الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وظن) في بعضها: (فظَنَّ)، بالفاء السَّببيَّة، أي: نكَصَ بسبب ظَنِّه.
(وهَمَّ)؛ أي: قَصَدَ.
(يفتتنوا)؛ أي: يقَعوا في الفِتْنة، أي: فَساد صلاتهم وذهابها فَرَحًا بصحَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسُرورًا برؤيته.
وفيه دليلٌ أنَّهم التفتوا إليه حين كشَف السِّتْر؛ لأنَّه قال: فأَشار إليهم، وفيه أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يَفرَح باجتماع المؤمنين.
* * *
95 - بابُ وُجُوبِ الْقِرَاءةِ لِلإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ
(باب وُجوبِ القِراءَة للإمام والمَأموم في الصَّلَوات)
(يخافت) بالبناء للمفعول، والمُخافتة إسرارُ النُّطق، وخفت الصَّوت سُكوته.
755 -
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ
أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَناَ، وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاةَ الْعِشَاءَ فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ، قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلًا أَوْ رِجَالًا إِلَى الْكُوفَةِ، فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجدًا إِلَّا سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ قتَادَةَ يُكْنَى: أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ، قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ، وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَناَ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ.
الحديث الأَوَّل:
(سَمُرَة) بضَمِّ الميم، وأهل الحِجَاز تُسكِّنُه تخفيفًا كعَضْد في عَضُد.
(فشكوا)؛ أي: سعدًا.
(يا أبا إسحاق) هي كُنية سَعْد.
(هؤلاء)؛ أي: أهل الكُوفة دار الفَضْل، ومحلُّ الفُضلاء، بناها
سَعْدٌ بإشارة عُمر، سُمِّيت كُوفَةً لاستِدارتها، من قولهم للرَّمْل المُستدير: كوفًا، وقيل: لأنَّ تُرابها يخالط حَصًا، وكلُّ ما كان كذلك يُسمَّى كُوفةً.
(فأرسل إليه)؛ أي: بأنْ يَحضُر، فحضَر، فلذلك خاطبَه بما جاء في الحديث ما يقتضي أنَّه كان حاضرًا.
(أما أنا)، (أما) للتَّفصيل، فيحتاج إلى قَسيمٍ، فيُقدَّر: وأما هم فقالوا ما قالوا.
(والله) جوابُ القسم محذوفٌ، أي: كنت أُصلي بهم، يدلُّ عليه:(فإني) إلى آخره، وكان القياس تَقديمَ: فإنَّي على القسَم، إلا أن ما في حَدِّها يجوز تقديم بعضه، والقسَم ليس أجنبيًّا.
(أَخْرِم) بفتح الهمزة، وسكون المُعجَمَة، وكسْر الرَّاء، أي: أَنقص.
(العشاء) تعيينُها لعلَّه لكونهم شكَوه فيها، أو لأنَّها في وقْت الرَّاحة، فغيرها من باب أَولى.
(أَرْكُد) بضَمِّ الكاف: أَسكُنُ، والمُراد أُطَوِّلُهما.
(وأُخف) بضَمِّ الهمزة، وفي بعضها:(أُخَفِّف).
(ذاك) مبتدأٌ، أي: ما تَقول.
(الظن) خبَره، أي: الذي نظُنُّ بك.
(رجلًا) هو محمَّد بن مَسلَمة، أو ومعَه غيره.
(عَبْس) بفتح المُهمَلة، وسُكون المُوحَّدة، والسِّين مُهمَلة.
(سَعْدة) بفتح السِّين، وسُكون العين المُهملتَين.
(أما) قَسيم المذكور بعدَها محذوفٌ، أي: أما غَيري فأثنى عليه، وأما نحن إذا سألتَنا فنقول كذا.
(نشدتنا) يقال: نَشَدتُك الله، أي: سأَلتُك بالله.
(بالسرية) الباء للمُصاحبة، والسَّريَّة بتخفيف الرَّاء: قِطْعةٌ من الجيش.
(القضية)؛ أي: القَضاء.
(لأدعون)؛ أي: عليك بثَلاثِ دَعَوات.
(رياء وسمعة)؛ أي: ليَراه النَّاس، ويسمعونه.
(وعرضهُ)؛ أي: جعلَه عُرضة للفتن، أو أدخلَه في مَعرضها، أو أظهره بها، وليس قولُه:(أَطِلْ عُمرَه) دعاءً له؛ لأنَّ المُراد زيادة الطُّول حتَّى يصير إلى أَرذَل العُمر، وتضعف القُوى، ويُنَكَّس في الخلْق محنةً لا نعمةً؛ إذ المُراد طُوله مع طُول الفَقْر، وإنَّما ساغ لسَعْد أنْ يَدعو على أخيه المسلم؛ لأنَّه ظلَمه بالافتراء عليه، وثلَّثَ عليه الدَّعوة؛ لأنَّه ثلَّث في نفي الفضائل عنه لا سيَّما الثَّلاث التي هي أُصول الفضائل، وأُمهات الكَمالات: الشَّجاعة التي هي كمال القُوَّة الغضَبية حيث قال: لا يَسير، والعِفَّة التي هي كمال القُوة الشَّهوانية حيث قال: لا يَقسِم، والحكْمة التي هي كمال القُوة العقليَّة حيث قال: لا يَعدل، وراعى أمرًا آخر، وهو مقابَلة كلِّ ما نسَبه له من التَّقصير فيما يتعلَّق بالنَّفْس
والمال والدِّين بمثله، فبالنَّفْس طول العمر، وبالمال الفقر، وبالدِّين الوقوع في الفتن.
(وكان)؛ أي: الرَّجل المَذكور.
(سئل)؛ أي: عن حال نفسه.
(شيخ)؛ أي: أنا شيْخٌ بالدَّعوة الأُولى.
(مفتون)؛ أي: بالثَّالثة.
(دعوة) عُمومها يَدخل فيه طُول الفقْر.
(يغمزهن)؛ أي: يعصِرُ أصابعَهن بالأصابع، وفيه إشارةٌ إلى الفِتْنة والفقْر؛ إذ لو كان غنيًّا لَمَا احتاج لذلك.
ووجْهُ مطابقة الحديث للتَّرجمة: أنَّ الرُّكود يدلُّ على القِراءة عادةً، ولا خِلافَ في وجوب الفاتحة، إنَّما الخلاف في أنَّها فرضٌ، فإنْ أراد من القراءة غير الفاتحة، فالرُّكود لا يدلُّ على الوجوب، وأيضًا فلا وُجوب فيه، وأما المأْموم، فلقوله:"صَلُّوا كَمَا رَأَيتُموني أُصَلِّي".
قلت: فالإشكال في المُناسبة باقٍ.
قال التَّيْمي: قال الشَّافعي: الفاتحة واجبةٌ في المنفرد، وفي الإمام والمأموم فيما يجهر فيه أو يسرُّ، وهو ما أَشار إليه البُخاري في التَّرجَمة، وبه قال الأئمة غير أبي حنيفة، فإنَّه قال: الواجب ما يَصدُق عليه اسم القُرآن، ثلاثُ آياتٍ قصار، أو آيةٌ طويلةٌ، وقيل: لا يَقرأ
المأموم فيما يجهر إمامه فيه، فهو يسمع لقوله تعالى:{فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]، وقال الكوفيون: لا يَقرأ لا فيما جهَر ولا فيما أَسرَّ.
وقال أبو حنيفة: القراءة واجبةٌ في الأَوَّلتين من المَغرب والرُّباعية لا فيما سواهما؛ إذ لو وجبَت في ذلك لكان عليه أن يجمع بين الفاتحة وسورةٍ معها كالأَوَّلتين.
