الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ خَفِرَةً، بَعَثَ مَنْ يُلَاعِنُ بَينَهُمَا. وَإِذَا قَذَفَ رَجُلٌ نِسَاءَهُ، فَعَلَيهِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ. وَعَنْهُ، يُجْزِئُهُ لِعَانٌ
ــ
ولَنا، أنَّه لِعانٌ بينَ زَوْجَين، فلم يَجُزْ لغيرِ الحاكِمِ أو نائِبه، كاللِّعانِ بينَ الحُرَّينِ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ السَّيِّدَ يمْلِكُ إقامَةَ الحَدِّ على أَمَتِه المُزَوَّجَةِ، ثم لا يُشْبِة اللِّعانُ الحَذ؛ لأنَّ الحَدَّ زَجْرٌ وتأْدِيبٌ، واللِّعانَ إمَّا شَهادةٌ وإمَّا يَمِين، فافْتَرَقا، ولأنَّ اللِّعانَ دارئٌ للحَدِّ، ومُوجبٌ له، فجرَى مَجْرَى إقامَةِ البَيِّنَةِ على الزِّنى، والحُكْمِ به أو بنَفْيِه.
3797 - مسألة: (وإن كانتِ المَرْأةُ خَفِرَةً
(1)، بَعَثَ مَن يُلاعِنُ بَينَهما) فيَبْعَثُ نائِبَه، ويَبْعَثُ معه عُدُولًا ليُلاعِنُوا بينَهما، وإن بَعَث نائِبَه وحْدَه جاز؛ لأنَّ الجَمْعَ غيرُ واجِبٍ، كما يَبْعَثُ مَن يَسْتَحْلِفها في الحُقوقِ.
3798 - مسألة: (وإذا قَذَفَ رجلٌ نِساءَه، فعليه أن يُفْرِدَ كلَّ واحِدَةٍ بلِعانٍ. وعنه؛ يُجْزِئه لِعانٌ واحِدٌ)
إنَّما لَزِمَه لكلِّ واحدَةٍ لِعانٌ؛
(1) أي: شديدة الحياء.
وَاحِدٌ. فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيتُكُنَّ بِهِ مِنَ الزِّنَى. وَتَقُولُ كُلُّ وَاحِدَةٍ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِن الزِّنَى. وَعَنْهُ، إِنْ كَانَ الْقَذْفُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أَجْزَأَهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ، وَإنْ قَذَفَهُنّ بِكَلِمَاتٍ، أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ.
ــ
لأنَّه قَذَفَها، فلَزِمَه لها لِعانٌ مُفْرَدٌ، كما لو لم يَقْذِفْ غيرَها. ويَبدأُ لعانِ التي تَبْدأُ بالمُطالبَةِ، فإن طالبْنَ جميعًا أو تَشاحَحْنَ، بَدَأ بإحْداهُنُّ بالقُرعَةِ، وإن لم يَتَشاحَحْنَ بَدَأ بلِعانِ مَن شاء مِنْهُنَّ، ولو بَدَأ بواحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِن غيرِ قُرْعَةٍ مع المُشاحَّةِ (1)، صَحَّ. وعنه، يُجْزِئُهُ لِعانٌ واحِدٌ؛ لأنَّ القَذْفَ واحِدٌ (فيقولُ: أشْهَدُ باللهِ إِنِّي لِمن الصَّادِقين فيما) رَمَيتُ به كلَّ واحِدَةٍ مِن زَوْجاتِي هؤلاءِ (مِن الزِّنَى. وتقولُ كلُّ واحِدَةٍ: أشْهَدُ باللهِ إِنَّه لِمن الكَاذِبينَ فيما رَمانِي به مِن الزِّنى) لأنَّه يحْصُلُ المقْصودُ بذلك. والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ اللِّعانَ أَيمانٌ، فلا تتداخَلُ لجماعَةٍ، كالأيمانِ في الدُّيونِ (وعنه، إن كان القَذْفُ بكلمةٍ واحدَةٍ، أجْزَأ لِعانٌ واحدٌ) لأنَّه قذْف واحِدٌ، فخرَجَ عن عُهْدَتِه بلِعانٍ واحدٍ، كما لو قَذَفَ واحِدَةً (وإن قَذَفَهُنَ بكَلِماتٍ، أفْرَدَ كُلَّ واحِدَةٍ بلِعانٍ) لأنَّه أفْرَدَ كل واحِدَةٍ بقَذْفٍ،
(1) في الأصل: «المسامحة» .
فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ إلا بِشُرُوطٍ ثَلَاثةٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ بَينَ زَوْجَينِ عَاقِلَينِ بَالِغَينِ؛ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَينِ، أَوْ ذِمِّيَّينِ، أَوْ
ــ
أشْبَهَ ما لو قَذَفَ كلَّ واحِدَةٍ بعدَ لِعانِ الأُخْرَى.
فصل: قال الشَّيخُ، رحمه الله: (وَلَا يَصِحُّ إلا بِشُرُوطٍ ثَلَاثةٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ بَينَ زَوْجَينِ عَاقِلَينِ بَالِغَينِ، سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَينِ، أَوْ
رَقِيقَينِ، أَوْ فَاسِقَينِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ، في إِحْدَى الرِّوَايَتَينِ. وَالأُخْرَى، لَا يَصِحُّ إلا بَينَ زَوْجَينِ مُسْلِمَينِ حُرَّين عَدْلَينِ، فَإنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا في أَحَدِهِمَا، فَلَا لِعَانَ بَينَهُمَا.
ــ
كافِرَين، أو رَقِيقَين، أو فاسِقَين، أو كان أحَدُهما كذلك في إحْدَى الرِّوايَتَين) اختلَفتِ الرِّواية عن أحمدَ، رحمه الله، في ذلك، فروىَ أنَّه يَصِحُّ بينَ كلِّ زَوْجَينِ مُكلَّفَيْن، سواءٌ كانا مُسْلِمَين أو كافِرَين، أو عَدْلَين أو فاسِقَين، أو رَقِيقَين، أو مَحْدُودَين في قَذْفٍ، أو كان أحَدُهما كذلك. وبه قال سعيدٌ بن المُسَيِّبِ، وسُليمانُ بن يَسارٍ، والحسن، ورَبِيعَة، ومَالِكٌ، وإسْحاقُ. قال أحمدُ في رِوايَةِ إسْحاقَ بنِ مَنصُورٍ: جَميعُ الأزْواجِ يَلْتَعِنون؛ الحُرُّ مِن الحُرَّةِ والأمَةِ إذا كانت زَوْجَةً، وكذلك العَبْدُ مِن الحُرَّةِ والأمَةِ إذا كانت زَوْجَةً، وكذلك المُسْلِمُ مِن اليَهُودِيَّةِ والنَّصْرانِيَّةِ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخرَى (لا يَصِحُّ اللِّعان إلا بينَ زَوْجَين مُسْلِمَين، عَدْلَين حُرِّين) غيرِ (1) مَحْدُودَين في قَذْفٍ (فإنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ منها في أحَدِهما، فلا لِعانَ بَينَهما) لفَواتِ الشَّرْطِ. ورُوِيَ هذا عن الزُّهْرِيِّ، والثَّوْرِيِّ، والأَوْزاعِيِّ، وحَمَّادٍ، وأصْحابِ الرَّأْي.
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعن مَكْحُولٍ: ليسَ بينَ المُسْلِمِ والذِّمِّيَّةِ لِعانٌ. وعن عطاءٍ، والنَّخَعِيِّ، في المَحْدُودِ في القَذْفِ: يُضرَبُ في الحَدِّ، ولا يُلَاعِنُ. ورُوِيَ فيه حَدِيثٌ ولا يَثْبُتُ. كذلك قال الشافعيُّ، والسَّاجِيُّ؛ لأنَّ اللِّعانَ شَهادَة، بدَلِيلِ قولِه تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ} . فاسْتَثْنَي أنْفُسَهم مِن الشهداءِ، وقال:{فَشَهَدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَاداتٍ بِاللهِ} . ولا تُقْبَلُ ممَّن ليس مِن أهلِ الشهادةِ. وإن كانتِ المرْأة مِمَّن لا يُحَدُّ (1) بقَذْفِها (2)، لم يَجِبِ اللِّعانُ، لأنَّه يُرادُ لإسْقاطِ الحَدِّ، بدليلِ قولِه تعالى:{وَيَدْرَؤا عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَتٍ بِاللهِ} . فلا حَدَّ ههُنا، فيَنْتَفِي اللِّعانُ بانْتِفَائِه. وذَكَرَ القاضي في «المُجَرَّدِ» أنَّ مَن لا يَجِبُ الحَدُّ بقَذْفِها؛
(1) في الأصل، تش:«يحل» ، وفي م:«تحد» . وغير منقوطة في ق.
(2)
في الأصل، تش:«قذفها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهي الأمَة، والذِّمِّيَّة، والمَحْدُودَة في الزِّنَى، لِزَوْجها لِعانها لنَفْي الوَلَدِ خاصَّةً، وليس له لِعنها لإسْقاطِ حَدِّ القَذْفِ والتَّعْزِيرِ؛ لأنَّ الحَدَّ لا يَجِبُ، واللِّعان إنَّما شرِعَ لإسْقاطِ حَدٍّ أو نَفْي وَلَدٍ، فإذا لم يكنْ واحدٌ منهما لم يُشْرَعِ اللِّعان. ولَنا، عُمومْ قولِه تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَجَهُمْ} الآية. ولأنَّ اللِّعانَ يَمِينٌ، فلا يَفْتَقِر إلى ما شرَطوه، كسائرِ الأيمانِ، ودليلُ أنَّه يَمِينٌ قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْلَا الأيمان، لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» (1). وأنَّه يَفْتَقِر إلى اسْمِ اللهِ تعالى، ويَسْتَوِي فيه الذَّكَر والأُنْثى. وأمَّا تَسْمِيَته شهادةً، فلقَوْلِه [في يَمِينِه] (2): أَشهَدُ باللهِ. فسَمَّى ذلك شهادَةً وإن كان يَمِينًا، كما قال تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} (3). ولأنَّ الزَّوْجَ يَحْتاجُ إلى نَفْي الوَلَدِ، فيُشْرَعُ له طَرِيقًا إلى نَفْيِه، كما لو كانتِ امرأتُه ممَّن يُحَدُّ بقَذْفِها. وهذه الرِّواية هي المَنْصُوصة عن أحمدَ، في روايةِ الجماعةِ، وما يُخَالِفُها شاذٌّ في النَّقْلِ.
(1) تقدم تخريجه في 16/ 338. ويعدل أبي داود إلى 1/ 522، 523. والترمذي إلى 12/ 45، 46.
(2)
سقط من: م.
(3)
سورة المنافقون 1.