الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ حَدِّ الزِّنَا
إِذَا زَنَى الْحُرُّ الْمُحْصَنُ فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ، وَهَلْ يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمِ؟ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغُزَاةِ لَقَطَعْتُكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا رَجَعَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي دَارِنَا لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ لِعَارِضٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شُغْلٍ جَائِزٌ، فَإِذَا زَالَ أُقِيمَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى السَّالِمِ عَنِ الْمُعَارِضِ.
مَسْأَلَةٌ: تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الثُّغُورِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إِلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنْ يَجْلِدَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَمَانِينَ وَهُوَ بِالشَّامِ بِالثُّغُورِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ حَدِّ الزِّنَا]
[حَدُّ الْحُرِّ الْمُحْصَنِ]
بَابُ حَدِّ الزِّنَا وَهُوَ: فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء: 32]{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] وَلِمَا «رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَدُّهُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ الْحَبْسَ فِي الْبَيْتِ وَالْأَذَى بِالْكَلَامِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] وَالْمُرَادُ الثَّيِّبُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ نِسَائِكُمْ إِضَافَةُ زَوْجِيَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِضَافَةِ هُنَا إِلَّا اعْتِبَارُ الثُّيُوبَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ عُقُوبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا أَغْلَظُ مِنَ الْأُخْرَى، فَأَثْبَتَ الْأَغْلَظَ لِلثَّيِّبِ وَالْأُخْرَى لِلْبِكْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا:«خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» وَنَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
جَائِزٌ، وَمَنْ مَنَعَ قَالَ: لَيْسَ هَذَا نَسْخًا، إِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَبْيِينٌ لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: نَسْخُهُ حَصَلَ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْجَلْدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَالرَّجْمَ كَانَ فِيهِ، فَنُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (إِذَا زَنَى الْحُرُّ الْمُحْصَنُ) وَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّجْمُ إِلَّا عَلَيْهِ بِاتِّفَاقٍ (فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ، وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إِجْمَاعًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه السلام رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ، وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ثُمَّ نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، لِقَوْلِ عُمَرَ: كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ. الْخَبَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ فِي الْمُصْحَفِ لَاجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَثَوَابِ تِلَاوَتِهَا، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجَابَ ابْنُ عَقِيلٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ بِهِ مِقْدَارُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إِلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ عليه السلام إِلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ، وَهُوَ أَدْنَى طُرُقِ الْوَحْيِ وَأَقَلُّهَا. قَوْلُهُ:" فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ " أَيْ: يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: وَلْتَكُنِ الْحِجَارَةُ مُتَوَسِّطَةً، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَرْجُومَ يُدَامُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ (وَهَلْ يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .
إِحْدَاهُمَا: يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ أَظْهَرُ وَأَثْبَتُ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَالْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ، قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: اخْتَارَهَا شُيُوخُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَهِيَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِحَدِيثِ عُبَادَةَ، وَهَذَا صَرِيحٌ، فَلَا يُتْرَكُ إِلَّا بِمِثْلِهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ.
وَالثَّانِيَةُ: تُرْجَمُ فَقَطْ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَنَقَلَهُ الْأَكْثَرُ، وَاخْتَارَهُ الْأَثْرَمُ وَالْجَوْزَجَانِيُّ وَابْنُ حَامِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَهُوَ وِفَاقٌ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، لِأَنَّهُ عليه السلام رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا،
رِوَايَتَيْنِ. وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُمَا بَالِغَانِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَقَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِجَلْدِهَا، وَكَانَ هَذَا آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ الْأَثْرَمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ: إِنَّهُ أَوَّلُ حَدٍّ نَزَلَ، وَإِنَّ حَدِيثَ مَاعِزٍ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ فِيهِ الْجَلْدُ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ قَتْلٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ كَالرِّدَّةِ (وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُمَا بَالِغَانِ عَاقِلَانِ حُرَّانِ) أَقُولُ: يُشْتَرَطُ لِلْإِحْصَانِ شُرُوطٌ.
أَحَدُهَا: الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، فَلَوْ وُجِدَ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ، أَوْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ فِي الدُّبُرِ، لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ ثَيِّبًا، وَلَا تَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْأَبْكَارِ.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ فِي نِكَاحٍ، لِأَنَّ النِّكَاحَ يُسَمَّى إِحْصَانًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] يَعْنِي الْمُزَوَّجَاتِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَطْءَ الزِّنَا وَالشُّبْهَةِ لَا يَصِيرُ بِهِ الْوَاطِئُ مُحْصَنًا، وَأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ، وَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُهُ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ.
الرَّابِعُ: الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فِي قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ، فَلَوْ وَطِئَ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«الثَّيِّبِ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ» فَاعْتَبَرَ الثُّيُوبَةَ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَتْ تَحْصُلُ قَبْلَهُ لَكَانَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
الْخَامِسُ: الْحُرِّيَّةُ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالرَّجْمُ لَا يَتَنَصَّفُ، وَإِيجَابُهُ كُلُّهُ يُخَالِفُ النَّصَّ مَعَ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ الْكَمَالُ فِيهِمَا جَمِيعًا حَالَ الْوَطْءِ، فَيَطَأُ الرَّجُلُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ امْرَأَةً عَاقِلَةً حُرَّةً، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِحْصَانٌ بِوَطْئِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي الْإِرْشَادِ: وَهُوَ وَجْهٌ، وَفِي الْمُحَرَّرِ: يُحْصِنُ مُرَاهِقٌ بَالِغَةً وَمُرَاهِقَةٌ بَالِغًا، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوَايَةً، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ رَقِيقًا
عَاقِلَانِ حُرَّانِ، فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِهِمَا، فَلَا إِحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ لِلذِّمِّيِّينَ، وَهَلْ تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَ لِرِجْلٍ وَلَدٌ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: مَا وَطِئْتُهَا، لَمْ يَثْبُتْ إِحْصَانُهُ.
وَإِنْ زَنَى الْحُرُّ غَيْرُ الْمُحْصَنِ، جُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَلَا إِحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُحَصِّنْ أَحَدَ الْمُتَوَاطِئَيْنِ فَلَمْ يُحَصِّنِ الْآخَرَ، كَالتَّسَرِّي (فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِهِمَا فَلَا إِحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّ مَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شُرُوطٍ لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا (وَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ) وَهُوَ التَّسَرِّي (وَلَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، أَشْبَهَ وَطْءَ الشُّبْهَةِ (وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ لِلذِّمِّيِّينَ)«لِأَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِالزِّنَا اسْتَوَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْحَدِّ، وَكَذَا يَثْبُتُ لِمُسْتَأْمَنَيْنِ (وَهَلْ تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) .
إِحْدَاهُمَا: تُحْصِنُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي.
وَالثَّانِيَةُ: لَا تُحْصِنُهُ، لِأَنَّ الْإِحْصَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْحُرِّيَّةُ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِسْلَامُ كَإِحْصَانِ الْقَذْفِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ بِإِحْصَانِ الْقَذْفِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْعِفَّةَ وَلَيْسَتْ شَرْطًا هُنَا (وَلَوْ كَانَ لِرِجْلٍ وَلَدٌ مِنِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: مَا وَطِئْتُهَا، لَمْ يَثْبُتْ إِحْصَانُهُ) وَلَا يُرْجَمُ إِذَا زَنَى، لِأَنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ وَاحْتِمَالِهِ، وَالْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ مَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِمْكَانِ وُجُودُ مَا فِيهِ الْحَقِيقَةُ، وَيَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: وَطِئْتُهَا أَوْ جَامَعْتُهَا، وَالْأَشْهَرُ: أَوْ دَخَلْتُ بِهَا.
فَرْعٌ: إِذَا زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ فَلِكُلٍّ حَدُّهُ، نَصَّ عَلَيْهِ.