الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ وَطِئَهَا في الْفَرْجِ وَطْاءً مُحَرَّمًا، مِثْلَ أَنْ يَطَأهَا حَال الْحَيضِ، أو النِّفَاسِ، أو الْإحْرَامِ، أوْ صِيَام فَرْض مِنْ أحَدِهِمَا، فَقَدْ فَاءَ إِلَيهَا؛ لأنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِهِ. وَقَال أَبو بَكْرٍ: الأصَحُّ أنهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَيئَةِ.
ــ
حَقِّها، فأشبَهَ ما لو وَطِئَ. والثاني، لا يَخْرُجُ مِن حُكْمِ الإيلاءِ؛ لأنَّه ما وَفَّاها حَقَّها، وهو باقٍ على الامْتِناعِ مِن الوَطْءِ بحُكْمِ اليَمِينِ، فكان مُولِيًا، كما لو لم تَفْعَلْ به ذلك. والحُكْمُ فيما إذا وَطِئَ وهو نائِمٌ كذلك؛ لأنَّه لا يَحْنَث به.
3709 - مسألة: (وإن وَطِئَها في الفَرْجِ وطْأً مُحَرَّمًا، مثلَ أن يَطَأ في الحَيضِ، أو النِّفاسِ، أو الإحْرام، أو صِيام فَرْض مِن أحَدِهما)
أو مُظاهِرًا (فقد فاء إليها؛ لأنَّ يَمِينَه انْحَلَّتَ) فزَال حُكْمُها، وزَال عنها الضرَرُ. وهذا مذهبُ الشافعيِّ. وقال أبو بَكْرٍ: قِياسُ المذهبِ أن لا يخْرُجَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن الإِيلاءِ؛ لأنَّه وَطْءٌ لا يُؤْمَرُ به في الفَيئَةِ، [فلم يَخْرُجْ به مِن الفَيئَةِ، كالوَطْءِ في الدُّبُرِ. والذي ذكَرَه لا يَصِحُّ؛ لأنَّ يَمِينَه انْحَلَّتَ، ولم يَبْقَ مُمْتَنِعًا مِن الوَطْءِ بحُكْمِ اليَمِينِ](1)، فلم يَبْقَ الإِيلاءُ، كما لو كَفَّرَ يَمِينَه، أو كما لو وَطِئَها مَرِيضَةً. وقد نَصَّ أحمدُ في مَن حَلَفَ ثم كفَّرَ يَمِينَه؛ أنَّه لا يَبْقَى مُولِيًا، لعَدَمِ حُكْمِ اليَمِينِ، مع أنَّه ما وَفَّاها حَقَّها، فَلأن [يزُولَ بزوالِ اليَمِينِ](2) بحِنْثِه فيها أوْلَى. وقد ذَكَرَ القاضي في المُحْرِمِ والمُظاهِرِ، أنَّهما إذا وَطِئَا فقد وَفَّياها حقَّها. وفارَقَ الوَطْءَ في الدُّبُّرِ؛ فإنَّه لا يَحْنَثُ به، وليس بِمَحَل للوَطْءِ، بخِلافِ مسْألَتِنا.
فصل: فإن كان الإِيلاءُ بتَعْليقِ عِتْقٍ أو طَلاقٍ، وَقَعَ بنَفْسِ الوَطْءِ؛ لأنَّه مُعَلَّق بصِفَةٍ، وقد وُجِدَتْ. وإن كان على نَذْرِ عِتْقٍ، أو صَوْمٍ، أو صلاةٍ، أو حَجٍّ، أو غيرِ ذلك مِن الطَّاعاتِ أو المُباحاتِ، فهو مُخيَّرٌ بينَ الوَفاءِ به، وبينَ التَّكْفيرِ؛ لأنَّه نَذْرُ لَجاجٍ (3) و (4) غَضَبٍ، وهذا حُكْمُه. فإن عَلَّقَ طَلاقَها الثَّلاثَ بوَطْئِها، لم يُؤْمَرْ بالفَيئَةِ، وأُمِرَ بالطَّلاقِ؛ لأنَّ الوَطْءَ غيرُ مُمْكِنٍ؛ لكَوْنِها تَبِينُ منه بإيلاجِ الحَشَفَةِ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «تزول اليمين» وفي م: «يزول» .
(3)
اللجاج: الخصومة.
