الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: الانطلاق في عصر الأسرة الثامنة عشرة
في السياسة الداخلية
…
أولًا: الانطلاق في عصر الأسرة الثامنة عشرة 1575 - 1308ق. م
في السياسة الداخلية:
استعادت الملكية في عصر الأسرة الثامنة عشرة هيبتها التقليدية، بشخصيات فراعنتها وجهودهم في سبيل توطيد استقلال دولتهم وتنمية ثرائها وتوسيع حدودها وإعلاء شهرتها. وإن كانت أغلب هذه الجهود من حيث الواقع العملي من كسب أعوان الملوك والشعب أكثر مما هي من كسب الملوك أنفسهم على الرغم من كفاية أغلبهم وتأثيرهم في سياسة عهودهم. واستمسكت هذه الملكية بما استمسكت به الملكيات القديمة المستقرة من حيث الإصرار شكلًا على الأقل على المركزية الواسعة وادعاء حق الحكم الإلهي والقول بالوراثة المقدسة والبنوة للآلهة الكبار. وعمرت أسرة أحمس على العرش أكثر من قرنين ونصف قرن، وهي فترة كبيرة في عمر الأسر الحاكمة. وتعاقب من صبها اثنا عشر فرعونًا، كانوا على التوالي1:
أحمس الأول "نب بحتي رع": 1575 - 1550ق. م.
أمنحوتب الأول "جسر كا رع": 1550 - 1528
تحوتمس الأول "عا خبر كا رع": 1528 - 1510؟
تحوتمس الثاني "عا خبرن رع": 1510؟ -1490؟
حاتشبسوت "ماعت كا رع": 1490؟ -1468
تحوتمس الثالث "من خبر رع": 1468 - 1463، فضلًا عن تسع سنوات في حكم مشترك منذ 1490
أمنحوتب الثاني "عا خبرو رع": 1436 - 1413
تحوتمس الرابع "من خبرو رع": 1413 - 1405
أمنحوتب الثالث "نب ماعت رع": 1405 - 1367
أمنحوتب الرابع "آخناتون""نفر خبرو رع": 1367 - 1350
سمنخ كا رع "عنخ خبرو رع": 1350 - 1347
توت عنخ آمون "نب خبرو رع": 1347 - 1339
ثم خلف هؤلاء ملكان من خارج الأسرة يمثلان -وثانيهما على وجه أخص- مرحلة انتقالية بينها وبين الأسرة التالية لها، وهما:
آي "خبر خبرو رع": 1339 - 1335
حورمحب "جسر خبرو رع": 1335 - 1308؟ ق. م.
1 أخذنا في تحديد تواريخ حكم هؤلاء الفراعنة برأي الأستاذ ألن جاردنر.
Cf. A. H. Gardiner، Egypt Of The Pharaohs، 1961. 443.
ويختلف عنه كل من دريوتون وفاندييه وجون ولسن وغيرهم.
