الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أربعة أمور وهي: سهولة التعبير عن الحركات في مقاطعها، وتخليها عن الصور الطبيعية الأصلية في أغلب أحوالها، وذلك في مقابل تطورها إلى مرحلة الحروف الهجائية وعدم استفادة أصحابها من مواد الكتابة التي عرفها المصريون لا سيما صفحات البردي وأنواع المداد. ولو أن هذه الاختلافات كلها لم تحل دون استمرارها قرونًا طويلة عند السومريين وعند من تلاهم من الساميين، بل ولم تقف دون شيوعها من العراق إلى ما يتصل به في شمال بلاد الشام وغرب إيران وشرق الأناضول. وعندما قل استخدامها في أواخر التاريخ العراقي، وغلبت الكتابة الأرامية عليها شيئًا فشيئًا، انطوت في ظل النسيان وأصبحت مجرد رموز وطلاسم، حتى بدأت الدراسات الحديثة تكشف النقاب عنها مرة ثانية منذ أواسط القرن التاسع عشر الميلادي1 "راجع ص373".
وسجل السومريون أعدادهم على هيئة دوائر وأنصاف دوائر أحيانًا، وعلى هيئة خطوط مسمارية قائمة ومائلة تشبه في جملتها هيئة المربعات والمعينات أحيانًا أخرى، واعتبروا العدد 6 بداية الكثرة في الآحاد بعد العدد 5 الذي يمثل نهاية العد على أصابع اليد الواحدة، كما اعتبروا العدد 60 بداية الكثرة في العشرات، وكانوا يرمزون إليه بعلامة مسمارية قائمة شأنه في ذلك شأن الواحد بداية العد. ولعل التقسيم الستيني الحالي للساعات والدقائق كان متأثرًا نوعًا في أصله البعيد بعلم الفلك البابلي المتأثر بدوره بعلم الرياضيات السومري.
وتوافرت للكاتب السومري مكانته في مجتمعه، وكان الكتبة لا يزالون قلة، ويبدو أنهم ظلوا ألصق بالمعابد منهم بغيرها. وظل الناس يحسون بأهميتهم حين يعاملونهم بأسماء الحكام ورؤساء المعابد، وحين يلجئون إليهم لكتابة عقودهم وتحرير رسائلهم أو قراءتها. وكان كتبة الأرشيف يحفظون لوحاتهم الهامة في جرار وسلال يعنونونها ببطاقات صغيرة مسطحة أو بيضية أو مستديرة ويسجلون عليها طبيعة محتوياتها. ومن هذا القبيل ما ذكرته بطاقة صغيرة سجل عليها كاتبها:"لوحات ما جاء به سماكو البحر وسماكو النهر - بارتامتارا زوجة لوجالاندا إنسي لجش - السنة الثانية"، وكان لهذه الزوجة الملكية كاتب خاص سجل على ختمه عبارة "أنيجال كاتب دائرة الزوجة"2.
1 Cf. S.N. Kramer، Sumerian Mythology، 1944، 1 F.
2 ل. ديلابورت: بلاد ما بين النهرين - تعريب محرم كمال - ص238، 243.
العمارة الدينية "والزقورات
":
توسع السومريون في البناء باللبن، وأزادوا استخدام الآجر الذي استخدمه أسلافهم على نطاق ضيق في بواكير العصر الكتابي1. واستعاضوا به إلى حد ما عن قلة الأحجار في بيئتهم. وشكل المعماريون بعض قوالب اللبن في بداية عصرهم بوجه مسطح وآخر محدب " Plano-Convex"، واستخدموها في المداميك
1 Cf. Frankfort، Op. Cit.، 9.
الرأسية في مبانيهم، وفي عمل العقود فوق الأبواب1، وإن ظلوا يستخدمون معها القوالب العادية الشائعة مسطحة الوجهين2. واستخدموا الدبش والأحجار الغفل لتدعيم أساسات المباني الكبيرة3.
