المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العصر الكتابي وفي آثار العصور السومرية وأساطيرها. وزادت إحدى مراحل - الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق

[عبد العزيز صالح]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الشرق الأدنى القديم

- ‌الفصل الأول: التشابه والتنوع في الشرق الأدنى القديم وتأثيرات البيئة في حياة أهله

- ‌مدخل

- ‌في وادي النيل:

- ‌في بلاد النهرين:

- ‌في بلاد الشام:

- ‌في شبه الجزيرة العربية:

- ‌الفصل الثاني: الشرق الأدنى القديم ودهوره الحجرية فيما قبل التاريخ

- ‌مدخل

- ‌في الدهر الحجري القديم الأسفل:

- ‌في الدهر الحجري القديم الأوسط:

- ‌في الدهر الحجري القديم الأعلى:

- ‌قرائن العمران:

- ‌من السلالات البشرية:

- ‌بداية الزراعة في فجر التاريخ أو العصر النيوليثي:

- ‌تعدد الحرف وبدايات الفنون:

- ‌وضوح التجمعات:

- ‌تمهيد بتقسيمات عصور مصر القديمة ومصادرها:

- ‌الكتاب الأول: مصر منذ فجر التاريخ حتى نهاية العصور الفرعونية

- ‌الفصل الثالث: مصر في فجر تاريخها

- ‌مدخل

- ‌في الفترة النيوليثية الحجرية الحديثة

- ‌مدخل

- ‌في مرمدة بني سلامة:

- ‌في الفيوم:

- ‌في دير تاسا:

- ‌في الفترة الخالكوليثية النحاسية الحجرية:

- ‌في البداري:

- ‌في حضارة نقادة الأولى:

- ‌في حضارة نقادة الثانية:

- ‌بين الصعيد وبين الدلتا:

- ‌التطور السياسي:

- ‌من تطورات الفنون وتعبيراتها:

- ‌سكين جبل العركى:

- ‌من آثار العقرب:

- ‌صلاية الفحل:

- ‌آثار نعرمر:

- ‌الفصل الرابع: بداية العصور التاريخية

- ‌مدخل

- ‌الكتابة وتوابعها:

- ‌الحكام والإدارة

- ‌مدخل

- ‌أوضاع الحكم:

- ‌في العمران والفكر:

- ‌النشاط الحدودي والخارجي:

- ‌الفصل الخامس: عصور الأهرام في الدولة القديمة

- ‌أولا: الرشاقة والابتكار في عصر الأسرة الثالثة

- ‌مدخل

- ‌إيمحوتب وشواهد العمارة والفن:

- ‌قصة المجاعة:

- ‌التقويم:

- ‌ثانيا: الروعة والبنيان الراسخ في عصر الأسرة الرابعة

- ‌تجديدات عهد سنفرو

- ‌عهد خوفو:

- ‌تعبيرات الهرم الأكبر:

- ‌هزات مؤقتة في عهد جدف رع

- ‌آثار عهد خفرع:

- ‌أبو الهول:

- ‌عواقب الإسراف:

- ‌ثالثا: التقوى والرفاهية في عصر الأسرة الخامسة

- ‌مدخل

- ‌خصائص معابد الشمس:

- ‌أهرام العصر ومعابدها:

- ‌الاتصالات الخارجية:

- ‌التطور السياسي والاجتماعي:

- ‌رابعا: البيروقراطية والتحرر في عصر الأسرة السادسة

- ‌مدخل

- ‌نمو البيروقراطية:

- ‌أحداث الشمال الشرقي والتنظيمات العسكرية:

- ‌العمارة والفن والمجتمع:

- ‌رحلات الكشف في الجنوب:

- ‌الفصل السادس: عصر الانتقال الأول أو عصر اللامركزية الأولى

- ‌نهاية دورة

- ‌الثورة الطبقية:

- ‌الغموض:

- ‌انتفاضة اليقظة في العهود الأهناسية:

- ‌ازدهار الفردية:

- ‌عصر الانتقال الأول بين دورتين تاريخيتين

- ‌معالم الفن الإقليمي:

- ‌الفصل السابع: الدورة التاريخية الثانية في الدولة الوسطى

- ‌أولا: عودة الوحدة في عصر الأسرة الحادية عشرة

- ‌مدخل

- ‌استرجاع المركزية:

- ‌الاستثمار الحدودي والنشاط الخارجي:

- ‌صور من المجتمع:

- ‌في العمارة الدينية والفن:

- ‌ثانيا: الازدهار والكلاسيكية في عصر الأسرة الثانية عشرة

- ‌مدخل

- ‌في السياسة الداخلية:

- ‌في العمران:

- ‌في الأساليب الفنية:

- ‌في السياسة الخارجية:

- ‌الفصل الثامن: عصر الانتقال الثاني أو عصر اللامركزية الثانية

- ‌أولًا: عصر الأسرة الثالثة عشرة

- ‌في نصفه الأول:

- ‌مظاهر الأفول في النصف الثاني لعصر الأسرة الثالثة عشرة:

- ‌ثانيًا: محنة الهكسوس

- ‌ثالثًا: مراحل الجهاد والتحرير

- ‌الفصل التاسع: الدورة التاريخية الثالثة في الدولة الحديثة

- ‌تمهيد

- ‌أولا: الانطلاق في عصر الأسرة الثامنة عشرة

- ‌في السياسة الداخلية

- ‌في السياسة الخارجية:

- ‌ثانيا: عودة الكفاح ثم الرفاهية في عصر الرعامسة مع الأسرة التاسعة عشرة

- ‌ثالثا: آخر الشوط مع الرعامسة في عصر الأسرة العشرين

- ‌الدفعة الأولى

- ‌عواقب الإسراف:

- ‌رابعًا: الثيوقراطية والفتور في عصر الأسرة الحادية والعشرين

- ‌خامسًا: نماذج من الفن والعمارة في الدولة الحديثة

- ‌الفصل العاشر: الشيخوخة في العصور المتأخرة

- ‌أولًا: التخبط والتداخل في عهود الأسرات 22 - 24

- ‌ثانيًا: دفع النوبة لمصر في عصر الأسرة الخامسة والعشرين

- ‌ثالثًا: النهضة في العصر الصاوي مع الأسرة السادسة والعشرين

- ‌رابعًا: النكسة مع الغزو الفارسي والأسرة السابعة والعشرين

- ‌خامسا: ابتسامة مبتسرة في عصور الأسرات 28 - 30

- ‌مدخل

- ‌الوثائق الآرمية في أسوان:

- ‌الأسرتان الأخيرتان:

- ‌خاتمة المطاف القديم:

- ‌الفصل الحادي عشر: في عقائد الدين والآخرة

- ‌أولًا: عقائد التأليه

- ‌نشأتها:

- ‌خصائصها:

- ‌في سبيل الترابط:

- ‌في سبيل التوحيد:

- ‌ثانيا: عقائد البحث والخلود

- ‌الفصل الثاني عشر: من الأدب المصري القديم

- ‌أولا: في أدب الأسطورة والملحمة

- ‌أسطورة أوزير وتوابعها

- ‌الحق والبهتان

- ‌ثانيا: في أدب القصة

- ‌سنفرو والحكماء

- ‌قصة خوفو والحكيم جدي:

- ‌قصة العاشقين والتمساح:

- ‌قصة الأخوين:

- ‌من قصص المغامرات:

- ‌ثالثا: في أدب النصيحة

- ‌مدخل

- ‌بتاح حوتب:

- ‌آني:

- ‌أمنموبي:

- ‌نصائح المعلمين:

- ‌رابعا: في أدب النقد والتوجعات

- ‌إبوور والثور الطبقية

- ‌القروي الفصيح:

- ‌الكتاب الثاني: العراق، بلاد النهرين

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الثالث عشر: فجر التاريخ العراقي في العصر الحجري الحديث

- ‌أ- في الفترة النيوليثية "الحجرية الحديثة

- ‌ب- في الفترة الخالكوليثية "النحاسية الحجرية

- ‌مدخل

- ‌حضارة العبيد:

- ‌ج- قبيل العصر الكتابي

- ‌حضارة الوركاء:

- ‌الفصل الرابع عشر: أوائل العصور التاريخية في العراق

- ‌عصر بداية الأسرات السومرى

- ‌مدخل

- ‌الكتابة المسمارية:

- ‌العمارة الدينية "والزقورات

- ‌العقائد:

- ‌التطور السياسي:

- ‌الفنون:

- ‌المقابر:

- ‌الفصل الخامس عشر: العصر الأكدى 2340 - 2180 "أو 2371 - 2230" ق. م

- ‌مدخل

- ‌الفنون:

- ‌نهاية دولة:

- ‌الفصل السادس عشر عصر الإحياء السومري "منذ 2125ق. م

- ‌في لجش:

- ‌في أوروك:

- ‌في دولة أور:

- ‌الفنون:

- ‌من الأدب السومري:

- ‌نهاية أور:

- ‌في عصر إسين - لارسا:

- ‌تشريع إشنونا:

- ‌تشريع إسين:

- ‌في لارسا:

- ‌في الفن:

- ‌الفصل السابع عشر: دولة بابل الأولى "أو العصر البابلى القديم

- ‌بداية دولة بابل الأولي

- ‌حمورابي:

- ‌من الأدب البابلي:

- ‌الفصل الثامن عشر: العصر الكاسي "1580 - أواخر القرن 12 ق. م

- ‌الحياة الساسية

- ‌العلاقات الخارجية:

- ‌الأفول حتى نهاية الأسرة البابلية السابعة:

- ‌من الحياة الفكرية في العصر الكاسي:

- ‌الفصل التاسع عشر: آشور

- ‌أ- المراحل الأولى: العصر العتيق- العصر القديم

- ‌ب- في العصر الأشورى الوسيط

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌ج- في العصر الأشورى الحديث

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولي:

- ‌مرحلة الأمجاد الأخيرة من العصر الآشوري الحديث:

- ‌الفصل العشرون: بابل الكلدانية أو العصر البابلي الأخير "626 - 539 _25 d9_2582._25d9_2585

- ‌تمهيد: عودة إلى الآراميين في بابل والعلاقات مع آشور

- ‌التطور السياسي:

- ‌العمران والفنون:

- ‌الأفول أمام نهضة الفرس:

- ‌خاتمة:

- ‌الخرائط واللوحات

- ‌قائمة بأهم المفردات:

- ‌الموضوعات:

الفصل: العصر الكتابي وفي آثار العصور السومرية وأساطيرها. وزادت إحدى مراحل

العصر الكتابي وفي آثار العصور السومرية وأساطيرها. وزادت إحدى مراحل تجديد معبد إريدو في محتويات مقصورته، فأضيف مذبح جديد على مبعدة من مائدة القربان القديمة وأحيطت المقصورة بحجرات جانبية، وشكلت واجهة جدران المعبد الخارجية على هيئة مشكاوات "أو دخلات" رأسية مستطيلة بسيطة تعاقبت الواحدة منها بعد الأخرى على مسافات متساوية1.

وتكرر أسلوب هذا المعبد في مدن سومرية أخرى مثل مدنية أور "في مستوى عمرانها الرابع". كما جرى أهل شمال العراق على السبيل نفسه في تطوير عمارة معابدهم، فتميزت المراحل المتطورة لمعابد بلدة تبة جاورا بتعاقب المشكاوات الرأسية في كل من الواجهات الداخلية والخارجية لجدرانها، ولم تعد جوانب هذه المشكاوات قائمة الزوايا دائمًا، وإنما أصبحت الرئيسية منها تُبنى بعدة مستويات داخلية متدرجة. غير أنه ليس من سبيل للقطع بإرجاع هذه التطورات إلى عصر العبيد فعلًا أم لفترة لاحقة له؛ نظرًا لاستمرار مظاهر ما قبل التاريخ في تبة جاورا إلى ما بعد انتهاء عصرها في الجنوب2.

وفي الجنوب، عثر في إريدو مما يعاصر العبيد، على العديد من المقابر الفردية والجماعية وقد تضمنت صناديق من الطين المحروق وتماثيل صغيرة من الطين لمعبودات وقوارب وأواني للقرابين، وجمعت بعض تماثيل الأمومة بين خصائص الجنسين. وتميزت المراكز الشمالية من العصر نفسه بأختام حجرة صغيرة نقشت بصور حيوانية وخطية، ومختومات من الطين تماثلها3.

1 Ibid.، 380 F.; Frankfort، Op. Cit.، 380 F.

2 A.L. Perkins، Op. Cit.،; J. Tobler، Excavations At Tepe Gawra، Ii “1950”، 30 F.

3 Mallowan، Op. Cit.، Lioyd And Safar، Op. Cit.

ص: 372

‌ج- قبيل العصر الكتابي

‌حضارة الوركاء:

لعبت بلدة أوروك "أو أونوج" التي تقوم على أنقاضها وتحتفظ باسمها بلدة الوركاء الحالية "والتي ذكرتها التوراة باسم إرك"، دورًا رئيسيًّا في حضارة فجر التاريخ العراقي القديم. وقسم الباحثون مراحل عمرانها وتطوراتها الفنية المتواضعة إلى ست عشرة مرحلة، عاصرت في أغلبها حضارة العبيد1، ثم دخلت بمرحلتيها الرابعة والثالثة في عصر جديد سُمي اصطلاحًا باسم " Proto-Literate Period" نتيجة لاحتمال ابتداع أولى علامات الكتابة العراقية فيه، وترجمته بعض الكتب العربية بأسماء ما قبل العصر الكتابي، والعصر الشبيه بالكتابي، فضلًا عن بواكير العصر الكتابي،

إلخ.

وترتب على الوفرة النسبية لآثار بدلة الوركاء خلال هذا العصر أن أطلق الأثاريون اسم حضارتها على بقية مواطن العمران المحلية التي عاشت معها وشابهتها في بعض خصائصها، وإن تميزت إلى جانبها في آخر مراحلها

1 Frankfort، The Last Predynastic Period In Babylonia; C.A.H.، I، Part Ii، 70 F.; Raymond Weill، Recherchers Sur La Ire Dynastie Et Les Temps Prepharaonique، Le Caire، 1961، Ii، 296;

ص: 372

تسمية حاضرة أخرى، ألا وهي تسمية "حضارة جمدة نصر" التي أشرنا إلى الاتجاه الحديث نحو إدمامجها فيها. وتفاوت انتشار خصائص حضارة الوركاء في الجنوب وفي الشمال بتفاوت التطور في مراحلها المتتابعة، دون التزام بعدد الستة عشر الذي قسمت إليه مراحل عمرانها - وكانت مظاهر التطور في مراحل بواكير العصر الكتابي أكثر وضوحًا في الجنوب عنها في الشمال.

ويبدو أن المجتمع الزراعي العراقي القديم قد بدأ يصطبغ بصبغة مدنية منذ أواخر حضارة الوركاء "أو منذ بواكير العصر الكتابي الجديد"، فنشأت فيه بلدان أو مدن صغيرة تطورت عن القرى الكبيرة وامتازت عما تحيط بها من أراضي الزراعة والقرى العادية باتساع عمرانها اتساعًا نسبيًّا وبأهمية معابدها وقصور حكامها، وكفاية صناعها وفنانيها، وباتساع مجالات الإنتاج وفرص التشجيع فيها، وإن ظل ذلك كله في حدود نسبية بطبيعة الحال.

ولعل أهم ما يصور الرقى النسبي في حضارة الوركاء، هو نقوش أختامها التي ترجع مراحلها المتواضعة القديمة إلى عهود حلف والعبيد، ثم تطور عمارة معابدها. فقد استخدم أهل أوروك، أو الوركاء، أختامًا مخروطية ذات قواعد شبه دائرية كانوا يختمون بها على الطين عن طريق الضغط عليها ضغطًا رأسيًّا، وأختامًا أخرى أسطوانية الشكل كانوا يثبتونها في أيد خشبية ويختمون بها بتمريرها بقوة على سادات الأواني ولوحات الصلصال الطرية الصغيرة، وقد شاع هذا النوع الأخير واستغله الصناع لنقش مناظر دنيوية ودينية وأسطورية وعناصر أخرى زخرفية على سطوحه.

وبلغت نقوش أخام أوروك غايتها من التنوع خلال المرحلتين الرابعة والثالثة من مراحل عمران بلدتها، فصورت مناظرها الدينية مراحل أعياد المعبودات، ورمزت إلى تقوى الحكام وكبار الناس، ومما بقي منها ما يصور حاكمًا يتقدم بسنبلتي شعير غلى ستة رءوس من ماشية معبد مدينته كأنه يطعمها، وتلاه تابعه يحمل له مجموعة سنابل أخرى1 وصورت رجلًا كبير المقام في مرحلتين من مراحل زيارته لمعبد هام، فأظهرته في بداية رحلته يستقل قاربًا يجذف له فيه أحد أتباعه ويتوجه به إلى مرساة المعبد، ثم صورته يسير في رحاب المعبد مبتهلًا ضامًّا كفيه تجاه وجهه مع ثني إبهاميهما إلى الخلف. يحف به كاهنان يرفعها قلادتين فخمتين أهداهما باسمه إلى ربة المعبد2.

ورمزت المناظر الدنيوية في نقوش الأختام إلى بعض الأحداث العامة في عصرها، فصور أحد ما بقي منها ساحة حرب يتصدرها رئيس ذو لحية كثيفة وعمامة كبيرة ونقبة نصفية، يقف منتصبًا مستندًا إلى رمحه في اعتزاز وقوة، وقد تجمع أمامه عدد من زعماء أسراه عراة، ومنهم اثنان تقدما إليه في خضوع يعلنان التسليم وثلاثة رجال قيدت سواعدهم خلف ظهورهم وألقوا أذلة على أرض المعركة3. ثم رمزت مناظر

1 H. Frankfort، Cylinder Seals، Pl. V. D.

2 H. Farnkfort، The Art And Architecture

، Pl. Viii C.

3 Ibid.، Fig. 7 A.

ص: 373

أختام أخرى إلى كفاح الأفراد ضد أخطار بيئتهم الخشنة، مع شيء من المبالغة التي ترتفع بهم إلى مصاف الأبطال، كتصوير راعٍ يدفع أسدًا ضخمًا بعيدًا عن بقرته دون خشية منه1.

وصورت النقوش نفسها حيوانات بيئتها تصويرًا يستهدف تسجيل حياتها العادية في بعض أمره، ويستهدف غرض الزخرفة في بعض أمره. فصورتها أحيانًا يتلو بعضها بعضًا ويهاجم بعضها بعضًا من الخلف2. وألفت من صور الأفاعي الضخمة وصور الأسود برقاب تشبه الأفاعي مجموعات زخرفية محورة يواجه كل حيوان فيها حيوانًا آخر يماثله ويتداخل فيه بحيث تلتف عنق كل منهما على عنق الآخر وتؤلفان بجزئيهما العلويين هيئة حلقة مستديرة، بينما يواجه رأس كل منهما رأس الآخر يدابره3.

ولعبت صور المراكب دورها في مناظر الأختام، ودلت على أهميتها في حياة الناس وانتقالالتهم. وكانت مراكب ذات طرفين مرتفعين يميلان إلى الداخل أو إلى الخارج، وامتازت في أغلب صورها برموز تخطيطية تدل على أصحابها أو ترمز إلى معبوداتهم، وتناسب في الوقت ذاته المناظر المسجلة معها، وهي مناظر كان منها ما هو دنيوي الطابع يتألف من تصوير صاحب المركب وزوجته4، كما كان منها ما هو ديني الطابع يتألف من تصوير جانب من حفل في عيد إحدى المعبودات5، تصويرًا مختصرًا بطبيعة الحال.

وكان من البدهي أن يتفاوت مدى إتقان أمثال هذه النقوش بتفاوت كفايات الصناع وثراء أصحابها النسبي ومدى التطوير الفني والفكري في عصرها. غير أن صور الحيوانات فيها ظلت على وجه الإجمال أكثر إتقانًا من صور الإنسان، وقد صورها الفنانون من الجانب دائمًا، وبرع بعضهم في تصوير قوة عضلات أجسام الأسود6، وتصوير تحركات الماعز والأغنام وتفاصيل قرونها وشعروها وأصوافها، والتعبير عن عجزها إزاء هجمات الوحوش الكاسرة، وتصوير ضرواة الأفاعي7. والتزام بعض أولئك الصناع الفنانين بتصوير كل حيوان مستقلًّا عن الآخر لإظهار فرديته. بينما مارس عدد آخر منهم بعض قواعد المنظور الأولية في تصوير الحيوانات، فصوروا بعضها يخفي أجزاء بعضها الآخر حين سيره8.

1 H.H. Von Der Oslen Ancient Oriental Seals، No. 695.

2 A. Scharff، Die Fruhkulturen Aegyptens Und Mesopotamiens، 1951، Taf. Viii، 45، Ix، 46، 51; Frankfort، Op. Cit.، Fig. 7 E، Pl. Viii A.

3 Scharff، Op. Cit.، 26، Taf. Vii، 40، Abb; 9، 10; Frankfort، Op. Cit.، Fig. 7 B، Pl. Viii B.

4 A. Scharff، Zaes، Lxxi “1935”، 94 “M”.

5 Ibid.، 95 “N”.

6 Frankfort، Op. Cit.، Pl. 8 A.

7 Ibid.، Pl. 8 A، Fig. 7 E.

8 انظر حاشية 2 أعلاه.

ص: 374

واكتفى صناع الأختام بتصوير الملامح العامة للإنسان دون تفصيل، وأخذوا بما أخذ به أغلب الفنانين الأوائل من تصوير رأس الإنسان وجذعه الأسفل من الجانب مع تصوير عينه تصويرًا أماميًّا وتصوير صدره باتساعه، وتقديم ساقه البعيدة إلى الأمام؛ وإن كان أقلهم قد تعدى هذه التقاليد أحيانًا ونجح في تصوير الكتفين تصويرًا جانبيًّا حين الضرورة1.

وصور أولئك الرسامون كهنة معابدهم عراة تمامًا، قصار الشعنر حليقي الشوارب واللحى، بينما صوروا المدنيين بثياب نصفية تمتد من السرة إلى الركبة، أو تزيد قليلًا أحيانًا2، وبثياب طويلة أحيانًا أخرى.

ومارس فنانو بواكير العصر الكتابي في نهاية حضارة الوركاء حرفة النقش على الأواني الحجرية وعلى النصب. وأمتع ما تخلف من أوانيهم المنقوشة آنية أسطوانية من المرمر قسمت سطوحها إلى ثلاثة صفوف تتضمن تعبيرات دينية وفنية. وظهرت المعبودة إنانا في صفها الأعلى ينسدل غطاء رأسها على ظهرها وكتفيها وتتدثر بثوب طويل أو شال واسع، وتجمع بيسراها مجامع ثوبها بينما ترفع يمناها لتبارك بها سلة فاكهة قدمها إليها أحد كهنتها العراة. وتلاها تصوير رمز معبدها "النباتي؟ " ومجموعات الهدايا الفاخرة التي قدمت إليه، ثم رجل وأنثى بملابس طويلة وشعر مرسل طويل "أو غطاء رأس طويل" يصعدان مسطحي المعبد المسورين. ويرى A. Falkenstein & Th. Jacobsen أنه صورت في يد الرجل علامة كتابية ترمز إلى كونه حاكم أوروك. وشغل الصف الثاني من نقوش الآتية تصوير عدد من الكهنة أو الأتباع العراة حاملي القرابين، بينما صورت في صفها الثالث مجموعة كباش ونعاج ونباتات. ودلت صور الكباش فيها على الأنواع الشائعة في عصرها، فمنها كباش أفقية القرون ومنها عالية القرون. وكلها قصيرة الذيول ذات طيات سميكة تحت أعناقها وفي مقدمات صدورها. ولا تزال نقوش هذه الآنية تعتبر خير نقوش أواني عصرها3، بل ولم يعثر بعد على ما يداني نقوشها في آثار عدة قرون تالية لها من الألف الثالث قبل الميلاد.

وظلت نقوش نصب الوركاء متواضعة على الرغم من أن أصحابها قد نجحوا في تنفيذها على الأحجار الصلبة أحيانًا، ومن هذا القبيل جزء من نصب صغير من حجر الجرانيت الأسود "وهو فريد في مادته في بيئته" نقشت عليه هيئة رجل يصيد الأسود بسهامه وآخر يهاجمها برمحه، ويبدو أنهما فردان من جماعة ترمز إلى طبقة الحكام الأوائل الذين أراد الفنان أن يعبر عن بأسهم في مواجهة الحيوانات الضارية وكفاحهم الشاق في سبيل تأمين الحياة في بيئتهم4. ولم يوفق ناقش النصف في تصوير النسب الجسمية السليمة لهذين

1 Frankfort، Op. Cit.، Pl. 8 D.

2 Ibid.، Pl. 8 A، Fig. 7 A.

3 H. Heinrich، Kleinfunde

، Uruk، Taf. 2، 3; A. Scharff، Die Fruhkulturen

، 1941، 22، 35، Taf. V، 31; H.A. Groenewegen-H. Frankfort، Arrest And Movement، 150-152.

4 Holdeke، Heinrich Und Schott، Funfter Vorlaufiger Bricht

، Uruk

، 1934، 11-13; Frankfort، The Art Architecture Of The Ancient Orient، 14.

ص: 375

الرجلين، وإن نجح نجاحًا لا بأس به في التعبير عن حركة أذرعها خلال إطلاق القوس وتصويب الرمح، وصورهما بأنف أفعى بعض الشيء.

ثم بدأ فنانو العصر في أواخر فتراته ممارسة تجاربهم لتنفيذ النقش الغائر والنقش المجسم والنقش المفرغ، وكانوا أكثر توفيقًا في النوعين الأخيرين، ومن روائعهما كأس منقوشة من تل أجرب برز من أحد وجهيها بطل أسطوري ربعة، عار إلا من حزام حول وسطه، ذو لحية طويلة ممشطة وشعر مرسل، يضغط بيديه على كفلي شبلين يلتفتان بوجهيهما إليه كأنما يستنكران ضغطه عليهما، وقد بدت آثار الجهد على الرجل في تجاعيد جبهته وانطباق شفتيه واتساع محجري عينيه. وبرز على الوجه الآخر للكأس أسدان فاغرا الفاهين، على مستوى أعلى من مستوى الشبلين.

ووجدت قاعدة كأس حجرية أخرى في تل أجرب أيضًا نقشت عليها هيئة الشيخ الربعة ولكن بخف صوفي "؟ " طويل، يمسك ذنبي أسدين يهاجمان فحلين حرافيين برأسين ملتحيين1. وقد أزال فنان الكأسين جزءًا من الأرضية التي تحيط بأشكال كأسه الأولى، وأزالها تمامًا في قاعدة كأسه الثانية فبدت أشكالهما مجسمة واضحة.

وتعددت محاولات النقش على عدة أوانٍ وكئوس أخرى جمع بعضها بين أسلوب النقش البارز العادي وبين أسلوب الصور المجسمة، كأن ينقش جسم حيوان مثلًا على سطح آنية نقشًا عاديًّا، على حين يبرز رأسه منها بروزًا كاملًا ويواجه الرائي باتساعه كأنه رأس تمثال مجسم2. وظلت أمثال هذه الأواني على صغرها تعتبر من أدوات الترف ومن كنوز المعابد في عصرها، بحيث طعم بعضها بالصدف والمحار واليشب الأحمر3.

وخطا فن النحت خطواته البطيئة كذلك خلال بواكير العصر الكتابي، وتخلفت من نماذجه الصغيرة تماثيل لحيوانات أليفة وضارية وتماثيل بشرية وتماثيل كائنات أسطورية وخرافية. وكان من هذه التماثيل ما ينحت قائمًا بذاته، ومنها ما يعتبر جزءًا من تركيبات أخرى، كأن ينحت الصانع أو المثال قاعدة قطعة ثمينة من مقتنيات المعابد والقصور، أو مقدمتها، مثل المباخر والمذابح والأحواض وموائد القرابين وقطع الزينة، على هيئة رأس شاة4، أو على هيئة كبش بارك يواجه الرائي برأسه بينما يخرج من ظهره قائم معدني يربطه ببقية القطعة التي يتصل بها5.

وكان من المثالين من يرمز إلى معبوده أو إلى الحارس المقدس الذي يرعى معبده أو يرعى قصر مولاه، بتمثال كائن أسطوري يجمع بين عناصر مختلفة، كأن يجمع بين جسم الأنثى وهيئة القردة ووجه اللبوءة6.

1 Op. Cit.، Pl. 6 A-C.

2 Ibid.، Pl. 5 A-B.

3 Ibid.، Pl. 11 And Notes 33-35.

4 Ibid.، Pl. 4 B.

5 Ibid.، Pl 4 A.

6 J.A.O.S.، Lxx “1950”، 2231.

ص: 376

واستهوت تماثيل النساء الأوائل، كما ظلت تستهويهم في كل عصر، فرمزوا بها إلى رباتهم، وعبروا بها عن بعض شخصيات مجتمعهم، وعن جمال الأنثى بوجه عام. ولم يبلغ أغلب هذه التماثيل حد الإجادة ولكن بعضها لم يخل من الوقت ذاته مما يعبر به عن محاولات فنية ترمي إلى تقليد الطبيعة أحيانًا في صدق تمثيل بروز النهدين وانسياب الشعر النسوي الطويل المرسل1.

ومن خير ما افترضت نسبته إلى هذا العصر من تماثيل النساء، وجه حجري لأنثى عثر عليه في الوركاء2 يمكن اعتباره مفخرة لعصره إن صحت نسبته إليه فعلًا، بل وقلما بلغ الفن العراقي مبلغ إجادته في تاريخه كله. وقد نحت بحجم يقرب من حجم الوجه الطبيعي "ويبلغ ارتفاعه 20 سم" ويبدو أنه كان ملونًا، وتظهر دقة التمثيل فيه في رقة تكوين ملامح صاحبته ونعومة خديها ورقة شفتيها وخطوط ذقنها ونقوش حاجبيها وانسياب الخصل الرقيقة من مفرقة شعرها على جبهتها، وكانت فجوات عينيها وحاجبيها مطعمة، كما كانت خصل شعرها مكسوة بطبقة معدنية رقيقة. وقد استقامت خلفية الرأس وبقيت فيه ثقوب كانت تستخدم لتثبيته في جسم تمثال صاحبته.

وواصل التطور المعماري طريقه حينذاك في أبنية المعابد والمساكن الرئيسية في عصره. واحتفظت أرض الوركاء، بأطلال معبد عرف باسم المعبد الأبيض3، أقامه أصحابه من اللبن لمعبودهم آن في نهاية بواكير العصر الكتابي، فوق تل صناعي يرتفع نحو اثني عشر مترًا عن مستوى السهل الممتد حوله ويشرف عليه. وسوروا جوانب هذا التل بسور ذي مشكاوات، واعتبروه فيما يحتمل بديلًا عن أمثال مسطح معبد إريدو، أو هم اعتبروه على الأرجح نموذجًا لأصله الجبلي القديم. يؤدي إلى سطحه طريق صاعد ودرج طويل بقي جزء منه، وتوسط المعبد الأبيض التل واستكملت جدرانه هيئة المستطيل وتشكلت على هيئة مشكاوات متتالية، تعاقبت في كل منها عدة مستويات داخلية، بنيت باللبن كالعادة ودعمتها فلوق نخيل قصيرة، ثم كسيت بملاط أبيض. وتوسطت المعبد مقصورته الرئيسية وتضمنت في داخلها عنصريها الرئيسيين، وهما المذبح ومائدة القربان، ولكن مذبحها كان ذا درج وبلغ ارتفاعه أكثر من متر، وجاور مائدة القربان فيها موقد منخفض نصف دائري. وأحاطت بالمقصورة بضع حجرات فصلت بينها جدران ذات مشكاوات نصفية، وزينت بالمخاريط الملونة - وألحقت بالمقصورة به معابد صغيرة أخرى. وفي بعض مداخله الإضافية شكلت في المعبد أعمدة كاملة وأخرى نصفية المقطع. واستمر تل هذا المعبد باقيًا حتى احتوته أسوار معبد آن الكبير في العصور الهيلينستية، أي بعد بداية البناء فوقه بنحو ثلاثين قرنًا، وقد يعني ذلك أنه كان يرتبط بقداسة خاصة عند أهله أدت بهم إلى المحافظة عليه.

1 Frankfort، Op. Cit.، Pl. 9 B.

2 U.V.B.، Xi، Pl. I “Vorlaufiger Bericht Uber Die Von Der Deutschen Forschungsgemeinschaft In Uruk- Warka Unternommenen Augsrabungen

، 1940”.

3 U.V.B.، Viii، “1963”، Abb. 13، Taf. 40 F.; Mitt. Der Deutschen Orient-Gesellschaft، Nr. 83 “1951”.

ص: 377

وظل أسلوب المسطحات متبعًا في بناء المعابد جنبًا إلى جنب مع طراز التل، فعثر في العقير على أطلال معبد عاصر معبد الوركاء، أقامه أصحابه قوق مسطحين1 وليس مسطحًا واحدًا، وكان يؤدي إليه درجان. وخطوا بذلك خطوة جديدة، استكملها خلفاؤهم على المدى الطويل حين زادوا أعداد المسطحات أو الطبقات وجعلوها تتراوح بين الثلاثة وبين السبعة، كما سيمر بنا في صفحات تالية. وصورت المناظر على جانبي مقصورة معبد العقير حيوانات قائمة وجاثمة، تميزت منها صور فهود لعلها مثلت الحماية الرمزية للمعبد.

وكشفت التنقيبات الأثرية عن أطلال معابد أخرى، كانت منها معابد فرعية تجاور معبد الوركاء، للربتين إنانا وإيانا2. ومعبد لإله القمر شيد وسط مساكن بلدة خفاجى تناولته تعديلات كثيرة تميزت منها مرحلة خامسة أصبح يتقدم المعبد فيها ثلاثة أفنية متعاقبة يضمها معه سور كبير3.

وظلت قوالب اللبن هي مادة البناء الرئيسية طوال ذلك العصر، واستغلها أهله في تشيكل نوعين من الأساطين: أساطين نصف دائرية المقطع تعتمد على جدران ساندة، وأساطين أخرى دائرية المقطع يبلغ قطر الكبيرة منها نحو المترين. واستعان المعماريون على إدخال عنصر الزخرفة في مبانيهم بما أشرنا إليه من تعاقب المشكاوات في واجهاتها المتسعة بما يخفف من حدة استقامتها ويعمل على تعاقب الأضواء والظلال فيها، ثم عن طريق كسائها بطبقة من الملاط وتلوينها بلون واحد كما حدث بالنسبة لطلاء جدران معبد الوركاء بملاط أبيض، أو تصوير صفوف من الحيوانات "والنباتات" عليها، كما حدث بالنسبة لجدران معبد العقير4. ولما لم يكن من اليسير نقش جدران المباني اللبنية نقشًا غائرًا أو بارزًا، عالج معماريو العصر هذا النقص بعدة وسائل: فكان منهم من ينقشون أفاريز حجرية صغيرة بما تراءى لهم نقشه من رموز الأرباب وصور الحيوانات ثم يثبتونها في الجدران الرئيسية بسيور أو أسلاك تناسبها، عن طريق فجوات في خلفياتها5. وكان منهم من يرصعون المساحات الصغيرة من الجدران بلوحات فخارية صغيرة يصنعونها على هيئات الحيوانات والزهور ثم يختمون عليها بأطراف أعواد البوص بحيث تبدو أرضيتها كما لو كانت مشكلة من دوائر صغيرة6.

وكان منهم من يزخرفون الأساطين والجدران بمخاريط فخارية صغيرة "يبلغ متوسط طول الواحد منها نحو عشرة سنتيمترات" يلونون رءوسها المستديرة بألوان سوداء وحمراء ثم يعشقونها متجاورة في الجدران

1 Seton Lioyd And Fouad Safar، “Tell Uqair”، Jnes، 1934، 132 F.

2 U.V.B.،Vii “1935”، Taf. Ii.

3 Delougaz And Lioyd، The Temple Oval At Khafaje، 1940، Pl. Va; Pre-Sargonic Temples In Diyalah Region، 1942.

4 Ibidem

5 Frankfort، The Birth Of Civilization In The Near East، 1951، Pl. X، Figs. 17-18.

U.V.B.، Ii، Abb. 25-27; Iii، Taf. 18; Xi، Taf. 34.

ص: 378

والأساطين بحيث تؤلف بعض رءوسها الملونة الظاهرة إشكالًا زخرفية تشبه هيئات المثلثات وخطوط الزجزاج1.

وبلغ من افتتان بعض الباحثين بآثار فجر التاريخ العراقي التي أجملنا مظاهرها الأساسية في الصفحات السابقة، أن افترضوا لأصحابها توسعًا سياسيًّا يزيد عن رقيهم الحضاري. فنسب إليهم صمويل نوح كرامر ما أسماه أول إمبراطورية سامية إيرانية في بلاد "ما بين" النهرين، وافترض أن نفوذ هذه الإمبراطورية قد امتد من العراق إلى غرب إيران حيث شمل أرض عيلام، وافترض وجود دولة حاجزة في أقاليم غرب إيران تفصل بين إمبراطورية "ما بين" النهرين هذه وبين البرابرة2. غير أن مثل هذا الغلو في التقدير ليس له ما يبرره في عصر فجر التاريخ العراقي البعيد، لا سيما إذا قدرنا أن أكثر من خمسة قرون من العصور التاريخية نفسها قد مرت بعد ذلك دون أن يجتمع سكان بلاد النهرين في دولة واحدة، ناهيك بإمبراطورية واحدة! "مع ملاحظة تسميته "بلاد ما بين النهرين"، وليس بلاد النهرين، في الترجمة العربية لهذا الكتاب".

وعلى أية حال فإن بدايات ابتداع علامات الكتابة في أواخر عصر الوركاء، وهي ما سوف نتناولها في سياق حديث خاص في صفحات تالية، تكفي لتمييزها عما سبقها، وتجعلها مبشرة بتحضر واسع يأتي بعدها.

1 U. V. B.، Iii، Taf.1; Vii، Taf. 17 A. - وانظر تقارير

في مجلة سومر 1961 عن مخاريط حجرية ملونة.

2 See، S.N. Kramer، From The Tablets Of Sumer، 1956

ص: 379