(4)
في م: «أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيَصِيرُ مُسْتَمْتِعًا بأجْنَبِيَّةٍ. وهذا قولُ بعْضِ أصحابِ الشافعيِّ. وأكْثَرُهم قال: تجوزُ الفَيئَةُ؛ لأنَّ النَّزْعَ تَرْكٌ للوَطْءِ. وتَرْكُ الوطْءِ ليس بوَطْءٍ. وقد ذَكَرَ القاضي أنَّ كلامَ أحمدَ يقتَضِي رِوايَتَين، كهذَينِ الوَجْهَينِ. قال شيخُنا (1): واللَّائِقُ بمَذْهَبِ أحمدَ تَحْرِيمُه لوُجُوهٍ ثلاثةٍ، أحدُها، أنَّ آخِرَ الوَطْءِ يحْصُلُ في أجْنَبيَّةٍ؛ ذَكَرْناه؛ فإنَّ النَّزْعَ يُلْتَذُّ به كما يُلْتَذُّ بالإيلاجِ، فيكونُ في حُكْمَ الوَطْءِ، ولذلك قُلْنا في مَن طَلَعَ عليه الفَجْرُ وهو مُجامِعٌ، فنزَعَ: إنَّه يُفْطِرُ. والتَّحْرِيمُ ها هُنا أوْلَى؛ لأنَّ الفِطْرَ بالوَطْءِ، ويُمْكِنُ مَنْعُ كَوْنِ النَّزْعِ وَطْأَ، والمُحَرَّمُ ها هُنا الاسْتِمْتاعُ، والنَّزْعُ اسْتِمْتاعٌ، فكان مُحَرَّمًا، ولأنَّ لَمْسَها على وَجْهِ التَّلَذُّذِ مُحَرَّمٌ، فصَرُّ الفَرْجِ بالفَرْجِ أوْلَى بالتَّحْرِيمِ. فإن قيلَ: فهذا إنما يحْصُلُ ضَرُورةَ تَرْكِ الوَطْءِ المُحَرَّمِ. قُلْنا: فإذا لم يُمْكِنِ الوَطْءُ إلا بفِعْلِ مُحَرَّم، حَرُمَ ضرورةَ تَرْكِ الحَرامِ، كما لو اخْتَلَطَ لَحْمُ الخِنْزِيرِ بلَحْمٍ مُباحٍ، لا يُمْكِنُه أكْلُه إلَّا بأكلِ لَحْمِ الخِنْزِيرِ، حَرُمَ، ولو اشْتَبَهَتْ مَيتَةٌ بمُذَكَّاةٍ، أو امْرأتُه بأجْنَبِيَّةٍ، حَرُمَ الكُلُّ. والوَجْه الثَّانِي، أنَّه بالوَطْءِ يَحْصُلُ الطَّلاقُ بعدَ الإِصابَةِ، وهو طَلاقُ بِدْعَةٍ، فكما يَحْرُمُ إيقاعُه بلِسانِه، يَحْرُمُ بتَحْقيقِ سَبَبِه. الثَّالِثُ، أنَّه يَقَعُ به طَلاقُ البِدْعَةِ مِن وَجْهٍ آخَرَ، وهو جَمْعُ الثَّلاثِ. فإن وَطِئَ، فعليه النَّزْعُ حينَ يُولِجُ الحَشَفَةَ،
(1) في: المغني 11/ 40.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يَزِيدُ على ذلك ولا يَلْبَثُ، ولا يتَحَرَّكُ عندَ النَّزْعِ؛ لأنَّها أجْنَبِيَّةٌ. فإن فعلَ ذلك، فلا حَدَّ ولا مَهْرَ؛ لأنَّه تارِك للوَطْءِ. وإن لَبِثَ أو تَمَّمَ الإِيلاجَ، فلا حَدَّ عليه لتَمَكُّنِ الشبْهَةِ منه؛ لكَوْنِه وَطْأ في زَوْجَتِه. وفي المَهْرِ وَجْهان؛ أحدُهما، يَلْزَمُه؛ لأنَّه حَصَلَ منه وَطْءٌ مُحَرَّمٌ في مَحَلٍّ غيرِ مَمْلوكٍ، فأوْجبَ المَهْرَ، كما لو أوْلَجَ بعدَ النَّزْعِ. والثاني، لا يَجِبُ؛ لأنَّه تابَع الإيلاجَ في مَحَل مَمْلُوكٍ، فكان تابِعًا له في سُقُوطِ المَهْرِ. وإن نَزَعَ ثم أوْلَجَ، وكانا جاهِلَين بالتَّحْريمِ، فلا حَدَّ عليهما، وعليه المَهْرُ لها، ويَلْحَقُه النَّسَبُ. وإن