الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَهُنَا؟ وَاللَّهِ! مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكوعُكُمْ وَلَا خُشُوعُكُمْ، وَإِنّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي".
الحديث الأَوَّل:
(هل ترون) استفهامُ إنكارٍ.
(قبلتي)؛ أي: مُقابَلَتي ومُواجهَتي، أو المعنى: لا تَرَون قَصْدي، ورُؤيتي في طرَف القِبْلة فقط، أو أنَّه مِن إرادة لازمِ التَّركيب؛ لأنَّه يلزم أن تكون جهةُ قِبْلته هي جهة رُؤيته، واللهِ لأراكم من غيرها، وسبَق بيان معنى رُؤيته من خلْفه في (باب تسوية الصُّفوف)، وقال بعضهم:(مِن بَعدي)، أي: من بَعد وفاتي، وهو بعيدٌ من سِيَاق الحديث.
وفيه النَّهي عن نُقصان الرُّكوع والسُّجود، وجوازُ الحَلِف لتأكيد القِصَّة وتحقيقها.
* * *
89 - بابُ مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ
(باب ما يَقُول بعدَ التَّكبير)
743 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَر رضي الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ
بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
الحديث الأَوَّل:
(يفتتحون الصَّلاة)؛ أي: قراءةَ الصَّلاة، أو أطلقَ الصَّلاةَ على القراءة، فهو مجازُ حَذْفٍ، أو استعارةٌ.
(بالحمدُ) بضَمِّ الدَّال على الحكاية، وليس فيه دلالةٌ على تَرْك البَسملة؛ لأنَّ المراد الافتتاح بالفاتحة قبل السُّورة، وهذا اسمُها، كما يُقال: يفتَتح بالبقرة، أي: بسورة البقرة، فلا تَعَرُّض فيه لكون البسملة منها أوْ لا، ولكنْ قامت الأدلَّةُ للشَّافعي على إثباتها منها.
* * *
744 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاع، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةًى -قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْني وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءَ وَالثَّلْج وَالْبَرَدِ".
الثَّاني:
(يسكت) من السُّكوت، وفي بعضها من الإفعال، فالهمزة للضَّرورة.
قال الجَوْهَري: يقال تكلَّم الرَّجل ثم سكَت بغير ألف، فإذا انقطع كلامه، فلم يتكلَّم قيل: أُسكِتَ.
(إسكاتة) معناه سُكوتًا يقتضي كلامًا بعدَه.
(هُنَيئة) بهاءٍ مضمومةٍ، وهمزةٍ.
قال (ع): على رواية الجمهور، وقال (ن): بتشديد الياء بلا همزٍ تصغيرُ هَنَة، أي: قليل الزمان، ويقال: هُنَيهة أيضًا، أي: بإبدال الياء الثَّانية هاءً.
قال (ك) في (هنيِّئة): بالتَّشديد أصلها: هَنْوةٌ، كلمةٌ يُكنى بها عن شيءٍ، فلما صُغِّرت قُلبت الواو ياءً وأُدغمت في الياء، ومَنْ هَمَزهُ فقد أخطأ، انتهى.
وقد سبق عن (ع): أنَّها رواية الجمهور، فكيف تكون خطأً.
(بأبي) متعلِّقٌ باسمٍ أو فعلٍ محذوفٍ؛ لكثْرة الاستعمال، أي: أنت مُفَدًّا، أو فديتُك بأبي.
(إسكاتك) قال المظهري في "شَرح المَصابيح": فالنَّصْب بفعلٍ مقدَّرٍ، أي: أسألُك إسكاتَك، أو نصب بنَزْع الخافض، أي: في إسكاتك.
(ما تقول) لا يُنافي كونه إسكاتةً؛ لأنَّ المراد تَرْكُ رفْع الصَّوت بالكلام بالنِّسبة إلى ما بعدَه لا تَرْك الكلام أصلًا.
(باعد) عبَّر بالمفاعلة مبالغةً.
(وبين خطاياي) هو تعليمٌ للأُمة بمعنى المَحْو لمَا مضَى لهم، والإحالة بينه وبين ما يُخشى من وقوعه في المُستقبل، وأما هو صلى الله عليه وسلم فمعصومٌ، فالمعنى فيه زيادة التَّأكيد في العصمة منه، والبُعد عنه، وأعاد لفظ:(وبَيْن) هنا، ولم يقل: وبَيْن المَغرب؛ لأن العطف على الضَّمير المخفوض يُعاد معه العاملُ بخلاف الظَّاهر.
(الدنس): الوسَخ.
(بالثلج) الإنقاءُ للوسَخ بالماء الحارِّ وإنْ كان عُرفًا أبلغَ، لكنْ ذُكرتْ هذه الأُمور مبالغةً في التَّطهير، كما أشار إليه البَغَويُّ، وكذا قال (خ): هي أمثالٌ لم يُرَد بها أعيانُها بل التَّوكيد، والثَّلج والبَرَد لكونهما لم تَمسَّهما الأيدي، ولا امتهنَها استعمالٌ، فضَرْبُ المثَل بهما أَوْكَدُ، وقال التُّورِبِشْتي: نوَّعَ المنزل من السَّماء الذي لا تحصل الطهارة الكاملة إلا به تِبْيانًا لأنواع المغفرة التي لا تَخلُّصَ من الذُّنوب إلا بها، أي: طَهِّرْني من الخطَايا بأنواع مغفرتك، وقال الطِّيْبي: يمكن أن يكون ذكْر الثَّلج والبَرَد بعد الماء لطلَب شُمول الرَّحمة بعد المَغفرة، والتَّركيب من باب:
رأيتُه متقلِّدًا سيفًا ورُمحًا
أي: اِغْسِلْ خطايايَ بالماء، أي: اغْفِرْها، وزِدْ على الغُفران شُمول الرَّحمة، فطلَب أوَّلًا المُباعَدة، ثم التَّنقية مما عسى أنْ يُنقَّى، ثم ثالثًا غاية الرحمة.