الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعين على السومريين منذ ذلك الحين أن منذ أواسط القرن الرابع والعشرين ق. م أن يتمهلوا مع الزمن حتى أتيحت لهم فرصة الظهور والغلبة مرة أخرى بعد أكثر من قرنين.
بيد أن السومريين وإن عز عليهم التوسع السياسي الكبير خارج حدودهم، فإن حضارتهم لم يعوزها الانتشار السلمي الواسع، فمدت جناحيها عن طريق التجارة على ضفتي الدجلة والفرات، وتركت بصماتها على فنون دويلة آشور ودويلة ماري وأطراف الشام الشرقية1.
1 See، M. Mallowaa، Iraq، Ix “1947”; Parrot، Syria، Xvi-Xvii “1935-6”; Revue D’assyriologie، Xxxi “1934”، 180 F.; W. Andrae، Die Archaischen Ischtartemple In Assur، Leipzig، 1922.
الفنون:
استمر عصر بداية الأسرات السومري أكثر من خمسة قرون، غابت الوحدة السياسية في أغلبها عن آفاق أهله كما مر بنا، ولهذا كان من منطق الأشياء أن تتعدد الأساليب الفنية خلاله بتعدد دويلات مدنه وتعدد أذواق أهلها وحكامها، لولا أن غياب الوحدة الفنية الكاملة عن أرض سومر لم يمنع من شيوع أساليب معينة منها على حساب أساليب أخرى من حين إلى حين، وذلك نتيجة لتبادل المصنوعات الفنية الصغيرة بين المدن، كالأختام الأسطوانية المنقوشة، وتحف المعابد مثل رءوس المقامع الرمزية وقوائم المباخر والموائد الفاخرة التي كانت تشكل بأشكال حيوانية وزخرفية لا تخلو من جمال.
واستشهدنا فيما مر بنا من تاريخ السومريين بما اقتضاه سياق الحديث عنهم من دلالات مناظر النصب ونصوصها، وتطور فنون عمارة المعابد الأرضية والزقورات، وسوف نتابع الحديث في الصفحات التالية عن صور أخرى من نقوش الأختام والمقامع والأواني واللوحات الصغيرة التي شاعت في عصرهم من حيث أساليبها العامة ونماذجها الممتازة، ومختارات من تماثيل الحكام والمعبودات، فضلًا عن خصائص المساكن ومحتويات المقابر.
فقد شاع في مناظر أختام الفترات الأولى من عصر بداية الأسرات السومري، أسلوب نقش تخطيطي بارز اكتفى فنانه بتصوير الخطوط العامة للأجسام، واعتمد فيه على تكرار وحدات محدودة كان يستغل ما بينها من فراغات لتصوير أشكال نباتية وتجريدية عديدة. وانعكس صدى هذا الأسلوب على نقوش الأواني الحجرية ورسوم الأواني الفخارية، وقرب في الاصطلاح الفني إلى ما يسمى باسم Brocade Style1 وكان نماذجه الأولى قد ظهرت منذ بواكير العصر الكتابي ثم اختفت حتى ظهرت ثانية في أوائل عصر بداية الأسرات السومري، ويبدو أن تجدد ظهوره حينذاك ارتبط بقرب تأثر أهله بفنون مواطنهم الأولى، أكثر من ارتباطه برغبتهم في إحياء أسلوب عراقي قديم.
وتطورت نقوش الأختام بعد ذلك في أواسط عصر بداية الأسرات السومري، وتميزت بتعدد موضوعات مناظرها وتداخل صورها وتقاطع أجزائها مع بعضها البعض، واستغلال ما بينها لتصوير رءوس حيوانية
1 See، Frankfort، The Art And Architecture
…
، 18-20، Fig. 8، Pl. 11 A.
ونباتات ورموز تخطيطية. واستحب فنانوها تصوير إخضاع الأبطال الأسطوريين للأسود، واعتادوا على تصوير أولئك الأبطال في هيئات تجمع بين رءوس البشر وأيديهم وبين أجسام وقرون الفحول. ونفذوا أشكالهم بخطوط عامة وزوايا حادة أحيانًا، وبخطوط لينة وزوايا منحنية حينًا آخر1. واستبقى بعضهم أسلوب البروكيد وزادوه ثراء بزيادة تزاحم صورة، كما زادوه حلية بترقيش بعض صوره بنقط وخطوط متقاطعة وترصيع عيونها بعجائن ملونة2، وذلك مما يعني أنه ما من أسلوب فني كان يستطيع أن يجب أسلوبًا آخر وإن طغى عليه وزاد شيوعًا عنه.
ثم تخففت نقوش أختام المراحل الأخيرة لعصر بداية الأسرات السومري من تقاطع الصور، واستحبت الأشكال الممتلئة ذات الخطوط اللينة، وحاولت أن توفر الفراغات المناسبة حولها وأن تستغل هذه الفراغات في تسيجيل نصوص قصيرة أحيانًا. ومال فنانوها إلى إيثار الواقعية في منظرهم، فقللوا صور الأبطال الخرافيين، وأظهروا إلى جانبهم أبطالًا من البشر صوروهم عراة في أغلب أحوالهم، واهتموا بإبراز تفاصيل الشعور والقرون والأجنحة في صورهم3.
وواصلت النقوش السومرية سبيلها على رءوس المقامع الرمزية التي اعتاد الحكام وكبار الشخصيات أن يقتنوها في قصورهم أو يهدوها إلى معابد أربابهم لعقد الصلة بين صفة المقاتلة في أنفسهم وبين رعاة الحرب من أربابهم. وعلى سطوح الأواني الحجرية والمعدنية، ومن أمتع ما يستشهد به منها نقوش آنية فضية كبيرة ذات قاعدة نحاسية أهداها اينتيمنا حاكم لجش لمعبود مدينته، ونقش فنانها على سطوحها بضعة مناظر لحيوانات أليفة وكاسرة تسيطر عليها نسور المعبود نين جيرسو ذات رءوس الأسود، ونجح كل النجاح في التعبير عن الحركة الطبيعية لبضع نعاج سمينة "أو بقرات صغيرة" باركة ترفع كل منها ساقها الأمامية وترتكز على حافر ساقها الأخرى استعدادًا للنهوض4. واستحب فنان العهد هذه الحركة فكررها على لوحة صغيرة من الطين المشبع بالقار، فصور شاة سمينة "أو بقرة صغيرة" راقدة تهم بالوقوف برفع إحدى قائمتيها الأماميتين. وعبر عن حركة أخرى لطيفة في رمز معبوده فصور نسره المهيب يطأ ظهري أسدين، وهو تصوير معتاد على آثار المعبود نين جيرسو، ولكنه صور الأسدين يتطاولان برأسيهما إلى أطراف جناحي النسر لينهشاها، على خلاف المألوف في تصوير أمثالهما، وبهذا التحوير كفل الفنان الحيوية للوحته على الرغم من خشونة سطحها.
ولا يكاد يفضل هذين النموذجين، في نفس موضوعهما وعصرهما، غير نقوش لوحة مستطيلة مكسوة برقائق النحاس، شكل الفنان سطحها بالنقش البارز على هيئة نسر قائم مهيب برأس أسد يبسط جناحيه
1 Op. Cit.، Figs. 14 A-C، 15 A-B; Pl. 36 A-B; Heinrich، Fara، “1931”، Pls. 47 A، 65 C، 49 F.، 51 F.
2 Frankfort، Op. Cit.، 19، Fig. 9، Pl. 11 B.
3 Ibid، 36-40، Fig. 16، Pl. 40
4 E. De Sarzec، L. Heuzey، Decouverts En Chaldee، Pl. 43.
من على فوق وعلين يتدابران أمامه في ثقة لا تقل تعبيرًا عن تعبير مهابته، وتتفرع قرونهما على حافتي اللوحة في إتقان ملحوظ1.
ومارس الفنانون السومريون تعبيراتهم الفنية القصيرة على لوحات حجرية صغيرة، مستطيلة ومربعة، ظهرت منذ أواسط عصر بداية الأسرات وشاعت في أواخره، وكانت تثبت في جدران هياكل المعابد بوصلات عن طريق فجوات صغيرة تتوسطها2، لتظل شاهدًا على ارتباط أصحابها بأربابهم، أو تثبت في جدران قاعات بيوتهم الخاصة باعتبارها لوحات تذكارية ولأغراض الزخرف والزينة. كما مارسوها على لوحات خشبية فاخرة كسوها أحيانًا بالنحاس المطروق، وشكلوا بعض صورها الصغيرة بالأصداف وطعموا إطاراتها باللازورد، وكانت من غير شك من المقتنيات الغالية في القصور، وتؤلف قطعًا من أثاثها الفاخر3.
وسجلت نقوش هذه اللوحات "أو البطاقات" صورًا من الحياة المدنية والحربية في مجتمعها وذلك في حدود ما سمح به ضيق مساحاتها، فرمزت بصورها إلى المحافل الخاصة وما يدور فيها من غناء ورقص وموسيقى وشراب، وما يجري فيها من رعياة الخدم لسادتهم. ورمزت بمناظرها إلى الأعياد العامة وما يدور فيها من مباريات المصارعة والملاكمة "؟ " والرقص وتسلق الأشجار. وصورت الحكام يعودون بعرباتهم الحربية من ساحات القتال ويشرفون على إحصاء غنائمهم وأسراهم. وعبرت عن هزائم الأعداء بتصوير قتلاهم تطؤهم عجلات الحرب، وتصوير أسراهم جرحى متهالكين، وملقين على الأرض مقيدين. وأكثرت من تصوير تقوى الحكام حين يشرعون في تشييد المعابد ويتأهبون للمشاركة في وضع لبناتها الأولى، وتصوير تقوى الأفراد حين يتقدمون بقرابينهم أمام أربابهم، وحين يشتركون في أعيادهم وحين يسوقون نذورهم وأنعامهم هدايا لمعابدهم4.
وظلت النصب الحجرية واللوحات الكبيرة وأصلح مما عداها لإشباع رغبات الحكام في تسجيل أخبار انتصاراتهم وآيات تقواهم وما يعتزون به من أعمالهم، وقد استعرضنا صورًا من مضمونها ودلالاتها حين الحديث عن مناظر المعبود ونصب إياناتم.
وتقيدت أغلب النقوش السومرية السابقة بمبادئ الرسم والنقش الشائعة في العالم القديم، من حيث تصوير
1 Hall And Woolley، Ur Excavations، Pl. 1، 6.
2 Frankfort، Op. Cit.، 32-33.
3 Ibid.، 34-35، Pls. 36-37; Syria، Xvi “1935”، Pl. Xxviii; T.Xx “1940”، Pl. Vi، 4; Mackay، A Sumerian Palace
…
At Kish، Pls. Xxxxv-Xxxvi; Frankfort، Oriental Institute Discoveries In Iraq، 1933-1934، Fig. 25.
4 E. De Sarzec- L. Heuzey، Op. Cit.، Pl. 2 Bis; C.L. Woolley، Ur Excavations، Ii، Pl. 181; G. Contenau، Mxnuel
…
، Fig. 357; Frankfort، Sculpture
…
، Pl. 45، Nos. 105، 125; Pl. 108 No. 188. Pl. 109 No. 192; More Sculpture، Pls. 62، 64 B; 65، 67 No. 327.
أشكالها فوق خطوط أفقية ترمز إلى الأرضية التي تقف عليها وتضمن استواء صفوفها وتفصل بينها وبين صفوف المناظر التي تصور تحتها، "وذلك مع استثناءات قليلة غير مقصودة لذاتها تخلى الناقش فيها عن تصوير أمثال هذه الخطوط"1، ثم من حيث تصوير وجه الإنسان وجذعه الأسفل من جانب مع تصير عينه من أمام وتصوير كتفيه باتساعهما، ومن حيث تصوير الأفراد يتعاقب الواحد منهم خلف الآخر حتى ولو كانوا يسيرون في حقيقتهم في جماعات مختلطة "مع استثناءات قليلة أيضًا"، ثم من حيث تصوير الحكام بأحجام تزيد عن أحجام مرءوسيهم وأتباعهم وأولادهم أيضًا.
ولم يتخفف الفنانون السومريون من بعض هذه المبادئ إلا حين تصويرهم الكائنات الأسطورية والخرافية والحيوانات والطيور، فصوروا بعض وجوهها كاملة من الأمام وصوروا أشكالها يتقاطع الواحد منها مع الآخر، كما صوروا مجموعات الجنود في صفوف أفقية متراصة أحيانًا.
واكتفت أغلب اللوحات السومرية بتصوير ملامح شخوصها البشرية بخطوطها العامة، وقليلًا ما حظت بإظهار تفاصيل الجسم كعضلات الصدر والذراعين "في مثل لوحة أور نانشه". وقد يرجع طابع العمومية في صورها إلى صغر أحجامها وصعوبة تمثيل الملامح الشخصية فيها.
بيد أنه على الرغم من بساطة خطوط هذه اللوحات، بل وخشونتها أحيانًا، فإنها لم تعجز في أغلب أحوالها عن إعطاء صورة واضحة عن موضوعاتها وعن هيئات أهلها وتقاليدهم في الزي والعبادة وعما كانوا يستخدمون في حياتهم اليومية من أدوات لم يتبق منها في أرضهم غير القليل النادر.
وقد مهدنا بما صورته هذه النقوش من خصائص الشخصيات الكبيرة في الهيئات والملابس، في بداية حديثنا عن الجنس السومري وموطنه الأصيل "ص387 - 388". أما عن صور الأفراد العاديين فقد تميز من صورهم الطريفة ما يصور الحمالين يحملون أثقالهم على ظهورهم ويشدونها بحبال إلى جباههم2، كما يفعل بعض الحمالين الشرقيين حتى اليوم. وتميزت من صور حيواناتهم الأليفة كباش أفقية القرون "وجدت أمثالها في مصر القديمة حتى عصور الدولة الوسطى"، وأخرى ذات قرون منتصبة متفرجة، وكباش طويلة الصوف، وأبقار ذات بروز يشبه السنام فوق أعناقها "ولا تزال أمثالها موجودة حتى الآن في بعض أقطار الشرقين الأدنى والأوسط".
وصورت اللوحات السومرية نوعين من العرابات: عربة صغيرة بعجلتين مصمتتين إلا من فتحة الدنجل3، وأخرى فاخرة بأربع عجلات مصمتة أيضًا يتكون جسمها من ثلاثة أجزاء: جزء أمامي ذي جانبين مرتفعين مفرغين تعلوه مظلة أو مظلتان ويخصص لوقوف صاحب العربة4، وجزء أوسط
1 See، Frankfort، The Art And Architecture
…
، 19، Pl. 11 A.
2 Op. Cit.،
…
Pl. 37 Lower.
3 Ibid.، Pl. 33 A; Compare Also Pl. 20 A.
4 Ibid.، Pl. 36 Upper.
مربع أو مستطيل يشبه الصندوق يخصص لمرافقيه، ثم جزء خلفي منخفض مسطح يمتد بمستوى أرضية العربة ويستخدم في الصعود إلى العربة ولوقوف التابع حامل الرمح أو لجلوس السائس ووجهه إلى الخلف. ولا تختلف عربة الحرب عن العربة الخاصة عادة إلا في خلو جزئها الأمامي من المظلة، مع تزويدها بالأسلحة وجعاب السهام1. وغالبًا ما تجر العربة أربعة حيوانات صغيرة تشبه الحمير لولا أنها طويلة الذيول بما يشبه خيول السيسي الصغيرة، أو تجرها ثيران.
النحت: أدت قلة المحاجر الصالحة في بلاد النهرين إلى صغر أحجام التماثيل السومرية ونحت أغلب المعروف منها من أحجار لينة مثل الحجر الجيري والألباستر، مع قلة المصنوع منها من أحجار صلبة كالبازلت أو الديوريت.
وظلت تماثيل الأرباب أكبر حجمًا مما سواها، كي تعبر بضخامتها النسبية عن جلال أربابها وتدل على تقوى أصحاب الفضل في إهدائها إلى معابدها "وتختلف هذه التماثيل عن تماثيل العبادة الفعلية الصغيرة التي تصنع من مواد ثمينة أو تغشى برقائق ذهبية وما يشبهها". واحتفظت أرضية معبد تل أسمر "في إشنونا القديمة" بثلاث عشر تمثالًا لأرباب وربات وكهنة، استمر أسلوب نحتها حتى أواسط عصر بداية الأسرات السومري2. ويبدو أن الكهنة كانوا قد اكتنزوها في أرضية معبدهم خلال إحدى مرات تجديده أو خلال فترة مضطربة خشوا فيها على مقتنياته.
ونحتت أغلب هذه التماثيل بخطوط جافة وزوايا حادة تشبه خطوط النقش السائدة في أوائل عصر بداية الأسرات السومري. وانصب أغلب الاهتمام فيها على تعبيرات وجوهها، فأفرغ المثالون ما كانوا يتخيلونه من رهبة أربابهم على وجوهها، وعبروا عن هذه الرهبة بضخامة الوجه وشدة اتساع العينين وتحديقهما بما يحتمل أن يعبر عن وصف المعبود بأنه بصير، أو وصف المتعبد بالانتباه والترقب لإجابة دعائه. ثم انطباقه الشفتين وكثافة شعر الرأس المجعد واسترساله على الكتفين أو على الصدر، مع اتصال شعر اللحية الطويلة بشعر الشارب واسرتسال شعرها على الصدر في تجاعيد أفقية حادة تتناسب مع خطوط الأنف والشفتين وشعر الرأس.
وتضمنت هذه المجموعة تمثالين لمعبودتين، بدت إحداهما رشيقة القوام ممتلئة الوجه طويلة الجيد، يستدير شعرها حول رأسها وتلتف عباءتها حول جسدها وتترك كتفها اليمنى عارية، ولا يعيب نحت تمثالها غير شدة اتساع عينيها المستديرتين وبعض الحدة في الخطوط مرفقيها.
ووضح من تماثيل الكهنة في نقس المجموعة تمثال لكاهن حليق الرأس والشارب واللحية، تتفق عيوب نحته مع عيوب تماثيل أربابه.
ثم تخفف فن النحت منذ أواخر عصر بداية الأسرات السومري من زواياه الحادة، واستحب ليونة السطوح واستدارة الأركان، وحاول الفنانون أن يظهروا فيه طيات البطن ولغد الرقبة. وترسموا الأسلوب
1 Op. Cit.، Pl. 36 Lower.
2 Frankfort، Suclpture Of The Third Millennium From Tell-Asmar And Khafaje، Chicago، 1930; The Art And Architecture Of The Ancient Orient، 24، Pls. 13-17.
الواقعي في التعبير عن الملامح الشخصية على وجوه بعض تماثيلهم، وتفننوا في تمثيل تصفيفات الشعر وأزياء الثياب لبعض تماثيل النساء واستعانوا بإظهار البسمة الخفيفة على الشفاه للتخفيف من صلابة الوجود وللاقتراب بها من عالم الناس، ولو أنهم لم ينجحوا غير نجاح قليل في التعبير عن هذه البسمة، ولم ينجحوا في التخلص من جمود العيون وشدة تحديقها على الرغم من تطعيمهم إياها بمواد مختلفة. واحتفظت حفائر مدن تل أجرب وخفاجي وماري بمجموعة طيبة من هذه التماثيل نافست بعضها بعضًا في التعبير عن أساليب عصرها وكفاية فنانيها.
وأدت التماثيل المعدنية دورها في رواج الفنون السومرية الصغرى. وتمثل أغلب ما بقي منها من مقتنيات المعابد في رموز المعبودات، وتماثيل النذور الحيوانية، وقوائم المباخر، وقواعد أواني الدهون، ومساند المشاعل، وأطراف الموائد1، فضلًا عن عدد قليل من تماثيل الأفراد وابتكر الفنانون السومريون لتحفهم تلك إشكالًا خفيفة الظل من عوالم الإنسان والحيوان والنبات، ومن أمتع ما يستشهد به منها قطعة معدينة أخرجتها حفائر أور، لعنزة "أو جدي؟ " تتطاول على شجيرة قصيرة ذات هيئة محورة وفرعين يتماثلان في أغصانهما وبراعمهما وزهورهما المعدنية القليلة، ونطل برأسها فيما بينهما. ورصع الفنان خصل شعر الغنزة الطويل بقطع من اللازورد والأصداف ثبتها بالقار على جسمها الخشبي. وارتكزت العنزة والشجيرة على قاعدة صغيرة كفتت بمعينات صغيرة يتعاقب فيها اللونان الأحمر والأبيض، وصفحت أطرافها برقائق من الفضة2. ولا يكاد يعيب تمثال العنزة في منظرها الجانبي غير قصر رقبتها بحيث تبدو رأسها مدفونة بين كتفيها، تم وقوفها ثابتة على مجمع حافريها وليس على طرقيهما بحيث بدت في وقفتها وبارتفاعها وكأنها تتطلع إلى الشجيرة أو من خلالها دون الأكل من أوراقها3.
المساكن:
ترجع إلى عصر بداية الأسرات أطلال أحد قصور حكام مدينة كيش، وهو قصر بُني من اللبن فوق ربوة صناعية. وبقيت من أطلاله الأجزاء السفلى من جدرانه المتماسكة، وجزء من درجه، وقواعد بعض أعمدته، ويبدو أن درجه الصاعد على سفح الربوة كان يؤدي إلى مدخل مزخرف، يليه فناء مكشوف ذو أساطين من الآجر يمتد الضوء منه إلى الغرف الداخلية المتصلة به. وقامت سقوف قاعات القصر الرئيسية على أساطين مماثلة، وزينت بعض جدرانها بلوحات من الشست طعمت بأصداف ومناظر ترمز إلى انتصارات أصحاب القصر وجانب مما كان يجري في ضياعهم الزراعية من تربية الماشية والماعز وحلبها وتربية الجداء، وقد نفذت بعض هذه الأشكال بإتقان بارع وفي حيوية لطيفة4.
1 Frankfort. More Sculpture
…
، Pls. 54، 95; The Art And Architecture
…
، Pl. 29، Etc
…
2 Ibid.، Pl. 28 Brit. Museum، Hight، C. 50 Cm.”.
3 قارن لهذا مناظر مصرية تتضمن عنصري الشجرة والعنزة أيضًا ولكن بأشكال محررة أخرى:
J. Leibovitch، Asae، Xlviii، 245 F.
4 Field Museum Anthropology Memoirs، I “1929”.
وانظر بقايا أطلال قصر حكم آخر في مدينة إريدو - مجلة سومر 31 "1950".