الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِي، الفُرْقَةُ بَينَهُمَا وَعَنْهُ، لَا تَحْصُلُ حَتَّى يُفَرقَ الْحَاكِمُ بَينَهُمَا.
ــ
بكلمتين، وجَبَ حَدَّان؛ لأنَّهما قَذْفان لشَخْصَين، فوَجَبَ لكلِّ واحِدٍ حَدٌّ، كما لو قَذَفَ الثانيَ بعدَ حَدِّ الأوَّلِ. وهكذا الحكمُ فيما إذا قَذَفَ أجْنَبِيَّتَينِ أو أجْنَبِيَّاتٍ، والتَّفْصِيلُ فيه على ما ذَكَرْناه.
فصل: وإن قال لزَوْجَتِه: يا زانِيةُ بِنْتَ الزَّانيةِ. فقد قَذَفَها وقَذَفَ أُمَّها بكلمتَين، والحكمُ في الحَدِّ لهما على ما مَضَى مِن التَّفْصِيلِ فيه. فإنِ اجْتَمَعتا في المُطالبَةِ، ففي أيِّهما يُقَدَّمُ وَجْهان؛ أحَدُهما، الأُمُّ؛ لأنَّ حَقَّها آكَدُ، لِكونِه لا يَسْقُطُ إلَّا بالبَيِّنَةِ، ولأنَّ لها فَضِيلةَ الأُمومةِ. والثاني، تُقَدَّمُ البِنْتُ؛ لأنَّه بَدَأ بقَذْفِها. ومتى حُدِّ لإِحْداهما، ثم وجَبَ عليه الحَدُّ للأُخرَى، لم يُحَدَّ حتَّى يَبْرَأَ جِلْدُه مِن حَدِّ الأُولَى. فإن قيل: إنَّ الحَدَّ ههُنا حَقٌّ لآدَميٍّ، فلِمَ لا يُوالي بينَهما كالقِصاصِ، فإنَّه لو قَطَعَ يَدَيْ رَجُلَينِ، قَطَعْنا يَدَيه لهما ولم نُؤخِّرْه؟ قُلْنا: لأنَّ حَدَّ القَذْفِ لا يتكَرَّرُ بتَكَرُّرِ سَبَبِه قبلَ إقامةِ حَدِّه، فالمُوَالاةُ بين حَدَّين فيه تُخْرِجُه عن موْضُوعِه، والقِصاصُ يجوزُ أن يُقْطَعَ أطْرَافُه كلُّها في قِصاصٍ واحدٍ، فإذا جازَ لواحِدٍ، فلاثنَين أَوْلَى.
3813 - مسألة: (الثَّانِي، الفُرْقَةُ بَينَهُمَا وَعَنْهُ، لَا تَحْصُلُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَينَهُمَا)
وجملة ذلك، أن الفرْقَةَ بينَ المُتلاعِنَين لا تَحْصُلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلا (1) بتَلاعُنِهما جميعًا. وهل يُعْتَبَرُ تَفْرِيقُ الحاكمِ؟ فيه رِوايتان؛ إحداهما، لا يُعْتَبَرُ، وأنَّ الفُرْقَةَ تَحْصُلُ بمُجَرَّدِ لِعانِهما. وهي اختيارُ أبي بكرٍ، وقولُ مالكٍ، وأبي عُبَيدٍ، وأبي ثَوْرٍ، وداودَ، وزُفرَ، وابنِ المُنْذِرِ. ورُوِيَ ذلك عن ابنِ عباسٍ؛ لِما رُوِيَ عن عمرَ، رضي الله عنه، أنَّه قال: المُتَلاعِنان يُفَرَّقُ بَينَهما، ولا يَجْتَمِعان أبَدًا. رواه سعيدٌ (2). ولأنَّه مَعْنًى يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ المُؤبَّدَ، فلم يَقِفْ على حُكْمِ الحاكِمِ، كالرَّضَاعِ، ولأنَّ الفُرْقَةَ لو لم تَحْصُلْ إلَّا بتَفْرِيقِ الحاكِمِ، لَسَاغَ ترْكُ التَّفْرِيقِ إذا كَرِهاهُ، كالتَّفْرِيقِ للعَيبِ (3) والإعْسارِ، ولَوَجَبَ أنَّ الحاكِمَ إذا لم يُفَرِّقْ بَينَهما، أن يَبْقَى النِّكاحُ مُسْتَمِرًّا، وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيها» (4). يَدُلُّ على هذا. وعلى هذا، تَفْرِيقُه بينَهما، بمَعْنَى (5) إعْلامِه لهما حُصُولَ الفُرْقَةِ (6). والثانيةُ، لا تَحْصُلُ الفُرْقَة حتَّى
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في: باب ما جاء في اللعان، من كتاب الطلاق. السنن 1/ 360.كما أخرجه البيهقي، في: السنن الكبرى 7/ 410.
