الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْمَجْنُونَةَ، عُزِّرَ، وَلَا لِعَانَ بَينَهُمَا.
ــ
فلا ضَرْبَ فيه، ولا لِعانَ. كذلك (1) قال الثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وأبو عُبَيدٍ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْي، وابنُ المُنْذِرِ، قال (2): ولا أحْفَظُ عن غيرِهم خِلَافهم.
3803 - مسألة: (وإن قَذَفَ زَوْجَتَه الصَّغِيرَةَ أَو المَجْنُونَةَ، عُزِّرَ، ولا لِعانَ بَينَهُمَا)
وجُمْلَةُ ذلك، أن الزَّوْجَ إذا قَذَفَ امْرأتَه وأحَدُ الزَّوْجَين غيرُ مُكَلِّفٍ، فلا لِعانَ بينَهما؛ لأنَّه قَوْلٌ تَحْصُلُ وبه الفُرْقَةُ، فلا يَصْحُّ مِن غيرِ مُكَلَّفٍ، كالطَّلاقِ، أو يَمِين، فلا يَصِحُّ مِن غيرِ مُكَلفٍ، كسائِرِ الأيمانِ، ولا يَخْلُو غيرُ المُكَلَّفِ مِن أن يكون الزَّوجَ، أو الزَّوجةَ، أو هُمَا (3)؛ فإنْ كان الزَّوجَ فله حالان؛ أحَدُهما، أن يكونَ طِفْلًا. والثَّاني، أن يكونَ بالِغًا زائِلَ العَقْلِ. فإن كان طِفْلًا لم يَصِحَّ منه القذْفُ، ولا يَلْزَمُه به حَدٌّ؛ لأنَّ القَلمَ مَرْفُوعٌ عنه، وقولَه غيرُ مُعْتَبَرٍ. وإن أتَتِ امْرَأتُه بوَلَدٍ، وكان له دُونَ عشْرِ سِنِينَ، لم يَلْحَقْه نَسَبُه،
(1) بعده في م: «وبه» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «أحدهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكان مَنْفِيًّا عنه؛ لأنَّ العِلْمَ (1) يُحِيطُ بأنَّه ليس منه، فإنَّ اللهَ عز وجل لم يُجْرِ العادَةَ بأن يكونَ له وَلَدٌ لدونِ ذلك، فيَنْتَفِي عنه، كما لو أتَتْ به المرْأةُ لِدونِ سِتَّةِ أشْهُرٍ منْذُ تَزَوَّجَها. وإن كان ابنَ عشْر فصاعِدًا، فقال أبو بكرٍ: لا يُلْحَقُ به إلَّا بعدَ البُلُوغِ أيضًا؛ لأنَّ الوَلَدَ لا يُخْلَقُ (2) إلَّا مِن ماءِ الرجلِ والمرْأةِ، ولو أنْزَلَ لبَلَغَ. وقال ابنُ حامِدٍ: يُلْحَقُ به. قال القاضي: وهو ظاهِر كلامِ أحمدَ. وهو مذهث الشافعيِّ؛ لأنَّ الوَلَدَ يُلْحَق بالإمْكانِ وإن خالفَ الظَّاهِرَ، ولهذا لو أتَت بوَلَدٍ لِسِتَّةِ أشْهُر مِن حِينِ العَقْدِ، لَحِقَ بالزَّوْجِ، وإن كان خِلَافَ الظَّاهِرِ، وكذلك يُلْحَقُ به إذا أتَتْ به لأرْبعِ سِنِينَ، مع نُدْرَته. وليس له (3) نَفْيه في الحالِ، حتَّى يُتَحَقَّقَ بُلُوغُه بأحَدِ أسْبابِ البُلُوغِ، فله نَفى الوَلَدِ أو اسْتِلْحَاقه. فإنْ قِيلَ: فإذا أَلْحَقْتُم به الوَلَدَ، فقد حَكَمْتُم بِبُلُوغِه، فهَلَّا سَمِعْتم نَفْيَه ولِعانَه؛ قُلْنا: إلْحَاقُ الوَلَدِ يَكْفِي فيه الإِمْكانُ، والبُلُوغ لا يَثْبُتُ إلَّا بسَبَبٍ (4) ظاهِر، ولأن إلْحاقَ الوَلَدِ به حَقٌّ عليه، واللِّعانُ حَقٌّ (3) له، فلم يَثْبُتْ مع الشَّكِّ. فإن قِيلَ: فإن لم يَكنْ بالِغًا، انْتَفَى عنه الوَلَدُ، وإن كان بالِغًا انْتَفَى عنه باللِّعانِ (5).
