الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: البيروقراطية والتحرر في عصر الأسرة السادسة
مدخل
…
رابعًا: البيروقراطية والتحرر في عصر الأسرة السادسة 2420 - 2230ق. م.
كان رأس الأسرة السادسة فرعونًا يدعى تتي أقيم هرمه في سقارة وتضمن نصوصًا لا تختلف عن نصوص هرم ونيس إلا في زيادة اهتمامها بذكر المعبود أوزير وتأكيدها تشبيه الملك المتوفى به. وأقيمت بعض مقابر أتباعه حوله في طرقات يمكن ترسمها. وشاءت المصادفات أن تحتفظ بردية طبية مصرية كبيرة بتفاصيل عقاقير لتقوية بصيلات الشعر صنعت أحدها أمه شيشي "أو صنع من أجلها"، وألف بقيتها كبير أطبائه خوي1. ويبدو أن التخصص في العلاج الطبي خلال عصر الأسرة السادسة كان قائمًا فعلًا؛ إذ ظهر من أطباء العصر من اشتهر بطب العيون، وكان لأطباء القصر الملكي رئيس مما يدل على تعددهم.
وشهدت مصر بعد عهد تتي تطورات متصلة في حياتها السياسية والاجتماعية، وفي علاقاتها بالنوبة وبجيرانها في فلسطين. واشتهر خلال العصر من الشخصيات ذات الأثر في مجالات السياسة والحرب والاقتصاد، ثلاثة من الفراعنة، وهم ببي الأول، وولداه مرنرع، وببي الثاني، ثم ثلاثة من خاصة أفراد الشعب، وهم وني، وحرخوف، وببي نخت.
1 Papyrus Ebers، 62، 4; Spiegal Berg، Zaes، LVIII، 152.
نمو البيروقراطية:
أسلفنا في عرضنا للأوضاع السياسية خلال عصر الأسرة الخامسة أنه توافر لكبار الأفراد حينذاك، أي كبار الموظفين والكهنة بخاصة، نصيب واسع من القيم الاعتبارية والإمكانيات المادية، وأن أسباب التقارب بينهم وبين فراعنتهم ازدادت شيئًا فشيئًا، دون أن يؤثر هذا التقارب في هيبة الفراعنة تأثيرًا ذا بال، ودون أن يؤثر في ولاء كبار الموظفين والكهان الفراعنة تأثيرًا ذا بال، وأن الفراعنة لم يجدوا بأسًا في أن يعهدوا إلى أبناء كبار موظفيهم المقربين بمناصب آبائهم من حين إلى حين. وقد ازدادت سياسة التقارب هذه بين الفريقين في عصر الأسرة السادسة، فازداد سماح بعض فراعنتها بتزويج بناتهم من كبار موظفيهم1، بل وتزوج أحدهم من ابنتي أحد كبار ولاته "راجع ص141"، وتوسعوا في تربية أبناء كبار موظفيهم في قصورهم2. وأزادوا مراسيم الإعفاء التي كانوا يحررون المعابد بها من بعض التكاليف المفروضة عليها3، ويكتسبون ولاء الكهنة وحسن السمعة عن طريقها، وإن خسروا بها جانبًا غير قليل من موارد خزائنهم، وكان منهم من يبدأ مرسومه بإعفاء أوقاف تماثيله وقرابينه في معبد معين من التكاليف المفروضة عليها، أي أنه يبدأ بمراعاة صالحه أولًا، ثم يعمم الإعفاء على أوقاف المعبد كله.
1 من الموظفين الذين تزوجوا أميرات: كايجمني ومرروكا، وكان الأخير زوج ابنة الفرعون تتي.
