الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونادى باتا أخاه: إذا ظننت بي السوء فهلا تذكرت لي خيرًا فعلته من أجلك؟ عد إلى دارك واجمع ماشيتك فلن أمكث في أرض تعيش فيها، وسأذهب إلى وادي الأرز وعليك أن تسرع إلى مساعدتي إذا علمت أن سوءًا ألم بي، فلسوف أنتزع قلبي وأضعه فوق شجرة أرز، فإن حدث أن قطع أحد الشجرة وسقط قلبي فابحث عنه، ولا تمل البحث ولو أنفقت في البحث سبع سنين. فإذا وجدته ضعه في ماء بارد، ترد عليَّ الحياة. ولسوف تعلم آية سقوطه حين تقدم إليك كأس جعة فتجدها أزبدت واعتكرت، فإن حدث ذلك فلا تتوان في الرحيل إليَّ. وانطلق الفتى إلى حال سبيله ورجع أخوه إلى داره يحثو التراب على شعره ويضع يده على رأسه، ثم اندفع هائجًا فذبح زوجته ورمى جسدها إلى الكلاب، وعاش يبكي أخاه.
ومضت القصة في الخيال، فروت أن باتا فارق مصر إلى وادي الأرز في لبنان، وأن الأرباب عوضوه عن تضحيته بأنثى بارعة الجمال، أحبها وأخلص لها، ولكنها عاشرته على دخل، ربما لأنه أصبح عنينًا ثم نقل البحر خصلة من شعرها إلى فرعون مصر، فسحره عطرها، وأرسل رسله يبحثون عن صاحبتها فقتلهم باتا إلا واحدًا عاد إليه يخبره بمقتل زملائه. فأرسل الفرعون إليه جماعة أخرى ومنهم امرأة عجوز تحمل إليها هداياه، فقبلت الزوجة عطاياه وانجذبت إلى سلطانه، وصحبت رسله وسافرت إليه وتقربت منه، وأوحت إليه بإهلاك زوجها وقطع الشجرة التي ائتمنها على قلبه، فاستجاب الفرعون لكيدها، وأمر بقطع الشجرة فمات باتا ولكن أخاه تنبه إلى آية اعتكار كأس الجعة فظل يبحث عن قلب أخيه ثلاث سنين حتى وجده ودعا للأرباب فبعثوه في خلق جديد، وأراد باتا أن يرد على زوجته عاقبة غدرها، فتنكر لها في هيئة فحل شديد مرة، وهيئة شجرة مثمرة مرة، وكلما كشفت أمره حرضت زوجها الفرعون على إهلاكه، ولكنها ظلت تحيا في نعيم فاتر وقلق متصل حتى غلب الحق، وعوض الأرباب زوجها القديم بعرش مصر وملكها العريض، فقبض عليها وتحاكم معها إلى قضائه، فأدانوها ولقيت حتفها جزاء غدرها.
من قصص المغامرات:
توفر لقصص المغامرات مجالها في الرواية، ومنها قصة من القرن الحادي والعشرين ق. م صورت أهوال البحر، وهي قصة "نجاة الملاح". وأخرى من القرن العشرين ق. م، صورت متاعب نازح عن طريق البر وهي قصة سنوهي. وثالثة صورت فتى تحدى حظه وقدره، هي قصة الأمير الموعود، من الدولة الحديثة.
نجاة الملاح:
تذكر أغلب الكتب العربية هذه القصة باسم "الملاح الغريق" وهو ترجمة خاطئة لتعبير The Shipwrecked Sailor في الكتب الإفرنجية. ولكن تسمية نجاة الملاح أقرب إلى المضمون.
روت هذه القصة أن أحد رجالات البلاد كان في سبيل عودته بطريق النيل من مهمة كلفه بها فرعونه فيما وراء أرض واوات، بأقاصي النوبة، ولكن لم يقدر له النجاح فيها، ولما اقتربت سفينته من العاصمة أتاه أحد خاصته من الملاحين يهنئه بسلامة العودة دون نقص في ملاحيه، ويصف له فرح رجاله ومعانقة
بعضهم لبعض، ولكن الرجل كان في وادٍ آخر، وظل مهمومًا يتخوف عاقبة فشله، فانبرى الملاح يسري عنه ويهون عليه ويبعث الأمل في نفسه، وقص عليه قصة تداولت عليه فيها شدائد ظن أن لا نجاة له منها، ولكنه نجا وسلم ثم وعاد إلى وطنه واستمتع باجتماع شمله بأهل بيته1.
وروى له في قصته أنه خرج بسفينة كبيرة بلغ طولها مائة وعشرين ذراعًا وبلغ عرضها أربعين ذراعًا، واستلقها معه مائة وعشرون بحارًا وصفهم له بأنهم كانوا من خيرة ملاحي مصر، وأنهم خبروا السماء والأرض، وأن قلوبهم كانت أشد من قلوب الأسود، وكانوا يتنبئون بالريح قبل أن تقبل بالعاصفة قبل أن تحدث، ولكن حدث لهم ما لم يتوقعوه فدهمتهم العاصفة وهاجت أمواج البحر وارتفعت نحو ثمانين أذرع، فغرقت السفينة بمن فيها، ولم ينج منها غير راوي القصة الذي ألقت الأمواج به على جزيرة في أقصى الأخضر الكبير "أي في أقصى البحر الأحمر"، فقضى فيها ثلاثة أيام في دغل لا أنيس له فيه ولا معين. ثم اتخذ طريقه في أرضها فوجد فيها خيرات لا تحصى من الفواكه والطيور والأسماك، فطعم وشرب، ولم ينس أربابه فأشعل نارًا وقدم عليها قربانًا. وإذ هو كذلك سمع دبيبًا قاصفًا يقبل عليه، فغشيه من الخوف ما غشيه، ولما استمسك وجد أفعوانًا ضخمًا طوله ثلاثون ذراعًا ويزيد أثر دبيبه على الأرض عن المترين عرضًا، وكان جسده مغشى بالذهب وحاجباه بلون الزبرجد، فانبطح البحار على بطنه فرقًا وإجلالًا، وتوجه الثعبان إليه وسأله عن حاله وعما أتى به إلى جزيرته التي يحف الموج بها، فاستبد الخوف بالرجل وفقد السمع والقدرة على الكلام. وجمله الثعبان في فمه إلى جحره وترفق به حتى أفرغ روعه ثم أعاد عليه سؤاله فقص الرجل عليه قصته بتمامها .. ، وهنا هون الثعبان عليه القضية، وذكره بآلاء ربه الذي قدر له الحياة وأرساه على "جزيرة الروح" ثم بشره بأنه سيعود إلى وطنه، وأن سفينة مصرية سوف تأتي إليه بملاحين يعرفهم، ولكن بعد أربعة أشهر، فيرجع معهم إلى بلده ويموت فيها.
واستأنس الثعبان بالرجل، وأراد أن يهون عليه أمره، فقال له:"ما ألذ أن يروي الإنسان ما ذاقه بعد انقضاء محنته"، ثم قص عليه قصته فإذا ببلواه لا تقل عن بلواه، وروى له أنه عاش مع إخوته وأولاده في الجزيرة، وكانت عدتهم سبعة وثلاثين، عدا طفلة صغيرة رزقها بعد أن ارتجاها ودعا بها، ولكن نجمًا هوى من السماء فاحترقوا بناره، ولم ينج سواه، فكاد يموت حزنًا عليهم بعد أن وجدهم كومة هباء. وأبى الثعبان أن يعكس حزنه على ضيفه فشجعه وقال له:"إذا تشجعت وشددت قلبك فلسوف تملأ حضنك بأولادك، ولسوف تقبل زوجتك وترى دارك، وأجمل من ذلك كله أنك سوف تبلغ العاصمة التي كانت تعيش فيها بين إخوانك".