(3)
في م: «للعنت» .
(4)
أخرجه البخاري، في: باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب. . . .، من كتاب الطلاق. صحيح البخاري 7/ 71. ومسلم، في: كتاب اللعان. صحيح مسلم 2/ 1132. وأبو داود، في: باب في اللعان، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 524. والنسائي، في: باب اجتماع المتلاعنين، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 145. كلهم من حديث ابن عمر.
(5)
زيادة من: ق، م.
(6)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُفَرِّقَ الحاكِمُ بَينَهما. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، وقولُ أصْحابِ الرَّأْي؛ لقولِ ابنِ عباسٍ في حدِيثِه: ففَرَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينهما (1). وهذا يَقْتَضِي أنَّ الفُرْقَةَ لم تَحْصُلْ قبلَه. وفي حَديثِ عُوَيمِرٍ (2)، قال: كَذَبْتُ عليها يارسولَ اللهِ إِن أمْسَكْتُها. فطَلَّقَها ثَلاثًا قبلَ أن يَأمُرَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وهذا يَقْتَضِي إمْكانَ إمْساكِها، وأنَّه وَقَعَ طَلاقُه، ولو كانتِ الفُرْقَةُ وَقَعَتْ قبل ذلك، لَما وَقَعَ طَلاقُه، ولا أمْكَنَه إمْساكُها. ولأن سَبَبَ هذه الفُرْقَةِ يَتَوَقَّفُ على الحاكِمِ، فالفُرْقَةُ المتعلِّقةُ به لا تَقَعُ إلا بحُكْمِ حاكم، كفُرْقَةِ العُنَّةِ. وعلى كِلْتا الرِّوايَتَينِ، لا تَحْصُلُ الفُرْقَةُ قبلَ تَمامِ لِعَانِهما. وقال الشافعيُّ: تَحْصُلُ الفُرْقَةُ بلِعانِ الزَّوْجِ وحدَه، وإن لم تَلْتَعِنِ (3) المرأةُ؛ لأنَّها فُرْقَة حاصِلَةٌ بالقولِ، فتَحْصُلُ بقولِ الزَّوْجِ وحدَه، كالطَّلاقِ. قال شيخُنا (4): ولا نَعْلَمُ أحَدًا وافَقَ الشافعيَّ على هذا القولِ. وحُكِيَ عن البَتِّيِّ أنَّه لا يَتَعَلَّقُ باللِّعانِ فُرْقَةٌ؛ لِما رُوِيَ أنَّ العَجْلانِي لمَّا لاعَنَ امرأتَه طَلَّقَها ثَلَاثًا، فأنْفَذَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (5). ولو وقَعَتِ الفُرْقَةُ، لَما نَفَذَ طَلَاقُه.
(1) تقدم تخريجه في 22/ 179.
(2)
أخرج هذا اللفظ أبو داود، في الموضع السابق 1/ 524. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 39.
(3)
في الأصل: «تتلعن» . وفي م: «تتيقن» .
(4)
في المغني 11/ 145.
(5)
أخرجه أبو داود، في: باب في اللعان، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 521.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكلا القَوْلَين لا يَصِحُّ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فرقَ بينَ المُتَلَاعِنَين. رواه عبدُ اللهِ بنُ عمرٍ، وسَهْلُ بن سَعْدٍ، أخْرَجَهُما مُسْلِمٌ (1). وقال سَهْلٌ: فكانت سُنَّةً لمَن كان بعدَهما، أن يُفَرَّقَ بينَ المُتَلاعِنَين. وقال عمرُ: المُتَلاعِنان يُفَرَّقُ بينهما، ثم لا يَجْتَمِعان أبدًا (2). وأمَّا القَوْل الآخرُ، فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ الشَّرْعَ إنَّما ورَدَ بالتَّفْريقِ بينَ المُتَلاعِنَين، ولا يكونان مُتَلاعِنَين بلِعانٍ أحدِهما، وإنَّما فَرَّقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَينهما (3) بعدَ تَمامِ اللِّعانِ منهما، فالقول بوُقُوعِ الفرْقَةِ قبلَه تحَكُّمٌ يُخالِفُ مدْلُولَ السَّبَبِ (4) وفِعْلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّ لَفْظَ اللِّعانِ لا يَقْتَضِي فرْقَةً؛ فإنَّه إمَّا أَيمانٌ على زِناها، أو شَهادةٌ بذلك، ولولا وُرُودُ الشَّرْعِ بالتَّفْريقِ بَينَهما، لم
(1) حديث ابن عمر يأتي تخريجه في صفحة 440.
