأنَّه وَصَل إليها بقُوَّةِ الجَيشِ، فأشْبَهتْ مُباحاتِ دارِ الحربِ إذا أخَذَ منها شيئًا. فإن دَخَل إليهم مُتَلَصِّصًا فوَجَدَ لُقَطَةً، عَرَّفَها في دارِ الإِسْلامِ، لأنَّ أموالهُمٍ مُباحَةٌ له، ثم يكونُ حُكْمُها حُكْمَ غَنِيمَتِه. ويَحتَمِلُ أن تكونَ غَنِيمة له لا تَحتاجُ إلى تَعرِيفٍ، لأنَّ الظاهِرَ أنَّها مِن (1) أموالِهِم، وأمْوالُهُم غَنِيمَةٌ، واللهُ أعلَمُ.
2505 - مسألة: (وهي على ثَلاثَةِ أضْرُبٍ؛ حيوانٌ، فيُخَيَّرُ بين أكلِه)
في الحالِ (وعليه قِيمَتُه، وبينَ بَيعِه وحِفْظِ ثَمَنِه، وبينَ تَركِه
(1) سقط من: م.
وهل يَرجِعُ بِذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهينِ.
ــ
والإنْفاقِ عليه مِن مالِه. وهل يَرجِعُ) به؟ (على وَجْهين) وجُملَةُ ذلك، أنَّ مُلْتَقِطَ الشّاةِ وما كان مِثْلَها ممَّا يُبَاحُ أكْلُه، يتَخَيَّرُ مُلْتَقِطُها بين ثلاثةِ أشياءَ؛ أحدُها، أكْلُها في الحالِ. وبه قال مالكٍ، وأبو حنيفةَ، والشافعي، وغيرُهم. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعُوا على أنَّ ضالَّةَ الغَنَمِ في المَوْضِعِ المَخُوفِ عليها، له أكْلُها؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«هِيَ لَكَ أوْ لِأخِيكَ أوْ لِلذِّئْب» . جَعَلَها له في الحالِ، وسَوَّى بينَه وبينَ الذِّئْبِ، والذِّئْبُ لا يُؤَخِّرُ أكلَها، ولأنَّ في أكْلِها في الحالِ إغْناءً غن الإِنْفاقِ عليها، وحِراسَةً لمالِيَّتها على صاحِبِها إذا جاء، فإنَّه يأخُذُ قِيمَتَها بكَمالِها، وفي إبْقائِها تَضْييعٌ للمالِ بالإنْفاقِ عليها والغَرَامَةِ في عَلْفِها، فكان أكْلُها أوْلَى. وإذا أرادَ أكلَها حَفِظَ صِفَتَها، فمتى جاء صاحِبُها غَرِمَها له، في قولِ عامّةِ أهْلِ العِلْمِ، وقال مالكٌ: كُلْها ولا غُرمَ عليك لصاحبِها ولا تَعرِيفَ لها؛ لقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هِيَ لَكَ» . ولم يُوجِبْ فيها تَعرِيفًا ولا غرمًا، ولأنَّه سَوَّى بينَه وبينَ الذِّئْبِ، والذِّئْبُ لا يُعَرِّفُ ولا يَغْرَمُ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: لم يُوافِقْ مالِكًا أحَدٌ مِن العُلَماءِ على قولِه. وقولُ النبيِّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرو: «رُدَّ عَلَى أخِيكَ ضَالَّتَهُ» (1). دَلِيلٌ على أنَّ الشّاةَ على مِلك صاحبِها. ولأنَّها لُقَطَة لها قِيمَةٌ، وتَتْبَعُها النَّفْسُ، فتَجِبُ غَرامَتُها لصاحِبِها إذا جاء، كغيرها، ولأنَّها مِلْك لصاحِبِها، فلم يَجُزْ تَمَلُّكُها عليه بغيرِ عِوَض مِن غيرِ رِضاه، كما لو كانت بينَ البُنْيانِ، ولأنَّها عَين يَجِبُ رَدُّها مع بَقائِها،. فوَجَبَ غُرمُها إذا أتْلَفَها، كَلُقَطَةِ الذَّهبِ. وكونُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«هِيَ لَكَ» لا يَمنَعُ وُجُوبَ غَرامَتِها، فإنَّه قد أذِنَ في لُقَطَةِ الذّهبِ والوَرِقِ بعدَ تَعرِيفِها، في أكْلِها وإنْفاقِها، وقال:«هِيَ كَسَائِرِ مَالِكَ» (2). ثم أجْمَعنا على وُجُوبِ غَرَامَتِها، كذلك الشّاةُ. ولا فرقَ في إباحةِ أكْلِها بينَ وجْدانِها في الصَّحراءِ أو في المِصرِ. وقال مالكٍ، وأبو عُبَيدٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وأصحابُ الشافعيِّ: ليس له أكلُها في المِصرِ؛ لأنَّه يُمكِنُ بَيعُها، بخِلافِ الصَّحراءِ. ولَنا، أنَّ ما جازَ أكْلُه في الصَّحراءِ جازَ في المِصرِ، كسائِرِ المَأكُولاتِ، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«هِيَ لَكَ» . ولم يَسْتَفْصِلْ، ولأنَّ أكْلَها معلَّلٌ بما ذَكرنا
