الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَهُ لِعَانُهَا وَنَفْيُهُ.
ــ
إن كان ثَمَّ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَه، فله أن يَلْتَعِنَ. وهذا يَنْبَنِي على أصْلٍ، وهو أنَّ اللِّعانَ إنَّما يكونُ بينَ الزَّوْجَين، فإنَّ لعانَ الرجلِ وحدَه لا يَثْبُتُ به حُكْمٌ، وعندَهم بخِلَافِ ذلك. فأما إن كانت طالبَتْ بالحَدِّ في حياتِها، فإنَّ أوْلِياءَها يقُومون في الطَّلَبِ به مَقامَها، فإن طُولِبَ به، فله إسْقاطُه باللِّعانِ. ذكَرَه القاضي، وإلَّا فلا، فإنَّه لا حاجَةَ إليه مع عدَم الطَّلَبِ؛ لأنَّه لا حَدَّ عليه. وقال أصْحابُ الشافعيِّ: إن كان للمَرْأَةِ وارِثٌ غيرُ الزَّوْجَ، فله اللِّعانُ، لِيُسْقِطَ الحَدَّ عن نفْسِه، وإلَّا فلا.
3809 - مسألة: (وإن مات الوَلَدُ، فله لِعانُها ونَفْيُه)
لأنَّ شُرُوطَ اللِّعَانِ تَتَحَققُ بدُونِ الوَلَدِ فلا تَنْتَفِي بمَوْتِه.
فصل: إذا مات المقْذُوفُ قبلَ المُطالبَةِ بالحَدِّ، [سَقَط، و](1) لم يَكُنْ لوَرَثَتِه الطلَبُ به. وقال أصحابُ الشافعيِّ: يُورَثُ وإن لم يَكُنْ طالبَ به؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِه» (2). ولأنَّه حَقٌّ ثَبَتَ له في الحياةِ، يُورَثُ إذا طالبَ به، فيُورَثُ وإن لم يطالِبْ به، كحقِّ (3) القِصاصِ. ولَنا، أنَّه حَدٌّ تُعْتَبَرُ فيه المُطالبَةُ، فإذا لم يُوجَدِ الطَّلَبُ مِن المالِكِ، [لم يَجِبْ](4)، كحَدِّ القَطْعِ في الوقةِ، والحديثُ يَدُلُّ على أنَّ
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 188. بلفظ: «من ترك مالا».
(3)
في م: «لحق» .
(4)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحق المَتْرُوكَ يُورَثُ، وهذا ليس بمَتْرُوكٍ، وأمَّا حَقُّ القِصاصِ، فإنَّه حقٌّ يجوزُ الاعْتِياضُ عنه، ويَنْتَقِلُ إلى المالِ، بخِلافِ هذا. فأمَّا إن طالبَ به ثم مات، فإنَّه يَرِثُه العَصَباتُ مِن النَّسَبِ دُونَ غيرِهم؛ لأنَّه حَق ثَبَتَ لدَفْعِ العارِ، فاخْتَصَّ به العَصَباتُ، كولَايةِ النِّكاحِ. وهذا أحدُ الوُجُوهِ لأصحابِ الشافعيِّ. ومتى ثَبَتَ للعَصَباتِ، فلهم اسْتِفَاؤُه. [وإن طَلَبَ أحَدُهم وحدَه، فله اسْتِفَاؤُه. وإن عَفَى بَعْضُهم، لم يَسْقُطْ وكان للباقِين اسْتِفَاؤُه](1). ولو بَقِيَ واحدٌ، كان له اسْتِفَاءُ جَمِيعِه؛ لأنَّه حقٌّ يُرادُ للرَّدْعِ والزَّجْرِ، فلم يَتَبَعَّضْ (2)، كسائرِ الحُدُود، ولا يَسْقُطُ بإسْقاطِ البعضِ؛ لأنَّه يُرادُ لِدَفْعِ العارِ عن المَقْذُوفِ، وكُلُّ واحدٍ مِن العَصَباتِ يقومُ مَقامَه في اسْتِيفائِه، فيَثْبُتُ له جَمِيعُه، كولايةِ النِّكاحِ، ويُفارِقُ حَقَّ القِصاصِ؛ لأنَّ ذلك يَفُوتُ إلى بَدَلٍ، ولو أسْقَطْاه ههُنا، لَسَقَطَ حَقُّ (3) غيرِ العافِي إلى غيرِ بَدَلٍ.
فصل: وإذا قَذَفَ امرأتَه، وله بَيِّنَة تَشهَدُ بِزِناها، فهو مُخَيَّرٌ بينَ لِعانِها وبينَ إقامةِ البَيِّنَةِ؛ لأنَّهما سَبَبَان، فكانت له الخِيَرَةُ في إقامةِ أَيِّهما شاء، كمَن له بدَينٍ شاهِدان وشاهِدٌ وامْرَأتان، ولأنَّ كلَّ واحدةٍ (4) منْهما يَحْصُلُ بها ما لا يَحْصُلُ بالأُخْرَى، فإنَّه يَحْصُلُ باللِّعانِ نَفْيُ النَّسَبِ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «ينتقص» .
