الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِثُ، التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ إِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، حَلَّتْ لَهُ.
ــ
فإنَّ الرجلَ إن كان صادِقًا فقد أشاعَ فاحِشَتَها، وفَضَحَها على رُءُوسِ الأشْهابِ، وأقامَها مُقامَ خِزْيٍ، وحَقَّقَ عليها الغَضَبَ، وقَطَعَ نَسَبَ ولَدِها، وإن كان كاذَبًا، فقد أضافَ إلى ذلك بَهْتَها وقَذْفَها بهذه الفِرْيةِ العظيمةِ، والمرأةُ إن كانت صادقةً، فقد أكْذَبَتْه على رُءُوسِ الأشْهادِ، وأوْجَبَتْ عليه لَعْنةَ اللهِ، وإن كانت كاذبةً، فقد أفْسَدَت فِراشَه، وخانَتْه في نَفْسِها، وألْزَمَتْه اللِّعانَ والفَضِيحَةَ، وأخْرَجَتْه (1) إلى هذا المَقامِ المُخْزِي، فحَصَلَ لكلِّ واحدٍ منهما نُفْرَةٌ مِن صاحِبِه، لِما حَصَلَ إليه مِن إساءَةٍ لا يكادُ يَلْتَئِمُ لهما معها حالٌ، فاقْتَضَتْ حِكْمةُ الشَّارعِ الْتِزامَ الفُرْقَةِ بَينَهما، وإزالةَ الصُّحْبةِ المُتَمَحّضةِ مَفْسَدةً، ولأنَّه إن كان كاذِبًا عليها، فلا يَنْبَغِي أن يُسَلَّطَ على إمْساكِها مع ما صَنَعَ مِن القَبِيحِ إليها، وإن كان صادِقًا، فلا ينبغِي أن يُمْسِكَها مع عِلْمِه بحالِها، ولهذا قال العَجْلانِيُّ: كَذَبْتُ عليها إن أمْسَكْتُها.
3814 - مسألة: (الثالثُ، التَّحْرِيمُ المُؤَبَّدُ. وعنه، أنَّه إن أكْذَبَ نَفْسَه، حَلَّتْ له)
ظاهِرُ المذهَبِ أنَّ المُلاعِنَةَ تَحْرُمُ على المُلَاعِنِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، فلا تَحِلُّ له وإن أكْذَبَ نفْسَه. ولا خِلَافَ بينَ أهْلِ العِلْمِ
(1) في ق، م:«أحوجته» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في أنَّه إذا لم يُكْذِبْ نَفْسَه أنَّها لا تَحِلُّ له، إلَّا أن يكونَ قَوْلًا شاذًّا. فإن أكْذَبَ نَفْسَه، فالذي رَوَاه الجماعةُ عن أحمدَ، أنَّها لا تَحِلُّ له أيضًا. وجاءتِ الأخْبارُ عن عمرَ، وعليٍّ، وابنِ مسعودٍ، رضي الله عنهم؛ أنَّ المُتَلاعِنَينِ لا يَجْتَمِعانِ أبدًا. وبه قال الحسنُ، وعطاءٌ، وجابِرُ بنُ زَيدٍ، والنَّخَعِيُّ، والزُّهْرِيُّ، والحَكَمُ، ومالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، والأوْزَاعِيُّ، والشَّافِعِيُّ، وأبو عُبَيدٍ، وأبو ثَوْرٍ، [وأبو يُوسفَ](1). وعن أحمدَ رِواية أُخرى، أنَّه إن أكْذَبَ نفْسَه، حَلَّتْ له، وعادَ فِرَاشُه بحالِه. وهي رِوايَةٌ شاذَّة، شَذَّ بها حَنْبَلٌ عن أصْحابِه. قال أبو بكر: لا نَعْلَمُ أحدًا رواها غيرُه. قال شيحنا (2): ويَنْبَغِي أن تُحْمَلَ هذه الرِّوايةُ على ما إذا لم يُفَرِّقِ الحاكمُ، فأمَّا مع تَفْرِيقِ الحاكمِ بَينَهما، فلا وَجْهَ لبَقَاءِ النِّكاحِ بحالِه (3). وقد ذَكَرْنا أنَّ مذهَبَ البَتِّيِّ، أنَّ اللِّعانَ لا يتعَلَّقُ به فُرْقَةٌ. وعن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ: إن أكْذَبَ نَفْسه، فهو خاطِبٌ مِن الخُطَّاب. وبه قال أبو حنيفةَ، ومحمدُ بنُ الحسنِ؛ لأنَّ فُرْقَةَ اللِّعانِ عندَهما طلاقٌ. وقال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: إن أكْذَبَ نَفْسَه، رُدَّتْ إليه ما دامتْ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في المغني 11/ 149.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في العِدَّةِ. ولَنا، ما روَى سَهْل بنُ سعدٍ، قال: مَضَتِ السُّنَّةُ في المُتَلاعِنَينِ أن يُفَرقَ بَينَهما، ثم لا يَجْتَمِعانِ أبدًا. رواه الجُوزْجَانِيُّ (1) بإسْنادِهِ في كِتابِه. ورُوِيَ مثلُ هذا عن الزُّهْرِيِّ ومالِكٍ. ولأنَّه تَحْرِيمٌ لا يَرْتَفِعُ قبلَ الحَدِّ والتَّكْذِيبِ، فلم يرتَفِعْ بهما، كتَحْرِيمِ الرَّضاعِ.
(1) وأخرج هذ اللفظ أبو داود، في: باب في اللعان، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 521. والبيهقي، في: السنن الكبرى 7/ 410.