(1) أخرجه الطحاوي. شرح معاني الآثار 4/ 135.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 186. ولفظ: «هي كسائر مالك» ليست في مصادر التخريج إلا عند ابن ماجه «فهي كسبيل مالك».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن الاسْتِغْناءِ عن الإنْفاقِ عليها، وهذا في المِصرِ أشَدُّ منه في الصَّحراءِ. الثاني، تركُها والإنْفاقُ عليها مِن مالِه، ولا يَتَمَلَّكُها، فإن تَرَكَها ولم يُنْفِقْ عليها، ضَمِنَها؛ لأنَّه فَرَّطَ فيها. كان أنْفَقَ عليها مُتَبَرِّعًا، لم يَرجع على صاحِبِها، فإن أنْفَقَ بِنيَّةِ الرُّجُوعِ على صاحِبِها، وأشْهدَ على ذلك، رَجَع عليه بما أنْفَقَ، في إحدَى الرِّوايَتَين. نصَّ عليه أحمدُ في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في طيرَةٍ أفْرَخَتْ عندَ قَوْم، فقَضَى أنَّ الفِراخَ لصاحِبِ الطيرَةِ، ويَرجِعُ بالعَلَفِ إذا لم يَكُنْ مُتَطَوِّعًا. وقَضَى عمرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ في مَن وَجَد ضالَّةً فأنْفَقَ عليها، فجاء رَبُّها، فإنَّه يَغْرَمُ له ما أنْفَقَ؛ وذلك أنَّه أنْفَقَ على اللُّقَطةِ لحِفْظِها، فكان مِن مالِ صاحِبِها، كمُؤْنَةِ تَجْفِيفِ الرُّطَبِ والعِنَبِ. والثّانِيةُ، لا يَرجِعُ بشيءٍ. وهو قولُ الشَّعبِيِّ، والشافعيِّ، ولم يُعجِبِ الشَّعبِيَّ قَضَاءُ عُمَرَ بنِ عبدِ العَزِيزِ؛ لأنَّه أنْفَقَ على مالِ غيرٍ بغيرِ إذْنِه، فلم يَرجِع به، كما لو بَنَى دارَه، ويُفارِقُ العِنَبَ والرُّطَبَ، فإنه قد يَكونُ تَجْفِيفُه والإِنْفاقُ عليه أحَظَّ لصاحِبِه؛ لأنَّ النَّفَقَةَ عليه لا تَتَكَرَّرُ، والحَيَوانُ يَتَكَرَّرُ الإِنْفاقُ عليه، فرُبَّما اسْتَغْرَقَ ثَمَنَه، فكان بَيعُه وأكْلُه أحَظَّ، فلذلك لم يَرجِعِ المُنْفِقُ عليها بما أنْفَقَ. الثالثُ، بَيعها وحِفْظُ ثَمَنِها لصاحِبِها، وله أن يَتَوَلَّى ذلك بنَفْسِه. وقال بعضُ أصحابِ الشافعيِّ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَبِيعُها بإذْنِ الإِمامِ. ولَنا، أنَّه إذا جاز له أكلُها مِن غيرِ إذْنٍ فبَيعُها أوْلَى. ولم يَذْكر أصحابُنا لها تَعرِيفًا في هذه المواضِعِ. وهو قولُ مالكٍ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«خُذْها، فَإنمَا هِيَ لَكَ أوْ لِأخِيكَ أوْ لِلذِّئبِ» . ولم يَأمر بتَعرِيفِها، كما أمَرَ في لُقَطَةِ الذَّهبِ والوَرِقِ. ولَنا، أنَّها لُقَطَةٌ لها خَطَرٌ، فوَجَبَ تعرِيفُها، كالمَطْعُومِ الكَثِيرِ، وإنَّما تَرَك ذِكْرَ تَعرِيفِها؛ لأنَّه ذَكَرَها بعدَ بَيانِ التَّعرِيفِ فيما سِواها، فَاسْتَغْنَى بذلك عن ذِكْرِه فيها، ولا يَلْزَمُ مِن جَوازِ التَّصَرُّفِ فيها في الحَوْلِ سُقُوطُ تَعرِيفِها، كالمَطْعُومِ، وإذا أرادَ بَيعَها أو أكْلَها، لَزِمَه حِفْظُ صِفَتِها؛ لحَدِيثِ زَيدِ بنِ خالدٍ، وسَنَذْكُرُه إن شاء اللهُ.
فصل: وإذا أكَلَها ثَبَتَتْ قِيمَتُها في ذِمَّتِه، ولا يَلْزَمُه عَزْلُها؛ لعَدَمِ الفائِدَةِ فيه، فإنَّها لا تُنْقَلُ مِن الذِّمَّةِ إلى المالِ المَغزُولِ. ولو عَزَل شَيئًا ثم أفْلَسَ، كان صاحِبُ اللُّقَطَة أسْوَةَ الغُرَماءِ، ولم يَخْتَصَّ بالمالِ المَعزُولِ. فأمَّا إن باعَها وحَفِظَ ثَمَنَها، وجاء صاحِبُها، أخَذَه، ولم يُشارِكْه فيه أحَدٌ مِن الغُرَماءِ؛ لأنَّه عَينُ مالِه، ولا شيءَ للمُفْلِسِ فيه، فهو كالوَدِيعَةِ.