وكالعادة ظلت أطلال المعابد الكبيرة والقصور الكبيرة أكثر بقاء من غيرها، وجرى السومريون على بناء هياكلهم الرئيسية فوق مسطحات عالية، إلى جانب بناء المعابد الأرضية العادية. واشتهرت معابد المسطحات "بعد تطويرها" باسم "زقورة" وبمعنى القمة المرتفعة أو المدببة، وأطلق السومريون اسم "شاخورو" بمعنى "قاعة الانتظار" على كل من الهيكل العلوي الذي يعلو الزقورة وعلى القاعة التي تسبق قدس الأقداس في المعابد الأرضية، ويبدو أنهم عنوا به في الحالة الأولى قاعة انتظار تجلي المعبود في مناسبات خاصة، ثم عرفوها بهذه الصفة باسم "جيجونو". وليس ما يعرف عن هذه المناسبات الخاصة غير إشارات تضمنتها نصوص متأخرة وتحدثت فيها عن أعياد رأس السنة "الزراعية" والزواج المقدس لبعض الأرباب ومنهم دوموزي رب الخصب، الذي يظل حبيسًا في العالم الآخر خلال فصل الجفاف، فتأسى عليه زوجته أو أمه ويشاركها الناس أساها بالعويل والرثاء والدعاء قبيل بداية كل رأس سنة جديدة، وتستمر طقوسهم حينذاك عدة أيام يعتقدون أن دوموزي قد تخلص بعدها من عالم الفناء وبعث من جديد، وحينئذ يعلن الكهنة بداية الزواج المقدس في هيكله، كناية عن عودة الخصب وبداية موسم زراعي جديد، وهكذا وصف دوموزي في بعض نصوصه "المتأخرة أيضًا" بأنه "زوج إشتار العروس
…
خالف بذرة الكباش رءوس القطعان"، وقيل عن رب مدينة لجش في مناسبة مماثلة إنه حين يهبط للزواج المقدس بقرينته يكون "كالعاصفة الهادرة والطير الجارح". ولا زال الباحثون يرتبون على هذه الأعياد، صورًا وتخريجات يستوحونها من النصوص ولكن دون أن يصلوا بها إلى حد اليقين، فيرى بعضه أنه ليس المعبود وحده هو الذي يتزوج زواجًا رمزيًّا في عيد رأس السنة، وإنما اقتضت التقاليد كذلك بأن يدخل الملك الحاكم بمناسة كل عيد بكاهنة ممن نذرن أنفسهن للمعبودة إنانا ربة الحب والتوالد "وصفات أخرى" ضمانًا لخصب التربة وخصب الأرحام، ويستشهد أصحاب هذا التخريج بأغنية سومرية متأخرة تعتبر العروس المقدسة فيها الملك "شوسين آخر ملوك أمور" عريسها وتذكر أنه أسر قلبها وأنها تواجهه واجفة، ثم تخاطبه بلقب الأسد وتطلب إليه أن يحتبيها لنفسه، وتعرض عليه أن تُدلِّله بتلديل أشهى من الشهد، وأن يدللها بدوره ويضاجعها حتى مطلع الفجر
…
5.
ويبدو أن أعياد الزواج هذه كانت تأخذ طابع المرح "بعد أيام النواح والدعاء"، ويجري فيها ما يجري في الأفراح من ولائم ورقص وعزف وقصف، ويدخل المحتفلون ومعهم الأغصان الخضراء وكئوس
1 P. Delougaz، Planoconvex Bricks And The Methods Of Their Employment، Chicago، 1933.
2 Frankfort، Iraq Expedition
…
، 1932-1933، Figs. 5-7، 10-12.
3 Frankfort، The Art And Architecture
…
، 21.
4 Op. Cit.، 30.
5 S. Kramer، Tablets
…
، Ch. Xxiii; Turk. Belleten، Xvi، 345 F.
الشراب على تمثال معبودهم الذي يمثل أحيانًا يمسك كأس شرابه بين يديه هو الآخر. "وعثر في معبد بمدينة خفاجى من أوائل العصر السومري على أكثر من 600 كأس مهشمة يبدو أنها كانت من مخلفات أمثال هذه الأعياد"1.
ولا زال اسم دوموزي باقيًا في تسمية شهر تموز، ويقرن الاعتقاد في بعثه المتجدد بالاعتقاد في بعث أوزير رب الخصب وخلوده في المجتمع الزراعي المماثل في مصر القديمة.
واحتفظت مدن العراق بأطلال بسيطة لمعابد سومرية قديمة منها معبد بلدة خفاجى، وقد بُني وسط مساكن بلدته، وشيد بالتخطيط المستطيل المعتاد فوق مسطح بلغ ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار ونصف المتر، وتقدمه "في مرحلة تجديده الحادية عشرة" فناء صغير، وأحاطب به حجرات جانبية ضمه معها سور بيضي. وتقدمت هذه المجموعة ساحة كبيرة أخرى تضمنت فيما يبدو مباني الإدارة ومساكن الكهنة وأتباع المعبد، وأحاط بهذه الساحة وبمجموعة المعبد معًا سور بيضي آخر كبير يحف بمدخله صرحان مرتفعان2.
ومن نماذج أطلال المعابد الأخرى الباقية، معبد في العقير "جنوبي بغداد بنحو خمسين ميلًا"3، تألف من دكة "مرتفع ممهد" على هيئة نصف الدائرة العلوي، شكلت جدرانها الخارجية بمشكاوات رأسية، ولها درجان متقابلان في نهايتي واجهتها، ويعلوها مسطح يؤدي إليه درج، ويعلو هذا المسطح بناء المعبد العلوي وهو مستطيل شكلت جدرانه الخارجية بمشكاوات رأسية لونت بجص أبيض. وتألف المعبد في داخله من مقصورة رئيسية تتضمن المذبح ومائدة القرابين ويحيط بها صفان من أربع حجرات، وكسيت جدران المقصورة الداخلية بملاط أبيض رسمت عليه أفاريز ملونة من أشكال هندسية وأشكال بشرية وحيوانية، ومنها أشكال نمور أو لبوءات مرقطة رائعة التصوير بالنسبة لفنون عصرها.
واحتفظت بلدة العبيد بأطلال ثلاثة معابد متعاقبة بُني بعضها فوق أطلال بعض، ويحتمل أن أولها هو معبد "آ - آني - بادا" أحد ملوك أسرة أور الأولى في عصر بداية الأسرات السومري. وتضمنت أطلاله الباقية أجزاء بسيطة من قاعدته وجدرانه واجهته اللبنية ذات المشكاوات الرأسية، ودرجًا حجريًا كان يؤدي إلى ربوته، وعدة آثار فنية أخرى صغيرة، وذلك مما سمح للأثرى الأستاذ C.L.Woolley بتخيل صورة تقريبية لما كان عليه هذا المعبد حين إنشائه، ولو أنها صورة مغالية بعض الشيء بالنسبة لعصرها، فهو يتخيله فوق مرتفع "مكسو" بالآجر يؤدي إليه درج عريض من الحجر المستورد، ويقوم على رأس الدرج مدخل ذو أعمدة، يربض على جانبيه أسدان نحاسيان في حجمهما الطبيعي "؟ " طعمت عيونهما وأسنانهما باليشب والصدف، ورفعت أسكفة الباب على أسطوانتين من جذوع النخيل طعم
1 Frankfort، Op. Cit.، Pl. 13، P. 24، N. 25; Sculpture Of The Third Millennium
…
، 1939، 45، F.
2 P. Delougaz، The Temple Oval At Khafaje، Chicago، 1940.
3 كرامر: المرجع السابق: لوحات 35 - 37.
4 Jnes، Ii، No. 2; And See، Iraq، V “1938”، 1 F. “For A Similar Temple At Al-Ubaid”.