وأكبر الملاح الثعبان، فأقبل عليه وقبل الأرض بين يديه، ونذر على نفسه ليبلغن أمره إلى الفرعون حين يعود إلى وطنه ويعمل على تقديم القرابين والبخور باسمه وإرسال السفن إليه بخيرات بلده. فتبسم الثعبان ضاحكًا من قوله، وأفهمه أنه بذاته سيد بلاد بوينة وأن بخورها ملكه. ثم انقضت الأربعة الأشهر، وتحقق
1 Gobenischeff، Le Conte Du Naufrage; Erman، Op. Cit.، 57 F.
وعد الثعبان فأقلبت السفينة وتعرف الملاح على من فيها ونزل إليهم مزودًا بكميات هائلة من المر والتوابل وذيول الزراف والصموغ والبخور وأنياب العاج والفهود والنسانيس ثم فارق الجزيرة بعد أن علم من سيدها أنها سوف تزول من الوجود ويبتلعها الموج، وعاد الرجل إلى بلده بعد شهرين يملؤه الأمل بما وعده الثعبان به من سعادته في داره ولقائه لأطفاله ثم وفاته في وطنه.
لا يزل تحديد جانب الحقيقة وجانب الخيال من هذه القصة موضعًا لجدل طويل، وإن ذهب الظن إلى أن مغامرة الملاح فيها كانت قرب جزيرة الزبرجد في البحر الأحمر. وعلى أية حال فإنما يعنينا من القصة غلبة روح التفاؤل فيه وحرص كاتبها أو راويها على أن يفترض لكل مصيبة ما هو أشد منها، ويفترض لكل مصيبة مخرجًا منها. وأملت هذه الروح على الملاح صاحب المغامرة على أن يشجع أمير سفينته الذي تخوف غضب فرعونه بقوله:"استمع إلي أيها النبيل، "وثق أني" رجل بريء من المبالغة. اغتسل وضع الماء على أناملك "حتى تهدأ أطرافك"، وأجب إذا سئلت، وتحدث إلى الملك وذهنك معك، أجب دون تردد، فمنطق الرجل يحميه وحديثه يكفل له ما يصون به وجهه، وتصرف بما يمليه "عليك" عقلك".
سنوهي:
صورت قصته مغامرات البر1، وقد أسلفنا عنها "ص185" أنها قصة رجل من بلاط أمنمحات الأول ومن المتصلين بأجنحة ابنته وزوجة ولي عهده، وأنه كان قد صحب ولي العهد سنوسرت في تجريدة إلى المناطق الليبية الشمالية، وسمع خلال عودته معه بنبإ وفاة أمنمحات، كما سمع لغطًا فهم منه وجود أخذ ورد بين الأمراء، فخشي فتنة على العرش في العاصمة يعز عليه أن يلتزم الجانب الصالح خلالها، فآثر البعد بنفسه واستخفى من الجيش واعتزله، وتخطى الحدود الشمالية الشرقية وحيدًا، ولقي في طريقه ووحدته مشقات طويلة، وأسلمته أرض إلى أرض على حد قوله، حتى بلغ رثنو العليا، وهي منطقة واسعة وسط سوريا أو شرق لبنان، وطالت إقامته فيها، وأقدم على مغامرات كثيرة، ولكن لم يفارقه الحنين إلى وطنه، وتناقلت الرسل أخباره ودعواته وأمانيه، حتى وصلت أنباؤه إلى الفرعون سنوسرت فرق لحاله وعفا عنه وأرسل يستدعيه، ولما عاد إلى وطنه سجل قصته نثرًا شائقًا. وقد ذكرنا الدلالات التاريخية لهذه القصة في سياق حديثنا عن سياسة عصره، ونكتفي هنا بملامحها الأدبية، دون ضرورة إلى سرد تفاصيلها الطويلة.؟ فهي من حيث الشكل قصة واقعية لتجربة شخصية حدثت في زمان ومكان، ولها بداية ونهاية، وقد تضمنت في سياقها معلومات بسيطة مشوقة عن بلاد الشام وأهلها، وتضمنت من شعر المدائح والأمثال الجارية ومن صيغ التراسل ولباقة الاستعطاف ورقة الاعتذار ما كان المعلمون والطلبة المصريون يلذ لهم الاستشهاد به وترصيع كتابتهم به. ثم هي من الناحية الفنية قد أبدعت تصوير مشاعر الإيمان ومشاعر الخوف، ومشاعر المفاخرة بالانتصار، والتغلب على المشاق، وعاطفة الحنين إلى الوطن وتقديس الدفن تحت ترابه.
