الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرسموا بعضها بخطوط مستقيمة ومائلة كانت تحفر على سطح الكأس ثم تملأ بعجينة بيضاء، ورسموا بعضها الآخر بنقط محفورة متجاورة كانت تملأ كذلك بنفس العجينة البيضاء1.
ثانيًا- أن عادات الدفن وعقائد الآخرة اتضحت في مقابرهم أكثر مما اتضحت به في مقابر المناطق الأخرى التي عاصرتهم. وكان المقبرة لديهم عبارة عن حفرة بيضية صغيرة ذات أركان ملفوفة، يكفن المتوفى فيها بلفائف من الجلد أو الكتان أو الحصير بما يتفق مع ثراء أهله، ويوسد على جانبه الأيسر في هيئة الإنشاء بحيث يتجه وجهه ناحية الغرب، وتوضع رأسه فوق وسادة من القش أو الكتان. وتوضع معه آنية أو أكثر من الفخار، وبعض الأدوات التي كان يستخدمها في حياته، فضلًا عن بعض الحلي وأدوات الزينة التي تخصه، والتي كان منها بالنسبة للنساء لوحات حجرية صغيرة رقيقة كن يستخدمنها في صحن الكحل الأخضر لتزجيج العيون وصحن المغرة الحمراء لتجميل الحدود2. ويمكن تفسير العقائد المتصلة بهذه العادات بتعليلين وهما: أن وضع رأس المتوفى فوق وسادة يعني أن أهله أرادوا له أن يتخذ في قبره وضع النوم العادي، وقد يتصل بهذه الفكرة اتخاذه وضع القرفصاء أيضًا3، أو أن هذا الوضع الأخير قد أوحى به ضيق مساحة الحفرة التي كانوا يستطيعون حفرها من أجله بأدواتهم المتواضعة في طبقات الحصباء والرمل بل وفي الصخر نفسه أحيانًا. ولا ضرورة مع هذا لرأي ثالث شاء أصحابه أن يمثلوا وضع القرفصاء للمتوفى في قبره بوضع الجنين في بطن أمه، فذلك رأي فاسق يصعب تصوره لأهل فجر التاريخ. أما وضع بعض أدوات المتوفى وأوانيه معه في قبره، فقد يدل على نوع من إعزار الأحياء له عن طريق التضحية من أجله ببعض متاعه وبعض متاعهم، أو يدل على أملهم في أن ينتفع بها بعد موته بطريقة تناسبه وبفضل ما يتلونه عليها من دعوات وتعاويذ. وعثر في بعض المقابر التاسية على ما يمكن أن يعتبر بداية التطور إلى استخدام التوابيت؛ إذ كان الطفل المتوفى يوسد أحيانًا في سلة شبه مستطلية من البوص والأغصان يغطيها حصير4.
1 G. Brunton، Mostagedda And The L Asian Culture، London، 1937، Pls. Xii، Xxvi; Jea، Xiv، Pl. Xxvi; Asae، Xxxiv، 94 F.، Pl. I.
2 Brunton، Op. Cit.، 6، 30، 34.
3 Ibid.، 26.
4 Ibid.، Pl. Vi، 5.8.
في الفترة الخالكوليثية النحاسية الحجرية:
في البداري:
استمر التطور في طريقه خلال فجر التاريخ المصري، وكانت خطوته التطورية الرئيسية بعد معرفة الزراعة، هي معرفة استخراج النحاس من أخلاطه الطبيعية واستخدامه في صناعة أدوات صغيرة "كما أسلفنا في صفحة 31". وأقدم الأماكن الأثرية التي عثر فيها على مصنوعاته في مصر هي قرية البداري
في مديرية أسيوط، ولو أن مصنوعاتها تلك كانت لا تزال في مراحلها المتواضعة الأولى، فاكتفى أهلها بأن صنعوا من النحاس مجموعات من الخرز الصغير استخدموها في صناعة الحلي، ومثاقب دقيقة طويلة استخدموها في ثقب الخرز الحجري، ودبابيس طويلة استخدموها في شبك أرديتهم الجلدية والكتانية1. ويذهب الرأي إلى رد حضارة البداري إلى النصف الثاني من الألف الخامس قبل ميلاد المسيح. وقد ورث أهلها مهارة أهل دير تاسا في زخارف فخارهم وفي عاداتهم وعقائدهم، ثم تطوروا بها إلى ما يناسب أذواقهم وأحوال عصرهم.
