الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مائلة السقف يرفع سقفها عمودان أو ثلاثة من جواليص الطين أيضًا. وتميزت عن هذه النماذج نماذج أخرى تفضلها بعض الشيء قلدت البيوت الريفية اللبنية الشائعة، واحتوت في نهاية فنائها ثلاث حجرات متصلة أو منفصلة، يتقدمها رواق مستطيل مسقوف، ويعلوها سطح مسور بحواجز بسيطة "درابزين" تنفذ منه منافذ مائلة للتهوية والضوء "تشبه ملاقف الهواء التي كانت تتضمنها بيوت الجيل الماضي ودوارات الريف". وقد يتصرف أصحاب المسكن في حجراته فيرتبونها على جانبي الرواق أو على جوانبه الثلاثة، ويستفيدون من السطح المتسع فيقيمون بين منفذي الهواء "الملقفين" حجرة عليا صغيرة. وقد يشيدون الدرج المؤدي إلى السطح من ركن الفناء أو يجعلونه يعتمد على الجدار الخارجي للمسكن إذا كان بعيدًا عن جدار السور. وغالبًا ما يبنون حجرة ضيقة في ركن الفناء لاستخدامها مخزنًا أو حظيرة للطيور ويتركون بقية الفناء لمبيت الماشية. وامتازت عن النماذج السابقة من حيث الثراء ومن حيث التطور نماذج بيوت أهل الطبقة الوسطى الريفية، وكانت ذات طابقين وسطح، يؤدي إلى طابقه العلوي وسطحها درج يعتمد على عقد مقبى، ويكون لحجراتها العليا نوافذ حيث لا خوف من تلصص المارة في الطريق على أهلها. وظل للأروقة الأمامية المسقوفة مكانها في الطابقين لجلوس أهلها في أمسيات الصيف ولاستقبال الضيوف. وقد يحتوي فناؤها الواسع على حوض رباعي تحيط به ظلة "تسقيفة" ذات أعمدة. وكثيرًا ما وجدت في حجرات هذه النماذج نماذج أخرى صغيرة لأسرة ومقاعد، وذلك مما يعني أنها أصبحت تخدم غرضين، وهما: نفع النفس أو الروح، والرمز إلى المساكن الذي يتمناه المتوفى في أخراه.
في العمارة الدينية والفن:
مر بنا حين استعرضنا الخطوط العامة لفنون النحت والنقش خلال عصر الانتقال الأول، أنها ظلت محدودة الكفاية، محدودة الآفاق، وإن ميز تماثيل سادتها الخشبية طاب ريفي مستحب وأسلوب واقعي متواضع، وميز تماثيل أتباعها الخشنة تآلفها الجماعي وحرية الحركة الممثلة فيها، وميز هيئاتها النحيلة قليلة التناسب نوع من صدق التعبير عن الحياة الأسرية وعلاقات أفرادها بعضهم ببعض، كما ميز نقوش توابيتها ورسومها نوع من الإفاضة في تصوير المقتنيات وتسجيل التراتيل والدعوات، وكانت كلها ميزات عفوية وموضوعية أكثر منها ميزات فنية إبداعية مدروسة. ولم يتقرن بها شيء من تجديدات فن العمارة.
وترتب على ذلك أن فنون أوائل الدولة الوسطى لم ترث عن سابقتها في عصر الانتقال الأول شيئًا كثيرًا، ولم تجد وراءها نماذج راقية قريبة ترجع إليها وتستوحيها، لا سيما وأنها تركزت في طيبة بعيدة عن منف كعبة الفن القديمة، وكان عليها لذلك أن تتلمس لنفسها سبلًا جديدة تعبر بها عن روح عصرها وأوضاعها وخصائصه.
وظهرت تجديدات العمارة في آثار متمم الوحدة السياسية الملك مونتوحوتب "نب حبة رع"، حين ابتغى مهندسه أن يشيد له ضريحًا يليق بمكانته وسمعته، فاستوحى هيئة أهرام الدولة القديمة، وهيئة مقابر عصر الأناتفة المنحوتة ذات الأبهاء، ثم عدل طرز هذه وتلك وخرج منهما معًا بأسلوب مبتكر جديد.
