الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَلْ يَصِحُّ لِعَانُ مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ، وَأُيِسَ مِنْ نُطْقِهِ بِالْإِشَارَةِ؟
ــ
فصَحَّ قَذْفُه ولِعانُه، كالنَّاطِقِ، ويُفارِقُ الشَّهادَةَ؛ فإنَّه يُمْكِنُ حُصُولُها مِن غيرِه، فلم تَدْعُ الحاجَةُ إليه فيها، وفي اللِّعانِ لا يَحْصُلُ إلَّا منه، فدَعَتِ الحاجَةُ إلى قَبولِه منه، كالطَّلاقِ. قال شيخُنا (1): والأوَّلُ أحْسَنُ؛ لأنَّ مُوجبَ القذفِ وجُوبُ الحَدِّ، وهو يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ (2)، ومقصودُ اللِّعانِ الأصْليُّ نَفْيُ النَّسَبِ، وهو يَثْبُتُ بالإمْكانِ، مع ظهورِ انْتِفائِه، فلا يَنْبَغِي أن يُشْرَعَ ما يَنْفِيه، ولا ما يُوجِبُ الحَدَّ مع الشُّبْهةِ العظيمةِ، ولذلك لم تُقْبَلْ شهادتُه. قوْلُهم: إنَّ الشَّهادَةَ تَحْصُلُ مِن غيرِه. قُلْنا: قد لا تَحْصُلُ إلَّا منه؛ لاخْتِصَاصِه برؤيةِ المَشْهُودِ عليه، أو سَماعِه إيَّاه.
فصل: فإن قَذَفَ الأخْرَسُ ولَاعَنَ ثم تَكَلَّمَ، فأنْكَرَ القَذْفَ واللِّعانَ، لم يُقْبَلْ إنْكارُه لِلْقَذْفِ؛ لأنَّه قد تَعَلَّقَ به حَقٌّ لغيرِه بحُكْمِ الظَّاهِرِ، فلا يُقْبَلُ إنْكارُه له، ويُقْبَلُ إنْكارُه للِّعانِ فيما عليه، فيُطالبُ بالحَدِّ، ويَلْحَقُه النَّسَبُ، ولا تَعُودُ الزَّوْجيَّةُ. فإن قال: أنا أُلاعِنُ لسُقُوطِ الحَدِّ ونَفْي النَّسَبِ. كان له ذلك؛ لأنَّة إنَّما لَزِمَه بإقْرارِه أنَّه لم يُلَاعِنْ، فإذا أرادَ أنْ يُلاعِنَ كان له ذلك.
3794 - مسألة: (وهل يَصِحُّ لِعانُ مَن اعْتُقِلَ لِسانُهُ وأُيِسَ مِنْ نُطْقِه
(1) في: المغني 11/ 128.
(2)
في م: «بالشهادة» .
عَلَى وَجْهَينِ. وَهَلْ هُوَ شَهَادَةٌ أوْ يَمِينٌ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
بالإشارَةِ؟ على وَجْهَين) أحَدُهما، يَصِحُّ؛ لأنَّه مَأْيُوسٌ مِن نُطْقِه، أشْبَهَ الأخْرَسَ. والثَّاني، لا يَصِحُّ؛ لأنّه ليس بأخْرَسَ، فلم يُكْتَفَ بإشارَته، كغيرِ المأْيُوسِ. ذكَرَ هذين الوجْهَين أبو الخَطَّابِ. وذَكَرَ شيخُنا (1) فيما إذا قَذَفَ وهو ناطِقٌ، ثم خَرِسَ وأُيِسَ مِن نُطْقِه، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ الأخْرَسِ الأصْلِيِّ، فإن رُجِيَ عَوْدُ نُطْقِه، انْتُظِرَ به ذلك، ويُرْجَعُ فيه إلى قَوْل عَدْلَينِ مِن أطِبَّاءِ المُسْلِمِينَ. وهذا قوْلُ بعضِ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ. وذُكِرَ أَنَّه يُلاعِنُ في الحالين بالإشارَةِ؛ لأنَّ أُمامَةَ بنتَ أبي العاصِ أصْمَتَتْ، فقيل لها: لِفُلانٍ كذا، ولفلانٍ كذا؟ فأشارَتْ برأْسِها (2) أن نَعَمْ. فرَأَوْا أنَّها وَصِيَّةٌ. قال شَيخُنا (3): وهذا لا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّه لم يُذْكَرْ مَن الرّائي (4)
(1) انظر: المغني 11/ 128، 129.
(2)
سقط من: م.
(3)
في المغني 11/ 129.
(4)
في م: «الراوي» .
فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أنْ يَتَلَاعَنَا قِيَامًا بمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ في الْأوْقَاتِ وَالْأمَاكِنَ الْمُعَظَّمَةِ.
ــ
لذلك، ولم يُعْلَمْ أنَّه قولُ مَن قَوْلُه حُجَّةٌ، ولا عُلِمَ هل كان ذلك لِخَرَسٍ يُرْجَى زَوالُه أوْ لا؟.
فصل: قال الشيخُ، رحمه الله:(والسُّنَّةُ أن يتَلَاعَنا قِيامًا بمَحْضَرِ جماعَةٍ في الأوْقاتِ والأماكنِ المُعَظَّمَةِ) وجُمْلَةُ ذلك، أنَّه يُسَنُّ في اللِّعانِ أمورٌ؛ أحَدُها، أن يَتَلاعَنا قِيامًا، فيَبْدَأ الزَّوْجُ فيَلْتَعِنَ وهو قَائِمٌ، فإذا فَرَغَ قامَتِ المرأةُ فالْتَعَنَتْ وهي قائِمَةٌ؛ فإنَّه رُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لهِلالِ بن أُمَيَّةَ:«قُمْ فاشْهَدْ أرْبَعَ شَهَادَاتٍ» (1). ولأنَّه إذا قام شاهَدَه الناسُ، فكان أبْلَغ في شُهْرَتِه. [وفي حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ: فقامَ هِلَالٌ فشَهِدَ، ثم قامَتْ فشَهِدَتْ] (2). الثَّاني، أن يكونَ بمَحْضَرِ جماعَةٍ مِن المُسْلِمينَ؛
(1) تقدم تخريجه في 16/ 338، وليس في المصادر المذكورة هذا اللفظ.
(2)
سقط من: الأصل، تش. وانظر تخريجه في 16/ 338، عند الترمذي في 12/ 45، 46. وابن ماجه في 1/ 668.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّ ابنَ عباسٍ، وابنَ عمرَ، وسَهْلَ بنَ سعدٍ، حَضَرُوا مع حَداثَةِ أسْنانِهم، فدَلَّ على أنَّه حَضَرَ جَمْعٌ كثِيرٌ؛ لأنَّ الصِّبْيانَ إنَّما يَحْضُرُون المجالسَ تَبَعًا للرِّجالِ، ولأنَّ اللِّعانَ بُنِيَ على التَّغْلِيظِ، مُبالغَةً في الرَّدْعِ به والزَّجْرِ، وفِعْلُه في الجماعةِ أبْلَغُ في ذلك. ويُسْتَحَبُّ أن لا يَنْقُصُوا عن أرْبَعَةٍ؛ لأنَّ بَيِّنَةَ الزِّنَى التي شُرِعَ اللِّعانُ مِن أجْلِ الرَّمْي به أرْبَعَةٌ، وليس شيءٌ (1) مِن هذا واجِبًا. وبهذا كلِّه قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ، ولا نَعْلَمُ فيه مُخالِفًا. الثَّالثُ، أن يكونَ في الأوقاتِ والأماكنِ المعظَّمَةِ. وهذا قولُ أبي الخطّابِ، وهو مذهب الشافعيِّ، إلَّا أنَّ عندَه في التَّغْلِيظِ بالمَكانِ قَوْلَين؛ أحدُهما، أنَّ (2) التَّغْلِيظَ به مُسْتَحَبٌّ كالزَّمانِ. والثَّاني، أنَّه واجِبٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لاعَنَ بينَهما عندَ المِنْبَرِ، فكان فِعْلُه [بَيانًا لِلِّعانِ](3). ومَعْنَى التَّغْلِيظِ بالمَكانِ بمَكَّةَ، بينَ الرُّكْنِ والمَقامِ،
(1) في م: «ينبني» .
(2)
بعده في الأصل: «اللعان» .
(3)
في الأصل: «ثابتًا باللعان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبالمَدِينَةِ عندَ مِنْبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وفي بَيتِ المَقْدِسِ عندَ الصَّخْرَةِ، وفي سائِرِ البُلْدانِ في جَوامِعِها. وأمَّا الزَّمانُ فبَعْدَ (1) العَصْرِ؛ لقَوْلِ اللهِ تعالى:{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (2). أجْمَعَ المُفَسِّرُون على أن المُرادَ بالصَّلاةِ صلاةُ العَصْرِ. وقال أبو الخطَّابِ في مَوْضِعٍ آخَرَ: بينَ الأذانَين؛ لأنَّ الدُّعاءَ بينَهما لا يُرَدُّ. وقال القاضي: لا يُسْتَحَبُّ التَّغْلِيظُ في اللِّعانِ بمَكانٍ ولا زَمانٍ. وبهذا قال أبو حنيفةَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أطْلَقَ الأمْرَ بذلك، ولم يُقَيِّدْه بزَمانٍ ولا مَكانٍ، ولا يجوزُ تَقْيِيدُه إلَّا بدَلِيلٍ، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ الرجلَ بإحْضارِ امْرأَتِه، ولم يَخُصَّه بزمنٍ، ولو خَصَّه بذلك لَنُقِلَ ولم يُهْمَلْ، ولو اسْتُحِبَّ ما دْكَرُوه لَفَعَلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولو فَعَلَه لَنُقِلَ، ولم يَسُغْ تَرْكُه وإهْمالُه، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما دَلَّ حدِيثُه في لِعانِ أوسٍ (3) أنَّه إنَّما كان في صَدْرِ النَّهارِ؛ لِقَوْلِه في الحديثِ: فلم يَهِجْه (4) حتى أصْبَحَ، ثم غَدَا على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. والغُدُوُّ
(1) في الأصل: «فعند صلاة» .
(2)
سورة المائدة 106.
(3)
كذا ورد في النسخ، والحديث تقدم تخريجه في صفحة 225 في قصة هلال بن أمية.
(4)
في الأصل: «يهجم» .