ففي الفخار صنعوا أواني رقيقة الجدران للغاية لا يكاد يدانيها في رقتها فخار آخر سابق لها. وفي زخارف الفخار اتخذوا من أشكال ورق الشجر وغصون النبات بديلًا عن خطوط الرسم المستقيمة والمائلة التي عرفتها دير تاسا من قبلهم، وقللوا غور الرسوم المحفورة على سطوح أواني الزينة واكتفوا بأن أخرجوها في حفر مسطح بسيط يكاد يستوي مع سطح الآنية المصقول بحيث لا تلحظ العين عمقه إلا بعد تدقيق2.
وفي عادات الدفن استمر أهل البداري على العناية بموتاهم وبالأدوات التي توضع معهم، ثم بدءوا عادتين جديدتين وهما: وضع المتوفى على لوحة مسطحة، وتبطين جوانب المقبرة بالحصير3. ويعتبر وضع المتوفى على اللوحة المسطحة مرحلة من مراحل التطور إلى فكرة وضعه داخل تابوت "وقد سبقتها مرحلة أخرى في دير تاسا بالنسبة لتوابيت الأطفال"، كما كان تبطين جوانب المقبرة بالحصير مرحلة من مراحل التطور إلى تبطينها بالخشب وتحديدها باللبن فيما تلا ذلك من عصور.
وشغف البداريون بأدوات الزينة والترف المناسبة لعصرهم، ولم تكن هذه قاصرة على نسائهم، وإنما اعتاد رجالهم أيضًا أن يتزينوا بالأساور في المعاصم والدمالج4. واستحبوا الأصداف والخرز في زينتهم، وسلكوا حبات الخرز في خيوط الكتان وشعر البقر واستخدموها قلائد وأساور ورصعوا بها أساور العاج، وتزينوا بقليل من الخواتم العاجية والعظيمة وشنوف الآذان وربما شنوف الأنوف أيضًا5. وصنعوا أمشاطهم من العظم والعاج بأسنان طويلة وتفننوا في هيئاتها وشكلوا أجزاءها العليا على هيئة رءوس الطيور6. وصنعوا إبرهم من النحاس فضلًا على العظم والعاج، واهتدوا إلى طريقة ثقبها7، ولم يكن ذلك الاهتداء بالأمر الهين في شئون حياتهم اليومية على الرغم من بساطته. وكان أمتع ما خلفوه من الأدوات الرقيقة ملاعق من العاج، فقد صنعوها بأشكال لا تكاد تختلف عن أشكالها الحالية، ونوعوا تجاويفها بين هيئة المستطيل والبيضاوي
1 G.Brunton & Caton-Thompsob، The Balarian Civilistion، 1928، 7، 27، 33، 41، Pl. Xxvi.
2 Ibid.، 20. F.، Pls. Xii، Xiv، Xviii، Etc.
3 Ibid.، 18، 20.
4 Ibid.، 27، 28، 30، 40 F.،
5 Ibid.، 30، Pls. Xxiii، 21، Xxiv، 7-12، 13; Mostagedda، Pl. Xxv، 12، 13، 33.
6 Bad. Civil.. Pls. Xxiv، 4، 18; Mostagedda، Pl. Xxiv، 2.
7 Mostagedda، Pls. Xxv; Bad. Civil.، 32-33، Pls. Xx، 16، Xxiii، 26-28; Xxvi، I، Xxix، 4.