2 Urk.، 1، 251 F.، 296 F. ; Zaes، Lxiv، 93.
3 A. Morst، Jwrwal Assist.، 1916، 232 F. ; Hayes، Jea، 1946، 3 F.
وتضخمت مكانة كبار الموظفين في هذا العصر خلال توليهم منصب الوزارة، ومناصب حكام الأقاليم الكبيرة، ومنصب والي الصعيد، فضلًا عن مناصب أخرى كثيرة كانت تندرج تحت اختصاصات هذه المناصب الثلاثة ويحتفظون بالإشراف الأعلى عليها. وظهر أكثر التطوير في سلطات حكام الأقاليم، وقد اختلف نفوذهم تبعًا لشخصياتهم وشخصيات الفراعنة الذين عملوا في عهودهم أو عملوا في خدمتهم. فاستمر أغلبهم يرد وجوه نشاطه في إقليمه إلى أمر الفرعون وتوجيهه وفضله، بينما امتاز منهم عدد قليل آخر حرص أفراده على أن يصفوا مجهوداتهم الشخصية ومآثرهم الفردية في نقوش مقابرهم، فشرحوا كيف عملوا على تعمير أقاليمهم ووطدوا الأمن فيها، وكيف ساروا بالعدل بين أهلها وأسعدوهم، وإن لم يأبوا في الوقت نفسه أن يوفوا التقاليد الشكلية حقها، فسجلوا على جانب مآثرهم صورًا من طاعتهم لفرعونهم وحرصهم على التقرب منه وإرضائه. ومن هؤلاء الحكام المتميزين هنقو، وقد عاش خلال عصر الأسرة السادسة وحكم منطقة في إقليم أسيوط تدعى جوفية، وافتخر في نقوش مقبرته بأنه أغدق الطعام والشراب والكساء على فقراء إقليمه، وأنه بلغ من كرمه أنه أشبع ذئاب الصحاري وعقبان السماء بلحوم الماعز التي كان يضحي بها. وافتخر برعايته لاقتصاديات إقليمه، وذكر من وسائله إلى هذه الرعاية ما يعتبر مفخرة لعهده حيث شجع هجرة أهل الأقاليم الأخرى إلى إقليمه لتعمير القرى المهجورة فيه، ثم جعل مزارعيه ملاكًا، وزاد أعداد الماشية على شواطئه وأعداد الماعز على مراعيه1 بما ينحو منحى الإصلاح الزراعي وتنمية الثروة الحيوانية على نطاق ضيق. وبلغ من طيب سمعة بعض حكام الأقاليم حينذاك أن رفعهم رعاياهم إلى مصاف الأولياء وقدسوهم2.
ورضى الفراعنة بنشاط أصحاب الشخصيات القوية من ولاة الأقاليم، أو هم اضطروا إلى مسايرته، ولكنهم تخوفوا أن يؤدي ازدياده إلى انفلات السلطان من أيديهم، أو يؤدي إلى تهاون الولاة في أداء التبعات والضرائب المفروضة عليهم، أو يشجع بعضه على الاستقلال بحكم أقاليمهم، وتفادوا هذه التوقعات عن طريق التوسع في استخدام وسيلتين قديمتين، وهما: التوسع في تربية أبناء كبار الولاة في قصورهم ليتشربوا حبهم وأملًا في أن يشبوا أوفياء لهم ولأولادهم، ويخلصوا لطاعتهم إذا تولوا حكم أقاليمهم3. ثم إعادة منصب والي الصعيد الذي استحدثته الأسرة الخامسة وعهدت إلى أصحابه بالرقابة باسم الفرعون على ضرائب الصعيد وشئون حكامه، وكان قد ألغي فيما يبدو في عهد تتي أول ملوك الأسرة السادسة، ثم أعيد في عهد مرنوع رابع ملوكها وزاد نفوذه4.
صور بعض مشاكل قصور الأسرة السادسة، ومكانة بعض كبار الموظفين فيها، مواطن كبير يدعى "وني" دونت قصة حياته في نقوش مقبرته بأبيدوس، ثم نقلت الجدران التي دونت عليها هذه النقوش
1 Urk.، I، 76-79. – وتوجد مقبرته في دير الجيراوي.
2 انظر عن إيسي والي أدفو في بداية عصر الأسرة السادسة: Alliot. Bull. Inst. Frs.، Xxxvii، 93 F.
3 Urk. I، 251 F. Kees، Zaes، Lxiv، 93.
4 دريوتون وفاندييه: مصر – ص263.