وكالمألوف من مصادر التاريخ القديم، اهتمت نصوص العصر ومناظره بإظهار الجوانب الطيبة وحدها من شخصيات الفراعنة، ولم تشذ عن ذلك في غير القليل النادر، ولسنا ننفي احتمال الافتعال فيما أتت به هي وأمثالها عن ملوكها، ولكننا لن نستطيع أن نحرمها في الوقت نفسه من إثارات صدق كثيرة أو قليلة زكتها أعمال أصحابها. وهكذا، وبغير أن نتقيد تمامًا بحرفية رواياتها، صورت هذه المصادر بعض فراعنتها قريبين كل القرب من قلوب رعاياهم، حتى لقد أنزلوهم منازل القديسين بعد وفاتهم، ومنهم أحمس رأس الأسرة، وولده أمنحوتب الأول الذي رأى أهل طيبة في مناقبه ومناقب أمه أحمس نفرتاري ما دعاهم إلى التبرك بتصويرهما داخل مقابرهم وتقديم الابتهالات لهما لبضعة قرون بعد وفاتهما. وتحوتمس الثالث الذي لم تحل طبيعته العسكرية دون أن يصفه وزيره رخميرع بأنه "كان أبًا وأمًّا للناس أجمعين"1. وأن يشهد رفيق صباه "من خبر رع سنب" برقة إحساسه وذوقه حين أشار إلى أنه كان يقضي بعض ساعاته في ابتكار تصميمات ورسوم لأوانٍ فاخرة وهيئات تماثيل صغيرة كان يهديها إلى معبد آمون ويكلف فنانيه بتنفيذها، ولم تصرفه حروبه الطويلة عن أن يوصي بجمع الزهور والنباتات النادرة والطيور المختلفة من أرجاء دولته الواسعة وتربيتها في مصر2، وقد أهدى بعضها إلى حديقة الكرنك وأوحى بنقش صورها المتنوعة في قاعة ملحقة به3. ثم آخناتون صاحب دعوة التوحيد الذي اعتبره أنصاره نبيًّا، أو أكثر من نبي، والذي سلك سبيله إلى قلوب أتباعه بالمنطق والقدوة الطيبة، وسارع بنفسه وزوجته وبناته إلى معابد العاصمة يؤم العبادة ويرتل الدعوات، وابتعد بنفسه وبآل بيته عن مظاهر التزمت الملكي التقليدية وخرج بهم على أهل العاصمة يرونه ويرونهم على ما هم عليه. وفتح مغاليق حياته الخاصة للمثالين والرسامين. فصوروه في بشريته الخالصة، وفي فرحه وحزنه، وعبثه وجده، وما ابتلي به من أعراض المرض وعيوب البدن. وإن اعتبره خصومه على الرغم من ذلك كان
…
ثم أنصفه التاريخ واعتبره فيلسوفًا.
وعادة ما ازداد تمسح أولئك الفراعنة بالدين وكرامات آمون رع كلما أحس أحدهم بشبهة يمكن أن تمس شرعية ولايته للعرش، وحينئذ يسارع إلى تأكيد تدخل آمون رع رب الدولة بنفسه في اختياره، أو يسارع بتأكيد بنوته المباشرة له نتيجة لتقمصه روح أبيه حين أنجبه. وعبرت عن هذه الادعاءات أربع روايات للفراعنة: حاتشبسوت وتحوتمس الثالث وتحوتمس الرابع وأمنحوتب الثالث. وكانت حاتشبسوت ابنة للفرعون تحوتمس الأول من زوجة رئيسية، وكان المفروض أن تخلفه على العرش، لولا أن سوابق حكم الملكات في مصر القديمة لم تشجعه ولم تشجعها على إعلان تتويجها دفعة واحدة فزوجها من أخ لها غير شقيق ولد له من زوجة أقل مرتبة من أمها وولي العرش بعده باسم تحوتمس الثاني. ونجحت هي في أن تؤكد شخصيتها في عهد هذا الزوج وعلى حسابه وأن تمهد لخلافتها إياه. ثم حالفها الحظ واختطفه الموت بعد أن أنجب منها بنتين وأنجب ولدًا من زوجة أخرى، ولكنها آثرت الحذر مرة أخرى، فلم تعلن نفسها
