الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي وَهُوَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الدِّينِ، وَالْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ فَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ، أَوِ الْعَبْدِ، وَالذِّمِّيِّ الْحُرِّ، أَوِ الْعَبْدِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي]
فَصْلٌ (الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي) لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا لِلْجَانِي، فَيَكُونُ آخِذُهُ آخِذًا بِهِ لِأَكْثَرَ مِنَ الْحَقِّ (وَهُوَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الدِّينِ) لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي لَفْظٍ «وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» ، «وَعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَلَّا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ مَنْقُوصٌ بِالْكُفْرِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَالْمُسْتَأْمَنِ، لَا يُقَالُ: الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِمِثْلِهِ شَامِلَةٌ لِقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ ; لِأَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرَ، وَقَدْ رَوَى الْسلمَانِيِّ «أَقَادَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ قُتِلَ» ، قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ، وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ مُرْسَلٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الْسلَمَانِيُّ ضَعِيفٌ إِذَا أَسْنَدَ فَكَيْفَ إِذَا أَرْسَلَ (وَالْحُرِّيَّةُ، وَالرِّقُّ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ السَّلِيمَةِ، فَلَمْ يَجِبْ فِي النَّفْسِ كَالْأُبُوَّةِ، وَلِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، فَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ الْحُرُّ لِرُجْحَانِهِ عَلَيْهِ بِوَصْفِ الْحُرِّيَّةِ (فَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ، أَوِ الْعَبْدِ، وَالذِّمِّيِّ الْحُرِّ، أَوِ الْعَبْدِ بِمِثْلِهِ) لِحُصُولِ الْمُكَافَأَةِ بَيْنَهُمَا وَيُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِمِثْلِهِ، اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ، أَوِ اخْتَلَفَتْ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي النَّصْرَانِيِّ يُقْتَلُ بِالْمَجُوسِيِّ وَذِمِّيٍّ بِمُسْتَأْمَنٍ وَعَكْسِهِ، وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ بِمِثْلِهِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ، وَكَتَفَاوُتِ الْفَضَائِلِ كَالْعِلْمِ، وَالشَّرَفِ، لَا مُكَاتِبٌ بِعَبْدِهِ، وَيُقْتَلُ بِعَبْدِهِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فِي الْأَشْهَرِ، فَإِنْ قَتَلَ رَقِيقٌ مُسْلِمٌ رَقِيقًا مُسْلِمًا لِذِمِّيٍّ فَفِي جَوَازِ الْقَوَدِ وَجْهَانِ، وَإِنْ تَسَاوَتِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ ذِمِّيٌّ عَبْدًا مُسْلِمًا قُتِلَ بِهِ وَيُقْتَلُ
بِمِثْلِهِ. وَيُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ، وَعَنْهُ: يُعْطَى الذَّكَرُ نِصْفَ الدِّيَةِ إِذَا قُتِلَ بِالْأُنْثَى، وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ إِلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ قِيمَتُهُمَا وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ وَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالْمُرْتَدُّ بِالذِّمِّيِّ، وَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ. نَصَّ عَلَيْهِ وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ، وَهُوَ مِثْلُهُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قِنٌّ بِمَكَاتَبٍ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَا لِسَيِّدٍ، فَلَا قَوَدَ فِي وَجْهٍ وَيُقْتَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَبِالْعَكْسِ.
1 -
فَرْعٌ: إِذَا قَتَلَ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ - مِثْلَهُ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ حُرِّيَّةً، قُتِلَ بِهِ فِي الْأَصَحِّ.
وَلَا يُقْتَلُ بِعَبْدٍ، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ حُرٌّ
1 -
(وَيُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى) بِغَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَلِأَنَّهُ عليه السلام قَتَلَ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ يُحَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَذْفِ الْآخَرِ فَقُتِلَ بِهِ كَالرَّجُلِ بِالرَّجُلِ (وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ ; لِأَنَّهَا دُونَهُ (وَعَنْهُ: يُعْطَى الذَّكَرُ نِصْفَ الدِّيَةِ إِذَا قُتِلَ بِالْأُنْثَى) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا هُشَيْمٌ، أَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَيُعْطَى أَوْلِيَاؤُهُ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَلِأَنَّ دِيَتَهَا نِصْفُ دِيَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْطَى ذَلِكَ لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي (وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ إِلَّا أَنْ تَسْتَوِيَ قِيمَتُهُمَا) لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّسَاوِي كَالْقِيمَةِ (وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ) وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلنَّصِّ، وَلِأَنَّهُ قِصَاصٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ كَالْأَحْرَارِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِلْخُنْثَى، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِالْخُنْثَى وَيُقْتَلُ بِهِمَا ; لِأَنَّهُ إِمَّا رَجُلٌ، أَوِ امْرَأَةٌ (وَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ عليه السلام قَتَلَ يَهُودِيًّا بِجَارِيَةٍ، وَلِأَنَّهُ إِذَا قُتِلَ بِمِثْلِهِ فَمَنْ فَوْقَهُ أَوْلَى (وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهُ، أَشْبَهَ قَتْلَ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ (وَالْمُرْتَدِّ بِالذِّمِّيِّ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَافِرٌ فَيُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ كَالْأَصْلِيِّ ; لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الذِّمِّيِّ ; لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ يَعُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ. نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْقِصَاصِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَحَالَةِ الْمُرْتَدِّ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفْسِ الْكُفْرِ (وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) مُطْلَقًا فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ،
أَوْ يَجْرَحَهُ، ثُمَّ يُسْلِمَ الْقَاتِلُ، أَوِ الْجَارِحُ، أَوْ يَعْتَقَ وَيَمُوتَ الْمَجْرُوحُ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَزَيْدٌ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوِ ارْتَدَّ، وَلِأَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالْكُفْرِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَالْمُسْتَأْمَنِ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ بِهِ لِلْعُمُومَاتِ، وَإِنَّ الْخَبَرَ فِي الْحَرْبِيِّ كَمَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: حُكْمُ الْمَالِ غَيْرُ حُكْمِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِ زَانٍ مُحْصَنٍ، وَقَاتِلٍ فِي مُحَارَبَةٍ، وَلَا يُقْتَلُ قَاتِلُهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَالَهُمَا بَاقٍ عَلَى الْعِصْمَةِ كَمَالِ غَيْرِهِمَا وَعِصْمَةُ دَمِهِمَا زَالَتْ، وَعَجِبَ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ: إِنَّهُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْمَجُوسِيِّ وَاسْتَشْنَعَهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْقُونِ الدَّمِ. (وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ، وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ «عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ» ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ طَرَفُهُ بِطَرَفِهِ مَعَ التَّسَاوِي فِي السَّلَامَةِ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ أَشْبَهَ الْحُرَّ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ مَنْقُوصٌ بِالرِّقِّ، فَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ الْحُرُّ كَالْمَكَاتَبِ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي (إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ، وَهُوَ مِثْلُهُ، أَوْ يَجْرَحَهُ، ثُمَّ يُسْلِمُ الْقَاتِلُ، أَوِ الْجَارِحُ، أَوْ يَعْتِقُ وَيَمُوتُ الْمَجْرُوحُ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي التَّكَافُؤِ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ كَالْحَدِّ، فَعَلَى هَذَا إِذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، أَوْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ، وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ، أَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا، أَوْ جَرَحَهُ، ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ، أَوِ الْجَارِحُ، وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ - وَجَبَ الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهُمَا مُتَكَافِئَانِ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ وَجَبَ، فَلَا يَسْقُطُ بِمَا طَرَأَ كَمَا لَوْ جُنَّ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ كَمَا لَوْ كَانَ مُؤْمِنًا حَالَ قَتْلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ، لَا يُقَالُ: لِمَ اعْتُبِرَتِ الْمُكَافَأَةُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ، فَكَانَ الِاعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ الْوُجُوبِ دُونَ الِاسْتِيفَاءِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَعِتْقِهِ، فَلَمْ يُسْقِطْهُ الْإِسْلَامُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، أَوْ جَرَحَ حُرٌّ عَبْدًا،
وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، أَوْ جَرَحَ حُرٌّ عَبْدًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ وَعَتَقَ، وَمَاتَ، فَلَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَيْهِ فِي الذِّمِّيِّ دِيَةُ ذِمِّيٍّ، وَفِي الْعَبْدِ قِيَمَتُهُ لِسَيِّدِهِ. وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَبْدًا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وَأَسْلَمَ، فَلَا قَوَدَ وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ إِذَا مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ وَعَتَقَ، وَمَاتَ، فَلَا قَوَدَ) لِأَنَّ الْمُكَافَأَةَ مَعْدُومَةٌ حَالَةَ الْجِنَايَةِ (وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْأَرْشِ بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ فَسَرَى إِلَى نَفْسِهِ فَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ، وَلَوِ اعْتَبَرَ حَالَ الْجِنَايَةِ وَجَبَتْ دِيَتَانِ وَلِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ، أَوْ نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ، وَقِيلَ: الدِّيَةُ لِسَيِّدِهِ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَمَا زَادَ مِنْهَا عَلَى أَرْشِ الْجِنَايَةِ إِرْثٌ (وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، وَابْنِ حَامِدٍ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْهُ فِي " التَّذْكِرَةِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ (عَلَيْهِ فِي الذِّمِّيِّ دِيَةُ ذِمِّيٍّ، وَفِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ) وَدِيَةُ مُسْلِمٍ لِوَارِثٍ مُسْلِمٍ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْقِصَاصِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْجِنَايَةِ، فَكَذَا إِذَا أَسْلَمَ، أَوْ عَتَقَ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: يَأْخُذُ قِيمَتَهُ وَقْتَ جِنَايَتِهِ، وَكَذَا دِيَتَهُ، نَقَلَهُ حَرْبٌ إِلَّا أَنْ يُجَاوِزَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ، فَالزِّيَادَةُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ وَجَبَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ قَوَدٌ فَطَلَبَهُ لِلْوَرَثَةِ عَلَى هَذِهِ، وَعَلَى الْأُخْرَى لِلسَّيِّدِ.
فَرْعٌ: قَتَلَ أَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، أَوْ عَبْدٌ عَبْدًا، ثُمَّ أَسْلَمَ، أَوْ عَتَقَ مُطْلَقًا قُتِلَ بِهِ فِي الْمَنْصُوصِ كَجُنُونِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَدَمُ قَتْلِ مَنْ أَسْلَمَ ظَاهِرُ نَقْلِ بَكْرٍ كَإِسْلَامِ حَرْبِيٍّ قَاتِلٍ، وَكَذَا إِنْ جَرَحَ مُرْتَدٌّ ذِمِّيًّا، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ بَعْدَ الْجَرْحِ، أَوْ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ مَانِعَةً مِنَ الْقَوَدِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَجَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا كَمَا بَعْدَ الزُّهُوقِ، ذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " 1
(وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَبْدًا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وَأَسْلَمَ، فَلَا قَوَدَ) لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ (وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ) لِلْوَرَثَةِ، وَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ (إِذَا مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) لَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِ دِيَةِ حُرٍّ مُسْلِمٍ إِذَا مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ ; لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ لِنَفْسِ حُرٍّ مُسْلِمٍ فَتَعَيَّنَ أَلَا قَوَدَ، قَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ حَامِدٍ إِذِ الرَّمْيُ جُزْءٌ مِنَ الْجِنَايَةِ، وَلَا
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ. وَلَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ ذِمِّيًّا عَبْدًا فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَعَتَقَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ مُرْتَدًّا فَكَذَلِكَ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَلْزَمَهُ إِلَّا الدِّيَةُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
رَيْبَ فِي انْتِفَاءِ الْمُكَافَأَةِ حَالَ الرَّمْيِ، وَإِذَا عُدِمَتِ الْمُكَافَأَةُ فِي بَعْضِ الْجِنَايَةِ عُدِمَتْ فِي كُلِّهَا إِذِ الْكُلُّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهِ وَكَمَا لَوْ رَمَى مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ (عَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ قَتَلَ مُكَافِئًا لَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا فَوَجَبَ الْقَوَدُ كَمَا لَوْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا حَالَ الرَّمْيِ، وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْإِصَابَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَمَى، فَلَمْ يُصِبْهُ حَتَّى ارْتَدَّ وَكَقَتْلِهِ مَنْ عَلِمَهُ أَوْ ظَنَّهُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا، فَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ، أَوْ عَتَقَ، أَوْ قَاتِلَ أَبِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " إِذَا رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا هَلْ تَلْزَمُهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ أَوْ دِيَةُ كَافِرٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ، أَوِ الرَّمْيَةِ، ثُمَّ بَنَى مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي ضَمَانِهِ بِدِيَةٍ أَوْ قِيمَةٍ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِمَا مَنْ رَمَى مُرْتَدًّا، أَوْ حَرْبِيًّا فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ، أَوْ هَدَرٌ؟ .
1 -
فَرْعٌ: إِذَا رَمَى كَافِرًا فَأَصَابَهُ السَّهْمُ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ كَانَتْ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي " الشَّرْحِ " وُجُوبُ الْمَالِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْإِصَابَةِ ; لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الْمَحَلِّ فَيُعْتَبَرُ عَنِ الْمَحَلِّ الَّذِي فَاتَ بِهَا فَيَجِبُ بِقَدْرِهِ، وَقَدْ فَاتَ بِهَا نَفْسُ مُسْلِمٍ حُرٍّ، وَالْقِصَاصُ جَزَاءُ الْفِعْلِ فَيُعْتَبَرُ الْفِعْلُ فِيهِ وَالْإِصَابَةُ مَعًا ; لِأَنَّهُمَا طَرَفَاهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ، قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " فِي الْأَصَحِّ
(وَلَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ ذِمِّيًّا عَبْدًا فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَعَتَقَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَصَاحِبُ " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِمَ حَالَهُ (وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُهُ مُرْتَدًّا) فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ (فَكَذَلِكَ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ) لِأَنَّهُ قَتَلَ مُكَافِئًا عُدْوَانًا عَمْدًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إِلَّا بَعْدَ إِسْلَامِهِ، بِخِلَافِ مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَلْزَمَهُ) الْقِصَاصُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ مَعْصُومٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ قِصَاصٌ كَمَا لَوْ قَتَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ يَعْتَقِدُهُ حَرْبِيًّا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ، وَلَا يَلْزَمُهُ (إِلَّا الدِّيَةُ) لِأَنَّ الِارْتِدَادَ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ لِئَلَّا يَفُوتَ الْقِصَاصُ إِلَى بَدَلٍ.
1 -
تَنْبِيهٌ: يُقْتَلُ الْمُكَلَّفُ بِطِفْلٍ وَمَجْنُونٍ، وَالْعَالِمُ وَالشَّرِيفُ بِضِدِّهِمَا، وَالصَّحِيحُ