المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التمثال1. ولعل المصريين قد أجازوا ما أتى الكنعانيون به، ثم - الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق

[عبد العزيز صالح]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الشرق الأدنى القديم

- ‌الفصل الأول: التشابه والتنوع في الشرق الأدنى القديم وتأثيرات البيئة في حياة أهله

- ‌مدخل

- ‌في وادي النيل:

- ‌في بلاد النهرين:

- ‌في بلاد الشام:

- ‌في شبه الجزيرة العربية:

- ‌الفصل الثاني: الشرق الأدنى القديم ودهوره الحجرية فيما قبل التاريخ

- ‌مدخل

- ‌في الدهر الحجري القديم الأسفل:

- ‌في الدهر الحجري القديم الأوسط:

- ‌في الدهر الحجري القديم الأعلى:

- ‌قرائن العمران:

- ‌من السلالات البشرية:

- ‌بداية الزراعة في فجر التاريخ أو العصر النيوليثي:

- ‌تعدد الحرف وبدايات الفنون:

- ‌وضوح التجمعات:

- ‌تمهيد بتقسيمات عصور مصر القديمة ومصادرها:

- ‌الكتاب الأول: مصر منذ فجر التاريخ حتى نهاية العصور الفرعونية

- ‌الفصل الثالث: مصر في فجر تاريخها

- ‌مدخل

- ‌في الفترة النيوليثية الحجرية الحديثة

- ‌مدخل

- ‌في مرمدة بني سلامة:

- ‌في الفيوم:

- ‌في دير تاسا:

- ‌في الفترة الخالكوليثية النحاسية الحجرية:

- ‌في البداري:

- ‌في حضارة نقادة الأولى:

- ‌في حضارة نقادة الثانية:

- ‌بين الصعيد وبين الدلتا:

- ‌التطور السياسي:

- ‌من تطورات الفنون وتعبيراتها:

- ‌سكين جبل العركى:

- ‌من آثار العقرب:

- ‌صلاية الفحل:

- ‌آثار نعرمر:

- ‌الفصل الرابع: بداية العصور التاريخية

- ‌مدخل

- ‌الكتابة وتوابعها:

- ‌الحكام والإدارة

- ‌مدخل

- ‌أوضاع الحكم:

- ‌في العمران والفكر:

- ‌النشاط الحدودي والخارجي:

- ‌الفصل الخامس: عصور الأهرام في الدولة القديمة

- ‌أولا: الرشاقة والابتكار في عصر الأسرة الثالثة

- ‌مدخل

- ‌إيمحوتب وشواهد العمارة والفن:

- ‌قصة المجاعة:

- ‌التقويم:

- ‌ثانيا: الروعة والبنيان الراسخ في عصر الأسرة الرابعة

- ‌تجديدات عهد سنفرو

- ‌عهد خوفو:

- ‌تعبيرات الهرم الأكبر:

- ‌هزات مؤقتة في عهد جدف رع

- ‌آثار عهد خفرع:

- ‌أبو الهول:

- ‌عواقب الإسراف:

- ‌ثالثا: التقوى والرفاهية في عصر الأسرة الخامسة

- ‌مدخل

- ‌خصائص معابد الشمس:

- ‌أهرام العصر ومعابدها:

- ‌الاتصالات الخارجية:

- ‌التطور السياسي والاجتماعي:

- ‌رابعا: البيروقراطية والتحرر في عصر الأسرة السادسة

- ‌مدخل

- ‌نمو البيروقراطية:

- ‌أحداث الشمال الشرقي والتنظيمات العسكرية:

- ‌العمارة والفن والمجتمع:

- ‌رحلات الكشف في الجنوب:

- ‌الفصل السادس: عصر الانتقال الأول أو عصر اللامركزية الأولى

- ‌نهاية دورة

- ‌الثورة الطبقية:

- ‌الغموض:

- ‌انتفاضة اليقظة في العهود الأهناسية:

- ‌ازدهار الفردية:

- ‌عصر الانتقال الأول بين دورتين تاريخيتين

- ‌معالم الفن الإقليمي:

- ‌الفصل السابع: الدورة التاريخية الثانية في الدولة الوسطى

- ‌أولا: عودة الوحدة في عصر الأسرة الحادية عشرة

- ‌مدخل

- ‌استرجاع المركزية:

- ‌الاستثمار الحدودي والنشاط الخارجي:

- ‌صور من المجتمع:

- ‌في العمارة الدينية والفن:

- ‌ثانيا: الازدهار والكلاسيكية في عصر الأسرة الثانية عشرة

- ‌مدخل

- ‌في السياسة الداخلية:

- ‌في العمران:

- ‌في الأساليب الفنية:

- ‌في السياسة الخارجية:

- ‌الفصل الثامن: عصر الانتقال الثاني أو عصر اللامركزية الثانية

- ‌أولًا: عصر الأسرة الثالثة عشرة

- ‌في نصفه الأول:

- ‌مظاهر الأفول في النصف الثاني لعصر الأسرة الثالثة عشرة:

- ‌ثانيًا: محنة الهكسوس

- ‌ثالثًا: مراحل الجهاد والتحرير

- ‌الفصل التاسع: الدورة التاريخية الثالثة في الدولة الحديثة

- ‌تمهيد

- ‌أولا: الانطلاق في عصر الأسرة الثامنة عشرة

- ‌في السياسة الداخلية

- ‌في السياسة الخارجية:

- ‌ثانيا: عودة الكفاح ثم الرفاهية في عصر الرعامسة مع الأسرة التاسعة عشرة

- ‌ثالثا: آخر الشوط مع الرعامسة في عصر الأسرة العشرين

- ‌الدفعة الأولى

- ‌عواقب الإسراف:

- ‌رابعًا: الثيوقراطية والفتور في عصر الأسرة الحادية والعشرين

- ‌خامسًا: نماذج من الفن والعمارة في الدولة الحديثة

- ‌الفصل العاشر: الشيخوخة في العصور المتأخرة

- ‌أولًا: التخبط والتداخل في عهود الأسرات 22 - 24

- ‌ثانيًا: دفع النوبة لمصر في عصر الأسرة الخامسة والعشرين

- ‌ثالثًا: النهضة في العصر الصاوي مع الأسرة السادسة والعشرين

- ‌رابعًا: النكسة مع الغزو الفارسي والأسرة السابعة والعشرين

- ‌خامسا: ابتسامة مبتسرة في عصور الأسرات 28 - 30

- ‌مدخل

- ‌الوثائق الآرمية في أسوان:

- ‌الأسرتان الأخيرتان:

- ‌خاتمة المطاف القديم:

- ‌الفصل الحادي عشر: في عقائد الدين والآخرة

- ‌أولًا: عقائد التأليه

- ‌نشأتها:

- ‌خصائصها:

- ‌في سبيل الترابط:

- ‌في سبيل التوحيد:

- ‌ثانيا: عقائد البحث والخلود

- ‌الفصل الثاني عشر: من الأدب المصري القديم

- ‌أولا: في أدب الأسطورة والملحمة

- ‌أسطورة أوزير وتوابعها

- ‌الحق والبهتان

- ‌ثانيا: في أدب القصة

- ‌سنفرو والحكماء

- ‌قصة خوفو والحكيم جدي:

- ‌قصة العاشقين والتمساح:

- ‌قصة الأخوين:

- ‌من قصص المغامرات:

- ‌ثالثا: في أدب النصيحة

- ‌مدخل

- ‌بتاح حوتب:

- ‌آني:

- ‌أمنموبي:

- ‌نصائح المعلمين:

- ‌رابعا: في أدب النقد والتوجعات

- ‌إبوور والثور الطبقية

- ‌القروي الفصيح:

- ‌الكتاب الثاني: العراق، بلاد النهرين

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الثالث عشر: فجر التاريخ العراقي في العصر الحجري الحديث

- ‌أ- في الفترة النيوليثية "الحجرية الحديثة

- ‌ب- في الفترة الخالكوليثية "النحاسية الحجرية

- ‌مدخل

- ‌حضارة العبيد:

- ‌ج- قبيل العصر الكتابي

- ‌حضارة الوركاء:

- ‌الفصل الرابع عشر: أوائل العصور التاريخية في العراق

- ‌عصر بداية الأسرات السومرى

- ‌مدخل

- ‌الكتابة المسمارية:

- ‌العمارة الدينية "والزقورات

- ‌العقائد:

- ‌التطور السياسي:

- ‌الفنون:

- ‌المقابر:

- ‌الفصل الخامس عشر: العصر الأكدى 2340 - 2180 "أو 2371 - 2230" ق. م

- ‌مدخل

- ‌الفنون:

- ‌نهاية دولة:

- ‌الفصل السادس عشر عصر الإحياء السومري "منذ 2125ق. م

- ‌في لجش:

- ‌في أوروك:

- ‌في دولة أور:

- ‌الفنون:

- ‌من الأدب السومري:

- ‌نهاية أور:

- ‌في عصر إسين - لارسا:

- ‌تشريع إشنونا:

- ‌تشريع إسين:

- ‌في لارسا:

- ‌في الفن:

- ‌الفصل السابع عشر: دولة بابل الأولى "أو العصر البابلى القديم

- ‌بداية دولة بابل الأولي

- ‌حمورابي:

- ‌من الأدب البابلي:

- ‌الفصل الثامن عشر: العصر الكاسي "1580 - أواخر القرن 12 ق. م

- ‌الحياة الساسية

- ‌العلاقات الخارجية:

- ‌الأفول حتى نهاية الأسرة البابلية السابعة:

- ‌من الحياة الفكرية في العصر الكاسي:

- ‌الفصل التاسع عشر: آشور

- ‌أ- المراحل الأولى: العصر العتيق- العصر القديم

- ‌ب- في العصر الأشورى الوسيط

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌ج- في العصر الأشورى الحديث

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولي:

- ‌مرحلة الأمجاد الأخيرة من العصر الآشوري الحديث:

- ‌الفصل العشرون: بابل الكلدانية أو العصر البابلي الأخير "626 - 539 _25 d9_2582._25d9_2585

- ‌تمهيد: عودة إلى الآراميين في بابل والعلاقات مع آشور

- ‌التطور السياسي:

- ‌العمران والفنون:

- ‌الأفول أمام نهضة الفرس:

- ‌خاتمة:

- ‌الخرائط واللوحات

- ‌قائمة بأهم المفردات:

- ‌الموضوعات:

الفصل: التمثال1. ولعل المصريين قد أجازوا ما أتى الكنعانيون به، ثم

التمثال1. ولعل المصريين قد أجازوا ما أتى الكنعانيون به، ثم حرف الاسم الكنعاني إلى حورنا، وأخيرًا إلى "حول". ورأى أخر قرب بين اسم التمثال وبين أسم ورد له في النصوص المصرية المتأخرة بمعنى الأسد "با حو"2. وانتهت أسماء التمثال إلى اسمه الحالي أبو الهول، وهو اسم يعبر في اللغة العربية عن طابع الرهبة أو طابع الهول الذي اكتسى التمثال به وظنه الناس فيه، ولكنه لا يخلو في الوقت نفسه من صلة تربطه بأحد الأسماء القديمة "جو أو حورون أو حول" بعد إحلال الهاء محل الحاء؛ وبعد إضافة كلمة أبو وهي كلمة تطورت فيما يبدو عن أحد لفظين مصريين قديمين، لفظ "بو" بمعنى مكان، أو أداة التعريف المذكرة المفردة "با".

وظل تمثال أبو الهول طوال عصوره مثارًا للإعجاب حينًا، ومثارًا للرهبة حينًا آخر، وظن فيه مؤرخو العصور الوسطى قدرة سحرية، وسموه بأسماء غربية، فذكره المقريزي باسم بالهيب، وحكى أن شيخًا يدعى صايم الدهر أراد أن يمسخ وجهه باعتباره أثرًا من آثار الوثنية الأولى، فهبت على زروع الجيزة ريح عاتية أتلفتها، فظن صايم الدهر أنها كرامة من صاحب التمثال واضطر إلى العدول عن محاولته.

وظهر من المؤرخين المسلمين من تجاوز هذا التصوير الساذج لأبو الهول، ومنهم عبد اللطيف البغدادي في القرن الثالث عشر الميلادي حيث قال عنه: "

وسألني بعض الفضلاء ما أعجب ما رأيت، فقلت تناسب وجه أبو الهول، فإن أعضاء وجهه كالأنف والعين والأذن متناسبة كما تصنع الطبيعة الصورة متناسبة، والعجب من مصوره كيف قدر أن يحفظ نظام التناسب في الأعضاء مع عظمها وأنه ليس في أعمال الطبيعة ما يحاكيه

".

1 See Posener، Jnes، IV "1945"، 240 F.

2 Wb.، III، 45.

ص: 121

‌عواقب الإسراف:

أعقب خفرع على عرشه ولده منكاورع، وبدأت بعد سنوات قليلة من حكمه فترة جديدة في تاريخ أسرته، اختلفت في إمكانياتها وأحجام عمائرها وعلاقات حكامها بمحكوميها عن الفترة التي سبقتها والتي انتهت بحكم خفرع وامتدت سنوات قليلة في عهد منكاورع.

ويتجلى اختلاف الإمكانيات واختلاف الأوضاع بين الفترتين بمقارنة عمائر منكاورع وخلفائه بعمائر أسلافهم. فأهم الآثار الباقية من عهده هو هرمه ومعبد شعائره. ويبلغ الارتفاع الحالي لهرمه نحو 62 مترًا ولم يزد ارتفاعه الأصلي عن 66 مترًا، أي أقل من نصف ارتفاع هرم أبيه خفرع وأقل من نصف هرم جده خوفو1. وإن امتاز في حالته الراهنة بأن ستة عشر مدماكًا من مداميكه السفلى كسيت بأحجار

1 قدر بعض المهندسين أن هرم خوفو تضمن أحجارًا تبلغ نحو مليونين ونصف مليون من الأمتار المكعبة، وتضمن هرم خفرع نحو 1.8 مليون متر مكعب، وتضمن هرم منكاورع ربع مليون متر مكعب فقط.

" Cf.، Spiegel، Op. Cit.، 528".

ص: 121

جرانيتية ضخمة، وذلك مما دعا المقريزي إلى أن يصفه في أيامه باسم الهرم الملون. وللهرم معبدان وطريق صاعد شأنه شأن بقية أهرام الأسرة الرابعة: معبد شعائر كبير ضخم معقد التركيب، بدأ المهندسون بناءه بأحجار ضخمة هائلة وأنفقوا فيه جهدًا كبيرًا1، ولكنهم لم يتموه في عهد صاحبه، على الرغم من أنه حكم أكثر من واحد وعشرين عامًا، فبقي ناقصًا إلى عهد الفرعون شبسكاف حيث أتموا بعض أجزائه من اللبن دون الحجر. وطريق صاعد كان شأنه شأن معبد الشعائر، وصف رجال منكاورع جزءًا من أرضيته بالحجر ثم أتمه رجال شبسكاف فبنوا بقية أرضيته وجدران من اللبن. ثم معبد الودي ولم يكن منكاورع قد أنشأ منه شيئًا ذا بال حتى وفاته، فأمر شبسكاف بتشييده باللبن أيضًا فيما خلا أعمدته وأعتاب أبوابه التي كان لا بد من أن تُبنى بالحجر2. وفي ذلك كله ما يباعد بين حال آثار منكاورع وإمكانيات خليفته، وبين فخامة آثار سنفرو وخوفو وخفرع وضخامة عمارتها وضخامة الجهود التي بذلت فيها.

غير أن آثار منكاورع لم تخل على الرغم من ذلك مما يشهد لأهل العمارة والفن في عهده بالبراعة والقدرة على التجديد. وكان من صور تصرف المعماريين في بناء هرمه أنهم شقوا ثلاث قنوات رأسية كبيرة على جانبي أحد دهاليزه الداخلية لتنزلق فيها ثلاثة متاريس حجرية ضخمة ظلت مرفوعة على مساند حجرية أو خشبية حتى تم الدفن ثم أسقطت في قنواتها وسدت الدهليز سدًّا محكمًا "ولو أن إحكام سده لم يحل دون سرقة كنوزه". وشكلوا تابوت منكاورع من البازلت وزخرفوا جوانبه بما يشبه هيئة المشكاوات الرأسية التي كانت تتعاقب في واجهات القصور وواجهات أسوارها، وذلك على عكس توابيت أسلافه التي كانت عاطلة من الحلية3. ونحتوا له بضعة تماثيل، مثله بعضها وحده، ومثله أحدها مع زوجه. ومثلته عدة مجموعات منها يقف مشدود القامة مع معبودين، المعبودة حتحور على جانب ومعبود آخر يرمز إلى إقليم من الأقاليم المصرية على جانب آخر4، وكانت لحتحور منزلة خاصة في عهده تشبه منزلة باستة في عهد أبيه، فوصفته بعض أختامه بأنه حبيبها، وأظهرت في بعض تماثيلها معه تحيط خصره بذراعها وتلمس ذراعه بكفها. وبلغ الفنانون في نحتها جميعها مبلغًا طيبًا من دقة النحت ودقة التعبير وسلامة التنفيذ.

وتهيأ لكبار الأفراد في عهد منكاورع من الثراء وحرية التصرف في طرز مقابرهم وعناصرها أكثر مما تهيأ لهم ولأسلافهم في عهد أبيه وعهد جده. فكثرت تماثيلهم في مقابرهم، وزادت نقوشهم ومناظرهم على جدرانها، ونحتوا بعض هذه المقابر داخل الجدار الصخري لهضبة الجيزة عوضًا عن تشييدها من الحجر فوق سطح الأرض. ومارسوا شعائرهم فيها بحرية أوسع مما سمح لهم به أبوه وجده. واستن منكاروع سنة سياسية جديدة، فسمح بفتح قصره لأبناء المقربين إليه من كبار موظفيه، وعهد بتربيتهم إلى كبار رجال القصر مع أبنائه؛ ليشبوا أوفياء له مخلصين لبلاطه، وكان منهم شاب يدعى شبسبتاج. وصور صلات

1 يقال إن بعض الكتل التي استخدموها فيه بلغت زنة الواحدة منها 30 طنًا.

2 دعا إلى نسبة

المعبد إلى عهد شبسكاف نص وجد في المعبد ذكر على لسان شبسكاف أنه شيده تذكارًا لأبيه ملك الصعيد والدلتا منكاورع – راجع قرار شبسكاف عن هرم منكاورع " Urk. I. 160" وقرار آخر لصالحه وصالح كهنته " Urk. I. 277"

3 غرق هذا التابوت، خلال نقله، في خليج بسكاي. Lepeius، Auswahl، Taf. Vii; L. D.، Ii، 2 E.

4 Smith، A History Of Egyptan Sculpture..، Pl. 13; Urk.، I، 15 G.

ص: 122

منكاورع بكبار أهل العاصمة وعمله لاكتساب ولائهم عن العطايا وطريق السماحة، نص سجله رجل يدعى دبحن، وقص فيه أن منكاورع كان في طريقه ذات مرة ليتفقد أعمال البناء في هرمه، فاعترض موكبه ولفت نظرة إليه، وحادثة ورجاه أن يأذن له بتشييد مقبرته قرب هرمه، فقبل منكاورع رجاءه، وأذن له بتشييد مصطبة كبيرة طولها مائة ذراع وعرضها خمسين، وعهد لصالحه بخمسين عاملًا من عمال الخاصة الملكية وأذن بإعفائهم من كافة الأعباء فيما خلا أعباء بناء المصطبة وتمهيد الأرض حولها، وأمر بأن يشرف على تشييدها مهندسه الخاص واثنان من كبار أهل الفن في عهده. وسمح له بأن يستورد من أحجار طرة والمقطم ما يكفي لكسائها وبناء مقصورتها وصناعة بابين وهميين فيها ونحت تمثال يمثله بحجم كبر من حجمه الطبيعي بكثير، فضلًا عن نحت تمثالين لمساعديه1. وكانت أمثال هذه اللفتات من منكاورع لكبار رجال رعيته وتساهله في الإذن لهم بإقامة التماثيل في مقابرهم وممارسة الشعائر فيها في حرية مطلقة، أصلًا فيما يبدو لما سمعه هيرودوت في العصور المتأخرة من أن المصريين أحبوا منكاورع أكثر مما أحبو أباه وجده، وفي قصة دبحن ما يعني كذلك أن الدفن في الجبانة الملكية كان لا يزال يعتبر امتيازًا خاصًّا يمنح من قبل القصر الملكي، وان المحاجر الممتازة كانت احتكارًا حكوميًّا أو ملكيًّا، وأن التماثيل الكبيرة التي تفوق الحجم الطبيعي أصبحت متاحة لكبار الشخصيات.

أشادت نصوص ما بعد منكاورع باسم شبسكاف، وشاد له مهندسوه قبرًا في جنوب سقارة، يعرف الآن باسم مصطبة فرعون. وقد انصرفوا ببنيانه عن طراز الهرم، وشيدوه على هيئة تابوت ضخم مستطيل مائل الجوانب "100 متر طولًا، و72 متر عرضًا، 18متر ارتفاعًا" ترتفع جوانبه فوق مستوى سقفه، وأقاموه فوق قاعدة منخفضة، ثم كسوه بأحجار بيضاء وأحاطوا قاعدته بإزار من الجرانيت، وشادوا له معبدين صغيرين وطريقًا صاعدًا بنوا جداريه الجانبيين من اللبن.

واتبع شبسكاف سياسة منكاورع في اكتساب ود عظماء قومه عن طريق رعاية أبنائهم في قصره. ويذكر له من ذلك أنه زوج ابنته من الشاب شبسبتاح الذي رباه منكاورع في قصره وواصل رعايته2، ولعل زواج الأمراء بغير الأميرات كان قد أصبح حينذاك أمرًا مألوفًا، ولكن كانت هذه هي المرة الأولى فيما نعلم التي زوج فيها فرعون ابنته من أحد كبار أفراد رعيته، ولعلها كانت الأولى في العالم القديم كله. وسلك شبسكاف سياسة مماثلة في سبيل اكتساب ود كبار كهنة المعابد في عهده عن طريق إعفائهم وإعفاء معابدهم من بعض التكاليف التي كانت مفروضة عليهم لحساب خزائنه، وبدأ في ذلك بمجموعة هرم منكاورع وكهنتها ومواردها.

وبعد نحو أربع سنوات، انتهت وراثة عرش الأسرة الرابعة إلى الأميرة خنتكاوس. وطال نقاش الباحثين في نسبها، وفي مدى استغلالها لحقها الوراثي في العرش، وفيما إذا كانت أختًا لشبسكاف وزوجة له

1 Urk.، I، 18 F.; Breasted. A. R.، I، 211 F.

2 Urk.، I، 51 F. ; Breasted، Op. Cit.، I، 257.

ص: 123

أم لم تكن، وفيما إذا كانت شهدت ملكًا آخر يحكم بعد شبسكاف أم لم تشهد، وفي مدى تأثيرها في توجيه أمور الدولة في عهد زوجها "وسركاف" الذي سوف يكون رأسًا لأسرة حاكمة جديدة، وعهد ولدها ساحورع الذي اعتلى العرش بعده.

ويتجه الترجيح حتى الآن إلى اعتبار ختنكاوس ابنة لمنكاورع، وأختًا لشبسكاف. ويعتقد يونكر أنها ابنة منكاورع من زوجته مرس عنخ الثالثة، وأن هذه الزوجة كانت من سلالة جد فرع. وأضاف أن شبسكاف كان أخاها غير الشقيق وكان من فرع ثانوي1. وقد شاد المهندسون مقبرتها على هيئة تابوت ضخم فوق قاعدة صخرية مربعة عالية، أي بما يشبه مقبرة أخيها إلى حد كبير، وجوفوا معبد شعائرها في صلب قاعدة المقبرة، وبنو معبد واديها قريبًا من معبد وادي أبيها منكاورع. ووصلوا بين معبديها بطريق يمتد من معبد شعائرها ناحية الشرق ثم ينحرف ناحية الجنوب في زاوية قائمة. وتلقبت خنتكارس في نصوص مقبرتها بلقب قرأه يونكر: "

ملكة الصعيد والدلتا أم ملك الصعيد والدلتا، بنت الرب". واستنتج منه أن انحصار شرعية وراثة العرش في خنتكاوس سمح لها بأن تتلقب بلقب الملكة، وأنه من المحتمل أن تكون قد حظيت بتأثير واسع على ولدها حين تولى العرش في صغره2، وأن تلقبها بلقب بنت الرب يشير إلى اعتبارها الابنة البكر لأبيها أو إلى دورها في نقل شرعية الحكم إلى زوجها.

انتهت شجرة نسب الأسرة الرابعة بختنكاوس، كما أسلفنا، وتمايزت لهذا الأسرة فيما رأينا فترتان: فترة انتهت بعد حكم خفرع، وفترة بدأت بعد سنوات قليلة من حكم منكاورع. ونمت آثار الفترة الثانية ونصوصها عن ظروف تختلف عن ظروف الفترة الأولى إلى حد كبير، ظروف اتصفت بضعف الموارد الحكومية إلى حد ما، وقلة الضخامة والفخامة في آثار الفراعنة بالنسبة إلى آثار أسلافهم الأقربين، وإن اتصفت في الوقت نفسه بظاهرة مستحبة، وهي حرص فراعنتها على اكتساب ود كبار موظفيهم وكبار كهنتهم.

ويمكن إيجاز أسباب الاختلاف بين ظروف الفترتين في ثلاثة عوامل، وهي:

أولًا- أن الأسرة بدأت عصرها برخاء عظيم واستقرار مكين وجهد كبير في تنمية موارد البلاد عن طريق تنشيط الاستثمار الداخلي وتوسيع التجارة الخارجية، ونمت عن رخائها حينذاك مصادر وآثار عهد سنفرو وعهد خوفو على وجه الخصوص، لولا أن الأهرام الضخمة ومعابدها وتماثيلها التي أسرف سنفرو وخوفو وعهد خوفو وخفرع في إنشائها لأنفسهم، وألحقوا بخدمتها الأعداد الكبيرة من الكهنة والأتباع ووقفوا عليها الأوقاف الواسعة من الأراضي والأنعام، وزادوا إلى جانبها إنشاء الأهرام الصغيرة لزوجاتهم، والمقابر الضخمة لأبنائهم، مع متطلباتها من النفقات، قد أدت كلها إلى استنفاذ أنصبة كبيرة من إمكانيات البلاد

1 H. Junker، Mitt. Kairo، III، 142.، F136.

2 Cf. Asae، Xxxviii، 209 F.: Juker، Op. Cit.، 129، 131، 143.

ص: 124

ومواردها، واستنزفت جانبًا كبيرًا من موارد الخزائن الملكية ومدخراتها، وجعلت الملكية أقرب إلى أن تفقد إحدى وسائلها الرئيسة للتعبر عن مجدها وسلطانها وممارسة السيطرة الكاملة على البلاد وأهلها، وهي الوسيلة المادية "أو المالية".

ثانيًا- ما يحتمل من أن فترات التنافس الداخلي بين كبار الأمراء على العرش، التي بدأت عقب وفاة خوفو، وربما كذلك عقب وفاة منكاورع وعقب وفاة شبسكاف، قللت بعض الشيء من هيلمان الفراعنة وأسرتهم، وأشعرتهم وأشعرت الناس بحاجتهم إلى تأييد كبار رعاياهم وضرورة كسب ودهم ولو على حساب خزائن حكومتهم التي كان تعتبر خزائنهم.

ثالثًا- أن فراعنة الأسرة عملوا على مسايرة دين الشمس وزيادة تشجيعه في مراحل عدة. ولم يكن دين الشمس في حد ذاته جديدًا في حياة شعبهم، وإنما كان الجديد هو اعتراف دولتهم به رسميًّا على نطاق واسع. بل إن اعتراف دولتهم به لم يكن في حد ذاته أمرًا ذا خطر، ولكن الخطر كان من أن يعقبه أمران، وهما: أن ينصرف جانب من ولاء الرعايا على الإله رع رب الشمس، وهو المعبود الظاهر لكل الناس والقريب من كل الناس، على حساب ولائهم القديم شبه المطلق للفراعنة وربهم الملكي الخفي حور، وأن ينصرف بالتالي جانب كبير من الموارد المادية إلى الديانة الجديدة، ديانة الشمس، على هيئة أوقاف وهبات وإعفاءات لمعابدها ومرتبات لكهنتها الذين أخذت أعدادهم تتزايد باستمرار، على حساب بقية موارد الحكومة وخزئنها وبمعنى آخر على حساب موارد الملكية وخزائنها.

وشهدت أواخر عصر الأسرة الرابعة عواقب هذه الظروف كلها بخيرها وشرها، فشهدت تسرب جزء من الموارد الملكية إلى مصارف جديدة، واضطرار الملوك إلى بناء أهرام صغيرة ومقابر على هيئة التوابيت، وشهدت اتجاه الملوك إلى كسب ود كبار رعاياهم، وشهدت انصراف جانب من ولاء الرعية وجانب من الموارد الملكية إلى المعابد وكهنتها. ويبدو أن أكثر المستفيدين من هذه الظروف كانوا من أنصار كهنة ديانة الشمس بالذات، وأنهم أخذوا يتطلعون إلى مزيد من الدالة على حكومتهم، ومزيد من التأثير على العرش وصاحبه. وتهيأت لهم فرص هذه الدالة وهذا التأثير منذ أن انتهت وراثة عرش الأسرة الرابعة إلى الأميرة خنتكاوس بعد وفاة أخيها، فشجعوا أحد خاصة قومهم المؤيدين لهم على الزواج منها، وهو "وسركاف"، وكان فيما يعتقد جردسلوف أميرًا حفيدًا للملك جد فرع، ورث الإمارة عن أمه نفر حوتبس بنت جد فرع1، ولم يرثها عن أبيه الذي يحتمل أنه كان من أنصار الشمس أو كبار كهنتها. وعندما تزوجها اكتسب عن طريقها شرعية الحكم التي ورثها عن أبيها وأخيها، واشتركت معه في تأسيس أسرة حاكمة جديدة وهي الأسرة الخامسة. ويبدو رأي جردسلوف مقبولًا إلى حد كبير، وإن لم يصل بعد إلى مرتبة اليقين.

1 Asae، 1942، 64 F. – وذلك على عكس رأي يونكر الذي خمن فيه أن خنتكاوس هل التي انحدرت من سلالة جد فرع.

ص: 125