1 Zaes، LX، 66.
2 Breasted، Ancient Records، II، 545، 773، 557.
3 Urk.، IV، 775 F.; Wresz.، Atlas، Ii، 26 F.
ملكة على التو، وإنما قدمت ابن زوجها الذي ولي العرش باسم تحوتمس "الثالث" وزوجته بنتها حاتشبسوت وجعلت نفسها شبه وصية عليه نحو ثمانٍ أو تسع سنوات استغلتها في تجميع الأنصار حولها. وعندما اطمأنت إلى قوة مركزها وكثرة مريديها نحت الغلام جانبًا وأرغمته على الاعتكاف، وبررت فعلتها فأوحت على أتباعها بقصة نشروها بين الناس ثم سجلوها تصويرًا في لوحات فنية كبيرة على جدران معبدها في الدير البحري بطيبة الغربية1، وأكدوا فيها أن الإله آمون رع أنجبها بنفسه أو من روحه، وأن أباها البشري تحوتمس الأول ارتضى هذه البنوة وأعلنها شريكة له في الحكم خلال حياته وأوصى لها بالملك بعد وفاته. وبدأت القصة بتصوير مشاعر آمون إزاء أمها أحمس، فأظهرته يدبر أمره لإيجاد وريث شرعي من سلالته يحكم مصر ويعوضها عما سلف من أمرها، ثم صورته ينصرف بتفكيره ورغبته إلى الملكة أحمس بعد أن تشاور في شأنها مع صفيه ورسوله الإله تحوتي وسمع منه الثناء المستفيض عليها، وحينئذ أعلن لبقية الأرباب أنه سيهبها مولودًا من صلبه يعتلي العرش، وأنه قضى بجعل مولوده المرتقب أنثى. وتحققت المعجزة وحملت الملكة، وأوحى آمون فيما ادعت القصة إلى المعبود خنوم المتكلف بخلف البشر بأن يصور بدن الجنين من صلصال ففعل، واختار آمون اسم المولودة من سياق حديث شائق دار بينه وبين أمها، فسماها "حاتشبسوت خنمة آمون" بمعنى ذروة النبيلات صفية آمون وقدم مولودته إلى الأرباب باعتبارها وريثته على الأرض. ثم تلقى أبوها البشري تحوتمس إرادة آمون عن رضا وأعلنها على الناس. ولما أصبحت الابنة شابة جميلة نضرة تضارع الربة "إحو" في زمانها، طاف بها على المعابد الكبرى وأعلنها خليفته على العرش2.
وجرى تحوتمس الثالث على سبيل مشابه ليفسد على خصيمته دعواها، فروت نصوصه قصة يبدو أن أباه كان قد دبرها مع الكهنة؛ ليقيه ضرر طموح حاتشبسوت. وذكرت أنه حدث خلال عيد ديني كبير في الكرنك أن انتحى تحوتمس الصغير جانبًا من البهو الشمالي للمعبد ليشهد منه موكب ربه آمون، وكان حين ذلك قد انتظم في التربية الدينية بالمعبد ولكنه لم يكن قد بلغ بعد منصب "خادم الرب". وعندما مر الموكب والفرعون في مقدمته تعمد "تمثال" الإله أن يتجه بموكبه على البهو الشمالي ويطوف به، وقد تبعه الكهنة ورجال الدولة دون أن يعلموا حقيقة هدفه، حتى بلغ موضع تحوتمس الصغير وتوقف عنده، فخر الأمير ساجدًا، واعتبرها الكهنة حينذاك آية، وفسروها برغبة الإله في اختيار الطفل لعرش آبائه. وبوحي الإله أنهضوا الأمير وقدموه في الموضع المخصص للحاكم، وبعدها انكشفت له آفاق ربه وطار إلى سمائه وتلقى منه ألقابه، أو هكذا روت القصة3.
وكان لحفيده تحوتمس الرابع عدة إخوة من أمهات مختلفات، وفي سبيل تأييد حقه في العرش أشاع قصة عرفت اصطلاحًا باسم قصة الرؤيا، ومؤداها أنه حدث في إحدى رحلات صيده للغزلان بصحراء الجيزة
1 E. Naville، The Temple Of Deir Et-Bahari، Ii، Pl. 47 F.
2 راجع رأينا فيما يمكن استنتاجه من وقائع وعادات من هذه القصة في كتابنا عن: الأسرة في المجتمع المصر القديم – القاهرة 1961، ص35 - 39.
3 Urk، Iv، 157 F.
أن آوي إلى الظل بجوار تمثال أبو الهول، وأخذته سنة من النوم رأى الإله فيها يتحدث إليه بلسان مبين ويقول له فيما روى: "ولدي تحوتمس، تأملني فأنا أبوك، إني واهبك ملكي على الأرض لتصبح سيدًا على الأحياء
…
، وستكون لك الأرض بطولها والعرض، وكل ما تضيئه عين رب الكل
…
، وهأنذا موليك وجهي فكن حفيظًا على شئوني
…
" إلخ1. وكان في ذلك إيحاء إلى الناس بتفضيل الإله إيله ليتولى عرشه.
