الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ، أَوْ أُذُنَيْهِ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَجَبَتْ دِيَتَانِ. وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ إِذَا أَذْهَبَهَا بِمَنَافِعِهَا لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ.
فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ وَفِي كُلِّ حَاسَّةٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ. وَكَذَلِكَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّهُ لَا عَيْبَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْعَيْبُ فِي غَيْرِهِ (وَالْمَخْرُومِ) لِأَنَّ أَنْفَهُ كَامِلٌ غَيْرَ أَنَّهُ مَعِيبٌ كَالْعُضْوِ الْمَرِيضِ (وأُذُنَيِ الْأَصَمِّ) لِأَنَّ الصَّمَمَ نَقْصٌ فِي غَيْرِ الْأُذُنِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ " إِذَا قُلْنَا: يُؤْخَذُ بِهِ السَّالِمُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ، وَإِلَّا فَفِيهِ حُكُومَةٌ (وَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ) لَزِمَهُ دِيَتَانِ ; لِأَنَّ الشَّمَّ مِنْ غَيْرِ الْأَنْفِ، فَلَا تُدْخَلُ دِيَةُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ (أَوْ أُذُنَيْهِ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَجَبَتْ دِيَتَانِ) لِأَنَّ السَّمْعَ مِنْ غَيْرِ الْأُذُنِ، فَهُوَ كَالْبَصَرِ مَعَ الْأَجْفَانِ، وَالنُّطْقِ مَعَ الشَّفَتَيْنِ، فَلَوْ ذَهَبَ شَمُّ أَحَدِهِمَا فَنِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي بَعْضِهِ حُكُومَةٌ (وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ) كَالْعَيْنَيْنِ، وَنَحْوِهِمَا (إِذَا أَذْهَبَهَا بِمَنَافِعِهَا لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ نَفْعَهَا فِيهَا، وَهُوَ تَابِعٌ لَهَا يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ، فَوَجَبَتْ دِيَةُ الْعُضْوِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ لَمْ تَجِبْ دِيَتُهُ.
[فَصْلٌ: دِيَةُ الْمَنَافِعِ]
[دِيَةُ ذَهَابِ الْمَنَافِعِ أَوْ نُقْصَانِهَا]
فَصْلٌ
فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ لَمَّا تَمَّمَ الْكَلَامَ عَلَى دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ كَالْعَيْنَيْنِ، وَنَحْوِهِمَا - شَرَعَ يَتَكَلَّمُ فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَنَحْوُهُمَا (وَفِي كُلِّ حَاسَّةٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) كَذَا عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ، يُقَالُ: حَسَّ وَأَحَسَّ، أَيْ: عَلِمَ وَأَيْقَنَ، وَبِأَلِفٍ أَفْصَحُ، وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُهُمُ: الْحَاسَّةُ، وَالْحَوَاسُّ الْخَمْسُ عَلَى اللُّغَةِ الْقَلِيلَةِ، وَالْأَشْهَرُ فِي حَسَّ بِلَا أَلِفٍ بِمَعْنَى قَتَلَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْحَوَاسُّ الْمَشَاعِرُ الْخَمْسُ: السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالشَّمُّ، وَالذَّوْقُ، وَاللَّمْسُ. (وَهِيَ السَّمْعُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَسَنَدُهُ قَوْلُهُ عليه السلام «وَفِي السَّمْعِ
تَجِبُ فِي الْكَلَامِ وَالْعَقْلِ وَالْمَشْيِ وَالْأَكْلِ وَالنِّكَاحِ وَتَجِبُ فِي الْحَدَبِ، وَالصَّعَرِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الدِّيَةُ» وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي رَجُلٍ رَمَى آخَرَ بِحَجَرٍ فِي رَأْسِهِ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ وَلِسَانُهُ وَنِكَاحُهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، وَالرَّجُلُ حَيٌّ. رَوَاهُ أَبُو الْمُهَلَّبِ، وَلِأَنَّهَا حَاسَّةٌ تَخْتَصُّ بِنَفْعٍ، فَكَانَ فِيهَا الدِّيَةُ كَالْبَصَرِ، فَإِنْ ذَهَبَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَجَبَ نِصْفُهَا كَالْبَصَرِ (وَالْبَصَرُ) مِنَ الْعَيْنَيْنِ الْمُبْصِرَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ إِجْمَاعًا (وَالشَّمُّ) لِأَنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ الْقَاضِي: وَلِأَنَّهُ حَاسَّةٌ تَخْتَصُّ بِمَنْفَعَةٍ كَسَائِرِ الْحَوَاسِّ (وَالذَّوْقُ) ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمُعَظَّمُ ; لِأَنَّ الذَّوْقَ حَاسَّةٌ، أَشْبَهَ الشَّمَّ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْحُكُومَةُ. صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ ; لِأَنَّ لِسَانَ الْأَخْرَسِ لَا دِيَةَ فِيهِ إِجْمَاعًا عَلَى أَنَّهَا لَا تَكْمُلُ فِي ذَهَابِ الذَّوْقِ بِمُفْرَدِهِ ; لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَا تَكْمُلُ الدِّيَةُ فِيهِ بِمَنْفَعَتِهِ، لَا تَكْمُلُ فِي مَنْفَعَتِهِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (وَكَذَلِكَ تَجِبُ فِي الْكَلَامِ) لِأَنَّ كُلَّ مَا تَعَلَّقَتِ الدِّيَةُ بِإِتْلَافِهِ تَعَلَّقَتْ بِإِتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ كَالْيَدِ (وَالْعَقْلِ) بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ مَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ; لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْمَعَانِي قَدْرًا وَأَعْظَمُ الْحَوَاسِّ نَفْعًا، فَإِنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنِ الْبَهِيمَةِ، وَيَعْرِفُ بِهِ صِحَّةَ حَقَائِقِ الْمَعْلُومَاتِ، وَيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الْمَصَالِحِ، وَيَدْخُلُ بِهِ فِي التَّكْلِيفِ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَاتِ وَصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ وَأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ.
فَرْعٌ: إِذَا نَقَصَ نَقْصًا مَعْلُومًا وَجَبَ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُهُ فَحُكُومَةٌ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ الْمُذْهِبَةُ لِلْعَقْلِ - وَلَهَا أَرْشٌ كَالْمُوضِحَةِ - وَجَبَتِ الدِّيَةُ وَأَرْشُ الْجُرْحِ، وَلَا تَدْخُلُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الْمُذْهِبَةِ لَهُ فِي دِيَتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ بَصَرُهُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ (وَالْمَشْيِ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَقْصُودَةٌ، أَشْبَهَ الْكَلَامَ (وَالْأَكْلِ) لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَقْصُودٌ كَالشَّمِّ (وَالنِّكَاحِ) أَيْ: إِذَا كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ نِكَاحُهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ; لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، أَشْبَهَ ذَهَابَ الْمَشْيِ (وَتَجِبُ فِي الْحَدَبِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالدَّالِ
وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَصِيرُ الْوَجْهُ فِي جَانِبٍ، وَفِي تَسْوِيدِ الْوَجْهِ إِذَا لَمْ يُزَلْ، وَإِذَا لَمْ يَسْتَمْسِكِ الْغَائِطَ أَوِ الْبَوْلَ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. وَفِي نَقْصِ شَيْءٍ مِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَصْدَرُ حَدِبَ بِكَسْرِ الدَّالِ إِذَا صَارَ أَحْدَبَ ; لِأَنَّ بِذَلِكَ تَذْهَبُ الْمَنْفَعَةُ، وَالْجَمَالُ ; لِأَنَّ انْتِصَابَ الْقَامَةِ مِنَ الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، وَبِهِ يَشْرُفُ الْآدَمِيُّ عَلَى سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَلَامِ وَمَا بَعْدَهُ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَخَالَفَ فِيهِ الْقَاضِي وَغَيْرَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (وَالصَّعَرِ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَصِيرُ الْوَجْهُ فِي جَانِبٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَأَصْلُ الصَّعَرِ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فِي عُنُقِهِ فَيَلْتَوِي مِنْهُ عُنُقُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: 18] أَيْ: لَا تُعْرِضْ عَنْهُمْ بِوَجْهِكَ تَكَبُّرًا، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ، رَوَاهُ مَكْحُولٌ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُ مُخَالِفًا، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْجَمَالَ وَالْمَنْفَعَةَ، فَوَجَبَ فِيهِ دِيَتُهُ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ، وَقَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " التَّرْغِيبِ ": أَوْ لَا يَبْلَعُ رِيقَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ ; لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ لَيْسَ لَهَا مِثْلٌ فِي الْبَدَنِ (وَفِي تَسْوِيدِ الْوَجْهِ إِذَا لَمْ يُزَلْ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْجَمَالَ عَلَى الْكَمَالِ فَضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَيِ الْأَصَمِّ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا صَفَّرَ وَجْهَهُ، أَوْ حَمَّرَهُ تَجِبُ حُكُومَةٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبِ الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ، وَفِي " الْمُبْهِجِ "، وَ " التَّرْغِيبِ " إِذَا أَزَالَ لَوْنَهُ إِلَى غَيْرِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ (وَإِذَا لَمْ يَسْتَمْسِكِ الْغَائِطَ، أَوِ الْبَوْلَ) بِأَنْ ضَرَبَ بَطْنَهُ، فَلَمْ يَسْتَمْسِكِ الْغَائِطَ، أَوِ الْمَثَانَةَ فَلَمْ يَسْتَمْسِكِ الْبَوْلَ (فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ إِلَّا أَنَّ أَبَا مُوسَى ذَكَرَ فِي الْمَثَانَةِ رِوَايَةَ ثُلُثِ الدِّيَةِ، كَإِفْضَاءِ الْمَرْأَةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَحَلَّيْنِ عُضْوٌ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَثِيرَةٌ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ مِثْلُهَا، فَإِنَّ نَفْعَ الْمَثَانَةِ حَبْسُ الْبَوْلِ، وَحَبْسُ الْبَطْنِ الْغَائِطَ مَنْفَعَةٌ مِثْلُهَا، وَالضَّرَرُ بِفَوَاتِهِمَا عَظِيمٌ، فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الدِّيَةُ كَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، فَإِنْ فَاتَتِ الْمَنْفَعَتَانِ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ دِيَتَانِ.
ذَلِكَ إِنْ عُلِمَ بِقَدْرِهِ مِثْلُ نَقْصِ الْعَقْلِ بِأَنْ يُجَنَّ يَوْمًا وَيُفِيقَ يَوْمًا، أَوْ ذَهَابِ بَصَرِ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ، أَوْ سَمْعِ إِحْدَى الْأُذُنَيْنِ، وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ بِالْحِسَابِ يُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي لِلِّسَانِ فِيهَا عَمَلٌ دُونَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: إِذَا جَنَى عَلَيْهِ، فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَلِسَانُهُ وَجَبَ أَرْبَعُ دِيَاتٍ لِقَضَاءِ عُمَرَ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَاتٍ، فَأَذْهَبَهَا، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَرْشُ الْجِرَاحِ، فَإِنَّ مَاتَ مِنَ الْجِنَايَةِ لَمْ تَجِبْ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ; لِأَنَّ دِيَاتِ الْمَنَافِعِ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَدِيَاتِ الْأَعْضَاءِ (وَفِي نَقْصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِنْ عُلِمَ بِقَدْرِهِ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي جَمِيعِ الشَّيْءِ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ كَإِتْلَافِ الْمَالِ (مِثْلُ نَقْصِ الْعَقْلِ بِأَنْ يُجَنَّ يَوْمًا وَيُفِيقَ يَوْمًا، أَوْ ذَهَابِ بَصَرِ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ، أَوْ سَمْعِ إِحْدَى الْأُذُنَيْنِ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ وَجَبَ بَعْضُهَا فِي بَعْضِهِ كَالْأَصَابِعِ، وَالْيَدَيْنِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ " وَغَيْرِهِ: وَمَنْفَعَةُ الصَّوْتِ وَمَنْفَعَةُ الْبَطْشِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ الدِّيَةُ، وَفِي " الْفُنُونِ " لَوْ سَقَاهُ ذَرْقَ حَمَامٍ فَذَهَبَ صَوْتُهُ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ (وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ بِالْحِسَابِ يُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ حَرْفًا) سِوَى " لَا " فَإِنَّ مَخْرَجَهَا مَخْرَجُ اللَّامِ وَالْأَلِفِ، فَمَهْمَا نَقَصَ مِنَ الْحُرُوفِ نَقَصَ مِنَ الدِّيَةِ بِقَدْرِهِ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتِمُّ بِجَمِيعِهَا، فَالذَّاهِبُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ مِنَ الدِّيَةِ كَقَدْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ، فَفِي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ رُبُعُ سُبُعِ الدِّيَةِ، وَفِي الْحَرْفَيْنِ نِصْفُ سُبُعِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا خَفَّ عَلَى اللِّسَانِ أَوْ ثَقُلَ ; لِأَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْمُقَدَّرُ لَمْ يَخْتَلِفْ لِاخْتِلَافِ قَدْرِهِ كَالْأَصَابِعِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْسَمَ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي لِلِّسَانِ فِيهَا عَمَلٌ دُونَ الشَّفَوِيَّةِ كَالْبَاءِ، وَالْفَاءِ، وَالْمِيمِ) وَالْوَاوِ دُونَ حُرُوفِ الْحَلْقِ السِّتَّةِ، وَهِيَ: الْهَمْزَةُ، وَالْهَاءُ، وَالْحَاءُ، وَالْخَاءُ، وَالْعَيْنُ، وَالْغَيْنُ. فَهَذِهِ عَشَرَةٌ، بَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَاللِّسَانُ تُقْسَمُ دِيَتُهُ عَلَيْهَا ; لِأَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِقَطْعِ اللِّسَانِ وَذَهَابِ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَحْدَهَا مَعَ بَقَائِهِ، فَإِذَا وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِيهَا بِمُفْرَدِهَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِهَا بِقِسْطِهِ مِنْهَا، وَفِي " الْكَافِي ": إِنَّ اللِّسَانَ لَا عَمَلَ لَهُ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يَنْطِقُ بِهَا اللِّسَانُ أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يَنْطِقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا (وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ مِثْلُ أَنْ