الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَبُذِلَ لَهُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهِ فِي بَلَدِهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ بِمَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، وَالثَّانِي: وَقَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ لَا ; لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَرُبَّمَا تَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ فَيَخْرُجُ هَاهُنَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَالْأَوْلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَبِعْ نَسِيئَةً، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الصَّوْمُ. قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ " لِلْحَاجَةِ وَكَالْعَادِمِ، وَقِيلَ: لَا، وَقِيلَ: فِي غَيْرِ ظِهَارٍ لِلْحَاجَةِ لِتَحْرِيمِهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ. وَفِي " الشَّرْحِ " إِذَا كَانَ مَرْجُوَّ الْحُضُورِ قَرِيبًا لَمْ يَجُزِ الِانْتِقَالُ إِلَى الصِّيَامِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِظَارِ لِشِرَاءِ الرَّقَبَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا جَازَ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ.
1 -
فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ قَبْلَهُ، فَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرُّ السَّاعَةَ عَنْ ظِهَارِي - عَتَقَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهُ، فَإِنْ قَالَ: إِنْ ظَاهَرْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي، ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي - عَتَقَ، وَفِي إِجْزَائِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ.
[لَا تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَاتِ إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ]
(وَلَا تُجْزِئُهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ) رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إِجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92](وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ، وَالْأَكْثَرِ قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ. وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ. وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ قَتْلٍ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَقِيلَ: كَافِرَةٌ، وَقِيلَ: كِتَابِيَّةٌ، وَقِيلَ: ذِمِّيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالثَّوْرِيِّ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الرَّقَبَةَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ مَا تَنَاوَلَهُ الْإِطْلَاقُ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى
تُجْزِئُهُ إِلَّا رَقَبَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا كَالْعَمَى وَشَلَلَ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، أَوْ قَطْعَهُمَا، أَوْ قَطْعِ إِبْهَامِ الْيَدِ أَوْ سَبَّابَتِهَا أَوِ الْوُسْطَى أَوِ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصَرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ. وَلَا يُجْزِئُ الْمَرِيضُ الْمَأْيُوسُ مِنْهُ، وَلَا النَّحِيفُ الْعَاجِزُ عَنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمُقَيَّدِ إِذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ، وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيغَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ وَمَعُونَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَنَاسَبَ ذَلِكَ إِعْتَاقَهُ فِي الْكَفَّارَةِ تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجَمْعٌ: مَنْعُ حَرْبِيَّةٍ وَمُرْتَدَّةٍ اتِّفَاقًا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ " وَيَتَوَجَّهُ فِي نَذْرِ عِتْقٍ مُطْلَقٍ رِوَايَةٌ مُخْرَجَةٌ مِنْ فِعْلٍ مَنْذُورٍ فِي وَقْتِ نَهْيٍ وَمِنْ مَنْعَه زَوْجَةٍ مِنْ حَجَّةِ نَذْرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ (وَلَا تُجْزِئُهُ إِلَّا رَقَبَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا) ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الْعَبْدِ مَنْفَعَتَهُ وَتَمْكِينَهُ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا مَعَ مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا (كَالْعَمَى) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ لِفَقْدِهِ الْبَصَرَ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ إِلَى الْعَمَلِ. (وَشَلَلِ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، أَوْ قَطْعِهِمَا) لِأَنَّ الْيَدَ آلَةُ الْبَطْشِ، وَالرِّجْلَ آلَةُ الْمَشْيِ، فَلَا يَتَهَيَّأُ كَثِيرٌ مِنَ الْعَمَلِ مَعَ حُصُولِ ذَلِكَ. وَكَذَا لَا يُجْزِئُ مُقْعَدٌ وَمَجْنُونٌ مُطْبِقٌ ; لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ الْمَعِيبَانِ ذَهَابَ مَنْفَعَةِ الْحِسِّ وَحُصُولَ الضَّرَرِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ يَكُونُ كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ نَظَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْعُيُوبِ مِنْ كُلِّ بَابٍ إِلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، فَاعْتَبَرَ هُنَا مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ. وَفِي الْأُضْحِيَّةِ مَا يَنْقُصُ اللَّحْمَ، وَفِي النِّكَاحِ مَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْجِمَاعِ، وَفِي الْبَيْعِ مَا يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ (أَوْ قَطْعِ إِبْهَامِ الْيَدِ، أَوْ سَبَّابَتِهَا، أَوِ الْوُسْطَى، أَوِ الْخِنْصَرِ، وَالْبِنْصِرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ نَفْعَ الْيَدِ يَزُولُ أَكْثَرُهُ بِذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ خِنْصَرُهُ وَبِنْصِرُهُ مِنْ يَدَيْنِ جَازَ عِتْقُهُ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ نَفْعَ الْكَفَّيْنِ بَاقٍ، وَقَطْعَ أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ كَقَطْعِهَا، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ إِصْبَعٍ أُنْمُلَتَانِ، فَهُوَ كَقَطْعِهَا ; لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِمَنْفَعَتِهَا، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ إِصْبَعٍ غَيْرِ الْإِبْهَامِ أُنْمُلَةٌ لَمْ يَمْنَعْ. وَفِي " الْوَاضِحِ " أَنَّ مَقْطُوعَ الْإِبْهَامَيْنِ، لَا يُجْزِئُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قُطِعَ أَحَدُهُمَا (. وَلَا يُجْزِئُ الْمَرِيضُ الْمَأْيُوسُ مِنْهُ) كَمَرَضِ السُّلِّ ; لِأَنَّ بُرْأَهُ يَنْدُرُ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْعَمَلِ مَعَ بَقَائِهِ. وَقِيلَ: أَوْ لَا، ثُمَّ مَاتَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْهُ كَالْحُمَّى، وَنَحْوِهَا لَمْ يَمْنَعْ. (وَلَا النَّحِيفُ الْعَاجِزُ عَنِ الْعَمَلِ) لِعَجْزِهِ عَمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الْعَمَلِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ. وَفِي مَعْنَاهُ الزَّمِنُ، وَالْمُقْعَدُ وَفِيهِمَا
الْعَمَلِ، وَلَا غَائِبٌ لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ، وَلَا مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ، وَلَا أَخْرَسُ لَا تُفْهَمُ إِشَارَتُهُ، وَلَا عِتْقُ مَنْ عَلِقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا، وَلَا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، وَلَا مَنِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
رِوَايَةٌ (وَلَا غَائِبٌ، لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ) لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي حَيَاتِهِ. وَالْأَصْلُ بَقَاءُ شَغْلِ الذِّمَّةِ، فَلَا تَبْرَأُ بِالشَّكِّ. لَا يُقَالُ: الْأَصْلُ الْحَيَاةُ ; لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ، لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ انْقِطَاعُ خَبَرِهِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ كَمَا لَوْ عُلِمَ بَعْدُ. وَقِيلَ: يُعْتَقُ، وَلَا يُجْزِئُ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرُهُ، أَجْزَأَ عِتْقُهُ ; لِأَنَّهُ عِتْقٌ صَحِيحٌ (وَلَا مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ) لِأَنَّهُ مَعْدُومُ النَّفْعِ ضَرُورَةَ اسْتِغْرَاقِ زَمَانِهِ فِي الْجُنُونِ، وَقِيلَ: أَوْ أَكْثَرَ وَقْتُهُ. وَهُوَ أَوْلَى لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَمَامِ الْعَمَلِ. وَفِي مَعْنَاهُ الْهَرَمُ قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "(وَلَا أَخْرَسُ لَا تُفْهَمُ إِشَارَتُهُ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ زَائِلَةٌ أَشْبَهَ زَوَالَ الْعَقْلِ، وَلِأَنَّ الْخَرَسَ نَقْصٌ كَثِيرٌ يَمْنَعُ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ كَالْقَضَاءِ، وَالشَّهَادَةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا تَفْهَمُ إِشَارَتَهُ فَيَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ اسْتِعْمَالِهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ أَجْزَأَ. صَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " كَذَهَابِ الشَّمِّ، وَالْمَنْصُوصُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ ذَكَرَهُ فِي " الْكَافِي "، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مُطْلَقًا حَكَاهُ فِي التَّعْلِيقِ وَأَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ. فَإِنْ كَانَ بِهِ صَمَمٌ لَمْ يُجْزِئْ وَإِلَّا أَجْزَأَ. وَفِي " الْمُغْنِي ": الْأَوْلَى أَنَّهُ مَتَى فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ وَفَهِمَ إِشَارَةَ غَيْرِهِ أَنَّهُ يُجْزِئُ ; لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَقُومُ مُقَامَ الْكَلَامِ. وَفِي " الْوَاضِحِ ": الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْأَصَمَّ ; لِأَنَّ الصَّمَمَ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْعَمَلِ (وَلَا عِتْقَ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا) أَيْ: إِذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَكَهُ يَنْوِي بِشِرَائِهِ عِتْقَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ عَتَقَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ، فَلَمْ يُجْزِئْ عِتْقُهُ كَالَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ لِلْكَفَّارَةِ، أَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَه الَّذِي يَمْلِكُهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ ; لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحِقٌّ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ.
(وَلَا مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ)، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] ، وَالتَّحْرِيرُ فِعْلُ الْعِتْقِ، وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا بِتَحْرِيرٍ مِنْهُ، وَلَا إِعْتَاقٍ، فَلَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَلِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا لَوْ وَرِثَهُ يَنْوِي بِهِ
اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَلَا أُمَّ وَلَدِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَلَا مَكَاتَبٌ قَدْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا فِي اخْتِيَارِ شُيُوخِنَا. وَعَنْهُ: يُجْزِئُ. وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ مَكَاتَبٌ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْعِتْقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَيُخَالِفُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَائِعَ يُعْتِقُهُ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتِقْهُ، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ.
الثَّانِي أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ إِعْتَاقَهُ، وَالْمُشْتَرِي بِخِلَافِهِ. (وَلَا مَنِ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ قَوْلُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ ; لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَائِعَ نَقَصَهُ مِنَ الثَّمَنِ لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ عَنِ الْعِتْقِ عِوَضًا، فَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ. وَعَنْهُ: بَلَى، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَالًا، أَوْ خِدْمَةً لَمْ يُجْزِئْهُ. (وَلَا أُمَّ وَلَدِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا لَوِ اشْتَرَى قَرِيبَةً، أَوْ عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَأَعْتَقَهُ. وَكَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ وَنَوَى عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَالثَّانِيَةُ: يُجْزِئُ. قَالَهُ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَمُعْتِقُهَا قَدْ حَرَّرَهَا. وَجَوَابُهُ: الْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَنَقِيسُ عَلَيْهِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. (وَلَا مُكَاتَبٌ قَدْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا فِي اخْتِيَارِ شُيُوخِنَا) وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَدَّى شَيْئًا فَقَدْ حَصَلَ الْعِوَضُ عَنْ بَعْضِهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ رَقَبَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا أَنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً سَالِمَةَ الْخَلْقِ تَامَّةَ الْمِلْكِ فَأَجْزَأَ كَالْمُدَبَّرِ. (وَعَنْهُ: يُجْزِئُ) وَقَالَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَأَجْزَأَ عِتْقُهُ عَنْهَا كَالْمُدَبَّرِ، وَلِأَنَّهُ رَقَبَةٌ فَيَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْآيَةِ.
(وَعَنْهُ لَا يُجْزِئُ مَكَاتَبٌ بِحَالٍ) قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ إِبْطَالَ كِتَابَتِهِ، أَشْبَهَ أُمَّ الْوَلَدِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مِنْ كِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ جَازَ بَيْعُهُمَا. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَبَّرِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَمْ يَحْصُلْ فِي مُقَابَلَةٍ مِنْهُ عِوَضٌ، بِخِلَافِ مَكَاتَبٍ أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْمَكَاتَبِ.
1 -
بِحَالٍ. وَيُجْزِئُ الْأَعْرَجُ يَسِيرًا، وَالْمُجْدَعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ، وَالْمَجْبُوبُ، وَالْخَصِيُّ، وَمَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ، وَالْأَصَمُّ، وَالْأَخْرَسُ الَّذِي يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ وَتَفْهَمُ إِشَارَتُهُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: لَا يُجْزِئُ إِعْتَاقُ الْجَنِينِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ ; لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُمَلَّكُ إِلَّا بِالْإِرْثِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُمَا كَوْنُهُ آدَمِيًّا لِكَوْنِهِ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ نُطْفَةٌ، أَوْ عَلَقَةٌ وَلَيْسَ بِآدَمِيٍّ فِي تِلْكَ الْحَالِ.