وأحاطت بتولية ولده أمنحوتب الثالث ظروف لا ندري حقيقة تفاصيلها، جعلته يدعي الميلاد الإلهي هو الآخر. ومن هذه الظروف احتمال بنوته لأم ميتانية الأصل تزوجها أبوه تحوتمس الرابع ليؤكد صلاته بدولة الميتان. وعندما خشي أمنحوتب أن تعيبه أجنبية أمه ادعى هو وأنصاره أن آمون أنجبه منها بنفسه أو من روحه بعد أن اصطفاها وارتضاها لذاته. وصوروا هذا الادعاء في لوحات فنية كبيرة بمعبد الأقصر، وبمراحل تشبه مراحل ميلاد حاتشبسوت.
ولسنا ندري مدى تصديق المصريين لهذه الادعاءات من هذا الفرعون أو ذاك، ولكن حسبها ما تدل عليه من اعتقاد الفراعنة بأن الأمر الواقع في ارتقاء العرش والهيمنة على السلطة لا يكفي، وأنه لا بد من تأييده بسند من الدين يُرضي الكهان والخاصة والعوام.
وفت الأسرة الثامنة عشرة لمدينة طيبة واحتفظت بها عاصمة أولى للدولة، باعتبارها مسقط رأس ملوكها، والأتون الذي انبعثت منه شرارة التحرير، وباعتبارها مقر آمون رع الذي استعان أجداد الأسرة به لصبغ جهادهم ضد الهكسوس بصبغة مقدسة، وظل خلفاؤهم يحاربون تحت رايته ويردون انتصاراتهم إلى تأييده ونصره. وكان في كل هذا ما عوض طيبة في أقصى الصعيد عن ميزة الموقع المتوسط بعد أن اتسعت حدود الدولة اتساعًا كبيرًا ناحية الشمال. وقد تجلى الاهتمام بها وبإلهها في كثرة ما أقيم فيها على مر الزمن من عمائر ومعابد دنيوية وأخروية، في شرقها وفي غربها، وهذه سوف نعرض نماذج مختارة منها في حديثنا عن العمارة والفن في العصر نفسه، ولكن يعنينا هنا أن الإسراف في الاهتمام بآمون ومعابده، والإسراف في رصد الأوقاف الضخمة عليها وعلى عبادته، وقد كانت تبلغ أحيانًا خراج مدن كاملة، والإفساح لكبار كهنته في بلوغ كبرى مناصب الدولة، كل هذا أصبح فيما بعد من عوامل حض آخناتون على ضرورة التغيير في سياق دعوته الدينية إلى توحيد العبادة لإله واحد، حتى يتخلص ضمنًا من كثرة المعابد التي أصبحت تمتص خيرات الدولة بغير طائل، ويتخلص كذلك من تدخل كبار الكهنة الذين أصبحوا قبيل عهده يبدون كأنهم أصحاب دولة داخل الدولة. أما عن تفاصيل دعوة التوحيد نفسها فهذه سيتناولها فصل العقائد الدينية.
