المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التطور السياسي والاجتماعي: - الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق

[عبد العزيز صالح]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الشرق الأدنى القديم

- ‌الفصل الأول: التشابه والتنوع في الشرق الأدنى القديم وتأثيرات البيئة في حياة أهله

- ‌مدخل

- ‌في وادي النيل:

- ‌في بلاد النهرين:

- ‌في بلاد الشام:

- ‌في شبه الجزيرة العربية:

- ‌الفصل الثاني: الشرق الأدنى القديم ودهوره الحجرية فيما قبل التاريخ

- ‌مدخل

- ‌في الدهر الحجري القديم الأسفل:

- ‌في الدهر الحجري القديم الأوسط:

- ‌في الدهر الحجري القديم الأعلى:

- ‌قرائن العمران:

- ‌من السلالات البشرية:

- ‌بداية الزراعة في فجر التاريخ أو العصر النيوليثي:

- ‌تعدد الحرف وبدايات الفنون:

- ‌وضوح التجمعات:

- ‌تمهيد بتقسيمات عصور مصر القديمة ومصادرها:

- ‌الكتاب الأول: مصر منذ فجر التاريخ حتى نهاية العصور الفرعونية

- ‌الفصل الثالث: مصر في فجر تاريخها

- ‌مدخل

- ‌في الفترة النيوليثية الحجرية الحديثة

- ‌مدخل

- ‌في مرمدة بني سلامة:

- ‌في الفيوم:

- ‌في دير تاسا:

- ‌في الفترة الخالكوليثية النحاسية الحجرية:

- ‌في البداري:

- ‌في حضارة نقادة الأولى:

- ‌في حضارة نقادة الثانية:

- ‌بين الصعيد وبين الدلتا:

- ‌التطور السياسي:

- ‌من تطورات الفنون وتعبيراتها:

- ‌سكين جبل العركى:

- ‌من آثار العقرب:

- ‌صلاية الفحل:

- ‌آثار نعرمر:

- ‌الفصل الرابع: بداية العصور التاريخية

- ‌مدخل

- ‌الكتابة وتوابعها:

- ‌الحكام والإدارة

- ‌مدخل

- ‌أوضاع الحكم:

- ‌في العمران والفكر:

- ‌النشاط الحدودي والخارجي:

- ‌الفصل الخامس: عصور الأهرام في الدولة القديمة

- ‌أولا: الرشاقة والابتكار في عصر الأسرة الثالثة

- ‌مدخل

- ‌إيمحوتب وشواهد العمارة والفن:

- ‌قصة المجاعة:

- ‌التقويم:

- ‌ثانيا: الروعة والبنيان الراسخ في عصر الأسرة الرابعة

- ‌تجديدات عهد سنفرو

- ‌عهد خوفو:

- ‌تعبيرات الهرم الأكبر:

- ‌هزات مؤقتة في عهد جدف رع

- ‌آثار عهد خفرع:

- ‌أبو الهول:

- ‌عواقب الإسراف:

- ‌ثالثا: التقوى والرفاهية في عصر الأسرة الخامسة

- ‌مدخل

- ‌خصائص معابد الشمس:

- ‌أهرام العصر ومعابدها:

- ‌الاتصالات الخارجية:

- ‌التطور السياسي والاجتماعي:

- ‌رابعا: البيروقراطية والتحرر في عصر الأسرة السادسة

- ‌مدخل

- ‌نمو البيروقراطية:

- ‌أحداث الشمال الشرقي والتنظيمات العسكرية:

- ‌العمارة والفن والمجتمع:

- ‌رحلات الكشف في الجنوب:

- ‌الفصل السادس: عصر الانتقال الأول أو عصر اللامركزية الأولى

- ‌نهاية دورة

- ‌الثورة الطبقية:

- ‌الغموض:

- ‌انتفاضة اليقظة في العهود الأهناسية:

- ‌ازدهار الفردية:

- ‌عصر الانتقال الأول بين دورتين تاريخيتين

- ‌معالم الفن الإقليمي:

- ‌الفصل السابع: الدورة التاريخية الثانية في الدولة الوسطى

- ‌أولا: عودة الوحدة في عصر الأسرة الحادية عشرة

- ‌مدخل

- ‌استرجاع المركزية:

