الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وربط بعض المؤرخين الكلاسيكيين بين اسم أمنمحات الثالث الذي ذكروه باسم Lamarres " ومترادفات أخرى" وبين بناء ضخم في منطقة الفيوم أطلقوا عليه اسم لابيرنثوس Labyrinthus ويختصر في العربية عادة إلى اللابيرنت، وهو اسم استعاروه من اسم قصر الحكم العظيم في مدينة كنوسوس بجزيرة كريت. ووصف هيرودوت المبنى المصري بأنه تألف من طابقين، وتضمن ثلاثة آلاف غرفة نصفها فوق سطح الأرض ونصفها تحتها. وتضمن اثنتي عشرة باحة مسقوفة بسقوف حجرية، تتصل كل منها بالأخرى، وتقوم على جوانبها أعمدة وتماثيل، وقام إلى خلف المبنى هرم ضخم، وأحاط به هو والهرم سور كبير. واعتبر هيرودوت اللابيرنت أجل من الأهرام المصرية نفسها، واعترف بأن آثار الإغريق لو تجمعت كلها في صعيد واحد لما طاولته في فخامته، وأضاف أن الكهنة سمحوا له بزيارة الأجزاء العلوية منه دون أجزائه السفلى التي أخبروه أنها تضمنت رفات اثني عشر ملكًا ورفات التماسيح المقدسة1.
ووصف إسترابون اللابيرنت بوصف آخر، فاعتبره بناء منيفًا يقف على قدم المساواة مع هرم صاحبه الذي يجاوره، وذكر أنه تضمن قصورًا ذات طابق واحد وأبهاء احتفالات بلغ عدد كل منها عدد الأقاليم المصرية القديمة. واتصلت القصور والأبهاء بعضها ببعض بممرات وأقبية يتوه الغريب فيها ويصعب عليه أن يتلمس طريقه بينها دون دليل يرشده، ولعله لهذا أن سمى البناء باسم قصر التيه أو اللابيرنت. وسقفت كل وحدة من هذه الوحدات بحجر ضخم واحد. واعتاد ممثلو الأقاليم وكهنتها وكاهناتها أن يجتمعوا في أبهاء المبنى خلال الأعياد لتقديم القرابين وإقرار العدالة في شئونهم الكبرى2.
على الرغم من هذا الوصف الممتع الذي ساقه هيرودوت وإسترابون، وساق مثله ديودور وبليني، دلت البحوث الأثرية على أن ذلك المبنى الذي دخل ذمة الأساطير كان معبدًا ضخمًا أقيم بجوار هرم أمنمحات الثالث لأداء شعائره الأخروية. ولو أنه لا يستبعد أن يكون أهل المنطقة قد استخدموه لأغراض أخرى بعد عهد صاحبه، مثل الاحتفال فيه بأعياد الفيضان وأعياد رب الفيضان، وأعياد سربك معبود منطقة البحيرة3.
1 Herodotus، II، 148.
2 Strabo، XVII، 37
3 Kees، Op. Cit.، 225; K. Michalowski، Jea، 1968، 219 F ; A.B. Lioyd، The Egyptian Labyrinth، Jea، 1970، 18 F.
في الأساليب الفنية:
تأثرت أساليب النحت في عصر الأسرة الثانية عشرة بمدرستين فنيتين: مدرسة في منف رجعت بتقاليدها الفنية إلى تراث الدولة القديمة وخلطت الواقعية بالمثالية في نحت تماثيل فراعنتها، فلم تكتف بأن تصور وجوههم وأبدانهم كما هي في واقع أمرها، وإنما تعمدت أن تضفي على هذه الوجوه والأبدان هيبة مطلقة وشبابًا خالدًا، وتقاطيع ملحية متناسقة، وانتصابة قوية كاملة، وهيبة مترفعة متسامية. ثم مدرسة أخرى في طيبة، استحبت الأسلوب الواقعي الذي بدأ عفوًا خلال عصر الانتقال الأول، واهتمت بدراسة
الوجوه، وعبرت عن ملامح أصحابها كما هي في واقع أمرها، وحاولت أن تترجم عن خصائص الطبع والمزاج التي فرقت بين كل فرعون وآخر من فراعنة عصرها. وبلغت هذه المدرسة ذروة نجاحها في منتصف عصر الأسرة الثانية عشرة، حين عبرت بالملامح الجادة القوية في وجوه تماثيل الفرعون سنوسرت الثالث، عن شخصية عسكرية عنيدة قوية الإرادة بلغ من حزم صاحبها أن أعلن تبرؤه من كل ولد له لا ينهج منهاجه في الحرب وحماية حدود بلاده وتوسيعها. بينما عبرت بالملامح الرصينة الطيبة في تماثيل الفرعون أمنمحات الثالث عن شخصية هادئة مالت إلى حياة السلم واستحبت مشاريع العمران. وهكذا كان أمرها في التمييز بين ملامح كل ملك وآخر من بقية ملوك الأسرة، مع الاحتفاظ لهم جميعهم بطابع أسري موروث كان من أوضح مظاهره بروز عظام الوجنتين.
وعلى نحو ما درس الفنانون خصائص وجوه فراعنتهم؛ ليترجموا بها عن واقع حياتهم، جددوا في أوضاع تماثيلهم وعبروا بها عن حقيقة الصلات التي اعتقدوا بوجودها بينهم وبين أربابهم. فمثلوا الفرعون سنوسرت الثالث رجل الحرب العنيد بملامحه الجادة المعتادة، ولكن في لحظات خاصة لانت فيها شدته، ورق فيها عناده، ووقف فيها على هيئة المتعبد أمام ربه الذي يخشاه وينهج في حكمه وعدله بما يرضاه، فأرسل يديه متراخيتين على ساقيه في تقى وخشوع كريم، ونحتوا تماثيل ملكية أخرى، بقي منها ما يمثل الفرعون جالسًا يضع تمثال ربه على ساقيه، وما يمثله جاثيًا على ركبتيه يقدم آنيتين على يديه قربانًا لخالقه.
ويغلب على الظن أنه شجع المدرسة الطيبية على أسلوبها هذا، انفعال فنانيها بالتطورات السياسية التي مست أوضاع الملكية في عصرهم ومن قبله في عصر الانتقال الأول. وهي تطورات كان من أوضح مظاهرها أن الفراعنة أصبحوا يعترفون بواجباتهم علانية إلى جانب حقوقهم، وأصبح بعضهم يتعرض للقتل في عقر داره، ويصرح بعجزه وهو وحيد أمام كثرة خصومه. وأصبح بعضهم يقود جيشه بنفسه ويقاتل مع المحاربين ويكافح فيما يكافحون فيه. وأصبح بعضهم يرضيه أن يوصف بأنه يعمل بيديه. وترتب على هذه التغييرات كلها أن أصبح الفنانون يعتبرون أن مظاهر الحياة الفعلية الصالحة التي عاشها فراعنتهم تكفيهم للتعبير عن مثاليتهم، وأن إظهارهم بمظهر الخاشعين لربهم لن يقلل من مكانتهم.
وتأثرت تماثيل كبار الأفراد في عصر الأسرة الثانية عشرة بروح عصرها، وخضع بعضها للطابع الإقليمي إلى جانب المدرستين الفنيتين اللتين تأثرت بهما تماثيل الفراعنة. فقد مر بنا كيف توفر لحكام الأقاليم منذ أواخر عصر الأسرة الحادية عشرة وخلال النصف الأول من عصر الأسرة الثانية عشرة ثراء واسع هيأ لفنون أقاليمهم نصيبًا من الازدهار. وكان نصيب فن النحت من هذا الازدهار الإقليمي نصيبًا قليلًا، فخرجت تماثيله لا تخلو من خشونة نسبية، وإن دلت تقاطيعها على سحن إقليمية أو ريفية صادقة صميمة. ولم يكن ثراء حكام الأقاليم خلال عهود الأسرة الثانية عشرة بغير نتائج حضارية أخرى، فقد تضمنت مناظر مقابرهم صورًا تدل على أن اهتمام مجتمعهم بأمور الدين والآخرة لم يصرفه عن التماس متع الدنيا ومرحها ومن أمتع مناظرها ما صور رياضة البدن، الخفيفة منها والعنيفة. وكان للرياضة الأولى منهما تمارين تشبه