(3)
في م: «في» .
(4)
في الأصل: «واحد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الباطِلِ، ولا يَحْصُلُ ذلك بالبَيِّنَةِ، ويَحْصُلُ بالبَيِّنَةَ ثُبُوتُ زِنَاها وإقامَةُ الحَدِّ عليها، ولا يَحْصُلُ باللِّعانِ. فإن لَاعَنها ونَفَى وَلَدَها، ثم أراد إقامَةَ البَيِّنَةِ، فله (1) ذلك، فإذا أقامَها، ثَبَتَ مُوجَبُ اللِّعانِ ومُوجَبُ البَيِّنَةَ، وإن أقامَ البَيِّنَةَ أولًا، ثَبَتَ الزِّنَى ومُوجَبُه، ولم يَنتفِ عنه الوَلَدُ؛ فإنَّه لا يَلْزَمُ مِن الزِّنَى كَوْنُ الوَلَدِ منه. وإن أراد لِعانَها بعدَ ذلك، وليس بينَهما وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَه، لم يَكُنْ له ذلك؛ لأنَّ الحَدَّ قد انْتَفَى عنه بإقامةِ البَيِّنَةَ، فلا حاجةَ إليه. وإن كان بينَهما ولدٌ يُرِيدُ نَفْيَه، فعلى قولِ القاضي، له أن يُلاعِنَ. وقد ذَكَرْنا ذلك.
فصل: وإن قَذَفَها، فطالبَتْه بالحَدِّ، فأقامَ شاهِدَين على إقْرارِها بالزِّنَى، سَقَطَ عنه الحَدُّ؛ لأنَّه ثَبَتَ تَصْدِيقُها إيَّاه، ولم يَجِبْ عليها؛ لأنَّه لا يَجِبُ إلا بإقْرارِ أرْبَعِ مَرَّاتٍ، ويَسْقُطُ بالرُّجوعِ عن الإِقْرارِ. فإن لم يكنْ له بَيِّنَةٌ حاضِرَةٌ، فقال: لي بَيِّنةٌ غائِبَة أُقِيمُها على الزِّنَى. أُمْهِلَ اليَوْمَين والثَّلاثةَ؛ لأنَّ ذلك قَرِيبٌ، فإن أَتَى بالبَيِّنَةِ، وإلَّا حُدَّ، إلا أن يُلاعِنَ إذا كان زَوْجًا. فإن قال: قَذَفْتُها وهي صَغِيرَةٌ. فقالت: قَذَفَني وأنا كَبِيرَةٌ. وأقامَ كلُّ واحِدٍ منهما بَيِّنَةَ بما قال، فهما تَذْفان. وكذلك إنِ اخْتَلَفا في الكُفْرِ والرِّقِّ أو الوَقْتِ؛ لأنَّه لا تَنافِيَ بينَهما، إلا أن يكُونا مُؤَرَّخَين تَأْرِيخًا واحِدًا، فيَسْقُطان، في أحَدِ الوَجْهَين، وفي الآخرِ، يُقْرَعُ بينهما، فمَن خرَجَتْ قُرْعَتُه، قُدِّمَت بَيِّنَتُه.