1 -
تَنْبِيهٌ: إِذَا اشْتَرَى عَبْدًا يَنْوِي إِعْتَاقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا، لَا يُمْنَعُ مِنَ الْإِجْزَاءِ فَأَخَذَ أَرْشَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْهَا أَجْزَأَهُ. وَالْأَرْشُ لَهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبِهِ وَأَخَذَ أَرْشَهُ، فَهُوَ لَهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ قَبْلَ إِعْتَاقِهِ، وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُصَرِّفُ الْأَرْشَ فِي الرِّقَابِ، فَإِنْ عَلِمَ الْعَيْبَ، وَلَمْ يَأْخُذْ أَرْشَهُ كَانَ الْأَرْشُ لِلْمُعْتَقِ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مَعِيبًا عَالِمًا بِعَيْبِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَرْشٌ كَمَا لَوْ بَاعَهُ لِمَنْ يَعْلَمُ عَيْبَهُ، فَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتِكَ وَلَكَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، فَفَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهَا ; لِأَنَّ الرَّقَبَةَ لَمْ تَقَعْ خَالِصَةً عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَنْ بَاذِلِ الْعِوَضِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ
(وَيُجْزِئُ الْأَعْرَجُ يَسِيرًا) لِأَنَّهُ قَلِيلُ الضَّرَرِ بِالْعَمَلِ، بِخِلَافِ الْفَاحِشِ الْكَثِيرِ، فَهُوَ كَقَطْعِ الرِّجْلِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُجْزِئُ الْأَعْرَجُ يَسِيرًا إِذَا كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَشْيِ. (وَالْمُجْدَعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ) الْجَدْعُ قَطْعُ الْأَنْفِ، وَالْأُذُنِ، وَالشَّفَةِ، وَهُوَ بِالْأَنْفِ أَخَصُّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَمَلِ، فَهُوَ كَمَقْطُوعِ الْأُذُنَيْنِ وَكَنَقْصِ السَّمْعِ (وَالْمَجْبُوبِ، وَالْخَصِيِّ، وَمَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ، وَالْأَصَمُّ، وَالْأَخْرَسُ الَّذِي يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ وَتُفْهَمُ إِشَارَتُهُ) لِمَا ذَكَرْنَا. وَخَالَفَ فِي " الْمُوجَزِ " وَ " التَّبْصِرَةِ " فِي الْأَصَمِّ لِنَقْصِهِ، وَتُجْزِئُ الرَّتْقَاءُ، وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي تَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ لَا يَمْنَعُ تَمْلِيكَ الْعَبْدِ مَنَافِعَهُ وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ.
1 -
مَسَائِلُ: يُجْزِئُ مُسْتَأْجِرٌ وَمَرْهُونٌ وَأَحْمَقُ، وَالْجَانِي مُطْلَقًا وَإِنْ قُتِلَ قِصَاصًا، وَالْأَمَةُ الزَّوْجَةُ، وَالْحَامِلُ، وَإِنِ اسْتَثْنَى حَمْلَهَا كَمَا لَا يَضُرُّ قَطْعُ أَصَابِعِ قَدَمِ وَكَذَهَابِ نُورِ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ ; لِأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّضْحِيَةَ، وَالْإِجْزَاءُ فِي
وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَوَلَدُ الزِّنَا، وَالصَّغِيرُ. وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا صَلَّى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْهَدْيِ أَشْبَهَ الْعَمَى،
1 -
(وَالْمُدَبَّرُ) فِي قَوْلِ طَاوُسٍ ; لِأَنَّهُ عَبْدٌ كَامِلُ الْمَنْفَعَةِ لَمْ يَحْصُلْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ عِوَضٌ كَالْقَنِّ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَإِنْ قِيلَ: بِعَدَمِ جَوازِهِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ. قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَكْثَرُ ; لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحِقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ أَشْبَهَ أُمَّ الْوَلَدِ. (وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) قَبْلَ وُجُودِهَا ; لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ تَامٌّ (وَوَلَدِ الزِّنَا) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِدُخُولِهِ فِي الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ كَامِلُ الْعَقْلِ لَمْ يُعْتَقْ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا اسْتَحَقَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ أَشْبَهَ وَلَدَ الرَّشِيدَةِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ الْمُلَازِمُ لِلزِّنَا كَمَا يُقَالُ: ابْنُ السَّبِيلِ الْمُلَازِمُ لَهَا وَوَلَدُ اللَّيْلِ يَسِيرُ فِيهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُجْزِئُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ عليه السلام «وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ أَصْلًا وَعُنْصُرًا وَنَسَبًا ; لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الزِّنَا، وَهُوَ خَبِيثٌ. وَأَنْكَرَ قَوْمٌ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَقَالُوا: لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ وَالِدَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ شَرُّهُمْ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُمْ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَأَمَّا أَحْكَامُ الدُّنْيَا فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ وَبَيْعِهِ وَعِتْقِهِ، وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ، فَكَذَا فِي عِتْقِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَيُجْزِئُ مَعَ كَمَالِ أَجْرِهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيَشْفَعُ مَعَ صِغَرِهِ فِي أُمِّهِ، لَا أَبِيهِ (وَالصَّغِيرُ) كَذَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: لَهُ سَبْعُ سِنِينَ إِنِ اشْتَرَطَ الْإِيمَانَ قَالَهُ فِي " الْوَجِيزِ " لِدُخُولِهِ فِي الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يُرْجَى مَنَافِعُهُ فَأَجْزَأَ كَالْمَرِيضِ. وَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ الْإِسْلَامُ بِدَلِيلِ إِعْتَاقِ الْفَاسِقِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا نَدْرِي مَا هُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَلِهَذَا تَعَلَّقَ حُكْمُهُ بِكُلِّ مُسْلِمٍ (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا صَلَّى وَصَامَ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْفِعْلُ دُونَ السِّنِّ، فَمَنْ صَلَّى وَصَامَ مِمَّنْ لَهُ عَقْلٌ يَعْرِفُهُمَا وَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْآيَتَانِ بِنِيَّتِهِ وَأَرْكَانِهِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ السَّبْعَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا ; لِأَنَّهُ عَاجِزٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَشْبَهَ الزَّمَنَ. وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يُجْزِئُ ابْنُ سَبْعٍ إِذَا صَلَّى وَصَامَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا
وَصَامَ، وَإِنْ أعَتَقَ نِصْفُ عَبْدٍ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيهِ فَأَعْتَقَهُ أَجَزْأَهُ إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الِاسْتِسْعَاءِ. وَإِنْ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ فَسَرَى إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُجْزِئُ إِعْتَاقُ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعٍ ; لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْعِبَادَاتُ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، وَقَالَ الْقَاضِي: فِي إِعْتَاقِ الصَّغِيرِ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ إِلَّا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: يُعْتِقُ الصَّغِيرَ إِلَّا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ لَا تُجْزِئُ إِلَّا مُؤْمِنَةٌ فَأَرَادَ الَّتِي صَلَّتْ. وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ، وَالصِّحَّةِ ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ، وَالْإِسْلَامَ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ تَبَعًا. (وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ فَأَعْتَقَهُ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً فِي وَقْتَيْنِ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ فِي وَقْتَيْنِ (إِلَّا عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الِاسْتِسْعَاءِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقَ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَالْأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهَا. (وَإِنْ أَعْتَقَهُ) عَنْ كَفَّارَتِهِ (وَهُوَ مُوسِرٌ فَسَرَى إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ) عَتَقَ (لَمْ يُجْزِئْهُ نَصَّ عَلَيْهِ) اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ " لِأَنَّ عِتْقَ نِصْفِهِ لَمْ يَحْصُلْ بِالْمُبَاشِرَةِ بَلْ بِالسِّرَايَةِ كَمَا لَوْ عَتَقَ نِصْفُ عَبْدٍ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِأَهُ) إِذَا نَوَى إِعْتَاقَ جَمِيعِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا كَامِلَ الرِّقِّ سَلِيمَ الْخَلْقِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِلْعِتْقِ نَاوِيًا بِهِ الْكَفَّارَةَ، فَأَجْزَأَ كَمَا لَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مِلْكَهُ.
فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَأَعْتَقَ جُزْءًا مِنْهُ مُعَيَّنًا، أَوْ مُشَاعًا عَتَقَ كُلُّهُ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَإِنْ نَوَى إِعْتَاقَ الْجُزْءِ الَّذِي بَاشَرَهُ عَنِ الْكَفَّارَةِ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عِتْقُ غَيْرِهِ.
وَهَلْ يُحْتَسَبُ لَهُ بِمَا نَوَى عَنِ الْكَفَّارَةِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ. (وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفًا آخَرَ) أَيْ: نِصْفَ عَبْدَيْنِ، أَوْ أَمَتَيْنِ، أَوْ نِصْفَ عَبْدٍ وَنِصْفَ أَمَةٍ (أَجْزَأَهُ عِنْدَ