الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسطحاهما بصفوف من الفسيفساء مثبتة بالقار ومشكلة على هيئة مثلثات ومعينات تتعاقب فيها ألوان الأحمر والأسود ولون الصدف، وبعلو الأسكفة لوحة مستطيلة صفحت بالنحاس وشكلت واجهتها بشعار إله المعبد، هذا بينما زخرفت الجدران الداخلية الرئيسية لمقصورة المعبد بنقوش بارزة تمثل أنعامًا وعقدًا من أزهار مختلفة ألوانها، تعلوها أفاريز من لوحات خشبية محوطة بأطر نحاسية أرضيتها عجينة سوداء طعمت بقطع دقيقة من المحار والحجر الجيري تمثل صفوفًا من الطير وصفوفًا من الثيران يعلو بعضها بعضًا، وتألفت صورة كل ثور من ست أو سبع قطع من الصدف صنعت ورتبت بحيث تعبر عن تدرج مسطح جسم الحيوان. ثم صفوف لبقرات حلوب وعجول صغار كممت أفواهها حتى لا تزيح الحالبين عن ضروع أمهاتها. ومناظر تعبئة اللبن وصبه بأقماع في قدور كبيرة. ويضيف وولي إلى ذلك أنه كانت تلتصق بجدران المعبد تماثيل نحاسية، وتتضمن داخليته تماثيل حجرية ومزاهر سجل عليها مهدوها الأتقياء أسماءهم. ولو أن هذا كله فيما يبدو لا زال يحتمل الشك من حيث الصورة وربما من حيث الزمن أيضًا.
وعلى أية حال فقد صورت نقوش العصر وآثاره القليلة الباقية ما تضمنته معابده من كنوز فنية تناسب عهودها، فصورت عروش الأرباب تحملها تماثيل الأسود والفحول الباركة، وصورت موائد الطيوب والدهون تحملها تماثيل معدنية على هيئات حيوانية لطيفة1. وذلك بطبيعة الحال فضلًا عما كانت تتضمنه من تماثيل أربابها وحكام مدنها وربما كبار كهنتها أيضًا.
واعتاد بناة المعابد السومرية على أن يضعوا في أساساتها ودائع من تماثيل ولوحات وأوانٍ تتناسب مع أهميةالمعبد ورخاء عهد، وثراء الحاكم في بلدة. وعادة ما كانت هذ الودائع توضع في صناديق من الآجر الممزوج القار، ويكون من تماثيل الحاكم الصغيرة فيها ما يمثله يحمل قصعة ملاط على رأسه باعتباره باني المعبد ورمزًا على اشتراكه الفعلي في وضع أساسه2. ويعتقد بعض الباحثين أن كلمة "هيكل" التي لا تزال تستعمل بين رجال الدين العبرانيين والمسيحيين، كانت سومرية الأصل وكانت تكتب إكللو أو " E-Gallu" بمعنى البيت الجليل، ثم انتقلت إلى العبرية وأضيفت إليها هاء التعريف وتناولها بعض التصحيف. وإذا صح ذلك انضاف إلى بقية تأثيرات العهود السومرية على ما أتى بعدها، على الرغم من قدم زمنها.
1 Frankfort، The Art And Architecture
…
، Fig. 12
2 جون هامرتون: تاريخ العالم - معرب بالقاهرة، جـ2 - شكل ص554.
E. De Sarzec & Heuzey، Decouverts En Chaldee، Pl. 2 Ter، 5 Bis.
العقائد:
احتفظ الحكام السومريون الأوائل برياسة الدين من الناحية الرسمية، ولكنهم نحلوا الإشراف الفعلي على الكهنوت لأبنائهم وكبار أعوانهم من الناحية الواقعية. واندرج في سلك الديانة عدد كبير من طوائف الكهنة والكاهنات، أولئك الذين كانوا يتلون التراتيل والتعاويذ ويقدمون القرابين ويعنون بالتماثيل ويترجمون
عن وحي ربهم واستخاراته ويقيمون أعياده بأناشيدهم وموسيقاهم ورقصاتهم، ويرأسون شعائر العبادة ويفرضون وجودهم أحيانًا على شعائر الموتى. واحتفظت النصوص لهؤلاء الكهنة بألقاب كثيرة كانت منها ألقاب: إن، وجونج، ولوماخ، وسنجا، وسنكوماخ
…
، إلخ.
ويبدو أن الإقبال على عمل الاستخارات وتعرف وحي الأرباب والاحتكام إليهم في القضايا، والقسم في حضرة تماثيلهم، كان أمرًا شائعًا بين الكبار والعاديين من السومريين المتدينين، وأصبح استيحاء الوحي بذلك مورد رزق واسع لطائفة العرافين، وهؤلاء روى خلفاؤهم عرافو العصور المتأخرة أن منهم من كانوا يمارسون مهنتهم عراة، وأنهم تلقوا أسرار مهنتهم عن إنميدورانكي أحد الملوك المقدسين الذين روت الأساطير أنهم حكموا العراق قبل الطوفان. وصورت بعض المناظر السومرية كهنتها يؤدون وظائفهم عراة فعلًا1.
أخذ السومريون بتعدد الأرباب والربات شأنهم في ذلك شأن غيرهم من أصحاب الديانات الوضعية القديمة. وسجلوا بعض أسماء أولئك الأرباب والربات موجزة في نقوشهم المبكرة، ثم سجل خلفاؤهم لها ألقابًا عدة في أساطير مسهبة التزموا فيها بصورها القديمة أحيانًا، وذكروها بصور مستحدثة أحيانًا أخرى2.
ويفهم مما سجله هؤلاء وهؤلاء أن ديانتهم كانت ديانة طبيعية في مجملها، وأن فقهاءهم تخيلوا السماء والأرض في بداية أمرهما ملتصقتين يحيط بهما محيط مائي عظيم. وكان في أولهما روح مذكر "آن" اعتبروا صاحبها الجد الأكبر للمعبودات، وفي الثانية روح مؤنثة "كي". وأضافو أنه نتج من اتصال هذين الزوجين، عنصر ثالث وهو إنليل روح "ليل" أي روح الهواء "والأنفاس والفضاء"، فتدخل بينهما وفصلهما. ورفع أباه "آن" بسمائه إلى أعلى حيث استقر فيها، وحط بأمه "كي" إلى أسفل حيث اختلط بها، وترتب على وجوده معها أن بدأ ظهور بقية الأرباب ومنهم من سموا باسم الأنوناكي الحسين العظام والسبعة أصحاب المصائر، ثم بدأ خلق النباتات والأنعام والناس. وكان أكبر أبناء إنليل هو القمر "أو إله القمر" ننا "أو ننار أو نانور"، وقيل إنه أنجبه سفاحًا بعد أن اغتصب الصبية المقدسة "ننليل""على الرغم من ضيق مهبلها ورقة شفتيها كما قالوا"، فأدت فعلته هذه إلى تجرء بقية الأرباب عليه ونعتهم إياه بالشراسة والخلاعة ورغبتهم في نفيه، على الرغم من أنه كان سيدهم وفي منزلة الأب منهم، وعلى الرغم من عطفه السابق عليهم وعلى البشر.
وشارك أرباب السماء والأرض والهواء في قدم النشأة، عند السومريين، "إنكي" روح الماء المحيط بالسماء والأرض، ابن "نمو" عنصر الأمومة في المحيط الأزلي، وزوج ننماخ السيدة العظمى التي لقبت بلقب نينتو بمعنى السيدة الوالدة، وقد وكل بالأعماق واتخذ مقره في مياه العمق "آبسو" التي تخيل السومريون مركزها في منطقة إريدو "أبي شهرين الحالية" على غير مبعدة من الخليج العربي. وكان يعتبر إلهًا للحكمة
1 J. B. Pritchard، The Ancient Near Eeat، Fig. 154.
2 See، S.N. Kramer، Sumerian Mythology، 1944; H. Hooke، Babylonian And Assyrian Religion، 1953.
ومقررًا لمصائر الأقطار والمدن وحافظ نواميس الحضارة في كل مظاهرها المادية والروحية، والموصي بمظاهر الحياة إلى أربابها مثل دوموزي الذي عهد إليه بخصوبة الأنعام وخصوبة الأرض، وإشكور الذي عهد إليه بأمر الرياح.
وروى أهل إريدو أن إنكي ظل يحتفظ بنواميس الحضارة في أعماق آبسو بأرضهم حتى أغوته عنها إنانا ربة الزهرة وربة مدينة أوروك، فأغرته بجمالها وشجعته على الشراب واللهو معها، على الرغم من أنه كان منها في منزلة الوالد، حتى وعدها بكلمته وأعطاها نواميسه، فلما استرد وعيه أرسل أعوانه في إثرها ليسترجعوا منها نواميسه ويعطلوا مركبها، ولكنهم فشلوا.
وكما أنجب إنليل القمر، اعتقد السومريون أن القمر بدوره أنجب الشمس "أو رب الشمس""أوتو"، من المعبودة إنانا ربة الزهرة "أو من الربة نين جال".
وتوفر لإنليل وره في تكييف مظاهر الطبيعة وخلقها، فخلق الصيف "إيمشي" والشتاء "إينتين"، وخص كلًّا منهما بمزاياه وفوائده، ولكنهما اختصما وتفاخرا وتنابذا، فانحاز هو إلى جانب الشتاء وفضله بما يكون فيه من حرث ونسل وتكاثر بين بني الإنسان والحيوان. وكما تفاخر الصيف والشتاء، عربد الأخوان لهار وأشنان، رب الماشية وربة الغلال، وتنابذا، واعتز كل منهما بما عنده، واحتكما إلى إنليل وإنكي، فقضى الحكمان لصالح أشنان ربة الغلال دون أخيها1.
وهكذا مضى السومريون في تخيلاتهم، وافترضوا لكل ظاهرة طبيعية ربًّا أو ربة، وافترضوا لأربابهم صورًا بشرية مضخمة وحياة تماثلها حياة البشر، تزاوجوا فيها وتناسلوا، وتحابوا وتخاصموا، لولا أنها كانت حياة سرمدية ذات مقدرة مطلقة. واستقرت لأربابهم الكبار عبادات رئيسية في مدن بعينها. فاستقر أكبر مراكز عبادة آن في مدينة أوروك حيث عرف معبده فيها باسم "أي - أنا" ،أطلق اسمه على حي بأكمله2. واستقر أكبر مراكز عبادة إنليل في مدينة نيبور "نفر" وسُمي معبده فيها "إكور" ربما بمعنى البيت الجبلي. غير أن ذلك لم يحل دون انتشار عبادة مثل هذين الربين مع غيرهما من الأرباب في معابد صغرى بمدن أخرى كثيرة، وهنا قد يلقب المعبود بلقب جديد، أو ينسب إلى الحي الذي يوجد معبده فيه، على نحو ما لقب إينورتا. أحد أرباب الأعاصير والسحب المسطرة ورعاة الحرب، وابن إنليل في مدينة لجش، بلقب "نين جيرسو" أي سيد جيرسو، وكانت جيرسو هذه ضاحية مقدسة تجاور لجش "وسمي معبده فيها إنينو".
وعلى نحو ما تصور السومريون لمظاهر الطبيعة أربابًا عديدين أطلقوا على كل منهم صفة "دنجر" بمعنى إله، تخيلوا لوجوه حضارتهم أربابًا ابتدعوها ورعوا أصحابها، مثل "نابو" رب الكتابة. وردوا إلى أولئك الأرباب فضل إنشاء مدنهم وتنظيمها ووضع شرائعها ثم جمعوا إلى هؤلاء وهؤلاء أربابًا صغارًا يشبهون
1 صمويل كرامر: من ألواح سومر - لوحات 53 - 55 - الفصل 16.
2 Cf. Sumer، 1960، 3 F.
الأولياء والقديسين، اتخذهم الأفراد رعاة شخصيين وحماة وشفعاء لهم لدى الأرباب الكبار الذين تخيلوهم بعيدين عن مستوى دنياهم، بعيدين عن آفاق عقولهم ولم يكن أحدهم يجد بأسًا من أن يعتبر معبوده الخاص "أو معبود أسرته""راعيه الموكل به" و"ربه وأباه المقدس الذي أنجبه".
وتصور السومريون أربابهم بهيئات بشرية كما أسلفنا، كما رمزوا إليهم بهيئات الحيوانات والطيور، وصوروا أغلب رموزهم الحيوانية في هيئات مركبة، ومن ذلك القبيل أن رمزوا إلى معبودهم نين جيرسو بهيئة نسر مهيب بجناحين كبيرين ورأس أسد "أو رأس لبوءة"، وكانوا إذا صوروه على هيئة بشرية جعلوا وجه الأسد شعارًا لردائة أو لمقعد عرضه، أو لموطئ قدميه.
وفي خلق البشر وأسبابه ظهرت للسومريين تقديرات طريفة تعتمد في مجملها على الإيمان بأن الناس ما خلقوا إلا ليعبدوا الأرباب ويخدموهم ويوفروا القرابين لمعابدهم. وشاعت لهم في هذا السبيل روايات شتى أغلبها مضطرب مختلط، ويفهم من بعضها أن أربابهم عاشوا في بداية خلقهم هائمين كالسوائم، لا يقدرون على شيء من أمرهم. حتى خلق الإله الأكبر الأنعام من أجلهم ووكل بها "لهار"، وأنبت الغلال ووكل بها "أشنان""أخت لهار"، فطعموا ونعموا، ولكنهم لم يحسوا للشبع والري طعمًا، فاتجهوا بضراعتهم إلى الحكيم "إنكي" الذي كان حتى ذلك الحين سادرا في مياه العمق غير عابئ بهم، ووسطوا لديه أمه نمو "روح الأمومة في المحيط الأزلي" فبثت ضراعتهم إليه وقالت له فيما قالت: "
…
قم إذن يا بني، ولنصنع شيئًا لائقًا، لنصنع "بشرًا" عبيدًا للأرباب
…
"، فاستجاب لها وقال لها "أماه، إن الكائن الذي نطقت باسمه موجود، فاربطي عليه صورة الآلهة "؟ "، اضربي لب الطين الموجود فوق مياه العمق، واجعلي أعوانك يكثفون الطين جيدًا، وشكلي أنت له أعضاءه وجوارحه، وستعمل ننماخ من فوق يدك .. ، قدري مصيره يا أماه، وستربط ننماخ عليه صورة الآلهة، ذلك هو الإنسان
…
". وأرادت الأساطير أن تعلل خلق ناقصي التكوين بمنطقها، فروت أن إنكي وننماخ "زوجته؟ " أسرفا ذات مرة في الشراب، فقبضت قبضة من طين مياه العمق "وأرادت أن تقلد نمو"، وخلقت منها ستة أنواع، فخرجوا شواذًا "ومنهم المرأة العقيم
…
والمخنث"، وشاء إنكي أن يلهو بدوره ويجرب حظه من الخلق، فقبض قبضة من الطين وشكلها، ولكنه فشل وصنع مخلوقًا لا روح فيه، لا يعرف الكلام ولا أكل الطعام
…
1.
وتخيل السومريون في بداية الخلق عصرًا ذهبيًّا، انعقدت الهيمنة فيه للمعبود "إنليل". وصورت إحدى أساطيرهم المتأخرة مظاهر ذلك العصر فقالت إنه لم يكن في الوجود حينذاك حية أو عقرب، ولا ضبع ولا سبع، ولا كلب بري ولا ذئب، وما من خوف ولا فزع، ولم يكن للإنسان منافس. وفي غابر الأزمان كان بلاد شوبر وهمازي "في غرب إيران؟ "، وبلاد سومر كثيرة الخيرات، البلد العظيم ذو النواميس المقدسة الخاصة بالإمارة، وبلاد أوري "وسط بلاد النهرين وشمالها؟ " التي حوت كل طريف،
1 Kramer، Sumerian Mythology، 68 F.;
كرامر: المرجع السابق - الفصل 13.