الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعاقب على عرش البلاد في نهاية عصر الأسرة الحادية عشرة بضعة ملوك، لا يقل الخلاف حول أوائل ملوك الأسرة وألقابهم1. ومن أسمائهم المؤكدة، مونتوحوتب "نب تاوي رع"، ومونتوحوتب "سعنخ كارع". ويذكر لسياسة الحكم خلال عهودهم احتمال اشتراك أولياء عهودهم معهم في الحكم رغبة في أن يكتسبوا الخبرة فيه ويضمنوا ولاء الأنصار قبل أن ينفردوا به. وكان ظاهرة إشراك أولياء العهود في الحكم تقليدًا رد دريوتون أصوله إلى عصر الأسرة السادسة2.
1 See، J. Vandier، "L'ordre De Succession Des Derniers Rois La Xi Dyn."، Analectn Orientalia، XVII، 36 F. H.E. Winlock، Jea، XXVI "1941"، 116f.
2 دريوتون وفاندييه: المرجع السابق – ص272.
الاستثمار الحدودي والنشاط الخارجي:
لعل أوضح ما يذكر للنشاط الاقتصادي خلال النصف الثاني من هذه العصر هو استعادة الاستثمار الواسع لموارد الصحراوين الشرقية والغربية واستعادة الاتصال الواسع ببلاد النوبة وبلاد بوينة. وبدأ هذا الاتجاه بمحاولة توطيد الأمن في السبل المؤدية إلى البحر الأحمر عبر الصحراء الشرقية، ومحاولة تعميرها، وإعادة استغلال محاجرها "الجرانيتية" ومناجمها لصالح الدولة وصالح مشروعات الفرعون. ويبدو أن ذلك لم يكن بالأمر الهين، إذ تحدثت نصوص العصر عن بعثتين كبيرتين، لا زال الباحثون على خلاف في أيهما سبقت الأخرى. وقد خرجت إحداهما في عهد مونتوحوتب "نب تاوي رع" في عشرة آلاف رجل بين مدنيين وعسكريين، وترأسها وزير يدعى "أمنمحات" فوطدت الأمن في وادي الحمامات وعمرت بعض مواطنه القديمة المهجورة، ويحتمل أنه كان من هذه المواطن ميناء وادي جواسيس قرب القصير الحالية، ثم أعادت استغلال محاجره. وقد يكون عدد العشرة الآلاف هذا عددًا مبالغًا فيه ولكنه ينم على أية حال عن أن أصحابه كانوا في خلق كثير. وقص الوزير أمنمحات رئيس البعثة في النقوش التي سجلها باسم فرعونه نب تاوي رع أن معجزتين حدثتا خلال قيام رجاله بقطع تابوت الفرعون وغطائه من محاجر وادي الحمامات، وروى في المعجزة الأولى أن غزالة حبلى قصدت معسكر رجاله واتجهت إليه وهي تتلفت خلفها دون اضطراب أو استغراب، ثم استقرت في مكانه بعينه ووضعت وليدها فيه، فاعتبرها الرجال معجزة تنبههم إلى الموضع المناسب الذي ينبغي أن يقطعوا حجر تابوت فرعونهم منه، توهموا فيما بينهم أن حيوانات البراري نفسها لم تكن تأبى أن تسعى إلى فرعونهم ومن أجل صالحه.
وروى أمنمحات أن المعجزة الثانية حدثت بعد المعجزة الأولى بثمانية أيام، وكان قد عز على رجاله أن يعثروا على موارد الماء في مسالك الصحراء والجبال، وأوشكوا أن ييأسوا من مسعاهم، ولكن حدث فجأة أن تجلت كرامة الإله مين رب الصحراء الشرقية، وتجلت مكانة الفرعون عنده، فهطل المطر مدرارًا، واستحال حضن الجبل إلى بحيرة، وانكشفت فوهة بئر بلغ عمقه في قاع الوادي عشرة أذرع
وبلغ عرضه عشرة أذرع، امتلأ بالماء الصافي حتى حافته، على الرغم من أن جيوشًا عدة وبدو كثيرين مروا على مكانه أعوامًا طوالًا دون أن تراه عين أو يلحظه إنسان، على حد قول الوزير أمنمحات1.
وقال رجل آخر من عهد الملك نفسه في نص نقشه بوادي الحمامات: "خرجت إلى هذه البرية كما لو كنت ابن ستين "وعندي" سبعون ولدًا ولدوا من امرأة واحدة، وأديت كل ما هو صواب من أجل نب تاوي رع، عاش أبدا"، ويبدو أنه أوكلت إلى هذا الرجل مهمة الإشراف على منطقة واسعة في الصحراء الشرقية، بحيث ذكر أنه أصبح المدير الفعلي لأرض الصحراء كلها". وأضاف من صور نجاحه وإخلاصه في أداء مهمته أنه أحال وديان الصحراء ومرتفعاتها إلى غدران وعمرها بالذراري، وروى أنه تكفل بعمل تحصينات حدودية امتدت شمالًا حتى "منعة خوفو" في مديرية المنيا، وربما امتدت جنوبًا إلى بلدة لقيطة في وادي الحمامات2. وخرجت بعثتان إلى النوبة في عهد الملك نفسه لاستغلال الجمشت في وادي الهودي إلى الجنوب الشرقي من أسوان بنحو سبعة عشر ميلًا3.
أما البعثة الكبيرة الأخرى التي تقرن ببعثة أمنمحات فقدت خرجت في العام الثامن من عهد مونتوحوتب "سمنخ كارع" برياسة موظف كبير يدعى حنو "أو حننو"، وبلغ تعداد رجالها نحو ثلاثة آلاف رجل، مدنيين وعسكريين. وكانت تستهدف تأكيد الأمن في مسالك القوافل وتعميرها وتحصيل الهدايا باسم القصر الملكي وقطع أحجار لتماثيل ملكية ضخمة، ثم الإشراف على إنزال سفن "جبيلية" إلى البحر الأحمر لاستعادة الاتصال ببلاد بوينة عن طريقه واستيراد "بخور طازج" منها. واعترف حنو بأنه انتفع من حالة الأمن التي حققتها بعثة عسكرية سبقته إلى تأمين الطريق، وقد تكون تلك البعثة هي بعثة أمنمحات، أو بعثة استطلاعية من رجال حنو نفسه، وذكر أنه بدأ طريقه من قفط وسلك دربًا قصيرًا من دروب الصحراء، وروى أنه سار على الدرب الذي وجهه إليه مولاه، وأكد أنه أكرم رجاله فسمح لكل منهم بسقاء "أو قربة ماء صغيرة" وحامل "أي عصا مثل عصا الراعي يعلق فيه سرة الخبز وسقاء الماء" وقدرين، وصرف لكل منهم عشرين رغيفًا "صغيرًا" يوميًّا، وسمح لهم بأن يحملوا نعالهم على ظهور الحمير، وأضاف أنه ود لو جعل الطريق نهرًا وجعل الصحراء طريقًا زراعيًّا، وأنه عمل على تطهير آبار قديمة وحفر آبار أخرى جديدة، وقد بلغت في مجملها خمسة عشرة بئرًا "لا زالت بعض معالمها باقية". ثم استمر حنو في طريقه حتى بلغ ساحل البحر الأحمر، وأنزل سفينة أو سفنًا إلى البحر ودشها بذبح القرابين أمامها ثم عهد بها على رجالها، وحملها ببضائع يستبدلون بها ما توده الخزائن الملكية ومعابد الدولة من بلاد بوينة، ثم استغل طريق عودته لقطع أحجار تماثيل مولاه، وروى أنه فعل ذلك نظرًا لحب مولاه الشديد له4.
1 L. D. Ii، 149 C، F. ; Etman، Zaes، 1891، 60 ; A. R.، I، 451.
2 Couyat-Montet، Hammanat، Pl. I 'P. Newberry، Bent Hasan، Ii، 18-19.
3 A. Rowe، Asae، Xxxix، 189 F. ; A. Fakhry، The Insciptions Of Wadi El Hudi. Cairo، 1952.
4 Hammamat، 114 ;Breasted، Op. Cit.، 429 F. ; W. C. Hayes، "Career Of The Great Stweaed Hen-Enu". Jea، XXXV، 43 F.