(1) في الأصل: «قبل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن شَهِدَ شاهِدان أنَّه قَذَفَ فُلانَةَ وقَذَفَنا (1). لم تُقْبَلْ شَهادَتُهما؛ لاعْتِرافِهما بعَداوَتِه لهما، وشَهادةُ العَدُوِّ لا تُقْبَلُ على عَدُوِّه. وان أبرَآه وزالتِ العَداوَةُ، ثم شَهِدا عليه بذلك، لم تُقْبَلْ؛ لأنَّها رُدَّتْ للتُّهْمَةِ، فلم تُقْبَلْ بعدُ، كالفاسِقِ إذا شَفِدَ فرُدَّتَ شَهادَته لفِسْقِه ثم تاب وأعادها. ولو أنَّهما ادَّعَيا عليه أنَّه قَذَفَهما، ثم أْبرَآهُ (2) وزالتِ العَداوَةُ، ثم شَهِدَا عليه بقَذْفِ زَوْجَتِه، قُبِلَتْ شَهادَتُهما؛ لأنَّهما لم يُرَدَّا في هذه الشَّهادةِ. ولو شَهِدا أنَّه قَذَفَ امْرأتَه، ثم ادَّعَيا بعدَ ذلك أنَّه قَذَفَهما، فإن أضافا دَعْواهما إلى ما قبلَ شهادَتِهما، [بَطَلَتْ شَهادَتُهما](3)؛ لاعْتِرافِهما أنَّه كان عَدُوًّا لهما حينَ شَهِدا عليه. وإن لم يُضِيفاها إلى ذلك الوقتِ، وكان ذلك قبلَ الحُكْمِ بشهادَتِهما، لم يُحْكَمْ بها؛ لأنَّه لا يُحْكَمُ عليه بشَهادةِ عَدُوَّيْن، وإن كان بعدَ الحُكْمِ، لم تَبْطُلْ؛ لأنَّ الحُكْمَ تَمْ قبلَ وُجُودِ المانِعِ، كظُهُورِ الفِسْقِ، وإن شَهِدا أنَّه قَذَفَ امْرأتَه [وأُمَّنا](3)، لم تُقْبَلْ شَهادَتُهما؛ لأنَّها رُدَّتَ في البعضِ للتُّهْمَةِ، فوَجَبَ أن تُرَدَّ في الكُلِّ، وإن شَهِدا على أبِيهِما أنَّه قَذَفَ ضَرَّةَ أُمِّهِما، قُبِلَتْ شهادَتُهما. وبهذا قال مالِكٌ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ في الجَدِيدِ. وقال في القديم: لا تُقْبَلُ؛ لأنَّهُما يَجُرَّانِ إلى أُمِّهِما نَفْعًا، وهو أنَّه يُلاعِنُها فتَبِينُ، ويَتَوَفَّرُ على أُمِّهِما. وليس بشيءٍ؛ لأنَّ لِعانَه لها يَنْبَنِي على مَعْرِفَتِه بِزِناها،
(1) في م: «قذفهما» .
(2)
في الأصل: «أتاه» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا على الشّهادَةِ عليه بما لا يَعْتَرِفُ (1) به. وإن شَهِدا بطَلاقِ الضَّرَّةِ، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، لا تقْبَلُ؛ لأنَّهما يَجُرَّانِ إلى أُمِّهِما نَفْعًا، وهو تَوَفُّرُه على أُمِّهِما. والثَّاني، تُقْبَلُ؛ لأنَّهما لا يَجُرَّان إلى أنْفُسِهما نَفْعًا.
فصل: ولو شَهِدَ شاهدٌ أنَّه أقَرَّ بالعَرَبِيَّةِ أنَّه قَذَفَها، وشَهِدَ آخرُ أنَّه أقَرَّ بذلك بالعَجَمِيَّةِ، ثَبَتَتِ الشَّهادة؛ لأنَّ الاخْتلافَ في العَجَمِيَّةِ والعَرَبِيَّةِ عائدٌ إلى الإقْرارِ دُونَ القَذْفِ، ويجوز أن يكونَ القَذْفُ واحدًا والإقْرارُ به (2) في مَرَّتَين، ولذلك لو شَهِدَ أحدُهما أنَّه أقَرَّ يَوْمَ الخَمِيسِ بقَذْفِها، وشَهِدَ آخر أنَّه أقَرَّ بذلك يومَ الجُمُعَةِ، تَمَّتِ الشَّهادةُ؛ لِما ذَكَرْناه. وإن شَهِدَ أحَدُهما أنَّه قَذَفَها بالعَرَبِيَّةِ، وشَهِدَ آخَرُ أنَّه قَذَفَها بالعَجَمِيَّةِ، أو شَهِدَ أحَدُهُما أنَّه قَذَفَها يومَ الخميسِ، وشَهِدَ الآخَر أنَّه [قَذَفَها يومَ الجُمُعَةِ، أو شَهِدَ أَحَدُهما أنَّه](3) أقَرَّ بقَذْفِها [بالعَرَبِيَّةِ، أو يومَ الخميسِ، وشَهِدَ الآخَر أنَّه قَذَفَها](3) بالعَجَمِيَّةِ، أو يومَ الجُمُعَةِ، ففيه وَجْهان؛ أحدُهما، تَكْمُلُ الشَّهادَةُ. وهو قولُ أبِي بكرٍ، ومذهَبُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّ الوَقْتَ ليس ذِكْره شَرْطًا في الشَّهادَةِ بالقَذْفِ، وكذلك اللِّسان، فلم يُؤثِّرْ الاخْتِلاف فيه، كما لو شَهِدَ أحَدُهُما أنَّه أقَرَّ بقَذْفِها يومَ الخميسِ بالعَرَبِيَّةِ، وشَهِدَ الآخَر أنَّه أقَرَّ بقَذْفِها يومَ الجُمُعَةِ بالعَجَمِيَّةِ. والثَّاني، لا تَكْمُلُ الشَّهادَة. وهر مذهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّهما قذفان لم تتِمَّ الشَّهادَة على واحدٍ
(1) في الأصل، تش:«يعرف» .
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل.