الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ قَال: إِنْ وَطِئْتُكِ فَأنْتِ زَانِيَة. أوْ: فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ. لَمْ يَكُنْ مُولِيًا.
ــ
فهذا يكون إيلاءً؛ لأنَّه يَلْزَمه بوَطْئِها حَق يَمْنَعُه مِن وَطْئِها خَوْفه مِن وُجُوبِه.
3678 - مسألة: (وإن قال: إن وَطِئْتُكِ فأنْتِ زانِيَةٌ. أو: فلِلَّهِ عليَّ صَوْمُ هذا الشَّهْرِ. لم يَكُنْ مُولِيًا)
لأنَّه لو وَطِئَها، لم يَلْزَمْه حَق، ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَصِيرُ قَاذِفًا بِالوَطْءِ؛ لأنَّ القَذْفَ لا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ؛ ولا يَجُوزُ أنَّ تَصِيرَ زَانِيَةً بوَطْئِه لها، كما لا تَصِيرُ زانِيَةً بطُلُوعِ الشمْس. وأمَّا قوْلُه: إن وَطِئْتُكِ فلِلَّهِ عليَّ صَوْمُ هذا الشَّهْرِ. لم يَكُنْ مُولِيًا؛ لأنَّه لو وَطِئَها بعدَ مُضِيِّه، لم يَلْزَمْه حَقٌّ، فإنَّ صَوْمَ هذا الشَّهْرِ لا يُتَصَوَّرُ بعدَ مُضِيِّ بَعْضِه، فلا يُلْزَمُ بالنَّذْرِ، كما لو قال: إن وَطِئْتُكِ فِلله عليَّ صَوْمُ أمْسِ. فلو قال: إن وَطِئْتُكِ فلِلَّه عليَّ أنَّ أُصَلِّيَ عشْرِين رَكْعَةً. كان مُولِيًا. وقال أبو حنيفةَ: لا (1) يكونُ مُولِيًا؛ لأنَّ الصَّلاةَ لا يتَعَلَّقُ بها مالٌ، ولا تَتَعَلَّقُ (2) بمالٍ، فلا يكونُ الحالِفُ بها مُولِيًا، كما لو قال: إن وَطِئْتُكِ فلِلَّه عليَّ أنَّ أمْشِيَ في السُّوقِ. ولَنا، أنَّ الصلاةَ تَجِبُ بالنَّذْرِ، فكانَ الحالِفُ بها مُولِيًا، كالصَّوْمِ والحَجِّ، وما ذَكَرَه لا يَصِحُّ؛ فإنَّ الصلاةَ تَحْتاجُ إلى الماء والسُّتْرَةِ. وأمّا المَشْيُ في السُّوقِ، فقياس المذْهَبِ على هذه الرِّوايةِ، أنَّه يكونُ مُولِيًا؛ لأنَّه يَلْزَمُه بالحِنْثِ في هذا النَّذْرِ (3) أحَدُ شَيئَينِ؛ إمَّا الكَفَّارَةُ، وإمَّا المَشْيُ، فقد صارَ الحِنْثُ مُوجِبًا لحَقٍّ عليه، فعلى هذا يَكُونُ مُولِيًا بنَذْرِ فِعْلِ المُباحاتِ والمَعاصِي، فإنَّ نَذْرَ المَعْصِيَةِ مُوجِبٌ للكَفَّارَةِ في ظاهِرِ المذْهَبِ، وإن سَلَّمْنا، فالفَرْقُ بينَهما أنَّ المَشْيَ لا يَجِبُ بالنَّذْرِ، بخِلافِ مَسْألتِنا. وإذا اسْتَثْنَى في يَمِينه، لم يَكُنْ مُولِيًا في قَوْلِ الجَمِيعِ؛ لأنَّه لا يَلْزَمُه كَفارَةٌ بالحِنْثِ، فلم يَكُنِ الحِنْثُ مُوجِبًا لحَقٍّ
(1) في الأصل: «لأن» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في تش: «الأمر» .
فَصْل: الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أنْ يَحْلِفَ عَلَى أكْثَرَ مِنْ أرْبَعَةِ أشْهُر.
ــ
عليه. وهذا إذا كانَتِ اليَمِينُ باللهِ تعالى، أو كانت يَمِينًا مُكَفَّرَةً، فأمَّا الطلاقُ والعَتاقُ، فمَن جعَلَ الاسْتِثْناءَ فيهما غيرَ مُؤَثِّرٍ، فوُجُودُه كعَدَمِه، ويكونُ مُولِيًا بهما، سواءٌ اسْتَثْنَى أو لم يَسْتَثْنِ.
(الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أنَّ يَحْلِفَ على أكْثَرَ مِن أربَعةِ أشْهُرٍ) وهذا قَوْلُ ابنِ عباس، وسعيدِ بنِ جُبَير، وطاوُس، ومالكٍ، والأوْزاعِيِّ، والشافعيِّ، وأبي ثَوْرٍ، وأبي عُبَيدٍ. وقال عَطَاءٌ، والثَّوْرِيُّ، وأصحابُ الرَّأْي: إذا حَلَفَ على أرْبَعَةِ أشْهُر فما زادَ، كان مُولِيًا. وحَكَى ذلك القاضي أبو الحسينِ رِوايَةً عن أحمدَ؛ لأنَّه مُمْتَنِعٌ عَن الوَطْءِ باليَمِينِ أرْبَعَةَ أشْهُر، فكانَ مُولِيًا، كما لو حَلَفَ على ما زاد. وقال النَّخَعِي، وقَتادَةُ، وحَمَّادٌ، وابنُ أبي لَيلَى، وإسْحاقُ: مَن حَلَفَ على تَرْكِ الوَطْءِ في قَلِيل مِن الأوْقاتِ أو كَثِيرٍ، فتَرَكَها أرْبَعَةَ أشْهُر، فهو مُولٍ؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (1). وهذا مُولٍ؛ لأنَّ الإيلاءَ الحَلِفُ، وهذا حالِفٌ. ولَمْا، أنَّه لم يَمْنَعْ نفْسَه مِنَ الوَطْءِ باليَمِينِ
(1) سورة البقرة 226.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكْثَرَ مِن أرْبَعَةِ أشْهُر، [فلم يَكُنْ مُولِيًا، كما لو حَلَف على تَرْكِ قُبْلَتِها، والآيةُ حُجَّةٌ لنا؛ لأنَّه جَعَلَ له تَرَبُّصَ أربعةِ أشْهُرٍ](1)، فإذا حَلَفَ على أرْبَعَةٍ فما دُونَها، فلا مَعْنَى للتَّرَبُّصِ؛ لأنَّ مُدَّةَ الإِيلاءِ تَنْقَضِي قبلَ ذلك أو مع انْقِضَائِه، وتَقْدِيرُ التَّرَبُّصِ بأرْبَعَةِ أشْهُر يَقْتَضِي كَوْنَه في مُدَّةٍ تَناوَلَها الإيلاءُ، ولأنَّ المُطالبَةَ إنَّما تكونُ بعدَ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ، فإذا انْقَضَتِ المُدَّةُ بأرْبَعَةٍ فما دونَ، لم تَصِحَّ المُطالبَةُ مِن غيرِ إيلاءٍ، وأبو حنيفةَ ومَن وافَقَه (2) بَنَوْا ذلك على قَوْلِهم في الفَيئةِ (3): إنَّها تكونُ في مُدَّةِ أرْبَعةِ الأشْهُرِ. وظاهِرُ الآيَةِ خِلافُه؛ فإنَّ اللهَ تعالى قال: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} . فعَقَّبَ الفَيئَةَ عَقِيبَ التَّرَبُّص بفاءِ التَّعْقِيبِ، فيَدُلُّ على تأَخُّرِها عنه. إذا ثَبَتَ هذا، فقد حُكِيَ عن ابنِ عباس أنَّ المُولِيَ مَن يَحْلِفُ على تَرْكِ الوَطْءِ أَبدًا أو مُطْلَقًا؛ لأنَّه إذا حَلَفَ على ما دُونَ ذلك، فقد (4) أمْكَنَه التَّخَلُّصُ بغيرِ الحِنْثِ، فلم يَكُنْ مُولِيًا، كما لو حَلَفَ لا وَطِئَها في مَدِينَةٍ بعَينِها. ولَنا، أنَّه لا يُمْكِنُه التَّخَلُّصُ بعدَ التَّربصِ مِن يَمِينه بغيرِ حِنْثٍ، فأشْبَهَ المُطْلَقَةَ، بخِلافِ اليَمِينِ علي مَدِينَةٍ مُعَيَّنةٍ، فإنَّه يُمْكِنُ التَّخَلصُ بغيرِ الحِنْثِ، ولأن الأرْبَعَةَ الأشْهُرَ مُدَّة تَتَضَرَّرُ المرْأةُ بتأخِيرِ الوَطْءِ عنها، فإذا حَلَفَ على أكْثَرَ منها، كان مُولِيًا كالأبَدِ.
(1) سقط من: تش، م.
(2)
في الأصل، تش:«وافقهم» .
(3)
في م: «العنة» .
(4)
زيادة من: تش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ودَلِيلُ الوَصْفِ ما رُوِيَ عن (1) عمرَ، رضي الله عنه، أنَّه (2) كان يَطُوفُ لَيلَةً في المدِينَةِ، فسَمِعَ امْرَأةً تقولُ:
تَطاوَلَ هذا اللَّيلُ وازْوَرَّ جانِبُه
…
وليس إلى جَنْبِي خَلِيلٌ أُلاعِبُهْ
فواللهِ لولا اللهُ لا رَبَّ غَيرُه
…
لَزُعْزِعَ مِن هذا السَّرِيرِ جَوانبُهْ
مَخافَةُ رَبِّي والحَياءُ يَكُفُّنِي
…
وأُكْرِمُ (3) بَعْلِي أنْ تُنال مَراكِبُهْ
فسأل عمر نِساءً: كم تَصْبِر المرأةُ عن الزَّوْجِ؟ فقُلْنَ: شَهْرَين، وفي الثَّالِثِ يقِل الصَّبْرُ، وفي الرَّابعِ يَنْفَذ الصَّبْرُ. فكتَبَ إلى أُمَراءِ الأجْنادِ، أنَّ لا تَحْبِسُوا رَجُلًا عن امْرأتِه أكْثَرَ مِن أرْبَعَةِ أشْهُر (4).
فصل: إذا عَلَّقَ الإيلاءَ بشَرْطٍ (5) مُسْتَحيل، كقَوْلِه: واللهِ لا وَطِئْتك حتى تَصْعَدِي السَّماءَ. أو: تَقْلِبِي الحَجَرَ ذَهَبًا. أو: يَشِيبَ الغرَابُ. فهو مُولٍ؛ لأنَّ مَعْنى ذلك تَرْكُ وَطْئِها، فإنَّ ما يُراد إحالة وُجُودِه يُعَلَّق على المُسْتَحِيلاتِ، قال اللهُ تعالى في الكفَّارِ:{وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (6). مَعْناه لا يَدْخلونَ الجَنَّةَ أُبدًا. وقال بعْضهم (7):
(1) في م: «أنَّ» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «إكرام» .
(4)
ذكره ابن الجوزي، في: سيرة عمر بن الخطاب 71، 72. وعزاه ابن كثير في تفسيره 1/ 394 لابن إسحاق. والأبيات فيها اختلاف عما ورد هنا. وانظر ما تقدم في 21/ 407.
(5)
في تش: «على شرط» .
(6)
سورة الأعراف 40.
(7)
تقدم تخريجه في 22/ 405.