1 A. Erman. Die Sphinxstele، 1904.
وظلت الشخصية الثانية بعد الفرعون، هي شخصية الوزير وربما ازدوجت الوزارة حينذاك، فاستقر الوزير الأكبر في طيبة، وظهر أحيانًا وزير آخر في منف التي كانت مركزًا لبعض وحدات الجيش والملاحة ومقرًا لأولياء العهود1. وشغل الوزارة في هذا العصر مدنيون وآخرون جمعوا بين الوزارة وبين رئاسة كهنوت آمون. وسجل "رخميرع" وزير تحوتمس الثالث في نقوش مقبرته بغرب طيبة مرسوم تكليفه بأعباء الوزارة وتعاليم الفرعون له بما ينبغي أن
…
به خلال قيامه بها. وقد لا تكون هذه التعاليم من بنات أكفار تحوتمس كلها، حيث سجلت بصور مختلفة عند وزراء لفراعنة آخرين، ولكنها في مجملها كانت أليق به بما عرف عنه من تجربة وحصافة، ويمكن أن تعتبر في مجملها دستورًا لعلاقة الحكام برعاياهم خلال الدولة الحديثة. وبدأت بقول الملك:"يأبى الرب التحيز، وهذه تعاليم نرجو أن تتبع سبيلها"، ثم استرسل في نصائحه وقال فيما قال: "تطلع إلى منصب الوزير هذا وكن يقظًا لكل ما يحدث فيه، فهو عماد الأرض كلها، ولاحظ أنه ليس بالمنصب الهين، ولكنه مر المذاق
…
، وهو لا يعني "مجرد" تقدير الذات واحترام الرؤساء ورجال البلاط، وليس الغرض منه أن يستعبد الوزير أفرادًا من الشعب
…
، فإذا قصدك شاكٍ من الصعيد أو الدلتا أو من أي بقعة في الأرض، فعليك أن تتأكد من أن كل شيء يجري وفقًا للقانون والعرف. وامنح كل ذي حق حقه
…
، ولاحظ أن من يلي منصبًا كبيرًا يردد الهواء والماء كل ما يفعله ولا يمكن أن تستمر تصرفاته خافية
…
، تصرف وفقًا للعدل، فالمحاباة يمقتها الرب. وإليك نصيحة تتخلق بها: عامل من تعرفه كما تعامل من لا تعرفه، وانظر إلى المقرب إليك نظرك إلى البعيد عنك
…
، لا تشح بوجهك عن صاحب شكوى، ولا تؤمن سريعًا على حديث من يحادثك
…
، لا تغضب على فرد بغير حق، واقصر غضبك على من ينبغي الغضب منه. كن مهيبًا يهابك الناس، والنبيل هو من يجله الناس وتتأتى مهابته إذا أحق الحق
…
، ولكنه إذا أخاف الناس وأسرف في ترويعهم، وكانت به نقيصة، نزلوا به عن مصاف الرجال.
ولسوف تنجح في تحقيق الهدف من منصبك إذا نصرت الحق، فالناس يتوقعون العدل في كل تصرفات الوزير، وتلك سنة القضاء منذ حكم الرب على الأرض
…
، كن عنيفًا مع المتكبر، فالفرعون يفضل من يستحي على من يتكبر
…
"2. وهذه كلها نصائح يمكن أن يصلح الحكم بها في كل عصر.
وزادت مركزة الأمور في يدي الوزير الأعلى "في طيبة" عما كانت عليه قبل الدولة الحديثة، وأصبح إشرافه على ولاة الأقاليم أعم وأكبر، وكان له رسل ومندوبون يعملون كحلقة وصل بينه وبين المصالح الإقليمية ويقدمون تقاريرهم لرؤسائهم ثلاث مرات في العام، الأمر الذي قلل من شأن الأسر الإقطاعية الكبيرة في حكم الأقاليم. واتسعت تبعات الوزير في مقابل ذلك باتساع آفاق الموارد والاستثمارات والمسئوليات في شئون الضرائب والزراعة والري والمنشآت وتنظيمات الجيش والبحرية والأمور الخارجية، في فترات الانطلاق والازدهار من هذا العصر.
1 H. Kees، Priestertum، 62 F.; A. Badawi، Memphis، 53 F.، 58 F.
2 Urk. IV، 1090 F.; K. Sethe، Einsetzung Des Veziers Unter 18 Dyn.، 1902; A.H. Gardiner، Rec. Tr.، XXVI، 1f.; R. Faulkner، “The Installation Of The Vizier”، Jea، XXLI، 18 F.