قال: وفي الحديث أنَّ مَن سُعي به من الولاة يُسأل عنه في موضع عمله أهلُ الفضْل منهم، فسؤال عُمر في المَساجِد أهلَ ملازمة الصَّلوات فيها، وأنَّ الإمام يَعزل من شُكي وإن كُذب عليه إذا رآه مصلحةً؛ لئلا يبقى عليهم أميرٌ وفيهم من يكرهُه خوفًا من مَساءةٍ في العاقبة، فإنَّ عُمر قال: ذاك الظَّنُّ بك، فقد صرَّح بأنَّه لم يعزلْه عن عجزٍ ولا خيانةٍ.
قال (خ): تطويل إحدى الأَوَّلتين من الرُّباعية، والفجر، والمغرب، وتخفيف الآخرتين في الرُّباعية، وقيل: يُسوِّي بين الأَوَّليتين في الطُّول، والآخرتين في القِصَر.
قال (ك): وفيه خطابٌ الرَّجل بمدحه في وجهه إذا لم يخف فتنة بإعجابٍ ونحوه.
* * *
756 -
حَدَّثَنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: حَدَّثَنا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنا الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ: أَنَّ
رَسَولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا صلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ".
الحديث الثَّاني:
(بفاتحة) سُمِّيت بذلك لأنَّ بها فتْح القرآن، ويُفتتح بها الصَّلاة، وعُدِّي (يقرأ) بالباء؛ لتضمُّنه معنى البُداءة، أو الباء للاستعانة على أنَّ يقرأ على حَدِّ: فُلانٌ يُعطي ويَمنع، أي لا صلاة لمن لم يُوجد القراءة باستعانةِ قراءة الفاتحة، فهذا صريحٌ في الدَّلالة على التَّرجَمة، وهو وُجوب الفاتحة على الإمام والمأموم والمُنفرد، ومَن قدَّره: لا كمالَ، حتَّى لا يكون دليلًا على الوجوب، فيَمنع دعواه بأنَّ نفيَ الصِّحَّة أقرب لنفي الكمال، فهو أَولى المجازَين، وأيضًا فلمَّا تعذَّرت الحقيقة وهي نفْي الذَّات وجَب صرْفُ النَّفي إلى سائر صفاتها.
* * *
757 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ وَقَالَ:"ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ يُصَلِّي كمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثَلَاثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ
سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاِتكَ كُلِّهَا".
الحديث الثَّالث:
(يحيى)؛ أي: القَطَّان.
قال الدَّارَقُطْني: خالَف يحيى فيه جميعُ أصحاب عُبيد الله؛ لأنَّهم كلَّهم رَووه عن عُبيد الله، عن سعيد، عن أبي هريرة، ولم يذكروا أباه، وقال أيضًا: ويحيى حافظٌ، أي: فيُعتمد ما رواه، فالحديث صحيحٌ لا علَّةَ فيه.
(رجل) قال أبو موسى في "ذيل الصَّحابة": إنَّه خَلَّاد جَدُّ يحيى ابن عبد الله بن خَلَّاد.
(فرد)؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
قال (خ): فيه وُجوب التَّكبير؛ لأنَّ الأمْر للوُجوب، وأنَّ عليه أنْ يقرأ في كلِّ ركعةٍ كما يركع ويسجد؛ لقوله:(ثُمَّ افعَلْ ذلكَ في صَلاتِكَ كُلِّها).
(ما تيسر)؛ أي: الفاتحة؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم بيَّنَ ذلك بقوله: "لا صَلاةَ إلَّا بفَاتِحَةِ الكِتَاب".
قال (ن): ما تَيسَّر محمولٌ على الفاتحة، فإنَّها متيسِّرةٌ؛ قال تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ} [القمر: 17]، أو على ما زاد على الفاتحة بعدَها، أو على مَن عجَز عن الفاتحة، وإنَّما لم يَذكُر له صلى الله عليه وسلم بَقيَّةَ الواجب في الصَّلاة كالسَّجْدة الثَّانية، والنيَّة، والقُعود في التشهُّد الأخير، والتَّرتيب، وغير ذلك؛ فإنَّه كان معلومًا عند السَّائل.