الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نوعًا والمتأخرة في الزمن نوعًا، واتجه أكثر ما اتجه نحو تحديد جوانب حفرة المقبرة وتقويتها. واتبع أصحاب المقابر في سبيل تنفيذ هذا الغرض وسائل كثيرة كانت منها تكسية جدرانها الداخلية بطمي سميك ثم بالبوص أو الحصير، أو تكسيتها بألواح خشبية. وتتابعت الخطوات بعد ذلك لتدعيم جوانب الحفرة عن طريق تحديدها من الداخل بجواليص الطين أو قوالب اللبن ثم كساء الجدران نفسها بألواح خشبية أحيانًا1. وأفضت هذه الخطوات إلى تحويل الحفرة إلى حجرات. ثم عاد النقادون الأواخر فاستحبوا تقسيم الحجرة المبنية بقوالب اللبن تحت سطح الأرض إلى حجرات، وبدءوا تقسيمها قبيل بداية العصور التاريخية حجرتين: حجرة كبيرة للجثة وحاجياتها الثمينة، وأخرى صغيرة للأواني العادية2. وانتقلوا من ذلك إلى تقسيم الحجرة الصغيرة نفسها إلى حجرتين، فأصبحت حجرات المقبرة ثلاثًا3.
1 See، Abuser، Pl. 3 C.; El- Mahasna، Pl. Ix; Pls. Viii، 42، Ix، 46، 47; Burunton، Motamar، Lonodon، 1948، 17.
2 Al-Amrah، Pls. Iii، 2، 4، Iv، 6.
3 Lbid.، Iv، 7.- وعثر في أبو صير الملق على حفر متأخرة مستطيلة قسمت بقواطع عرضية من اللبن والخشب إلى أربع حجرات أو خمس ولم يعثر فيها على عظام موتى، ويحتمل أنها كانت أضرحة رمزية.
Abusir، Pl. V، And See، Vandier، Op. Cit.، 256.
بين الصعيد وبين الدلتا:
تشعبت آراء المؤرخين عن أصحاب الحضارة النقادية الثانية وعن موطنهم الأصلي وعن الطريقة التي فرضوا بها حضارتهم على أصحاب الحضارة الأولى. ولن نطيل هنا في عرض هذه الآراء ومناقشتها وإنما يكفي أن نقول إنها اتجهت اتجاهين رئيسيين: اتجاهًا افترض أن أصحابها وفدوا على وادي النيل من منطقة قريبة منه مثل جبال البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء وشمال الحجاز1. واتجاهًا آخر افترض أن أصحابها كانوا من أهل الوجه البحري أي من أهل مصر نفسها2. وقد أيدنا هذا الاتجاه الأخير في الجزء الأول من كتابنا عن حضارة مصر القديمة وآثارها، بأدلة من نماذج الرسوم وأشكال الأواني الحجرية والفخارية وصور المراكب ورموزها وطرز مقاطع القتال وغيرها3، ويؤدي بنا هذا الرأي إلى حديث قصير عن الوجه البحري وظروفه القديمة.
فقد ظلت مناطق الوجه البحري أقل حظًّا من مناطق الوجه القبلي فيما بقي من آثارها الحضارية القديمة، يستوي في ذلك حظها من آثار فجر التاريخ وحظها من آثار العصور التاريخية نفسها. وترجع أسباب هذه
1 See For Exaples، W. F. Petrie، Prehistric Egypt، 16 F.; The Marking Of Egypt، 47: R. Weill، Recherches Sur La Ler Dynastie Et Les Temps Prepharaoiques، Le Caire، 1961، Ii 279 F.
2 See For Exaple، P. Newberry، In Liverpool Ann. Of Arch. And Anthrop.، V، 232; "Egypt As A Filed Ofr Anthropological Research"، 446; Ancient Egypt ، 1914، 7-8; Foucart، Sphinx، Xviii، 51 F.; Loret، Rev. ?g.، Xi، 75f.: A. Moiet، Des Clans Aux Empires، 142.
3 عبد العزيز صالح: حضارة مصر القديمة وآثارها – الجزء الأول – القاهرة 1962، ص163 - 168.
القلة إلى الظروف الطبيعية والبيئية التي أحاطت بالدلتا القديمة، من حيث انخفاض أرضها، وكثرة فروعها المائية، وشدة طغيان الفيضانات عليها، وكثرة ترسيب الطمي فيها، وانتشار المناقع في مناطقها الشمالية، وما ترتب على ذلك كله من ارتفاع نسبة الرطوبة في تربتها وسرعة تحلل الآثار فيها.
ولكن ظروف الدلتا القديمة كان ذات شقين ولم تكن شرًّا كلها، فليس من المستبعد أن كثرة تعرض أراضيها لأخطار الفيضان كانت حافزًا لأهلها على مداومة الكفاح والأخذ بأسباب التعاون والتقارب لدرء هذه الأخطار عن أراضي الزراعة وأراضي المساكن. وليس من المستبعد كذلك أن طمع بدو الصحراوين الشرقية والغربية في خصوبة الدلتا كان دافعًا آخر لأهلها على التعاون لدرء شرهم، وحافزًا لهم على التجمع في وحدات سياسية مبكرة متكاتفة. ويبدو أن قلة المواد الأولية في الدلتا كانت دافعًا ثالثًا شجع أهلها على التعاون لتيسير الحصول عليها من مصادرها، مثل الظران من جنوب الدلتا، والنحاس من شبه جزيرة سيناء والأحجار الملونة من جبال البحر الأحمر، والأصداف من سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط1. وأضاف بعض الباحثين عوامل أخرى نسوقها على شك فيها، ومنها أن اتساع رقعة أراضي الدلتا وانفساحها أديا إلى نوع من رحابة أفق التفكير عند أهلها، بعكس أراضي الصعيد الزراعية الضيقة التي تحدها التلال والجبال. وأن سهولة اتصال الدلتا ببقية حوض البحر المتوسط كانت من دوافع تقدمها على عكس الصعيد قليل الاتصالات2، "وإن كنا نعلم من جهة أخرى أن حضارات الدلتا والصعيد ظلت في مجموعها أكثر رقيًّا من حضارات البحر المتوسط كله خلال فجر التاريخ، وذلك ما يعني ضعف احتمال استفادة الدلتا منها".
وإلى جانب منطقة مرمدة بني سلامة التي نشأت على الحافة الجنوبية الغربية للدلتا في أوائل العصر الحجري الحديث، أدى البحث الأثري إلى الكشف عن مناطق عمران أخرى عند رأس الدلتا القديمة، في عين شمس والمعادي وطرة، وكانت ثلاثتها نقطًا متصلة في سلسلة من مناطق العمران لا تزال أغلب آثارها دفينة في الأرض حتى الآن، وكانت المعادي أهمها3.
ومضت كل من الحضارتين الصعيدية والبحيرية في سبيلها، وتطورت كل منهما بما يناسب بيئتها وثراء أرضها، ومدى الاتصال والترابط بين أقاليمها، ومدى توافر المواد الأولية فيها أو قرب أرضها، حتى انتظمت الأحوال السياسية لأهل الحضارة الشمالية وتجمعت سلطاتها أو سلطات أكبر أقاليمها في يد ملك
1 انظر عن آراء أخرى تعارض هذه الاحتمالات:
Basmgartel، Op. Cit.، 3 F.، 8، 18; H. Kees، Das Alte Agypten، 11، Etc ........
2 ت. إريك بيت: في تاريخ العالم "نشرة هامرتون" – معرب بالقاهرة، ص510، دريوتون وفاندييه: مصر – معرب بالقاهرة – ص47 - 48.
3 راجع عن المعادي:
O. Menghin & M. Amer، The Excacations Of The Egyption Unversity In The Neolithic Site At Maadi، Vols. I-Iii.
مصطفى عامر: بعض نتائج الحفر في المواسم الخمسة الأولى بالمعادي – 1936 وانظر ما كتبناه عنها في مرجعنا السابق – ص151 - 156.