1 Gardiner، Notes On The Story Of Sinuhe، 1916; A. M. Blackman، Middle Egyptian Stories، 1932، 1 F.; Wilson، Op. Cit.، 18 F.
وصف سنوهي وفاة الفرعون أمنمحات فقال: "رفع الصقر إلى السماوات العلى، ولحق بالكوكب، واتصل بدنه ببارئه، وخيم الوجوم على عاصمته، وغلق مدخلا قصره، وحزن النبلاء عليه وولول العوام". ووصف الأرض التي نزلها في الشام فقال: "كانت بدلة طيبة تدعى إبا، فيها تين وأعناب، وخمرها أغزر من مائها، وفير عسلها وزيتونها، كل الثمر على أشجارها، فيها شعير وحنطة، ولا حصر لأنعامها"، ووصف حاله إزاء حسد بعض القبائل له وتحدي أحد أبطالها لمنازلته في غربته، فقال: "أصبحت أشبه بفحل وسط قطيع غريب يضربه قائد العجول ويهاجمه ثور طويل القرون
…
، ولكن إذا كان الخصم فحلًا ويبغي القتال فأنا بدوري فحل قتال، ولست أخشى ما ينتهي أمرنا إليه".
وروى رسالة الفرعون إليه يستدعيه، وذكر في جزء منها قول سنوسرت له "
…
عد إلى مصر حتى ترى الأرض التي نشأت فيها، وقبل الأرض عند البوابة الثنائية العظمى والتحق بالبلاط. لقد هرمت الآن وعز نشاطك، فتذكر يوم الدفن، وليلة إعداد الطيوب والأكفان، ويومًا يعد لك فيه موكب مشهود وتابوت ذهبي بقناع من اللازورد
…
، لا ينبغي أن تموت في بلد غريب، ولا ينبغي أن يخفرك البدو، أو تكفن في جلد شاه
…
، هذا ليس أوان الطواف في الأرض، فعد واحذر المرض
…
". وردًا على هذه الروح الرقيقة من فرعونه، كتب سنوهي إليه يشكره ويبرئ نفسه قائلًا "
…
هذا ابتهال خادم لمولاه ذي الإدراك، البصير بالناس، عساه يقدر ما تهيب هذا العبد روايته ولا زال أكبر من أن يردد
…
"، ثم قال: "
…
إن فرار خادمك لم يخطط، لم يكن في ذهني، لم أكن منشغلًا به، ولا أدري ما الذي زحزحني عن مكاني، كما لو كنت في حلم، ثم أحسست بإحساس رجل من الدلتا وجد نفسه فجأة في أسوان، أو رجل من مناقع الشمال وجد نفسه فجأة في النوبة. لم أروع، ولم يتتبعني أحد، لم أسمع كلمة تحقير، ولم يذكر منادٍ اسمي "بسوء"، ومع ذلك اقشعر بدني وارتعدت فرائصي، وساقني قلبي إلى حيث أراد من قدر الأمر
…
"1.
اليأس من الحياة:
استشهدنا على بلبلة الأفكار والمذاهب في عصر الانتقال الأول "ص158 - 159" بحوار بين رجل سئم عيوب الحياة في عصره، وبين روحه، وذكرنا أنه تضمن ثلاثة اتجاهات فكرية تضاربت في ذهنه وجادلته روحه بها: اتجاهًا ضاق بمساوئ عصره، وآخر دعا إلى متعة الدنيا وشك في وجود الآخرة، وثالث اعتبر مشكلات الحياة متاعب زائلة، وتطلع إلى عدل الجزاء في الآخرة. وكانت ثلاثة من أربعة اتجاهات أشرنا إلى اعتبارها نتيجة طبيعية لزلزلة الأوضاع السياسية والاجتماعية في نهاية الدولة القديمة واضطراب الناس بعدها في تلمس وضع صالح لأمور دنياهم وأخراهم. وتنقص المحاورة جزءًا من بدايتها2.
1 Sinuhe، R. 5 F.، B 80 F.، 109 F.، 179 F.، 206 F.
2 راجع للمؤلف: الحوار في الأدب المصري القديم - المجلة - العدد التاسع - سبتمبر 1957 - ص16 - 28.
A Scharff، Der Bericht Uber Das Streitgesprach Cines Lebensmuden Mit Seiner Seele، 1937; R.O. Faulkner، Jea، 1956، 21 F.; E. Brunner-Traut، Zaes، 1967، 6 F.
ويبدو أن صاحبها كان قد أعلن في مقدمتها ضيقه بمساوئ أيامه وتفكيره في الخلاص منها، بينما التزمت روحه جانب الرضا بدنياها والتغاضي عما وراءها. ولهذا احتدم الجدل بينهما حتى تحدته بأن يقدم على الانتحار حرقًا إن كان حقًّا عازفًا عن الدنيا راغبًا في الموت فما جرؤ صاحبها في بداية الأمر. ولما امتنع عليها في الحالتين، الرضا بالواقع أو الرضا بالموت، امتنعت هذه الأخرى عن مناقشته ولكنه ما لبث حتى عاود التفكير ثانية فيما دعته إليه واعتزم أن ينتقل وإياها إلى عالم الآخرة، وبدأ يستدرجها في الحديث عساها تشجعه، وأشهد عليها جمعًا تخيله من الناس، ولكنها لم تستجب لدعوته وقالت له تشجعه: ابتغ يومًا هنيئًا وتناس الهم، "وإلا فأين أنت من مصيبة" مواطن حرث أرضه وحمل محصوله إلى بطن مركب وأعد رحلته وحسب أن عيده قد اقترب، وفجأة رأى انطلاق إعصار من الشمال، وهو يرقب في المركب والشمس تدخل خدرها، فجهد في أن ينفلت بزوجته وأولاده ولكنهم هووا في بحيرة تعج بالتماسيح في سواد الليل، فانتهى "وقد خلص بنفسه" إلى أن قعد وزفر ودمع وهو يقول: لئن لم أبك تلك الولادة التي لا يرجى لها خروج من عالم الموتى إلى حياة أخرى على الأرض، فإنما أنوح على صغارها الذين قضوا فراخًا في البيضة وشهدوا طلعة التمساح من قبل أن يحيوا
…
".
وهدفت الروح من رواية هذه القصة وقصة أخرى تلتها، أن تقنع صاحبها بأنه إذا تأمل مصائب الناس هانت عليه بلواه. ولكن النتيجة كانت عكسية، فأثار حديثها وجيعته واندفع يجيبها في حديث طويل يتساءل فيه عن السلوى التي تغريه بها وعن قيمة الحياة التي تدعوه إلى الرضا بها، بعد أن زلزلت عواديها كيانه وفقد فيها الكرامة والثقة والأمل جميعًا. ونظم إجابته لها في أربع مقطوعات قصار. وكشف لها في الأولى عما أصاب سمعته وكرامته، نتيجة فيما يحتمل لتكفله بدعوة لم تجد سميعًا ولا مجيبًا بقدر ما قوبلت به من صد وإساءة. فقال في بيتين من أبياتها:
كفاك أن عيف اسمي كفاك، أكثر من رائحة الرخم، في نهار صائف اتقدت سماؤه.
كفاك أن عيف اسمي كفاك، أكثر من سمعة زوجة، ردد الناس البهتان عنها لبعلها.
وفي نظمه الثاني أخذ يأسى على زوال المستجيب والصديق والقريب وانتفاء الخير، قائلًا فيما قال:
لمن أتحدث اليوم - والأشقاء أشرار - وأصدقاء اليوم لا يرغبون!
لمن أتحدث اليوم - وقد قر الناس على السوء - وأهملت الحسنى في كل مكان!
لمن أتحدث اليوم - وما عاد أحد يذكر الماضي - ولا معونة لأحد يعمل في هذا الزمان!
لمن أتحدث اليوم - وما من رضي الفؤاد - ومن كان يرافق لم يعد له وجود!
لمن أتحدث اليوم - وبأساء ألمت بالبلاد - ما لها من حدود!
وفي نظمه الثالث عاود الرجل ذكر الموت، فما تصور دونه خلاصًا من عجز مسعاه وما رآه من لؤم الطباع، وقال فيما قال:
بدا الموت أمامي اليوم كالبرء للسقيم والخروج إلى الفضاء بعد حجز.