إصلاحات حور محب "جسر خبرو رع":
لم يكن من المتوقع أن تسير أمور الإدارة سيرًا مثاليًّا أو هادئًا دائمًا، لا سيما في فترات القلق ومنها تلك التي أعقبت عهد آخناتون في أواخر هذا العصر، والتي لم تتخلص مصر منها إلا بعد أن شهدت نشاطها داخليًّا جديدًا ببداية حكم حور محب "1335 - 1308؟ " وكان رجلًا من خاصة الشعب اعتلى العرش بعد أن عز وجود وريث شرعي قوي الشكيمة من صلب الأسرة الثامنة عشرة المالكة. وساعده على بلوغ هدفه خبرته بأمور الحرب وأحوال الإدارة منذ عهد آخناتون، وتمتعه بحزم تطلعت البلاد غليه بعد فترة طال فيها النزع بين القصر الفرعوني وبين كهنوت آمون منذ عهد آخناتون أيضًا، وعجز فيها كل من الفريقين المتنازعين عن أن يحقق لنفسه سيطرة كاملة على الفريق الآخر ويعيد إلى البلاد استقرارها القديم، الأمر الذي أدى إلى سوء الإدارة وإلى تعطل النشاط العسكري في الخارج واجتراء بعض العسكريين العاطلين على حقوق الدولة وأموال المواطنين. وفي بداية حكمه أصدر حور محب مجموعة من المراسيم عرفت اصطلاحًا باسم "قوانين حورمحب". أكد في مقدمتها أسفه على ضياع السلطة في الأرض، وأنه ابتغى بقوانينه أن يمحو بها أعمال النهب والعنف، وأنه أملاها بنفسه على أهل بلاطه، وأنه اختار قضاته الإداريين الجدد لتطبيقها ممن يحسنون القول ويمتازون بالخلق الطيب ويدركون خفايا الأمور .. ويتبين من قوانينه هذه أن الضريبة التي اعتادت الدولة أن تفرضها على جلود الماشية وتجبيها من الزراع والرعاة كل عامين، أصبحت نهبًا مشاعًا لعدد كبير من الموظفين والعسكريين كانوا يغالطون دافعي الضرائب ويجبونها سنويًّا لصالحهم. وأن بعض الجنود كانوا يعتدون على سفن الغلال المتجهة على أمراء الدولة وينهبونها. وأن أصحاب المراكب غالبًا ما كانوا يحرمون من أجورهم على ما يؤدونه من خدمات الدولة، وكانوا يعوضون ذلك بالاشتطاط في طلب أجور باهظة عن النقل المدني. واستهدف حور محب في قوانينه أن يحمي دافعي الضرائب وعمال المزارع، ففرض على المعتدين والمرتشين عقوبات رادعة تمثلت في الجلد بالسياط وجدع الأنف والنفي إلى ثارو على الحدود الشمالية الشرقية. وعمل على تنفيذ مراسيمه من تاريخ صدورها دون أثر رجعي، والمسارعة بمعاقبة المخالفين ليكونوا عبرة لمن سواهم. والحرص على استرداد المسروقات، وإعفاء صاحب الماشية من الضرائب المستحقة عليه إذا سرقت ماشيته أو نفقت بشرط أن يثبت ضياعها أو هلاكها. وكان حازمًا مع رجال جيشه على الرغم من أنه كان منهم، فساوى بينهم وبين غيرهم في الردع والعقاب1.
لم يحل سلطان فراعنة الأسرة الثامنة عشرة دون ذيوع شهرة كبار رجال دولتهم. ولم يتردد هؤلاء الكبار في أن يصفوا أنفسهم علنًا بما كانوا يعتقدون أنهم أهل له من الكفاية والشهرة. ومن هؤلاء القائدان أحمس بن إيانا، وأحمس بانخبة، اللذان سوف نستشهد بنصوصهما في سياق حديثنا عن السياسة الخارجية، وسنموت
1 Urk. Iv، 2140 F.; W. Helck، Zaes، Lxxx، 109 F.; K. Pfluger، Jnes، V، 260 F.; Van De Walle، Chronique D’egypte، 1947، 230 F.، See Also Azes، 1955، 109-136.
وربما امتد نفي المذنبين إلى الواحات والنوبة أيضًا.
صفى حاتشبسوت ومربى ابنتها وكبير مهندسيها، وقد كان من قوله يفخر بمهارته الفنية أو العلمية "ابتدعت أمورًا من تلقاء نفسي فيما نفذته في علمي، لم توجد من قبل في كتابات الأقدمين"1. ثم رخميرع الذي عقب على أخذه بتعاليم مولاه بقوله "هأنذا أتحدث بنفسي وأعلنها حتى يسمعها أولو الألباب. لقد سموت بالعدالة حتى عنان السماء، وجعلت بهاءها يعم الأرض باتساعها، فاستقرت في خياشيم الناس كنسمة الشمال التي تطرد عكوسات البدن
…
، وأبيت المنكر ولم أفعله، وجعلت النمام يُلقى على أم رأسه
…
، ولم أضح بحق من أجل مكافأة، ولم أصم أذني عن صفر اليدين، ولم أقبل رشوة إنسان
…
، وعلمت الجاهل ما ينبغي عليه أن يفعله
…
"2. ثم وصف نفسه بأنه "نبيل يتلو الملك "مباشرة"، ورابع حكم بين الرفيقين المقدسين "حوروست"
…
، بارع في عرف الأحياء، صاحب المقام الأول في رأي الجماهير. وقال في أسلوب طريف وهو يصف حصافته في توجيه سفينة الدولة "كنت ربانًا لا أغفل ليلًا أو نهارًا، وسواء وقفت أم جلست وجهت بصيرتي على مقدمة سفينتي ومؤخرتها. ولم تتراخ يدي عن العصا التي أسبر بها أعماق الماء، وظللت يقظًا حتى لا تجنح "السفينة" مني في فرصة ما .. ".
ووصف حاجب الفرعون تحوتمس الثالث، يدعي إنتف، نفسه بأنه الحكيم المحتبى بالمعرفة، المؤتمن حقًّا
…
، وأنه مكتمل العقل للغاية، ذكر الفؤاد، يدرك النوايا قبل أن تفصح عنها الشفاه، يتكلم عن بصيرة وبوحي رأيه الخاص، ليس من أحد لا يعرفه
…
، خادم للفقير، أب لليتيم
…
، ثم قال: سيطر على ضميري ودفعني إلى أن أن أفعل ما فعلت، وهو وازع جليل، لم أتعد وحيه، وخشيت أن أخالف صوته، فنعمت به كثيرًا وأصبحت كاملًا بما دفعني إلى عمله، وذا مقام بفضل توجيهه
…
، فهو الذي قال الناس عنه إنه معجزة الأرباب، ذلك الكائن في كل جسد، هو الوازع، وهو الهادي إلى خير طريق لبلوغ الكمال
…
"3.
واشتهر من رجال أمنحوتب الثالث أصحاب الفضل في مشاريعه المعمارية والحربية والمدنية سميه أمنحوتب بن حابو، وقد عبر عن خبرته في الدنيا والدين بقوله "تعمقت في الأقوال القدسي، واطلعت على أعمال تحوتي "رب الحكمة" الباهرة، وتزودت بكل أسرارها وكشفت عن كل فصولها واعتاد الناس على أن يستشيروني في كل أمورها
…
"4. واطمأن الفرعون إلى رجله هذا فعهد إليه بتربية ابنته، وسمح له بأن يقيم تماثيله الخاصة في رحاب الكرنك معبد آمون وفي معبد موت5. وذاعت شهرة ابن حابو بالتقى وشجعه ذلك على أن يعد الناس في نقوش تماثيله، إن هم ترحموا عليه، بأن يتشفع لهم من ناحيته عند ربه آمون. وعندما بلغ الثمانين من عمره كان لا يزال يأمل في المزيد، فقال في نقوشه "بلغت الثمانين وأرجو أن أعيش حتى مائة
1 Cairo 42114; Berlin 2296; E. Drioton، Asae، Xxxviii، 231 F.
2 Zaes، Lx، 69.
3 Louvre C 26; Breasted، Op. Cit.، Ii، 763 F.; Zaes، Xxxix، 47 F.
4 Breasted، Op. Cit.، Ii، 915.
5 W. Helck، Der Einfluss Der Militarfuhrer، 3 F.، 12، 22، Etc.