الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي الطَّرَفِ بِنَفْسِهِ بِحَالٍ، وَإِنْ تَشَاحَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ فِي الِاسْتِيفَاءِ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ بِالْقُرْعَةِ.
فَصْلٌ وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إِلَّا بِالسَّيْفِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَالْأُخْرَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِنْ تَشَاحَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ فِي الِاسْتِيفَاءِ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْجَانِي وَتَعَدُّدِ أَفْعَالِهِمْ، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمْ فَوَجَبَ التَّقْدِيمُ (بِالْقُرْعَةِ) كَمَا لَوْ تَشَاحُّوا فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِمْ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ اسْتَأْذَنَ شُرَكَاءَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَوْكِيلِ أَحَدٍ لَمْ يَسْتَوْفِ حَتَّى يُوَكِّلُوا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إِذَا تَشَاحُّوا أَمَرَ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ بِاسْتِيفَائِهِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا اقْتَصَّ جَانٍ مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَا وَلِيٍّ جَازَ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " خِلَافُهُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي " الْفُرُوعِ " وَصَحَّحَ فِي " التَّرْغِيبِ ": لَا يَقَعُ قَوَدًا، وَفِي " الْبُلْغَةِ " يَقَعُ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَلَوْ أَقَامَ حَدَّ زِنًا، أَوْ قَذْفٍ عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنٍ لَمْ يَسْقُطْ، بِخِلَافِ قَطْعِ سَرِقَةٍ وَلَهُ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ إِنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَأَحْسَنَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، لَا قَطْعَ فِي سَرِقَةٍ لِفَوَاتِ الرَّدْعِ، وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْقَطْعُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا اضْطَرَبَتْ يَدُهُ فَجَنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ عَلَى جَوَازِهِ إِذْنًا، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ اعْتِبَارُهُ، وَهَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ؟ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْقَوَدِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ فِي حَدِّ زِنًا، وَقَذْفٍ وَشُرْبٍ كَحَدِّ سَرِقَةٍ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَهُوَ قَطْعُ الْعُضْوِ الْوَاجِبِ قَطْعُهُ وَعَدَمِ حُصُولِ الرَّدْعِ، وَالزَّجْرِ بِجَلْدِهِ نَفْسَهُ.
[فَصْلٌ: لَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إِلَّا بِالسَّيْفِ]
فَصْلٌ (وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إِلَّا بِالسَّيْفِ) فِي الْعُنُقِ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ بِغَيْرِهِ
يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ، أَوْ غَرَّقَهُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فُعِلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَمَاتَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَدَّمَهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَاخْتَارَهَا الْأَصْحَابُ لِمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِجَيِّدٍ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيِ النَّفْسِ فَدَخَلَ الطَّرَفُ فِي حُكْمِ الْجُمْلَةِ كَالدِّيَةِ، وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ، وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةُ تَعْذِيبٍ وَكَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ، قَالَ فِي " الِانْتِصَارِ " وَغَيْرِهِ فِي قَوَدٍ: وَحَقُّ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فِي النَّفْسِ إِلَّا بِسَيْفٍ ; لِأَنَّهُ أَوْحَى، لَا بِسِكِّينٍ، وَلَا فِي طَرَفٍ إِلَّا بِهَا لِئَلَّا يَحِيفَ، وَإِنَّ الرَّجْمَ بِحَجَرٍ، لَا يَجُوزُ بِسَيْفٍ (وَالْأُخْرَى: يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ) وَقَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]«وَلِأَنَّهُ عليه السلام رَضَّ رَأْسَ يَهُودِيٍّ» . . . الْخَبَرَ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ وَلَفْظُهُ مُشْعِرٌ بِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مَا فَعَلَ كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْعُنُقَ آخَرُ غَيْرُهُ وَعَلَيْهَا إِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَفِي " الِانْتِصَارِ " احْتِمَالٌ، أَوِ الدِّيَةُ بِغَيْرِ رِضَاهُ (فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ) لِمَا عَرَفْتَ (وَإِنْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ، أَوْ غَرَّقَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ غَيْرِ مَا اسْتُثْنِيَ (فُعِلَ بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَعَنْهُ: يُفْعَلُ بِهِ كَفِعْلِهِ إِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُوجِبًا، وَعَنْهُ: أَوْ مُوجِبًا لِقَوَدِ طَرَفِهِ لَوِ انْفَرَدَ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَفِي دُخُولِ قَوَدِ طَرَفِهِ فِي
فُعِلَ بِهِ كَفِعْلِهِ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْتَلُ وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ قَتَلَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ كَتَجْرِيعِ الْخَمْرِ، وَاللِّوَاطِ، وَنَحْوِهِ - قُتِلَ بِالسَّيْفِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَا قَطْعُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَوَدِ نَفْسِهِ لِدُخُولِهِ فِي الدِّيَةِ رِوَايَتَانِ، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " فَائِدَتُهُ لَوْ عَفَا عَنِ النَّفْسِ سَقَطَ الْقَوَدُ فِي الطَّرَفِ ; لِأَنَّ قَطْعَ السِّرَايَةِ كَانْدِمَالِهِ وَمَتَى فَعَلَ بِهِ الْوَلِيُّ كَمَا فَعَلَ لَمْ يَضْمَنْهُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ حَرَّمْنَاهُ، وَإِنْ زَادَ، أَوْ تَعَدَّى بِقَطْعِ طَرَفِهِ فَلَا قَوَدَ وَيَضْمَنُهُ بِدِيَتِهِ، عَفَا عَنْهُ أَوْ لَا، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ (وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَمَاتَ فُعِلَ بِهِ كَفِعْلِهِ) لِلْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ وَاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ (فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ لِكَوْنِهِ تَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ الْقَتْلُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ تَعَيَّنَ ضَرْبُ الْعُنُقِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إِلَى اسْتِيفَاءِ الْقَتْلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْتَلُ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ أَحَدُ بَدَلَيِ النَّفْسِ فَدَخَلَ بِالْقَطْعِ وَغَيْرِهِ فِي الْقَتْلِ كَالدِّيَةِ (وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ: لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الطَّرَفِ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِإِفْضَائِهِ إِلَى الزِّيَادَةِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا بِزِيَادَةٍ ; لِأَنَّ فَوَاتَ النَّفْسِ بِسِرَايَةِ فِعْلِهِ، وَهُوَ كَفِعْلِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ (وَإِنْ قَتَلَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ كَتَجْرِيعِ الْخَمْرِ، وَاللِّوَاطِ، وَنَحْوِهِ) كَالسِّحْرِ لَمْ يَقْتُلْهُ بِمِثْلِهِ وِفَاقًا (قُتِلَ بِالسَّيْفِ رِوَايَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ هَذَا مَحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ فَوَجَبَ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ ; لِأَنَّ قَتْلَهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِنْ حَرَّقَهُ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُحَرَّقُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: الصَّحِيحُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ كَالتَّغْرِيقِ، وَالثَّانِيَةُ: يُحَرَّقُ، وَقَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَقَتَادَةُ وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى غَيْرِ الْقِصَاصِ (وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِهِ تُعَدُّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاتِلًا (وَلَا قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ أَطْرَافِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى مَا أَتَى بِهِ (فَإِنْ فَعَلَ، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَهِيَ هُنَا مُتَحَقِّقَةٌ ; لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِإِتْلَافِ الطَّرَفِ ضِمْنًا لِاسْتِحْقَاقِهِ إِتْلَافَ الْجُمْلَةِ (وَتَجِبُ فِيهِ) أَيْ: فِي الزَّائِدِ (دِيَتُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