وحديث سهل بن سعد تقدم تخريجه في 22/ 179.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 436.
(3)
سقط من: م.
(4)
في ق، م:«السنة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَحْصُلِ الفُرْقَةُ، وإنَّما ورَدَ (1) الشَّرْعُ بها بعدَ لِعَانِهما، فلا يَجوزُ تَعْلِيقُها على بعضِه، كما لم يَجُزْ تَعْلِيقُها على بعضِ لِعانِ الزَّوْجِ، ولأنَّه فَسْخٌ ثَبَتَ بأيمانِ مُخْتَلِفَين، فلم يَثْبُتْ بيَمِينِ أحدِهما، كالفَسْخِ لِتَحالُفِ المُتَبايِعَينِ عندَ الاخْتِلافِ. ويَبْطُلُ ما ذكَرُوه بالفَسْخِ بالعَيبِ أو العِتْقِ، وقَوْلِ الزَّوجِ: اخْتارِي [نَفْسَكِ. أو: أمْرُكِ بِيَدِكِ](2). أو: وَهَبْتُكِ لأهْلِكِ أو لنَفْسِكِ. وأشْباهُ ذلك كثيرٌ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنْ قُلْنا: إنَّ الفُرْقَةَ تَحْصُلُ بلِعَانِهما. فلا تَحْصُلُ إلا بعدَ إكْمالِ اللِّعانِ بَينهما. وإن قُلْنا: لا تَحْصُلُ إلا بتَفْريقِ الحاكمِ. لم يَجُزْ له أنْ يُفَرِّقَ بَينهما إلا بعدَ كَمالِ لِعانِهما، فإن فَرَّقَ قبلَ ذلك كان تَفْريقُه باطِلًا، وُجُودُه كعَدَمِه. وبهذا قال مالِكٌ. وقال الشافعيُّ: لا تقَعُ الفُرْقةُ حتَّى يُكْمِلَ الزَّوْجُ لِعانَه. وقال أبو حنيفةَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ: إذا فَرَّقَ بَينَهما بعدَ أن لاعَنَ كلُّ واحدٍ منهما ثلاثَ مَرَّاتٍ، أخْطأَ السُّنَّةَ، والفُرْقَةُ جائِزَةٌ، وإن فَرَّقَ بَينهما بأقَلَّ مِن ثلاثٍ، فالفُرْقَةُ باطلةٌ؛ لأنَّ مَن أتَى بالثَّلاثِ فقد أتَى بالأكْثَرِ، فتَعَلقَ الحُكْمُ به. ولَنا، أنَّه تَفْرِيق قبلَ تَمامِ اللِّعانِ، فلم يَصِحَّ، كما لو فَرَّقَ بينَهما لأقَلَّ مِن ثلاثٍ، أو قبلَ لِعانِ المرأةِ، ولأنَّها أيمان مَشْرُوعَةٌ، لا يجوزُ للحاكمِ الحُكْمُ (3) قبلَها بالإِجْماعِ، فإذا حَكَمَ، لم يَصِحَّ حُكْمُه، كأيمانِ المُخْتَلِفَين في البَيعِ،
(1) في م: «ورود» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكما قبلَ الثَّلاثِ، ولأنَّ الشَّرْعَ إنَّما ورَدَ بالتَّفْرِيقِ بعدَ كَمالِ السَّبَبِ، فلم يَجُزْ قبلَه، كسائِرِ الأسْبابِ، [ولأنَّ](1) ما ذَكَرُوه تَحَكُّمٌ لا دَلِيلَ عليه، ولا أصْلَ له، ثم يَبْطُلُ بما إذا شَهِدَ بالدَّينِ رجلٌ وامرأةٌ واحدَةٌ، أو بمَن تَوجَّهَتْ (2) عليه اليَمِينُ إذا أتَى بأكْثَرِ حُرُوفِها، وبالمُسابَقَةِ إذا قال: مَن سَبَقَ إلى خَمْسِ إصَاباتٍ. فسَبَقَ إلى ثلاثةٍ، وبسائِرِ الأسْبابِ. فأمَّا إذا تَمَّ اللِّعانُ، فلِلْحاكِمِ أن يُفَرِّقَ بَينَهما مِن غيرِ اسْتِئْذانِهِما؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بينَ المُتَلاعِنَين ولم يَسْتَأْذِنْهُما. وروَى مالِكٌ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، أنَّ رجلًا لاعَنَ امرأتَه في زَمَنِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وانْتَفَى مِن ولَدِهَا، فَفَرَّقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَينَهما، وَأَلْحَقَ الولدَ بالمرأةِ. وروَى سُفيانُ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَهْلِ بنِ سعدٍ، قال: شَهِدتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بينَ المُتَلَاعِنَينِ. أخْرَجَهُما سَعيدٌ (3). ومتى قُلْنا: إنَّ الفُرْقَةَ لا تَحْصُلُ إلا بتَفْرِيقِ الحاكمِ. فلم يُفَرِّقْ بينَهما، فالنِّكاحُ بحَالِه باقٍ؛ لأنَّ ما يُبْطِلُ
(1) في ق، م:«و» .
(2)
في الأصل: «يوجب» .
(3)
في: باب ما جاء في اللعان، من كتاب الطلاق. السنن 1/ 359.
كما أخرج الأول البخاري، في: باب يلحق الولد بالملاعنة، من كتاب الطلاق، وفي: باب ميراث الملاعنة، من كتاب الفرائض. صحيح البخاري 7/ 72، 8/ 191. ومسلم، في: كتاب اللعان. صحيح مسلم 2/ 1132، 1133. والترمذي، في: باب ما جاء في اللعان، من أبواب الطلاق. عارضة الأحوذي 5/ 188، 189. والنسائي، في: باب نفي الولد باللعان وإلحاقه بأمه، من كتاب الطلاق. المجتبى 6/ 146. وابن ماجة، في: باب في اللعان، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجة 1/ 669. والدارمي، في: باب ما جاء في اللعان، من كتاب النِّكَاح. سنن الدارمي 2/ 151. والإمام مالك، في: باب ما جاء في اللعان، من كتاب الطلاق. الموطأ 2/ 567. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 27، 64، 71، 126.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النِّكاحَ لم يُوجَدْ، فأشْبَهَ ما لو لم يُلَاعِنْ.
فصل: وفُرْقَةُ اللِّعانِ فَسْخٌ. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ: هي طَلاقٌ؛ لأنَّها فُرْقَةٌ مِن جِهَةِ (1) الزَّوْجِ، تَخْتَصُّ النِّكاحَ، فكانت طَلاقًا، كالفُرْقَةِ بقَوْلِه: أنْتِ طالِقٌ. ولَنا، أنَّها فُرْقَة تُوجِبُ تَحْرِيمًا مُؤبَّدًا، فكانت فَصْحًا، كفُرْقَةِ الرَّضاعِ، ولأنَّ اللِّعانَ ليس بصَرِيحٍ في الطلاقِ، ولا نَوَى به الطلاقَ، فلم يكُنْ طَلاقًا، أو، كسائِرِ ما يَنْفَسِخُ به النِّكاحُ، ولأنَّه لو كان طَلاقًا، لوَقَعَ بلِعانِ الزَّوْجِ دُونَ لِعانِ المرأةِ.
فصل: ذكَر بعضُ أهْلِ العِلْمِ، أن الفُرْقَةَ إنَّما حَصَلَتْ باللِّعانِ؛ لأنَّ لَعْنَةَ اللهِ وغَضَبَه قد وَقَعَ بأحَدِهما لِتَلاعُنِهما، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال عندَ الخامسةِ:«إنَّها الْمُوجبَةُ» . أي إنَّها تُوجبُ لعْنَةَ اللهِ وغضَبَه، ولا نَعْلَمُ مَن هو منهما يَقِينًا، ففرَّقْنا بَينَهما خَشْيَةَ أن يَكونَ هبر المَلْعونَ، فيَعْلُوَ امرأةً غيرَ مَلْعُونَةٍ، وهذا لا يجوزُ، كما لا يجوزُ أن يَعْلُوَ المُسْلِمَةَ كافرٌ. ويمكنُ أن يُقال على هذا: لو كان هذا الاحتمالُ مانِعًا مِن دَوامِ نِكاحِهما، لمَنَعَه مِن نِكاحِ غيرِها، فإنَّ هذا الاحتمال مُتَحَقِّقٌ فيه. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ المُوجِبُ للفُرْقَةِ وُقُوعَ اللَّعْنَةِ أو الغَضَبِ بأحَدِهما غيرَ مُعَيَّنٍ، فيُفْضِي إلى عُلُوِّ مَلْعُونٍ غيرَ مَلْعُونةٍ، أو إلى إمْساكِ مَلْعُونَةٍ مَغْضُوبٍ عليها. ويَحْتَمِلُ أنَّ سَبَبَ الفُرْقَةِ النُّفْرةُ الحاصلةُ مِن إساءةِ كلِّ واحدٍ منهما إلى صاحِبِه،
(1) في م: «قبل» .