الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسد، ولا يعتدي ذئب على حمل، ولا تحني الحمامة رأسها. ولا توجد أرملة، ولا مرض فيها ولا شيخوخة، ولا نواح ولا رثاء،
…
ولكن كان ينقصها الماء إلى أن أوحى إنكي "رب الحكمة" إلى أوتو "رب الشمس" بأن يزودها بينابيع المياه العذبة، ففعل، وتحولت بستانًا أنبتت فيه ننخرساج "الإلهة الأم" ثمانية أنواع من النباتات على غفلة من إنكي نفسه1. ثم نزحوا منها بعد ذلك إلى "كالاما" بالعراق لأمر ما لم تسجله الأسطورة.
ونفى رأي آخر اعتبار السومريين أغرابًا، وتشكك أصحابه في نتائج دراسة جماجمهم، وافترضوا أن الرءوس العريضة بينهم ترتبت على اتصالات متقطعة بين سكان العراق ذوي الأصل السامي في فجر التاريخ وبين جيرانهم ذوي الأصل ما قبل الآري ذوي الرءوس العريضة، دون أن يتأتى عن وحدة جنسية لازمة بين الفريقين. ولكن صعب على أصحاب هذا الرأي تعليل اختلاف لغة السومريين عن اللغات السامية. وعندما أراد بعضهم أن يوازنوا بين هيئات أرباب العصر السومري ذوي اللحى الكثة والشعور الكثيفة والملابس الصوفية التي تقربهم إلى هيئات الرعاة الساميين، وبين جماهير السومريين حليقي اللحى والرءوس، لم يزيدوا الأمر غير تعقيد2. وإذا كان هناك ما يمكن تعديل رأيهم به فهو احتمال اعتبار السومريين فرعًا من الجنس القوقازي يختلف عن الفرع السامي، دون أن ينفي هذا تواجد الساميين معهم على أرض العراق وإن ظل نفوذهم أقل من نفوذ السومريين لعهود طويلة.
على أنه مهما يكن من أمر هذه الآراء التي لا زال كل منها بحاجة إلى قرائن جديدة تؤيده أو تغلبه على غيره، فالذي لا شك فيه هو أن السومريين في أوائل العصور التاريخية، قد انتفعوا بالحضارات التي سبقتهم في بواكير العصر الكتابي، ثم طوروها إلى ما يتفق مع مطالب عصرهم وأذواقه، وكان من أوضح روابط التطوير هي علامات الكتابة وأساليب البناء باللبن وأساليب النقوش.
1كرامر: المرجع السابق - لوحة 59 - ص241+ Kramer، Anet، 38 F.
2 Cf. Keith، By Hall-Woolley، Ur-Excavations; Ed. Meyer، Histoire
…
“Trad.”، T. Iii، & 369; Frankfort، Studies
…
، 91; And See، H. Schamakel، Das Land Sumer، 1956، 44 F.; Geschichte Des Alten Vorderasien، 1957، 3 F.
الكتابة المسمارية:
ظهرت تباشير الكتابة فيما يحتمل منذ المراحل الأخيرة لحضارة الوركاء، أو حضارة حمدة نصر، في فجر التاريخ العراقي القديم، كما أسلفنا، وبدأت بالطريقة التصويرية أو التصورية التي تعبر كل صورة منها عما تمثله على وجه التقريب، وهي طريقة تصلح للتعبير عن الماديات ولكنها لا تكفي للتعبير عن المعنويات، وقليلًا ما تعبر عن الفكرة بشيء مادي يرمز إليها كالذراع الذي يعبر عن القوة، أو القدم التي تعبر عن حركة
المشي شأنها في ذلك شأن الكتابة المصرية في بداية ظهورها. وعثر على بعض نماذج هذا الطور الكتابي على لوح حجري صغير رقيق من مدينه كيش صورت علاماته التصويرية ما يمثل الوجه والقدم وواجهة المسكن وما إليها داخل مستطيلات متسعة تتحدد بخطوط تفصل بين كل واحد منها والآخر. ونموذج ضغير آخر نقشت علاماته التصويرية في مستطيلات ضيقة تتعاقب في أنهر رأسية1. ثم تطورت الكتابة على أيدي السومريين بخاصة إلى المرحلة الصوتية التي تؤدي علاماتها وصورها وظائف المقاطع الصوتية ويقصد بها لفظها أكثر من شكلها ويمكن التعبير عن المعنويات، ومن ذلك استخدام الصورة المختصرة للجذع الأعلى للإنسان للدلالة على المقطع "لو" الذي يعبر عن معنى رجل أو إنسان، وفقا لسياق الكلام. واستخدام الصورة المختصرة لجريان الماء للتعبير عن الماء "آ" وعلى حرف "في". واستخدام صورة السمكة للدلالة على السمكة "خا" وللتعبير عما يوازي لفظ "لعل". واستخدام صورة النجم للتعبير عن اللفظ "آن"، وعن السماء، وعن لفظ إله "دنجر"، وعن معنى السمو، فضلًا عن دلالتها على النجم نفسه وعثر على عشرات اللوحات في الوركاء، قد ترجع كتابتها إلى هذا الطور التصويري المقطعي2.
وزاد السومريون علاماتهم المقطعية الصوتية مع توالي الزمن واستمرار الخبرة حتى أوفت بمطالب حضارتهم، وبلغت أشكالها مبلغًا عدديًّا كبيرًا، ثم عادوا فيسروها عن طريق تركيز أعدادها وأشكالها، واتجهوا بها وجهة خطية، فقللوا انحناءاتها ودوائرها كيما تتناسب خطوطها الحادة الجديدة مع طبيعة اللوحات الطينية اللينة التي استحبوا الكتابة عليها ووجدوها أقرب في التناول وأيسر في الكلفة من قطع الحجر، وهي لوحات كانوا يتخيرون طميها نقيًّا ناعمًا ويصبونه في قوالب ذات أشكال متعارف عليها، فتخرج اللوحة على هيئة القرص مسطحة الوجهين، أوعلى هيئة ربع الدائرة مستوية السطح محدبة الظهر، أو على هيئة المسطيل، وقليلًا ما تكون على هيئة المخروط. وقد يتركونها على حالها بعد الكتابة أو يجففونها في حرارة عادية بحيث تكتسب صلابة مناسبة، ويلفون أهمها بنسيج يمهرونه بختم صاحبها فوق قطعة من الطين اللزج، لا سيما إذا كانت لوحة لها اعتبارها أو كانت ستنقل من مكان إلى آخر على هيئة الرسالة. وشاعت هيئة الاستطالة في الألواح منذ خواتيم العصر السومري القديم، وأصبحت اللوحات الهامة منها تحرق في أفران وتحفظ في أغلفة طينية بعد أن ينثر عليها قليل من مسحوق الطمي الجاف ليمنع التصاقها بغلافها، ذلك الغلاف الذي كان يجب كسره مرة ثانية بطبيعة الحال قبل قراءة لوحته الداخلية.
وكتب السومريون عباراتهم في بداية عصورهم دون ترتيب ثابت "في مثل نص أوتوج حاكم كيش على نذر للمعبود إنليل، ونص على رأس مقمعة ميسيلم حاكم كيش أيضًا". ثم أصبحوا يرتبون عباراتهم في أنهر رأسية يفصل بين كل نهر منها وآخر خط رأسي "في مثل لوحة أورنانشه ولوحة إياناتم". وكانوا يبدءونها من اليمين أو من اليسار. ثم انتهو أخيرًا إلى تفضيل السطور الأفقية. وكان منهم يكتبون وجهي
1 C. Leonard Woolley، Ur Excavations، Figs. 1، 2.
2 طه باقر - مجلة سومر 1961.
اللوحة بعد قلبها رأسًا لعقب بحيث يقابل النهر الأول من ظهرها النهر الأخير من سطحها، كما كان منهم من استعاضوا عن اللوحات أحيانًا بكتل طينية مجسمة على هيئة الأسطوانة، أو هيئة المنشور، رغبة في أن تتسع سطوحها للنصوص الطويلة.
واستمرت موجة الاختزال تعمل عملها البطيء في العلامات السومرية. وواصلت وجهتها التخطيطية حتى غدت هيئة كل علامة منها تشبه هيئة المسمار، وذلك مما دعا إلى تسمية كتابتها اصطلاحًا باسم الكتابة المسمارية "أو الكتابة الإسفينية". وقد ناسبت هذه الكتابة في هيئتها الجديدة استخدام أهلها أقلام الغاب والخشب "والمعدن" ذات السن المدبب، ثم الأقلام المنشورية المقطع التي انتهوا إلى الكتابة بها فأصبحت بدورها من أسباب تسمية الكتابة بالكتابة المسمارية. وظل السومريون منذ ذلك الحين يصورون خطوطهم الجديدة رأسية وأفقية ومائلة، متجاورة، ومتصلة أو متقاطعة، وإن احتفظوا لعدد منها بهيئاته التصويرية القديمة، مثل صورة القدم والسهم والمشط وبعض الأغصان والأزهار، وهي صور استخدمت لذاتها أحيانًا، ولتكون مخصصات لكلمات تتصل بها أحيانًا أخرى. كما تخففوا شيئًا فشيئًا من الفواصل الرأسية التي كانت تفصل بين كل جملة وأخرى.
لم تميز الرموز الصوتية السومرية كثيرًا بين الحروف المتقاربة في النطق، مثلما بين حرفي د، ت، وما بين حروف ج، ك، ق، وما بين حرفي س، ز "وذلك مما أحس الساميون بالنقص فيه عندما أصبحوا يكتبون لغتهم بالكتابة المسمارية حاولوا تعويضه منذ العصر الأكدي في أعقاب عصر بداية الأسرات السومري". غير أن المقاطع السومرية تميزت في مقابل هذا النقص بتضمنها ما يؤدي غرض حروف الحركة التي تنقص أغلب الكتابات السامية القديمة، وذلك حين توضيحها للتعبيرات المركبة التي تتألف من "حرف حركة + حرف ساكن" أو تتألف من "حرف ساكن + حرف حركة"، أو تتألف من "حرف ساكن + حرف حركة + حرف ساكن".
وعمل السومريون على الجمع بين القديم وبين المستحدث في كتابتهم، شأنهم في ذلك شأن أغلب الشعوب الزراعية المحافظة القديمة، "مثل الشعب المصري" وترتب على ذلك أن كتبتهم كانوا يكتبون الكلمة الواحدة بصورتين أحيانًا، وبالطريقتين التخطيطية والصوتية معًا. فكلمة "ماتو" بمعنى أرض، قد يكتبها الكاتب السومري بثلاث علامات مسمارية بسيطة تدل عليها ثم يتبعها بثلاث رموز صوتية تساوي "ما - آ - تو"، وذلك فضلًا عن التجائه إلى إضافة المخصصات التصويرية إلى كلماته أحيانًا، كما ألمحنا من قبل، مثل إلحاق علامة الشجرة بأسماء الأشجار وأنواع الخشب والمصنواعات الخشبية، وإلحاق علامة المكان بأسماء الأقطار والبلدان
…
، إلخ.
واستمرت الكتابة المسمارية في تطورها، وانتقلت بخصائصها من لوحات الطين الشائعة إلى لوحات الحجر والمعدن حيثما توفرت "مع بقاء الغلبة للوحات الطين"، وكانت جهود السومريين الأوائل في تطويرها بمثابة حجر الزاوية لها. وظلت تختلف عن الكتابة المصرية القديمة التي نافستها شهرتها في العالم القديم،