كانا عالِمَين بالتَّحْرِيمِ، فعليهما الحَدُّ؛ لأنه إيلاجٌ في أجْنَبِيَّةٍ بغيرِ شُبْهَةٍ، فأشْبَهَ ما لو طَلَّقَها ثلاثا ثُمَّ وَطِئَها، ولا مَهْرَ لها؛ لأنَّها مُطاوعَةٌ على الزِّنى، ولا يَلْحَقُه النَّسبُ؛ لأنَّه مِن زِنًى لا شُبْهَةَ فيه. وذكَرَ القاضي وَجْهًا، أنَّه لا حَدَّ عليهما؛ لأنَّ هذا يَخْفَى على كثيرٍ مِن النَّاسِ. وهو وَجْهٌ لأصحابِ الشافعيِّ. والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ الكلامَ في العالمَينِ، وليس هو في مَظنةِ الخَفَاءِ؛ فإنَّ أكثَرَ المُسْلِمِينَ يعْلَمون أنَّ الطَّلاقَ الثَّلاثَ مُحَرِّمٌ للمَرْأةِ. وإن كان أحَدُهما عالِمًا والآخَرُ جاهِلًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نَظَرْتَ؛ فإن كان هو العالِمَ، فلها المَهْرُ، وعليه الحَدُّ، ولا يَلْحَقُه النَّسَبُ؛ لأنَّه زانٍ مَحْدُود. وإن كانت هي العالِمَةَ دُونَه، فعليها الحَدُّ، وحْدَها، ولا مَهْرَ لها، ويَلْحَقُه النَّسَبُ؛ لأنَّ وَطْأه وَطْءُ شبْهَةٍ.
فصل: فإن قال: إن وَطِئْتُكِ فأنتِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي. فقال أحمدُ: لا يَقْرَبُها حتى يُكَفِّرَ. وهذا نَصٌّ تَحْرِيمِها قبلَ التَّكْفيرِ، وهو دليلٌ على تَحْريمِ الوَطْءِ في المسْألَةِ التي قَبْلَها بطَرِيقِ التنبِيهِ؛ لأنَّ المُطَلَّقَةَ ثلاثًا أعْظَمُ (1) تَحْرِيمًا مِن المُظاهَرِ منها. فإذا وَطِيء ها هنا، فقد صار مُظاهِرًا مِن زَوْجَتِه، وزَال حُكْمُ الايلاءِ. ويَحْتَمِلُ أنَّ أحمدَ أراد، إذا وَطِئَها مَرَّةً فلا يَطَؤُها أخْرَى حتى يُكَفِّرَ؛ لكَوْنِه صار بالوَطْءِ مُظاهِرًا، إذ لا يَصِحُّ تقْدِيمُ الكفَّارَةِ على الظِّهارِ؛ لأنَّه سَبَبُها (2)، ولا يجوزُ تَقْدِيمُ الحُكْمِ على سَبَبِه، ولو كَفَّرَ قَبْلَ الظِّهارِ لم يُجْزِئْه. وقد روَى إسْحاقُ، قال: قلتُ لأحمدَ، في مَن قال لزَوْجَتِه: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي إن قَرِبْتُكِ إلى سَنَةٍ. فقال: إن جاءَتْ تَطْلُبُ، فليس له أن يَعْضُلَها بعدَ مُضِيِّ الأرْبَعةِ الأشْهُر، يُقالُ له: إمَّا أن تَفِئَ، وإمَّا أنْ تُطَلِّقَ. فإن وَطِئَها، فقد وَجبَ عليه كَفَّارة، وإن أبى وأرادَتْ مُفارَقَتَه، طَلَّقَها الحاكِمُ عليه. فيَنْبَغِي أن تُحْمَلَ الرِّوايَةُ الأولَى على الوَطْءِ بعدَ الوَطْء الذي صارَ به مُظاهِرًا؛ لِما ذَكَرْناه، فتكونُ الرِّوايَتان مُتَّفِقَتَين. والله أَعلمُ.
فصل: ولو انْقَضَتِ المُدَّةُ، فادَّعَى أنَّه عاجِر عن الوَطْءِ؛ فإن كان
(1) في تش: «أكثر» .
(2)
في الأصل: «شبهها» .