الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ، كَالسَّفَرِ، وَالْمَرَضِ غَيرِ الْمَخُوفِ، فَعَلَى وَجْهَينِ.
ــ
3772 - مسألة: (وإن أفْطَرَ لعُذْرٍ يُبِيحُ الفِطْرَ، كالسَّفَرِ، والمَرَضِ غَيرِ المخُوفِ، فعلى وَجْهَين)
إذا أفْطَرَ لمَرضٍ (1) غيرِ مَخُوفٍ يُبِيحُ الفِطْرَ، ففيه وَجْهان، ذَكَرَهما أبو الخَطَّابِ؛ أحَدُهما، لا يَقْطَعُ التَّتابُعَ؛ لأنَّه مَرَضٌ أباحَ الفِطْرَ، أشْبَهَ المَخُوفَ. والثَّانِي، يَقْطَعُ التَّتابُعَ؛ لأنَّه أفْطَرَ اخْتِيارًا، فانْقَطَعَ التَّتابُعُ، كما لو أفْطَرَ لغيرِ عُذْرٍ. فإن [أفْطَرَ لسفر](2) مُبِيحٍ للفِطْرِ، فكلامُ أحمدَ يحْتَمِلُ الأمْرَين، وأظْهَرُهما، أنَّه لا يَنْقَطِعُ التَّتابُعُ؛ فإنَّه قال في رِوايَةِ الأثْرَمِ: كأنَّ (3) السَّفَرَ غيرُ المَرَضِ، وما يَنْبَغِي أن يكونَ أوْكَدَ مِن رَمضانَ. فظاهِرُ هذا أنَّه لا يَقْطَعُ التَّتابُعَ. وهذا قولُ الحسَن. ويَحْتَمِلُ أن يَنْقَطِعَ التَّتابُعُ. وهو قول مالكٍ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في م: «السفر» .
(3)
في م: «كان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأصحابِ الرَّأْي. واخْتَلَفَ أصحابُ الشافعيِّ، فمنهم مَن قال: فيه قَوْلان كالمَرَضِ. ومِنهم مَن يقولُ: يَقْطَعُ التَّتابُعَ، وَجْهًا واحِدًا، لأنَّ السَّفَرَ يحْصُلُ باخْتِيارِه، فقَطَعَ التَّتابُعَ، كما لو أفْطَرَ لغيرِ عُذْرٍ. [والصَّحِيحُ الأوَّلُ، لأنَّه أفْطَرَ لعُذْرٍ يُبيحُ الفِطْرَ في رَمضانَ، فلم يَنْقَطِعِ التَّتابُعُ، كإفْطارِ المرْأةِ للحَيضِ، وفارَقَ الفِطْرَ لغيرِ عُذْرٍ](1)، فإنَّه لا يُباحُ. فإن أكَلَ يَظُنُّ أن الفَجْرَ لم يَطْلُعْ، وكان قد طَلَعَ، أو أفْطَرَ يَظُنُّ أنَّ الشَّمْسَ قد غابَتْ، ولم تَغِبْ، أفْطَرَ. ويَتَخَرَّجُ في انْقِطاعِ التَّتابُعِ وَجْهان؛ أحدُهما، لا يَنْقَطِعُ، لأنَّه فِطْر لعُذْرٍ. والثَّانِي، يَنقَطِعُ التَّتابُعُ، لأنَّه بفِعْلٍ أخْطأ فيه، فأشْبَهَ ما لو ظَنَّ أنَّه قد أتَمَّ الشَّهْرَين، [فبان بخِلافِه. وإن أفْطَرَ ناسيًا لوجوبِ التَّتابُعِ، أو جاهلًا به، أو ظنًّا أنَّه قد أتَمَّ الشَّهْرَين](2)، انْقَطَعَ التَّتابُعُ، لأنَّه أفْطَرَ لجَهْلِه، فقَطَعَ التَّتابُعَ، كما لو ظَنَّ أن الواجِبَ شَهْرٌ واحدٌ. وإن أُكْرِه على الأكْلِ والشُّرْبِ، بأَنْ أُوجِرَ الطَّعامَ أو الشَّرابَ، لم يُفْطِرْ. وإن أكَلَ خَوْفًا، فقال القاضي: لا يُفْطِرُ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يُفْطِرُ. فعلى ذلك، هل يَقْطَعُ التَّتابُعَ؟ فيه وَجْهانِ، أحدُهما، لا يَقْطَعُه، لأنه عُذْرٌ مُبِيحٌ للفِطْرِ، أشْبَهَ المَرَضَ. والثَّانِي، يَقْطَعُه. وهو مذهب الشافعيِّ، لأنَّه أفْطَرَ بفِعْلِه لعُذْرٍ نادِرٍ. والأوَّلُ أوْلَى.