فعلى حين اعتاد أسلافه مهندسو الدولة القديمة على أن يقيموا معابد الفراعنة إلى جانب أهرامهم دون أن يجمعوهما معًا في وحدة معمارية صريحة واحدة، حاول هو من ناحيته أن يجمع لأول مرة بين هرم فرعونه وبين معبده في بناء واحد قائم متصل. وتخير لمشروعه حضن جبل ناهض من جبال طيبة الغربية، وأراد أن يطاول هرم فرعونه ارتفاع الجبل، فشيد تحته مسطحين واسعين عظيمين يعلو أحدهما فوق الآخر، ويؤدي إليهما طريق طويل عريض يبدأ بمدخل متسع عند حافة الوادي المنزرع. ثم جمل المهندس البناء بتوابع كثيرة، من الحدائق الرحبة والأعمدة المرتفعة، والتماثيل الملكية الواقفة والجالسة، التي استكمل بها نواحي الفخامة والجمال في عمارته. ولما أكمل المهندس مشروعه وتوابعه، أصبح الزائرون يتطلعون إلى مجموعته من أرض الزراعة إلى حيث ينهض ضريح الفرعون عاليًا يحميه الجبل من خلفه، ويعبرون خلال طريقهم إليه غابة شجرية زرعت بأشجار وارفة من الجميز والأثل تظلل تحتها عددًا من تماثيل الفرعون تمثله جالسًا أو واقفًا، ثم يصعدون في نهايتها على طريق صاعد طويل يواجهون معه المسطح الأول للضريح، ويواجهون في مقدمته بهوًا عريضًا ترتفع فيه أعمدة مربعة، فإذا اعتلوا هذا المسطح الأول واجهوا غابة فسيحة أخرى تكسو المسطح الثاني، لكنها غابة من حجر، تتضمن عشرات وعشرات من الأعمدة الحجرية المضلعة التي قامت فيها مقام الشجر. وفي قلب هذه الغابة الحجرية ينهض هرم الفرعون عاليًا في تسام وأبهة1.
وضم ضريح مونتوحوتب عددًا من مقابر نساء أسرته ووصائفهن. وكان لكل أميرة منهن مقصورة خاصة، ولكل مقصورة بئر تؤدي إلى حجرة دفنها2. وكانت أشهرهن أميرة تدعى كاويت، وأخرى تدعى عاشيت3. بقي عدد من المحتويات الثمينة في مقبرتيهما، ومنها تابوتان من الحجر الجيري النقي، حفلت جوانبهما بمناظر دنيوية وأخروية، ومن هذه المناظر ما يصور الأميرة تمسك بمرآتها النحاسية، بينما ترجل لها خادمتها شعرها وتروح لها أخرى بمروحتها ويصب لها وصيفها لبنًا في كأس. وكان لكل من الأميرتين تابوت خشبي وضع داخل تابوتها الحجري، وزين كل منهما بنصوص دينية ومناظر قطع فنانها مرحلة طيبة في سبيل إجادتها ورشاقة خطوطها. وقد ضارعتها في مستوى التطور نقوش أخرى احتفظت بها مقاصير معبد الطود من أيام الملكين مونتوحوتب الثالث ومونتوحوتب الخامس4.
وبدأت بواكير الازدهار النسبي لفن النحت حينذاك في تماثيل مونتوحوتب "نب حبة رع" أيضًا. واشتهر منها تمثال يظهر الملك برداء قصير يشبه أردية أعياد السد، ويظهره بلون أسود قد يرجع استخدام الفنان له إلى رغبته في تشبيه فرعونه بالمعبود أوزير باعتباره رب الخصب، أو يرجع إلى سوء اختياره للون المناسب. ويبدو أن الفرض الأخير هو الأرجح؛ إذ يزكيه عيب آخر في تمثاله، وهو أن الفنان حين حاول
1 E. Naville. The Xidyn، Temple، Iii Vols.، 1907 F. H.E. Winlock، Excabations At Deir El-Bahari، 1942.
ويراجع عن تصويرات أخرى لهذه المجموعة المعمارية:
D. Arnold، Der Templ Das Konig Menuhotep Von Der El-Bahari، I-Ii، 1974.
2 Evers، Staat Aus Dem Stein، Ii، Taf، Xi F. ; Iii، Taf Ii-Iii.
3 Metr، Mus.، Bull. 1921، 36 F. Evers، Op. Cit.، Xix A. B.
4 Bisson De La Roque، Tod، Le Cairo، 1937.
أن يعبر في تمثاله عن عظمة فرعونه لم يستطع أن يترجم عنها بغير إظهار وجهه وهيبته وامتلاء جسده وضخامته، بينما اكتفى بالخطوط العامة له دون إظهار عضلات جسمه وانثناءاته. ثم مثله يعقد يديه على صدره في جلسة أوزيرية مهيبة وإن كان في نفس الوقت قد أظهره برداء العيد القيصر الذي لا ينسجم مع أردية أوزير الطويلة التقليدية، أو على الأقل لم تجر العادة على تصويره في تماثيل الملوك التي أظهرتهم في هيئة أوزيرية. بل وقد نحت ساقي التمثال بضخامة ملحوظة، وتحتمل هذه الضخامة بدورها أكثر من فرض واحد: فهي قد تدل على ابتلاء الملك بمرض تضخم الساقين "داء الفيل" كما يظن بعض الباحثين، ولو أنه فرض نستبعده حيث لم تجر عادة المصريين على إظهار العيوب البدنية للسادة في تماثيل يأملون أن يبعثوا على هيئتها في الآخرة، وقد تدل على عدم تكمن الفنان تمامًا من فنه وعدم استطاعته تقدير النسب السليمة في تمثاله. أو هي ترجع أخيرًا إلى أن هذا التمثال كان واحدًا من تماثيل كثيرة لصاحبه قامت في معبده وعلى جانبي الطريق المؤدي إليه، وربما رأي المثالون في كثرتها ما يغني عن الاهتمام بتفاصيلها، ولم يجدوا ضرورة للعناية الكاملة بكل واحد منها على حدة1.
وعلى أية حال، ومهما يكن من عيوب هذا التمثال، فهي عيوب تغتفر له إذا قورن بتماثيل عصر الانتقال الأول الذي سبقه، ولا تمنع إطلاقًا من اعتباره باكورة طيبة لفن النحت في عصره. وقد لحق النجاح النسبي في نحته ونحت أمثاله من التماثيل الملكية، ببعض تماثيل الخاصة أيضًا، ومن هذه التماثيل بضعة تماثيل لمكت رع وولده، وتمثالان صغيران لموظف يدعى مري نحتهما الفنان من الحجر وأظهره في أحدهما يبسط يديه على صدره في وضع تعبدي لطيف. وتمثال آخر بنفس الوضع لرجل يدعى إقر. ثم تمثال خشبي صغير للأميرة عاشيت وجد داخل تابوتها وميزته حيوية واضحة زادها احتفاظه بتطعيم عينيه2.
بل وأصاب النجاح النسبي تماثيل الجواري والأتباع الصغيرة كذلك، فبلغت حدًّا لا بأس به من سلامة النسب ورقة التفاصيل، وإن تفاوتت فيما بينها من حيث الحيوية ودقة الصناعة. ومن أمتع ما يستشهد به منها تمثالان لجاريتين من حاملات القرابين وجدا في مقبرة مكت رع وظهر فيهما من حلاوة التعبير وصفاء الملامح وتفاصيل الثياب المشغولة بالخرز على هيئة فلوس السمك، ما جعلهما يفوقان أشباههما من تماثيل عصر الانتقال الأول بمراحل واسعة3.
وبعد أن أعاد عصر الأسرة الحادية عشرة وحدة الحكم ووحدة الحضارة إلى بلده، انتهت أيام أسرته الحاكمة على غير ما بدأت به، لأمر ما لم تكشف عنه الوثائق المعروفة، بحيث تعاقبت في أواخرها سبع سنوات عز فيها الاستقرار والحاكم الصالح، ثم انتقل العرش منها إلى فرع من أقاربها أو من أصهارها، بدأ بحكمه عصر جديد مجيد سيكون موضوع البحث التالي.
1 Cairo 36195 ;Metropolition Museum، 26-3-29.
2 Ibid.، 20-3-4- ; 26-7-1393 ; Bitish Museum، 37895، 37896، Etc.
3 Cairo 46725 ; Metropolitian Museum، 20-3-7.