الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأجازَه الأوْزاعِيُّ، وأصحابُ الرَّأْي؛ لأنَّ المقْصُودَ دَفْعُ حاجَةِ المساكينِ، وهو يَحْصُلُ بذلك. وخرَّجَ بعْضُ أصحابِنا مِن كلامِ أحمدَ روايةً أُخْرَى، أنَّه يُجْزِئُه. وهو ما روَى الأثْرَمُ، أنَّ رَجُلًا سأل أحمدَ، قال: أعْطَيتُ في كفَّارَةٍ خَمْسَ دَوانِيقَ؟ فقال: لو اسْتَشَرْتَني قبلَ أن تُعْطِيَ، لم أُشِرْ عليك، ولكن أعْطِ ما بَقِيَ مِن الأثْمانِ على ما قُلتُ لك. وسَكَتَ عن الذي أعْطىَ. وهذا ليس بروايةٍ، إنَّما سَكَتَ عن الذي أعْطى؛ لأنَّه مُخْتَلَفٌ فيه، فلم يَرَ التَّضْيِيقَ عليه فيه. والمذهبُ الأوَّلُ؛ لظاهِرِ قولِه سبحانه:{فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} . ومَن أخْرَجَ القِيمَةَ، لم يُطْعِمْ. وقد ذَكَرْناه في الزَّكاةِ.
3785 - مسألة: (وإن غَدَّى المَساكِينَ أو عَشَّاهُمْ، لم يُجْزِئْه. وعنه، يُجْزِئُه)
ظاهِرُ المذْهَبِ في كيفِيَّةِ إطْعامِ المساكينِ، أنَّ الواجِبَ أنْ يُمَلِّكَ كلَّ إنْسانٍ مِن المساكينِ القَدْرَ الواجِبَ مِن الكفَّارَةِ، فلو غَدَّى المساكِينَ أو عشَّاهُم، لم يُجْزِئه، سواءٌ [فَعَل ذلك بالقَدْرِ](1) الواجب، أو أقلَّ، أو أكْثَرَ، ولو غَدَّى كلَّ واحدٍ بمُدٍّ (2)، لم يُجْزِئْه، إلَّا أن يُمَلِّكه إيَّاه. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. وعن أحمدَ، روايةٌ أُخْرَى، أنَّه يُجْزِئُه إذا أطْعَمَهم القَدْرَ الواجِبَ لهم. وهو قولُ النَّخَعِيِّ، وأبي حنيفةَ. وأطْعَمَ أنَسٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في فِدْيَةِ الصِّيامِ (1). قال أحمدُ: أطْعَمَ شيئًا كَثِيرًا، وَضَعَ الجِفانَ. وذكَرَ حَدِيثَ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عن ثابتٍ، عن أنَسٍ؛ وذلك لقولِ اللهِ تعالى:{فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} . وهذا قد أطْعَمَهُم، فيَنْبَغِي أن يُجْزِئَه، ولأنَّه أطْعَمَ المساكينَ، فأجْزَأه، كما لو مَلَّكَهم. ووَجْهُ الأُولَى، أنَّ المَنْقُولَ عن الصَّحابةِ إعْطاؤُهم، ففي قولِ زيدٍ، وابنِ عباسٍ، وابنِ عمَرَ، وأبي هُرَيرَةَ، مُدٌّ لكُلِّ فَقِيرٍ. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لكَعْبٍ، في فِدْيَةِ الأذَى:«أطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ، بَينَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ» (2). ولأنَّه مالٌ وَجَبَ للفُقَراء شَرْعًا، فوجَبَ تَمْلِيكُهم إيَّاه كالزَّكاةِ. فإن قُلْنا: يُجْزِئُ. اشْتُرِطَ أَن يُغَديهم سِتِّينَ مُدًّا (3) فصَاعِدًا، ليكونَ قد أطْعَمَهم قَدْرَ الواجِبِ. وإن قُلْنا: لا يُجْزِئُ أن يُغَدِّيَهُم. فَقدَّمَ إليهم سِتِّينَ مُدًّا، وقال: هذا بينَكم بالسَّويَّةِ. فقَبِلُوه، أجْزَأ، لأنَّه مَلَّكَهم التَّصَرُّفَ فيه والانتِفاعَ (4) قَبْلَ القِسْمَةِ. وهذا ظاهِرُ مذْهَبِ الشافعيِّ. وقال أبو عبدِ اللهِ بنُ حامدٍ: يُجْزِئُه، وإن لم يَقُلْ: بالسَّويَّةِ، لأنَّ قَوْلَه: خُذُوها عن كَفَّارَتِي. يَقْتَضِي التَّسْويَةَ، لأنَّ ذلك حُكْمُها. وقال
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 4/ 220. والطبراني، في: المعجم الكبير 1/ 214. والدارقطني، في: سننه 2/ 207، والبيهقي، في: السنن الكبرى 4/ 271.
(2)
تقدم تخريجه في: 2/ 145. وأخرجه البخاري، في: صحيحه 5/ 164. وهذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد، في: مسنده 4/ 243.
(3)
في الأصل، تش:«صاعًا» .
(4)
في م: «الامتناع» .
فَصْلٌ: وَلَا يُجْزِئُ الإخْرَاجُ إلا بِنِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ الإعْتَاقُ وَالصِّيَامُ.
ــ
القاضي: إن عَلِمَ أنَّه وَصَلَ إلى كلِّ واحدٍ قَدْرُ حَقِّه، أجْزَأ، وإن لم يَعْلَمْ، لم يُجْزِئْه؛ لأنَّ الأصْلَ شَغْلُ ذِمَّتِه، ما لم يَعْلَمْ وُصُولَ الحَقِّ إلى مُسْتَحِقِّه. ووَجْهُ الأوَّلِ، أنَّه دَفَعَ الحَقَّ إلى مُسْتَحِقِّه مُشَاعًا، فقَبِلُوه، فبَرِئَ منه، كدُيُونِ غرَمائِه.
فصل: ولا يَجِبُ التّتابُعُ في الإطْعامِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في روايةِ الأثْرَمِ، وقيل له: يكونُ عليه كفَّارَةُ يَمِينٍ، فيُطْعِمُ الصَوْمَ واحِدًا، والآخَرَ بعدَ أيَّامٍ، وآخَرَ بَعْدُ حتى يَسْتَكْمِلَ عَشَرَةً؟ فلم يَرَ بذلك بأْسًا؛ وذلك لأنَّ اللهَ تعالى لم يَشْتَرِطِ التَّتابُعَ فيه. ولو وَطِئَ في أثْناءِ الإطْعامِ، لم تَلْزَمْه إعادَةُ ما مَضَى منه. وبه قال أبو حنيفةَ، والشافعيُّ. وقال مالكٌ: يَسْتَأْنِفُ؛ لأنَّه وَطِئَ في أثْناءِ الكفَّارَةِ، فوَجَبَ الاسْتِئْنافُ كالصِّيامٍ. ولَنا، أنَّه وَطِئَ في أثْناءِ ما لا يُشْتَرَطُ التَّتابُعُ فيه، فلم يُوجِبْ الاسْتِئْناف، كوَطْءِ غيرِ المُظاهَرِ منها، أو كالوَطْءِ (1) في كفَّارَةِ اليَمِينِ، وبهذا فارَقَ الصِّيامَ.
فصل: (ولا يُجْزِئُ الإخْراجُ إلَّا بنِيَّةٍ، وكذلك الإعْتاقُ والصِّيامُ) لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ» (2). ولأنَّ العِتْقَ يَقَعُ مُتَبَرِّعًا