(1) في الأصل: «القلم» .
(2)
في الأصل، تش:«يلحق» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في الأصل: «كسب» .
(5)
في م: «اللعان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قُلْنا: إلا أنَّه لا يجوزُ أن يَبتَدِئَ اليمينَ مع الشَّكِّ في صِحَّتِها، فسَقَطَتْ للشَّكِّ فيها. الثَّاني، إذا كان زائِلَ العَقْلِ لجُنُونٍ، فلا حُكْمَ لِقَذْفِه؛ لأنَّ القَلَمَ عنه مَرْفوعٌ أيضًا (1). وإن أتَتِ امْرَأتُه بوَلَدٍ، فنَسَبُه لاحِقٌ به، لإِمْكانِه، ولا سَبِيلَ إلى نَفْيِه مع زَوالِ عَقْلِه، فإذا عَقَلَ، فله نَفْيُ الوَلَدِ حينئذٍ واستِلْحاقُه. وإنِ ادَّعى أنَّه كان ذاهِبَ العقلِ حِينَ قَذْفِه، فأنْكَرَتْ ذلك، ولأحَدِهما بَيِّنَةٍ بما قال، ثَبَتَ قولُه. وإن لم يكنْ لواحِدٍ منهما بَيِّنَةٍ، ولم يكنْ له حالٌ عُلِمَ فيها زَوالُ عقْلِه، فالقولُ قولُها مع يَمِينِها؛ لأنَّ الأصلَ [السلامةُ والظَّاهرَ](2) الصِّحةُ. وإن عُرِفَتْ له حالُ جُنُونٍ، ولم تُعْرَفْ له حالُ إفاقَةٍ، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه، وإن عُرِفَتْ له حالُ جُنُونٍ وحالةُ إفاقَةٍ، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، القولُ قولُها. قال القاضي: وهو قِياسُ قولِ أصحابِنا في المَلْفُوفِ إذا ضَرَبَه فَقَدَّه، ثم ادَّعَى أنَّه كان مَيِّتًا، وقال الوَلِيُّ: كان حَيًّا. والوجهُ الثاني، أنَّ القولَ قولُه؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءَةُ ذِمتِه مِن الحَدِّ، فلا يَجبُ بالشكِّ، ولأنَّ الحَدَّ يَسْقُطُ بالشُّبْهَةِ، ولا يُشْبهُ هذا المَلْفُوفَ؛ لأنَّ المَلْفُوفَ قد عُلِمَ أنَّه كان حَيًّا، ولم يُعْلَمْ منه ضِدُّ ذلك، فنَظيرُه في مَسْألتِنا أنَّه يُعْرَفُ له حالُ إفاقَةٍ، ولا يُعْلَمُ منه ضِدُّها، وفي مَسْأَلتِنا قد تَقَدَّمَتْ له حالُ جُنُونٍ، فيَجوزُ (1) أن تكونَ قد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتَمَرَّتْ إلى حِينِ قَذْفِه. فإن كانتِ الزَّوْجَةُ غيرَ مُكَلَّفَةٍ، فقَذَفَها الزَّوْجُ، فإن كانت طِفْلَةً لا يُجَامَعُ مِثْلُها، فلا حَدَّ على قاذِفِها؛ لأنَّه قَوْلٌ يُتَيَقَّنُ كذبُه فيه، وبَراءةُ عِرْضِها منه، فلم يَجِبْ به حَدٌّ، كما لو قال: أهلُ الدُّنيا زُنَاةٌ. ولكنَّه يُعَزَّرُ للسَّبِّ لا للقَذْفِ، ولا يُحْتاجُ في التَّعْزِيرِ إلى مُطالبَةٍ؛ لأنَّه مشْرُوعٌ لتَأْدِيبِه، للإمامِ فِعْلُه إذا رَأى ذلك. فإن كانت يُجامَعُ مِثْلُها، كابنةِ تسعِ سِنِينَ، فعليه الحَدُّ، وليس لِوَلِيِّها ولا لها المطالبة به حتَّى تَبْلُغ، فإذا بَلَغتْ فطالبَتْ، فلها الحَدُّ، وله إسْقاطُه باللِّعانِ، وليس له لِعانُها قبلَ البُلُوغ، لأن اللِّعانَ يُرادُ لإسْقاطِ الحَدِّ أوْ نَفْي