الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خصائصها:
في ضوء ما أسلفناه من تصورات وتأويلات، قد يهضم منطقنا الحالي أقلها، ويأبى أكثرها، يمكن أن نرتب لديانة مصريي العصور التاريخية، والمثقفين منهم بخاصة، الخصائص التالية1:
أولًا:
يلحظ أنه ما من معبد من المعابد المصرية الكبيرة الباقية، مما خلفته العصور الممتدة من الدولة القديمة حتى نهاية الدولة الحديثة على أقل تقدير، أي خلال ما يقرب من ألفي عام، قد تضمن مكانًا معدًّا لحيوان. وذلك مما يعني أن مزار الحيوان المختار إذا وجد لم يكن مقرًّا لعبادة فعلية مفروضة. وإن أضفنا من ناحية أخرى، بناء على نصوص وصور قليلة، وعادات أخرى تتعلق بالثور أبيس وغيره "من عصور متأخرة"، أنه إذا قضت الظروف بالعناية بحيوان معبود ما، وضع الكهنة الحيوان المختار في مزاره منفصلًا عن مكان العبادة، بحيث إن شاء المتعبد زاره وإن شاء تجاوزه.
ثانيًا:
أنهم لم يقدسوا حيوانًا لذاته، ولم يقروا تمامًا لأربابهم بالتجسد المادي في هيئة حيوان أو طير، وإنما كان اهتمام المتدينين منهم بما تخيروه من هيئات الحيوان والطير يستهدف رغبتين، وهما: رغبة الرمز إلى صفات إله خفي ببعض المخلوقات الظاهرة التي تحمل صفة من صفاته أو آية من آياته، ثم رغبة التقرب إليه عن طريق الرعاية التي يقدمونها ضمنًا لما رمزوا به إليه من مخلوقاته.
ثالثًا:
ترتب على التفرقة بين كل إله وبين رموزه الحية من الحيوانات والطيور، أن اختلف وضع هذه الكائنات عندهم عنه لدى شعوب أخرى، فلم يكن اختيار المصريين لرمز أو فرد من الحيون يؤدي إلى تقديس كل أفراد نوعه، ولم يكن من بأس على قرية ترمز إلى ربها بهيئة الفحل مثلًا أن تستخدم الفحول في الحقل والنقل والذبح وتضربها. وإنما هو مجرد حيوان واحد منها يتخيره الكهنة إذا توافرت فيه علامات حددها لهم الدين ونواميسه، ثم يتركونه في مزاره آية مشهودة حتى ينفق. وذلك على العكس من شعوب أخرى قدست أنواعًا من الحيوانات بكافة أفرادها أو حرمت على الأقل ذبحها وإيذاءها.
رابعًا:
قلت أهمية الدور الذي لعبته الهيئات الحيوانية الخالصة لرموز الأرباب شيئًا فشيئًا منذ أوائل العصور التاريخية، وأصبحت الهيئة البشرية هي أكرم ما تصور المصريون به أربابهم. وجرت العادة تبعًا لذلك على تمثيلهم على هيئة الإنسان في أغلب الأحوال، مع تميزهم عنه بأزليتهم وأبديتهم ومطلق قدرتهم. ولو أن ضرورة تمييز كل معبود منهم عن الآخر، دفعت أتباعهم إلى تمثيل كل واحد منهم بجسم إنسان ورأس الحيوان أو الطير الذي رمزوا به إليه، وذلك ما نفذه الفنانون المصريون في صورهم وتماثيلهم في
1 راجع: البحث نفسه - ص50+