الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْئًا مِنْهَا، أَوْ أَحَلَّ الزِّنَا، أَوِ الْخَمْرَ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا لِجَهْلٍ عُرِّفَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ كُفِّرَ.
وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ تَهَاوُنًا لَمْ يَكْفُرْ. وَعَنْهُ، يَكْفُرُ، إِلَّا الْحَجَّ لَا يَكْفُرُ بِتَأْخِيرِهِ بِحَالٍ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْأَصْحَابِ، وَغَيْرِهِمْ، وَحَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ، عَنْ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٍ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ: الحلبي عَنْ أَحْمَدَ تُقْبَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُكْتَبُ عَنْهُ حَدِيثٌ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ.
وَإِنْ كَذَّبَ نَصْرَانِيٌّ مُوسَى عليه السلام خَرَجَ مِنْ دِينِهِ، لِأَنَّ عِيسَى صَدَّقَ بِهِ، لا العكس، لِأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ بِعِيسَى وَلَا بَشَّرَ لَهُ.
[مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ]
(وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، أَوْ شَيْئًا مِنْهَا) ، أَوِ الطَّهَارَةَ لَهَا، (أَوْ أَحَلَّ الزِّنَا، أَوِ الْخَمْرَ) أَوْ شَكَّ فِيهِ، (أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا) كَالدَّمِ (لِجَهْلٍ، عُرِّفَ ذَلِكَ) لِيَصِيرَ عَالِمًا بِهِ، (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ) كَالنَّاشِئِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْصَارِ (كُفِّرَ) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ، وَلِسَائِرِ الْأُمَّةِ.
فَرْعٌ: قَالَ جَمَاعَةٌ: أَوْ سَجَدَ لِشَمْسٍ، أَوْ قَمَرٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": أَوْ أَتَى بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ صَرِيحٍ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِالدِّينِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ تَوَهَّمَ أَنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَوِ التَّابِعِينَ، أَوْ تَابِعِيهِمْ قَاتَلَ مَعَ الْكُفَّارِ، أَوْ أَجَازَ ذَلِكَ، أَوْ أَصَرَّ فِي دَارِنَا عَلَى خَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَكْفُرُ جَاحِدُ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ وَالْمُسْكِرِ كُلِّهِ كَالْخَمْرِ
[حُكْمُ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ]
(وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ تَهَاوُنًا لَمْ يَكْفُرْ) ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَبَانِي الْإِسْلَامِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَارِكَ الشَّهَادَتَيْنِ تَهَاوُنًا كَافِرٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ ذَلِكَ فَكَمَا ذَكَرَهُ، إِلَّا الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يُدْعَى إِلَيْهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ كَمُرْتَدٍّ، فَإِنْ أَصَرَّ كُفِّرَه بِشَرْطِهِ، وَإِذَا تَرَكَ شَرْطًا أَوْ رُكْنًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَانَ كَتَرْكِهَا، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَهُوَ مُعْتَقَدٌ وُجُوبُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: حُكْمُهُ حُكْمُ تَارِكِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَلَا يُكَفَّرُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بِحَالٍ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": إِذَا تَرَكَ تَهَاوُنًا فَرْضَ الصَّلَاةِ، أَوِ الزَّكَاةِ، أَوِ الصَّوْمِ، أَوِ الْحَجِّ، بِأَنْ عَزَمَ أَلَّا يَفْعَلَهُ أَبَدًا، أَوْ أَخَّرَهُ إِلَى عَامٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ قَبْلَهُ، اسْتُتِيبَ كَالْمُرْتَدِّ، فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ حَدًّا، وَعَنْهُ: كُفْرًا، نَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَاخْتَارَهَا، وَعَنْهُ: يُخْتَصُّ الْكُفْرُ بِالصَّلَاةِ، وَعَنْهُ: تَهَاوُنًا كَزَكَاةٍ إِذَا قَاتَلَ الْإِمَامَ عَلَيْهَا (وَعَنْهُ يَكْفُرُ إِلَّا
فَمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ دُعِيَ إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْحَجَّ لَا يَكْفُرُ بِتَأْخِيرِهِ بِحَالٍ) لِأَنَّ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ خِلَافًا، وَعَنْهُ لَا كُفْرَ، وَلَا قَتْلَ فِي الصَّوْمِ، وَالْحَجِّ خَاصَّةً.
فَرْعٌ: مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَأَسَرَّ الْكُفْرَ فَمُنَافِقٌ كَافِرٌ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَإِنْ أَظْهَرَ أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْوَاجِبِ، وَفِي قَلْبِهِ أَلَّا يَفْعَلَ فَنِفَاقٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي ثَعْلَبَةَ:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: 75] وَهَلْ يَكْفُرُ عَلَى وَجْهَيْنِ.
(فَمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعَلِيٍّ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلِقَوْلِهِ عليه السلام: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ يُوجِبُ الْحَدَّ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، كَالزِّنَا، وَمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ لَهُمْ إِسْلَامٌ، وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ قَتْلِ الْمَرْأَةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَصْلِيَّةُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الشُّيُوخُ وَلَا الْمَكَافِيفُ، (وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ) مُخْتَارٌ، لِأَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَالْمَجْنُونَ، وَمَنْ زَالَ عقله بِنَوْمٍ، أَوْ إِغْمَاءٍ، أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ، وَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ (دُعِيَ إِلَيْهِ) أَيْ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ، نَصَرَهُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِاسْتِتَابَتِهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِقَوْلِ عُمَرَ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ وُجُوبُ الضَّمَانِ، بِدَلِيلِ نِسَاءِ الْحَرْبِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى، فَسَأَلَهُ عَنِ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَقَالَ: مَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثًا، وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ، لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ عز وجل، اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ
وَضُيِّقَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ، بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ. وَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، وَلَا يَقْتُلُهُ إِلَّا الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَسَاءَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِصْلَاحُهُ، فَلَمْ يَجُزْ إِتْلَافُهُ قَبْلَ اسْتِصْلَاحِهِ، كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَتَكَرَّرُ فِيهَا الرَّأْيُ، وَيَتَقَلَّبُ النَّظَرُ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ، بَلْ يَجِبُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ إِلَّا أَنْ يَطْلُبَ الْأَجَلَ فَيُؤَجَّلُ ثَلَاثًا (وَضُيِّقَ عَلَيْهِ) بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ، لِيَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ (فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ فِدَاءٍ عَنْهُ، لِأَنَّ كُفْرَهُ أَغْلَظُ (وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ) رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَطَاوُسٍ، لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، وَلِقَوْلِ مُعَاذٍ: لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ، وَلِأَنَّهُ يُقْتَلُ لِكُفْرِهِ، فَلَمْ تَجِبِ اسْتِتَابَتُهُ كَالْأَصْلِيِّ (بَلْ تُسْتَحَبُّ) لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وأقلها الاستحباب (وَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ) كَالْأَصْلِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ، وَالْخَبَرُ الْآخَرُ رُوِيَ فِيهِ: أَنَّ الْمُرْتَدَّ اسْتُتِيبَ قَبْلَ قُدُومِ مُعَاذٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُدْعَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ أَبَى ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَهَذَا يُفْضِي إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ أَبَدًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ (وَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ) لِقَوْلِهِ رضي الله عنه: قَرَّبْنَاهُ، فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِزُهُوقِ النَّفْسِ، وَلَا يَجُوزُ حَرْقُهُ بِالنَّارِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ أَمَرَ بَتَحْرِيقِهِمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» ، يَعْنِي: النَّارَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَا يَقْتُلُهُ إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَنَصَرَهُ فِي " الشَّرْحِ "، لِأَنَّهُ قُتِلَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ إِلَى الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ، كَقَتْلِ الْحُرِّ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» لَا يَتَنَاوَلُ الْقَتْلَ فِي الرِّدَّةِ، لِأَنَّهُ قُتِلَ لِكُفْرِهِ، وَلَا حَدَّ فِي حَقِّهِ، وَخَبَرُ حَفْصَةَ لَمَّا بَلَغَ عُثْمَانَ تَغَيَّظَ عَلَيْهَا، وَشَقَّ عَلَيْهِ، وَالْجَلْدُ فِي الزِّنَا تَأْدِيبٌ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ (فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَسَاءَ وَعُزِّرَ) لِافْتِئَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى
وَعُزِّرَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ، أَوْ بَعْدَهَا، وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الْإِسْلَامَ صَحَّ إِسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ إِسْلَامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْقَاتِلِ، لِأَنَّهُ مَحَلٌّ غَيْرُ مَعْصُومٍ (سَوَاءٌ قُتِلَ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا) لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي الْجُمْلَةِ، وَرِدَّتُهُ مُبِيحَةٌ لِدَمِهِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ كَمَا هِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَهَا، فَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ قَتَلَهُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَأَخَذَ مَا مَعَهُ مِنْ مَالٍ، وَمَا تَرَكَهُ بِدَارِنَا مَعْصُومٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَصِيرُ فَيْئًا فِي الْحَالِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ.