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ويجوزُ أن يَبْتَدِئَ صَوْمَ الشَّهْرَين مِن أوَّلِ شَهْرٍ، ومِن أثْنائِه، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه؛ لأنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِما بينَ الهِلالين ولثلاثين (1) يومًا. فأيُّهما صامَ فقد أدَّى الواجِبَ، فإن بَدَأ مِن أوَّلِ شَهْرٍ، فصامَ شَهْرَين بالأهِلَّةِ، أجْزَأه ذلك، وإن كانا ناقِصَين، إجْماعًا. وبه قال الثَّوْرِيُّ، وأهْلُ العِراقِ، ومالكٌ في أهلِ الحِجَازِ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأبو عُبَيدٍ، وغيرُهم؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال:{فَصِيَامُ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ} . وهذان شَهْران مُتَتابعانِ. وإنْ بَدَأ مِن أثْناءِ شَهْرٍ، فصامَ سِتِّينَ يَوْمًا، أجْزَأه، بغيرِ خلافٍ أيضًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ على هذا. فأمَّا إن صامَ شَهْرًا بالهِلَالِ، وشَهْرًا بالعَدَدِ، فصامَ خمْسَةَ عَشَرَ يومًا مِن المُحَرَّمِ، وصَفَرَ (2) جَمِيعَه، وخمسةَ عشرَ مِن رَبِيعٍ، فإنَّه يُجْزِئُه، سواءٌ كان صَفَرُ تامًّا أو ناقِصًا؛ لأنَّ الأصْلَ اعْتِبارُ الشُّهورِ بالأهِلَّةِ، لكن تَرَكْناه في الشَّهْرِ الذي بَدَأ مِن
(1) في الأصل، م:«الثلاثين» .
(2)
هذا على رأي أبي عبيد في منع صفر من الصرف. تاج العروس (ص ف ر) 12/ 330، 331.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَسَطِه لِتَعَذُّرِه، ففي الشَّهْرِ الذي أمْكَنَ اعْتِبَارُه وَجَبَ أنْ يُعْتَبَرَ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْي. ويَتَوَجَّهُ أن لا يُجْزِئَه إلَّا شَهْرانِ بالعَدَدِ؛ لأنَّنا لمَّا ضَمَمْنا إلى الخَمْسَةَ عشَرَ مِن المُحَرَّم خمْسَةَ عشَرَ مِن صَفَر، فصارَ ذلك شَهْرًا، صارَ ابْتِداءُ صومِ الشَّهْرِ الثَّانِي مِن أثْناءِ شَهْرٍ أيضًا. وهذا قولُ الزُّهْرِيِّ.
فصل: فإن نَوَى صَوْمَ (1) شهرِ رَمضانَ عن الكفَّارَةِ، لم يُجْزِئْه عن رَمضانَ ولا عن الكفَّارَةِ، وانْقَطَعَ التَّتابُعُ، حاضِرًا كان أو مُسافِرًا؛ لأنَّه تَخَلَّلَ صَوْمَ الكفَّارَةِ فِطْر غيرُ مَشْروعٍ. وقال مُجاهِدٌ، وطاوُسٌ: يُجْزِئُه عنهما. وقال أبو حنيفةَ: إن كان حاضِرًا، أجْزَأه عن رَمضانَ دُونَ الكفَّارَةِ؛ لأنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ غيرُ مُشْتَرَطٍ لرمضانَ، وإن كان في سَفَرٍ، أجْزَأه عن الكفَّارَةِ دُونَ رمضانَ. وقال صاحباه: يُجْزِئُ عن الكفَّارَةِ دُونَ رمضانَ (2)، حَضَرًا و (3) سَفَرًا. ولَنا، أنَّ رمضانَ مُتَعَيِّنٌ لصَوْمِه، مُحَرَّمٌ صَوْمُه عن غيرِه، فلم يُجْزِئه عن غيرِه، كيَوْمَي العِيدَين، ولا يُجْزِئُ عن رمضانَ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّما الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّما لامْرِئٍ مَا نوَى» (4). وهذا ما نَوَى رمضانَ، فلا يُجْزِئه، ولا فَرقَ بينَ الحَضَرِ والسَّفَرِ؛ لأنَّ الزَّمانَ مُتَعَيِّنٌ، وإنَّما جازَ فِطْرُه في السَّفَرِ رُخْصَةً، فإذا
(1) سقط من: م.
(2)
كذا حكى عنهما، وفي المغني 11/ 105، أنه يجزئ عن رمضان لا الكفارة.
(3)
في م: «أو» .
(4)
تقدم تخريجه في: 1/ 308.