- ‌الاستثمار الحدودي والنشاط الخارجي:

- ‌صور من المجتمع:

- ‌في العمارة الدينية والفن:

- ‌ثانيا: الازدهار والكلاسيكية في عصر الأسرة الثانية عشرة

- ‌مدخل

- ‌في السياسة الداخلية:

- ‌في العمران:

- ‌في الأساليب الفنية:

- ‌في السياسة الخارجية:

- ‌الفصل الثامن: عصر الانتقال الثاني أو عصر اللامركزية الثانية

- ‌أولًا: عصر الأسرة الثالثة عشرة

- ‌في نصفه الأول:

- ‌مظاهر الأفول في النصف الثاني لعصر الأسرة الثالثة عشرة:

- ‌ثانيًا: محنة الهكسوس

- ‌ثالثًا: مراحل الجهاد والتحرير

- ‌الفصل التاسع: الدورة التاريخية الثالثة في الدولة الحديثة

- ‌تمهيد

- ‌أولا: الانطلاق في عصر الأسرة الثامنة عشرة

- ‌في السياسة الداخلية

- ‌في السياسة الخارجية:

- ‌ثانيا: عودة الكفاح ثم الرفاهية في عصر الرعامسة مع الأسرة التاسعة عشرة

- ‌ثالثا: آخر الشوط مع الرعامسة في عصر الأسرة العشرين

- ‌الدفعة الأولى

- ‌عواقب الإسراف:

- ‌رابعًا: الثيوقراطية والفتور في عصر الأسرة الحادية والعشرين

- ‌خامسًا: نماذج من الفن والعمارة في الدولة الحديثة

- ‌الفصل العاشر: الشيخوخة في العصور المتأخرة

- ‌أولًا: التخبط والتداخل في عهود الأسرات 22 - 24

- ‌ثانيًا: دفع النوبة لمصر في عصر الأسرة الخامسة والعشرين

- ‌ثالثًا: النهضة في العصر الصاوي مع الأسرة السادسة والعشرين

- ‌رابعًا: النكسة مع الغزو الفارسي والأسرة السابعة والعشرين

- ‌خامسا: ابتسامة مبتسرة في عصور الأسرات 28 - 30

- ‌مدخل

- ‌الوثائق الآرمية في أسوان:

- ‌الأسرتان الأخيرتان:

- ‌خاتمة المطاف القديم:

- ‌الفصل الحادي عشر: في عقائد الدين والآخرة

- ‌أولًا: عقائد التأليه

- ‌نشأتها:

- ‌خصائصها:

- ‌في سبيل الترابط:

- ‌في سبيل التوحيد:

- ‌ثانيا: عقائد البحث والخلود

- ‌الفصل الثاني عشر: من الأدب المصري القديم

- ‌أولا: في أدب الأسطورة والملحمة

- ‌أسطورة أوزير وتوابعها

- ‌الحق والبهتان

- ‌ثانيا: في أدب القصة

- ‌سنفرو والحكماء

- ‌قصة خوفو والحكيم جدي:

- ‌قصة العاشقين والتمساح:

- ‌قصة الأخوين:

- ‌من قصص المغامرات:

- ‌ثالثا: في أدب النصيحة

- ‌مدخل

- ‌بتاح حوتب:

- ‌آني:

- ‌أمنموبي:

- ‌نصائح المعلمين:

- ‌رابعا: في أدب النقد والتوجعات

- ‌إبوور والثور الطبقية

- ‌القروي الفصيح:

- ‌الكتاب الثاني: العراق، بلاد النهرين

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الثالث عشر: فجر التاريخ العراقي في العصر الحجري الحديث

- ‌أ- في الفترة النيوليثية "الحجرية الحديثة

- ‌ب- في الفترة الخالكوليثية "النحاسية الحجرية

- ‌مدخل

- ‌حضارة العبيد:

- ‌ج- قبيل العصر الكتابي

- ‌حضارة الوركاء:

- ‌الفصل الرابع عشر: أوائل العصور التاريخية في العراق

- ‌عصر بداية الأسرات السومرى

- ‌مدخل

- ‌الكتابة المسمارية:

- ‌العمارة الدينية "والزقورات

- ‌العقائد:

- ‌التطور السياسي:

- ‌الفنون:

- ‌المقابر:

- ‌الفصل الخامس عشر: العصر الأكدى 2340 - 2180 "أو 2371 - 2230" ق. م

- ‌مدخل

- ‌الفنون:

- ‌نهاية دولة:

- ‌الفصل السادس عشر عصر الإحياء السومري "منذ 2125ق. م

- ‌في لجش:

- ‌في أوروك:

- ‌في دولة أور:

- ‌الفنون:

- ‌من الأدب السومري:

- ‌نهاية أور:

- ‌في عصر إسين - لارسا:

- ‌تشريع إشنونا:

- ‌تشريع إسين:

- ‌في لارسا:

- ‌في الفن:

- ‌الفصل السابع عشر: دولة بابل الأولى "أو العصر البابلى القديم

- ‌بداية دولة بابل الأولي

- ‌حمورابي:

- ‌من الأدب البابلي:

- ‌الفصل الثامن عشر: العصر الكاسي "1580 - أواخر القرن 12 ق. م

- ‌الحياة الساسية

- ‌العلاقات الخارجية:

- ‌الأفول حتى نهاية الأسرة البابلية السابعة:

- ‌من الحياة الفكرية في العصر الكاسي:

- ‌الفصل التاسع عشر: آشور

- ‌أ- المراحل الأولى: العصر العتيق- العصر القديم

- ‌ب- في العصر الأشورى الوسيط

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌ج- في العصر الأشورى الحديث

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولي:

- ‌مرحلة الأمجاد الأخيرة من العصر الآشوري الحديث:

- ‌الفصل العشرون: بابل الكلدانية أو العصر البابلي الأخير "626 - 539 _25 d9_2582._25d9_2585

- ‌تمهيد: عودة إلى الآراميين في بابل والعلاقات مع آشور

- ‌التطور السياسي:

- ‌العمران والفنون:

- ‌الأفول أمام نهضة الفرس:

- ‌خاتمة:

- ‌الخرائط واللوحات

- ‌قائمة بأهم المفردات:

- ‌الموضوعات:

الفصل: ‌التطور السياسي والاجتماعي:

ثاني فراعنة الأسرة الخامسة من صور هذه الاتصالات أنه وردت في عهده كميات هائلة من منتجات بوينة، وصور فنانوه أفرادًا من هذه البلاد في مناظر معبده بأبو صير على هيئة الخاضعين لسطوته1، وإن كانوا في الأغلب ممن يتاجرون مع دولته.

واتسعت اتصالات مصر التجارية بفلسطين عن طريق البر، وبفينيقيا عن طريق البحر. وظهر من قرائنها أن صور الفنانون في معبد الفرعون ساحورع بضع مراكب بحرية كبيرة استقبلها الفرعون وحاشيته حين عودتها من فينيقيا محملة بالرسل والخيرات والحيوانات، وكان من الشخصيات البارزة فيها شخصية المترجم الذي كان يقوم مقام السفير. ومن الباحثين من يظن أنها حملت عروسًا فينيقية أي سامية كذلك على الملك، ولهذا استقبلها بنفسه وأكرم مرافقيها، وإذا صح هذا الظن كان أقدم دليل على اتخاذ المصاهرات، سبيلًا إلى تدعيم العلاقات بين الدول المتجاورة وحكامها2.

واستمرت الجهود الاقتصادية المألوفة، والجهود العسكرية المعتادة، لاستغلال مناطق الحدود في الجنوب والغرب والشرق وشبه جزيرة سيناء، وتأمينها من شغب البدو. ووصلت المتاجر المصرية جنوبًا حتى منطقة بوهن على أقل تقدير، وصحبها في الأغلب نوع من النفوذ السياسي3. وتوفر لعهد سا حورع نشاط عسكري خاص ضد فريق من عصاة القبائل في الصحراء الغربية. وشجعت انتصارات جيوشه فنانيه على تصوير أمراء هذه القبائل وزوجاتهم وأولادهم على جدران معبده على هيئة المستسلمين لسطوته، وتصوير مصادرة جيوشه لآلاف كثيرة من مواشيهم وأنعامهم تدل على أن واحاتهم ومناطقهم الساحلية كانت وفيرة العشب والمرعى4.

1 L. Borchardt، Sahure

، Taf. Vi، 19f.; Urk، I، 246.