الوَلَدِ، ولا حَدَّ عليه (1) قبلَ بُلُوغِها، ولا وَلَدَ فيَنْفِيَه، وإن أتَتْ بوَلَدٍ حُكِمَ ببُلُوغِها، لأنَّ الحَمْلَ أحَدُ أسْبابِ البُلُوغِ، ولأنَّه لا يكونُ إلا مِن نُطْفَتِها، ومِنٍ ضَرورَتِه إنْزالُها، وهو مِن أسْبابِ بُلوغِها. فإن قَذَفَ امْرأتَه المَجْنُونَةَ بزِنًى وأضافَه إلى حالِ إفاقَتِها، أو قَذَفَها وهي عاقِلَةٌ، ثم جُنَّتْ، لم يَكنْ لها المُطالبةُ، ولا لِوَلِيِّها قبلَ إفاقَتِها، لأنَّ هذا طَرِيقُه التَّشَفِّي، فلا يَنُوبُ عنه الوَلِيُّ فيه، كالقِصاصِ، فإذا أفاقَتْ فلها المُطالبَةُ بالحَدِّ، وللزَّوْجِ إسْقاطُه باللِّعانِ. وإن أرادَ لِعانَها في حالِ جُنُونِها، ولا وَلَدَ يَنْفِيه، لم يكنْ له ذلكَ؛ لعَدَمِ الحاجةِ إليه، لأنَّهْ لم يَتَوَجَّهْ عليه حَدٌّ فيُسْقِطَه، ولا نَسَبٌ، فيَنْفِيَه. وإن
(1) سقط من: الأصل.
فَصْل: الشَّرْطُ الثّانِي، أَنْ يَقْذِفَهَا بِزِنًى، فَيَقُولَ: زَنَيتِ. أَوْ: يَا زَانِيَةُ. أوْ: رَأْيتُكِ تَزْنِينَ. سَوَاءٌ قَذَفَهَا بِالزِّنَى في الْقُبُلِ أو الدُّبُرِ.
ــ
كان هناك وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَه، فالذي يَقْتَضِيه المذهبُ [أنَّه لا](1) يُلاعِنُ، ويَلْحَقُه الوَلَدُ؛ لأنَّ الولَدَ إنَّما يَنْتَفِي باللِّعانِ مِن الزَّوْجَين، وهذه لا يَصِحُّ منها لِعانٌ. وقد نَصَّ أحمدُ في الخَرْساءِ، أنَّ زَوْجَها لا يُلاعِنُ. فهذه أوْلَى. وقال الخِرَقِيُّ في العاقِلَةِ: لا يعْرَضُ له حتَّى تُطالِبَه زَوْجتُه. وهذا قولُ أصْحابِ الرَّأْي؛ لأنها أحَدُ الزَّوْجَين، فلم يُشْرَع اللِّعانُ مع جُنُونِه، كالزَّوْجِ، ولأَنَّ لِعانَ الزَّوْجِ وحدَه لا ينْتَفِي به الوَلَدُ، فلا فائِدَةَ في مَشْرُوعِيَّتِه. وقال القاضي: له أن يُلاعِنَ لنَفْي الوَلَدِ؛ لأنَّه مُحْتاجٌ إلى نَفْيه، فيُشْرَعُ له طريقٌ إليه. وقال الشَّافِعيُّ: له أنْ يُلاعِنَ. وظَاهِرُ مذهبِه أنَّ له لِعانَها مع عَدَمِ الوَلَدِ؛ لدُخُولِه في عُمومِ قولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَجَهُمْ} . ولأنَّه زَوْجٌ مُكَلفٌ، قاذِفٌ لامْرأتِه التي يُولَدُ لمِثْلِها، فكان له أن يُلاعِنَها، كالعاقِلَةِ.
فصل: قال الشَّيخُ، رحمه الله:(الشَّرْطُ الثَّاني، أن يقْذِفَها بالزِّنَى، فيقولَ: زَنَيتِ. أو: يا زانِيَةُ. أو: رَأَيتُكِ تَزْنِينَ. وسواءٌ قَذَفَها بِزِنًى في القُبُلِ أو في الدُّبُرِ) لأنَّ كلَّ قَذَفٍ يجبُ به الحَدُّ، وسواءٌ في ذلك الأعْمَى والبَصِيرُ. نَصَّ عليه أحمدُ. وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، والشَّافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ. وهو قولُ عطاءٍ. وقال يَحيى الأنْصارِيُّ، وأبو الزِّنادِ، ومالِكٌ: لا يكونُ
(1) في الأصل، تش:«أن» .