الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ. وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَلِيُّهُ الْإِمَامُ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا.
فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ يُؤْمَنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي إِلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ. فَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى حَامِلٍ، أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ، ثُمَّ إِنْ وُجِدَتْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ يَنْتَهِي ذَلِكَ إِلَى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ.
(وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَلِيُّهُ الْإِمَامُ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ) وَفِي " الِانْتِصَارِ " وَ " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ ; لِأَنَّ بِنَا حَاجَةً إِلَى عِصْمَةِ الدِّمَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ لَقُتِلَ كُلُّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، قَالَا: وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " وَغَيْرِهِ وَجْهَانِ كَوَالِدٍ (وَإِنْ شَاءَ عَفَا) لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَرَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقِصَاصِ، أَوِ الْعَفْوِ عَلَى مَالٍ، وَهُوَ الدِّيَةُ، لَا أَقَلَّ، وَلَا مَجَّانًا، ذَكَرَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، فَلَوْ عَفَا إِلَى غَيْرِ مَالٍ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِيهِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَعْفُوَ مَجَّانًا لِقِصَّةِ عُثْمَانَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ هُنَا، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى.
[الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يُؤْمَنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي إِلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ]
فَصْلٌ (الثَّالِثُ أَنْ يُؤْمَنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي إِلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] ، وَالْقَتْلُ الْمُفْضِي إِلَى التَّعَدِّي، فِيهِ إِسْرَافٌ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَ " الْفُرُوعِ " الْجَانِي، وَهُوَ أَحْسَنُ (فَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى حَامِلٍ، أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ وُجُوبِهِ لَمْ تُقْتَلْ) وَحُبِسَتْ، فَإِذَا وَلَدَتْ جُلِدَتْ وَأُقِيدَ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ (حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ،
مَنْ تُرْضِعُهُ وَإِلَّا تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ حَالَ حَمْلِهَا. وَحُكْمُ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْقِصَاصِ، فَإِنِ ادَّعَتِ الْحَمْلَ احْتُمِلَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا فَتُحْبَسُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا وَاحْتُمِلَ أَلَّا يُقْبَلَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنِ اقْتُصَّ مِنْ حَامِلٍ وَجَبَ ضَمَانُ جَنِينِهَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، قَالُوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ عَمْدًا، فَلَا تُقْتَلُ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا، وَإِنْ زَنَتْ لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا» وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى وَلَدِهَا وَقَتْلُهُ حَرَامٌ، وَالْوَلَدُ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ اللِّبَأِ ضَرَرًا كَثِيرًا، وَقَالَ فِي " الْكَافِي ": لَا يَعِيشُ إِلَّا بِهِ (ثُمَّ إِنْ وَجَدَتْ مَنْ تُرْضِعُهُ) قُتِلَتْ ; لِأَنَّ تَأْخِيرَ قَتْلِهَا إِنَّمَا كَانَ لِلْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " يَلْزَمُ بِرَضَاعِهِ بِأُجْرَةٍ (وَإِلَّا) أَيْ: إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ (تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ) لِحَوْلَيْنِ لِلْخَبَرِ، وَالْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَالْغَالِبُ عَدَمُ ضَرَرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ إِذَا أُخِّرَ مِنْ أَجْلِ سَقْطِ الْحَمْلِ فَلَأَنْ يُؤَخَّرَ مِنْ أَجْلِ حِفْظِ الْوَلَدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ سَقْيُهُ لَبَنَ شَاةٍ، فَإِنَّهَا تُتْرَكُ وَصَرَّحَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " بِأَنَّهَا تُقْتَلُ ; لِأَنَّ لَهُ مَا يَقُومُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ، وَقِيلَ: بَلَى كَمَنْ خِيفَ تَلَفُهَا لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ حَالَ حَمْلِهَا) لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّعَدِّي إِلَى تَلَفِ الْوَلَدِ، أَشْبَهَ الِاقْتِصَاصَ فِي النَّفْسِ، بَلْ يُقَادُ مِنْهَا فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ صَرَّحَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَغَيْرِهِ، وَفِي " الْمُغْنِي " وَسَقْيِ اللِّبَأِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " وَغَيْرِهِ وَيَفْرُغُ نِفَاسُهَا، وَفِي " الْبُلْغَةِ " هِيَ فِيهِ كَمَرِيضٍ (وَحُكْمُ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَاسْتَحَبَّ الْقَاضِي تَأْخِيرَ الرَّجْمِ مَعَ وُجُودِ مُرْضِعَةٍ لِتُرْضِعَهُ بِنَفْسِهَا، وَقِيلَ: يَجِبُ، نَقَلَ الْجَمَاعَةُ: تُتْرَكُ حَتَّى تَفْطِمَهُ، وَلَا تُحْبَسُ لِحَدٍّ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، بَلِ الْقَوَدُ وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ وَلِيِّ مَقْتُولٍ، لَا فِي مَالٍ غَائِبٍ (فَإِنِ ادَّعَتِ الْحَمْلَ احْتُمِلَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا فَتُحْبَسُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " لِأَنَّ لِلْحَمْلِ أَمَارَاتٍ خَفِيَّةً تَعْلَمُهَا مِنْ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا
عَلَى قَاتِلِهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَوَجَبَ أَنْ يُحْتَاطَ لَهُ كَالْحَيْضِ وَعَلَيْهِ فِي " التَّرْغِيبِ ": لَا قَوَدَ مِنْ مَنْكُوحَةٍ مُخَالِطَةٍ لِزَوْجِهَا، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا لِأَجْلِ الظِّهَارِ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ (وَاحْتُمِلَ أَلَّا يُقْبَلَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) وَلَوِ امْرَأَةً، ذَكَرَ فِي " الْفُرُوعِ "، وَفِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الشَّرْحِ " أَنَّهَا تُرِي أَهْلَ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ شَهِدْنَ بِحَمْلِهَا أُخِّرَتْ، وَإِنْ شَهِدْنَ بِبَرَاءَتِهَا لَمْ تُؤَخَّرْ ; لِأَنَّ الْحَقَّ حَالَ عَلَيْهَا، فَلَا تُؤَخَّرُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهَا، فَإِنْ أُشْكِلَ عَلَى الْقَوَابِلِ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ أُخِّرَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا لِأَنَّهُ إِذَا أَسْقَطْنَا الْقِصَاصَ مِنْ خَوْفِ الزِّيَادَةِ فَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى (وَإِنِ اقْتُصَّ مِنْ حَامِلٍ) حَرُمَ وَأَخْطَأَ السُّلْطَانُ الَّذِي مَكَّنَهُ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَيْهِمَا الْإِثْمُ إِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ، أَوْ كَانَ مِنْهُمَا تَفْرِيطٌ وَإِلَّا فَالْإِثْمُ عَلَى الْعَالِمِ، وَالْمُفَرِّطِ وَ (وَجَبَ ضَمَانُ جَنِينِهَا عَلَى قَاتِلِهَا) لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، فَلَوِ انْفَصَلَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا لِوَقْتٍ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ فَفِيهِ غُرَّةٌ، وَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ مِثْلُهُ فِيهِ، ثُمَّ مَاتَ مِنَ الْجِنَايَةِ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ، وَالْوَلِيُّ عَالِمَيْنِ بِالْحَمْلِ وَتَحْرِيمِ الِاسْتِيفَاءِ، أَوْ جَاهِلَيْنِ بِالْأَمْرَيْنِ، أَوْ بِأَحَدِهِمَا، أَوْ كَانَ الْوَلِيُّ عَالِمًا بِذَلِكَ دُونَ الْمُمْكِنِ لَهُ مِنَ الِاسْتِيفَاءِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ ; لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَالْحَاكِمُ الَّذِي مَكَّنَهُ صَاحِبُ سَبَبٍ وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ دُونَ الْوَلِيِّ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَحْدَهُ كَالسَّيِّدِ إِذَا أَمَرَ عَبْدَهُ الْأَعْجَمِيَّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ بِهِ، وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ ضَمِنَ الْحَاكِمُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَقِيلَ: الضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ، وَقِيلَ: عَلَى الْوَلِيِّ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَقِيلَ: يَضْمَنُهُ السُّلْطَانُ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْتَصُّ وَحْدَهُ بِالْحَمْلِ فَيَضْمَنُ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنَ الْإِتْلَافِ فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ كَمَا لَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ الْجَاهِلَ بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِهِ، فَعَلَى هَذَا هَلِ الْغُرَّةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مَالِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.