2 Borchardt، Op. Cit.، Taf. Xiii; Urk.، I، P. Montel، Dans Melang Dussaud، 191 F.

وعثر على كأس باسم وسركاف في إحدى جزر بحر إيجه، غير أن هناك شكًّا في وصولها إليها في عصر الأسرة الخامسة.

K. Seethe، Zaes، Liii، 55f. "Athene Mus. 4578".

3 W. Emery، Egypt In Nubia، Iii، 127.

4 L. Borchardt، Op. Cit.، Taf. I، F.

ص: 131

‌التطور السياسي والاجتماعي:

سارت الأوضاع السياسية والاجتماعية بخطى واسعة في سبيل التطور المحمود خلال عصر الأسرة الخامسة، ورأى الملوك أنهم يعملون في ظروف تختلف بعض الشيء عن الظروف التي حكم فيه أسلافهم، فأزادوا التزاماتهم المادية والأدبية لكبار كهنة الشمس ومعابدهم رغبة في أن يضمنوا ولاءهم ويضمنوا استمرارهم على التسبيح بفضلهم والدعاية لهم بين الناس، وأعفوا بعض معابد الأرباب الآخرين من جانب من التكاليف المفروضة عليه1. وأزادوا التزاماتهم المادية والأدبية كذلك لغير الكهنة من أهل الطبقة العليا. وسمحوا لكبار أفرادها أن يبلغوا منصب الوزارة، أكبر مناصب الدولة، بعد أن كان قاصرًا منذ إنشائه في عهد

1 W.F. Petrie، Abydos، Ii، XIV، XVII; Urk.، 170.

ص: 131

سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة على كبار الأمراء وحدهم1. وتصاهروا معهم وزوجوا كثيرًا منهم بأميرات أسرتهم الحاكمة2. ومصوا على تربية أبناء الكبراء في قصورهم3، وسمحوا لعدد من هؤلاء الأبناء بأن يرثوا مناصب آبائهم ما داموا أهلًا لها، وما دامت تتوفر لديهم الكفاية لشغلها. وظهر من فراعنة الأسرة ملوك متعلمون، كانوا يتفقدون دور الكتب ودور المحفوظات بأنفسهم، ويراسلون وزراءهم بعبارات المودة ويردون بخطهم على رسائلهم إليهم4. ومن أمتع ما بقي من رسائلهم رسالة كتبها الفرعون إسسي إلى وزيره شبسرع يقول له فيها ردًّا على رسالة منه إليه في أحد أعياده وكان قد وصفه فيها بما يحب أن يوصف به: "اطلع جلالتي على الحديث الممتع الذي أرسلته إلى القصر في هذا اليوم الجميل،

وسررت به لأنك تعرف كيف تتحدث بما يستحبه جلالتي، وأن كل ما تقوله ليروق لي إلى أقصى حد .. وهأنذا أقول الآن وأردد باستمرار، يا حبيب مولاه، يا من أنعم عليه مولاه، يا مسشار مولاه، الحق أن رع أكرمني بأن وهبني إياك، وبحق حياتي الخالدة لئن أبديت لي أية رغبة بكتاب اليوم لقضيتها لك في التو"5.

وظهر من فراعنة الأسرة من لم يكن يأبى أن يترضى رجاله عما أصابهم منه أو من جرائه عن قصد أو عن غير قصد. وحكى رجلان من عهد نفر إركارع ثالث فراعنة الأسرة شيئًا من ذلك. فقص "رع رو" أحد من عملوا في خدمة القصر وفي سلك الكهنوت أن ملكه وكز ساقه بمنسأته "عن غير قصد" خلال حفل كبير، ثم لم يأب أن يطمئنه على سلامة العقبى ويخصه بوداده ويسمح له بأن ينقش طمأنته له في مقبربته6. وقص آخر أن أباه الوزير واشتباح "أو بتاح واش" دهمه الموت فجأة وهو يمشي بجوار الفرعون في حفل افتتاح إحدى المنشآت الملكية، وأن الفرعون حاول إسعافه واستعان في ذلك بمخطوطاته الطبية الخاصة أو عقاقيره الخاصة، ولكنه فشل وعاد إلى مقصورته ودعا الأرباب من أجله أي ترحم عليه، وسمح لولده بأن يسجل ذلك كله نقشًا في مقبرته7. وكان في ذلك ما فيه من الدلالة على معرفة الملك ببعض مبادئ الطب أو التطبيب، إلى جانب إظهاره التعاطف مع من حوله.

واعتق الأستاذ فيكنتيف أن حدوث الحادثتين في عهد ملك واحد يدل على أنه كانت له مصلحة فيهما وأنه كان يود أن يتخلص من الرجلين فنخس أحدهما بعصاه التي يحتمل أنها كانت مسمومة وسم الآخر بطريقة ما ثم أظهر حزنه عليه، ولو صح ذلك لدل على ضعف سلطان الملك واضطراره إلى سلوك طرق

1 لم يل الوزارة من الأمراء في عصر الأسرة الخامسة غير أميرين: سخم كارع، ونفر سشم سشات.

See، A. Weil، Op. Cit.، 5 F.

2 Junker، Giza، Iii، 211; V، 9 F.، 12 F.

3 Ibid.، Vii، 230 F.; Mariette، Mastabas، 402; Borchardt، Stathen Und Statuetten، 76.

4 Urk.، I. 60-62; Quibell، Saqqara، 1907-8، 79f.، Pl.61; Giza، Vii، 233.

5 Urk; I، 179.

6 S. Hassan، Excavations At Giza، 1929-1930،I،18.

7 Breasted، A. R.، I، 257 F.

ص: 132

ملتوية للتخلص ممن لا يطمئن إليهم. ولكن الأستاذ شارف فسر الحادثة الأولى بتفسير آخر واعتقد أن الملك وكز رع ور عن غير قصد فعلًا ولكن إيمان رع ور بأن عصا الملك كانت عصا مقدسة شأنها شأن بقية شاراته جعله يتخوف العاقبة ويتوقع حلول غضب الأرباب عليه، فطمأنه الملك وأفرخ روعه.

واتسعت تنظيمات الإدارة خلال عصر الأسرة الخامسة بما ينسجم مع ما بلغه أهلها من رقي الفكر والمادة في نواحي حياتهم1. وترأس الوزير جهاز الحكومة المركزية بعد الفرعون، وكان قد بدأ عمله خلال عصر الأسرة الرابعة، بمثل ما بدأ به فيما بعد أوائل الوزراء في العصور الإسلامية القديمة، أي باعتباره حامل الوزر ومسئولًا عن شئون الدولة أمام مولاه. وظلت النصوص الرسمية تثبت له هذه الصفة باستمرار. ولكن الوزراء ما لبثوا حتى أصبحوا في نظر جمهرة الناس شيئًا آخر بعد أن ولي الوزارة رجال من كبار الشعب في عصر الأسرة الخامسة، وبعد أن اضطر الفراعنة إزاء اتساع شئون دولتهم أو إزاء التطور الطبقي في دولتهم، إلى أن ينقلوا بض سلطاتهم الفعلية إلى وزرائهم ويركزوها في أيديهم. وترتب على ذلك أن انتقل إليهم نصيب من قداستهم أو مهابتهم. ونسب الناس إلى وزيرين منهم الحكمة وتأليف تعالم تهذيبية. وعندما اكتملت للوزير اختصاصاته أصبحت تعرض عليه أمور الدولة الهامة، ثم يتولى هو عرضها على الفرعون، وأصبح يعتبر محافظًا للعاصمة ورئيسًا لبلاط وللديوان الملكي، ويتولى الإشراف الأعلى على الخزائن وشون الغلال والمنشآت العامة والأشغال المعمارية الكبيرة، لا سيما الملكية منها. ويتولى الإشراف الأعلى على دور القضاء ودور المحفوظات ودور السلاح. وكان يتلقب منذ عصر الأسرة الرابعة بلقب قضائي يجعله كبير خمسة دار تحوتي2، ربما بمعنى كبير الرؤساء القضائيين الذين ينسبون عدالتهم على المعبود تحوتي رب العدالة والكتابة والحساب. ثم تلقب خلال عصر الأسرة الخامسة بلقب "حم ماعت" أي "خادم العدالة"، ولقب رئيس الدواوين الست الكبيرة3. ولسنا على بينة من الاختصاصات الفعلية لهذه الدواوين، أو المناطق التي كانت توجد فيها، وإن يكن من المحتمل أنها كانت تمثل دور القضاء العليا في العواصم الكبيرة، أو مجالس القضاء العليا في الدولة. وسرى شيء من ارتفاع شأن الوزارة إلى بعض الوظائف المندرجة تحتها. وترتب على كل ما أسلفنا أن توافر لأهل الطبقة العليا وربما كبار أهل الطبقة الوسطى أيضا منذ عصر الأسرة الخامسة، من الإمكانيات المادية والقيم الاعتبارية أكثر مما توفر لأسلافهم، ولم يعودوا يتقيدون كثيرًا بتشييد مقابرهم حول أهرام ملوكهم كما كان شأن أمثالهم في عصر الأسرة الرابعة، فتوزعت مقابرهم في سقارة والجيزة. ولم يتردد بعض حكام الأقاليم في أن يعملوا

1 See Especially، M.A. Murray-K Sethe، Index Of Names And Titles Of The Old Kingdom، 1908، 1937; J. Pirenne، Histcire Des Institfution Et Des Droit Prive De L'ancienne Empire، T. I-Iii، 1935; A. Weit، Die Veziere Des Pharonemreiches، 1908; H. W. Helck، Untersuchungen Zu Den Beamtentiteln Den Aegyptischen Alten Riches، 1954; K. Baer، Ranks And Titles Of The Old Kngdom، 1960.

2 A. Weil ، Op. Cit.، Nr. 2، 3، ; Mariette، Masrabas، 125.

3 Weil، Op. Cit.، 10-12، Etc. ; Marietc، Op. Cit.، 228، 407-409; L.D.، II، 103; Zaes، XX، If.; XXVIII، 43 F. ;P.S.B.A.، XIII. 121 F.

ص: 133

على نحت مقابرهم في سفوح التلال في مناطق حكمهم بعيدًا عن جبانة العاصمة. وشيد بعض هؤلاء وهؤلاء لأنفسهم مقابر واسعة ذات حجرات عدة وأبهاء ذات عمد، وضمنوها عددًا من تماثيلهم الكبيرة والصغيرة ووضعوا في جزئها الأسفل عددًا كبيرًا آخر من التماثيل الصغيرة لأتباعهم وخدمهم الذين تمنوا أن يقوموا بخدمتهم في دنياهم الثانية، وعنوا بزخرفة جدران مقابرهم بنصوص ومناظر كثيرة اتسمت في مجملها بطابع الزخرف والألوان البهيجة، وشاعت فيه النقوش الهادئة متوسطة البروز، وغلبت الحيوية والنضارة على صور ناسها وطيورها وحيواناتها، وتنوعت موضوعاتها ورمزت إلى ما كانوا يملكونه من ضياع وأنعام ومراكب للصيد والنزهة والانتقال، وأشارت إلى من كانوا يتبعونهم من جماعات الكتبة وجماعات الصناع "وهي جماعات محدودة العدد بطبيعة الحال"، ورمزت إلى ما كانوا ينعمون به من حياة رغدة ومن رعاية الخدم والأتباع. ومن أمتع ما يستشهد به من مقابرهم من حيث أسلوبها المعماري وأسلوبها الفني، ومن حيث تنوع مناظرها التي تصور الحياة اليومية داخل البيوت وخارجها، مقبرة "تي" أحد رؤساء دواوين الكتاب في عصره، وأخرى للوزير "بتاح حوتب" الذي عاصر الفرعون إسسي. وقد توفر لهذا الوزير "بتاح حوتب" نصيب واسع من الشهرة، وقدر لاسمه أن يخلد في عالم الأدب المصري القديم قرونًا طويلة، حيث سجلت له نصائح في آداب المعاملة والسلوك نصح ولده بها، وابتغى أن يتأدب بها بقية الشبان في مثل سنه، وحاول خلالها أن ينظم علاقة ولده بقرارة نفسه وأسرته وعمله ومجتمعه، وأن يجعله على تقى من ربه. فدعاه فيما دعاه إلى أن يراعي التوسط في اختيار مناسبات صمته ومناسبات كلامه، ويراعي التوسط في معاملته لنفسه ومطالب بدنه، ويراعي التوسط في معاملته لرئيسه ومرءوسه، مما سنعالجه بتفصيل في حديث الأدب.

ص: 134