فَرْعٌ: رَسُولُ الْكُفَّارِ لَا يُقْتَلُ، وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا، حَكَاهُ فِي " الْفُرُوعِ " عَنِ " الْهَدْيِ "، بِدَلِيلِ رَسُولِ مُسَيْلِمَةَ، وَفِي " الْفُنُونِ " فِي مَوْلُودٍ بِرَأْسَيْنِ فَبَلَغَ، نَطَقَ أَحَدُهُمَا بِالْكُفْرِ، وَالْآخَرُ بِالْإِسْلَامِ، إِنْ نَطَقَا مَعًا، فَفِي أَيِّهِمَا يَغْلِبُ احْتِمَالَانِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ إِنْ تَقَدَّمَ الْإِسْلَامُ فَمُرْتَدٌّ (وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الْإِسْلَامَ صَحَّ إِسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِإِسْلَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ صَبِيٌّ، وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ، وَسَبْقِهِ، وَقَالَ:
سَبَقْتُكُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا
…
صَبِيًّا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حِلْمِي
وَيُقَالُ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ، وَمِنَ الرِّجَالِ: أَبُو بَكْرٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ: خَدِيجَةُ، وَمِنَ الْعَبِيدِ: بِلَالٌ، وَقَالَ عُرْوَةُ: أَسْلَمَ عَلِيٌّ، وَالزُّبَيْرُ، وَهُمَا ابْنَا ثَمَانِ سِنِينَ، وَلَمْ يُرَدَّ عَلَى أَحَدٍ إِسْلَامُهُ مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، وَلِأَنَّ مَنْ صَحَّ إِسْلَامُهُ صَحَّتْ رِدَّتُهُ كَالْبَالِغِ، وَقَوْلُهُ عليه السلام:«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» . الْخَبَرَيْنِ. وَالصَّبِيُّ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا صَحَّ إِسْلَامُهُ كُتِبَ لَهُ لَا عَلَيْهِ، وَتَحْصُلُ لَهُ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ، لَا يُقَالُ: الْإِسْلَامُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ، وَنَفَقَةَ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ، وَحُرْمَةَ مِيرَاثِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ، وَفَسْخَ نِكَاحِهِ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ نَفْعٌ مَحْضٌ، لِأَنَّهَا سَبَبُ النَّمَاءِ، وَالزِّيَادَةِ، مَحْصَنَةٌ لِلْمَالِ، وَالْمِيرَاثِ، وَالنَّفَقَةَ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ، وَذَلِكَ مَجْبُورٌ بِحُصُولِ الْمِيرَاثِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَسُقُوطِ نَفَقَةِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ هُوَ ضَرَرٌ مَغْمُورٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، وَالْخَلَاصِ مِنَ الشَّقَاءِ، وَالْخُلُودِ فِي
شَيْءٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِ، وَأُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ، وَيُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْجَحِيمِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَعْقِلَ الْإِسْلَامَ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِهِ، فَإِنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ اعْتِقَادُ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُ لَقْلَقَةٌ بِلِسَانِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي " وَغَيْرِهِ، وَشَرَطَ الْخِرَقِيُّ مَعَ ذَلِكَ، وَتَبِعَهُ فِي " الْوَجِيزِ ": أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ، لِأَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِضَرْبِهِ عَلَى الصَّلَاةِ لِعَشْرٍ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ أَكْثَرَ الْمُصَحِّحِينَ لِإِسْلَامِهِ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدُوا لَهُ حَدًّا مِنَ السِّنِينَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَحْمَدَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَتَى حَصَلَ لَا حَاجَةَ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: يَصِحُّ إِسْلَامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ) قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَهِيَ أَظْهَرُ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ، وَنَفْعٍ، فَصَحَّ مِنْهُ، بِخِلَافِ الرِّدَّةِ، فَعَلَى هَذَا: حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَرْتَدَّ، فَإِنْ بَلَغَ وَأَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ كَانَ مُرْتَدًّا (وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ) لِقَوْلِهِ عليه السلام: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» . الْخَبَرَ. وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ تَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنَ الصَّبِيِّ، كَالْهِبَةِ، وَالْعِتْقِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَشْبَهَ الطِّفْلَ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مِنِ ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ، لِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: يَصِحُّ مِنِ ابْنِ خَمْسِ سِنِينَ، وَأَخَذَهُ مِنْ إِسْلَامِ عَلِيٍّ (وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) نَصَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَصْحَابِ، وَعَلَيْهِنَّ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ، قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ ": يَتَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُونَ، وَيُدْفَنُ بِمَقَابِرِهِمْ، وَإِنَّ فَرْضِيَّتَهُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى صِحَّتِهِ كَصِحَّتِهِ تَبَعًا، وَكَصَوْمِ مَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ رَمَضَانَ (وَإِنْ أَسْلَمَ) ثُمَّ، رَجَعَ (ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَدْرِ مَا قُلْتُ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِ) كَالْبَالِغِ (وَأُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، لِمَعْرِفَتِنَا بِعَقْلِهِ، لِأَنَّهُ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَلِهَذَا صَحَّ إِسْلَامُهُ، لِأَنَّهُ مَحْضُ مَصْلَحَةٍ، أَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ، وَعَنْهُ: يَنْتَقِلُ مِنْهُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ فِي مَظِنَّةِ النَّقْصِ، وَصِدْقَهُ جَائِزٌ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَقْلُهُ لِلْإِسْلَامِ، وَمَعْرِفَتُهُ بِهِ، وَفِعْلُهُ فِعْلُ الْعُقَلَاءِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِهِمْ (وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ)