الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
16 -
كِتابُ الكسُوُفِ
هو التغيير للسواد تقول: كَسَفَ وجهُه: تغيَّر، وهو هنا: ذهابُ النورِ أو بعضُه، وهو والخسوفُ بمعنًى، سواء أُسند للشمس أو للقمر، يبنى فعلُهما للفاعل أو للمفعول، أو أتى بصيغة انفعل انكسف أو انخسف، وقيل: يختصُّ ما بالكاف بالشمس، وما بالخاء بالقمر، والأصحُّ أنَّ هذا في الغالب، ثم الجمهورُ على أنَّهما يكونانِ لذهاب ضوءِ الشمس والقمر بالكلِّية، وللبعض، قيل: بالخاء للكلِّ، وبالكاف للبعض، وقيل: بالخاء لذهاب اللَّون، وبالكاف للتغيير.
1 - بابُ الصلاة في كسوف الشمس
(باب الصلاة في كسوف الشمس)
1040 -
حَدَّثَنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَن يُونسُ، عَن الحَسَنِ، عَن أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَانْكَسَفَتِ
الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجدَ، فَدَخَلْنَا فَصَلَّى بِنَا رَكعَتَيْنِ، حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا، وَادْعُوا، حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ".
الحديث الأول:
"رأيتموها"؛ أي: الكَسْفة أو الآية (1)؛ لأنَّ الكسوفَ آية، وفي بعضها:(رأيتموهما) بالتثنية، قيل: فيه دلالة على أنَّ الصلاةَ لا تُقطع حتى تَنجلي.
قال الطحاوي: لا تتعيَّن الصلاةُ، بل إما هي، أو الدعاء؛ لقوله (2):(فصلُّوا وادْعُوا).
وفيه ما كان صلى الله عليه وسلم عليه مِنْ خوفِ الله تعالى، والمبادرةِ إلى طاعته، فقام يجرُّ رداءه من شدة الخوف والمبادرة، وإنما الذم في جَرِّ الثوب خُيلاء، وإبطال اعتقاد أنَّ الكسوف لموتِ أحدٍ من العظماء.
* * *
1041 -
حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ
(1) في الأصل: "للآية"، والمثبت من "ف" و "ب".
(2)
في الأصل و "ب": "كقوله"، والمثبت من "ف".
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا".
الثاني:
"آيتان"؛ أي: علامتانِ لقُرب القيامة، أو لعذاب الله، أو أنَّهما مُسخَّرتان بقدرة الله تعالى، وسبقَ سببُ الكسوف في (كتاب العلم) في (باب مَنْ أجاب الفُتيا).
* * *
1042 -
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا".
الثالث:
"فإذا رأيتموهما فصلوا"، قال (خ): لمَّا كان مُعتَقَد الجاهلية أنَّ الكسوفَ يوجِب حدوثَ تغييرٍ في العالم كما يَزْعُم المنجِّمون من نسبة الأحكام للنجوم، لأن السُّفليات مربوطةٌ بالعُلْويات = أَعْلَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، وأنَّهما آيتانِ وخَلْقان مُسخَّرانِ لا قدرةَ لهما على الدَّفع عن أنفسهما، فلا يستحقَّانِ أنْ يُعْبَدَا كما قال تعالى:{لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [لقمان: 37]، فلذلك أمرَ عند كسوفِهما أنْ يفزَعَ إلى الصلاة، والسجود لله إبطالًا لاعتقاد الجُهَّال ما يعتقدون، ويحتمل
أنَّ الأمرَ بالصلاة للتضرُّع إلى الله في دفعِ الآيات التي تتوهمها الأنفسُ تحقيقًا لإضافة الحوادث إلى الله تعالى، ووجهٌ ثالثٌ: أنها من آياتِ قربِ القيامة خَوَّفَ اللهُ بها الناسَ ليفْزَعوا إلى التوبة والاستغفار، قال تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
* * *
1043 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ زيَادٍ بنِ عِلَاقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا الله".
الرابع:
"إبراهيم"؛ أي: ولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم من سُرِّيته مَارِية القِبطية، وُلِدَ بالمدينة في ذي الحِجَّة سنةَ ثمان، ومات في ذي الحجة سنةَ عشرٍ، ودُفن بالبقيع، وقيل: وفاتُه يومَ الثُّلاثاء، عاشر ربيع الأول، سنةَ عشر.
"آيتان" قال القاضي الباقلَّاني: رؤية الأهلَّة، وحدوثُ الحرِّ والبرد، وكلُّ ما أجرى اللهُ العادةَ بحُدوثه على وتيرة، وإن كانت من آياته، لكن خُصَّتا بالذِّكر، لإخباره تعالى أنَّ القيامة تقوم وهما