الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ دِيَتَهُ الْعَاقِلَةُ سَقَطَ حَقُّهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا.
فَصْلٌ الثَّانِي: اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ، وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمُ اسْتِيفَاؤُهُ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ لِشُرَكَائِهِ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ، وَيَسْقُطُ عَنِ الْجَانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ: لَهُمْ ذَلِكَ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَبْرَأْ مِنَ الْجِنَايَةِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ تَكْلِيفِهِ فَحَقُّهُ مِنَ الْقَوَدِ إِرْثٌ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ إِلَى الدِّيَةِ كَمَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَحِقُّ الْغَائِبُ وَجُهِلَ عَفْوُهُ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "(وَإِنِ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ دِيَتَهُ الْعَاقِلَةُ) كَالْعَبْدِ (سَقَطَ حَقُّهُمَا وَجْهًا وَاحِدًا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِيجَابُ دِيَتِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا سُقُوطُهُ.
[الشَّرْطُ الثَّانِي اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ]
فَصْلٌ
(الثَّانِي: اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ لَا يُمْكِنُ تَنْقِيصُهُ، فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ ; لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الدَّيْنَ (وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمُ اسْتِيفَاؤُهُ دُونَ بَعْضٍ) لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْكُلِّ شَرْطٌ، وَلَمْ يُوجَدْ (فَإِنْ فَعَلَ) مَنْ مَنَعْنَاهُ مِنْهُ غَيْرَ زَوْجٍ (فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يَسْتَحِقُّ بَعْضَهَا، فَلَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ بِهَا ; لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُؤْخَذُ بِبَعْضِ نَفْسٍ، وَلِأَنَّهُ مُشَارِكٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَوَدٌ كَمَا لَوْ كَانَ مُشَارِكًا فِي مِلْكِ الْجَارِيَةِ وَوَطْئِهَا وَيُفَارِقُ إِذَا قَتَلَ الْجَمَاعَةُ وَاحِدًا، فَإِنَّا لَمْ نُوجِبِ الْقِصَاصَ بِقَتْلِ بَعْضِ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ كُلٌّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلًا لِجَمِيعِهَا، وَلَوْ سَلِمَ فَمِنْ شَرْطِهِ الْمُشَارَكَةُ (وَعَلَيْهِ لِشُرَكَائِهِ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ) أَيْ: لِلَّذِي لَمْ يَقْتُلْ قِسْطُهُ مِنَ الدِّيَةِ ; لِأَنَّهُ حَقُّهُ مِنَ الْقَوَدِ، سَقَطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ، أَوْ عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ، وَهَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى قَاتِلِ الْجَانِي، أَوْ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَشَارَ إِلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ (وَيَسْقُطُ عَنِ الْجَانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَى قَاتِلِ الْجَانِي ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّهِ، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِعِوَضِ نَصِيبِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ وَدِيعَةٌ فَأَتْلَفَهَا (وَفِي الْآخَرِ لَهُمْ ذَلِكَ) أَيْ: حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ (فِي تَرِكَةِ الْجَانِي
الْجَانِي عَلَى قَاتِلِهِ. وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً. وَلِلْبَاقِينَ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاقُونَ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ الْجَانِي عَلَى قَاتِلِهِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، أَيْ: يَجِبُ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ، أَوْ عَفَا شَرِيكُهُ عَنِ الْقِصَاصِ، أَيْ: وَيَأْخُذُ وَارِثُهُ مِنَ الْمُقْتَصِّ الزَّائِدَ عَنْ حَقِّهِ ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَوْلُنَا: أَتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّهِ - يَبْطُلُ بِمَا إِذَا أَتْلَفَ مُسْتَأْجِرُهُ، أَوْ غَرِيمُهُ، وَيُفَارِقُ الْوَدِيعَةَ، فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمَا فَوَجَبَ عِوَضُ مِلْكِهِ، وَالْجَانِي لَيْسَ بِمَمْلُوكِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، إِنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ، وَهَذَا أَقْيَسُ، وَقَالَ الْحُلْوَانِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَلَوْ قَتَلَتِ امْرَأَةٌ رَجُلًا لَهُ ابْنَانِ فَقَتَلَهَا أَحَدُهُمَا، فَلِلْآخَرِ نِصْفُ دِيَةِ أَبِيهِ فِي تَرِكَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَتَلَتْهُ وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهَا عَلَى قَاتِلِهَا بِنِصْفِ دِيَتِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ الِابْنُ الَّذِي لَمْ يَقْتُلْ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى أَخِيهِ إِلَّا نِصْفَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ أَخَاهُ الَّذِي قَتَلَهَا أَتْلَفَ جَمِيعَ الْحَقِّ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " احْتِمَالٌ: يَسْقُطُ حَقُّهُمْ عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَيْنًا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا - غَرِمَ الدِّيَةَ قَاتِلُ الْجَانِي، وَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ - أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْجَانِي (وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّ الْقَتْلَ عِبَارَةٌ عَنْ زُهُوقِ الرُّوحِ بِآلَةٍ صَالِحَةٍ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَتَبَعَّضُ (وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً) إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُمَا مِنْ مُسْتَحِقِّي الدَّمِ كَبَقِيَّةِ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ: هُوَ مَوْرُوثٌ لِلْعَصَبَاتِ خَاصَّةً، ذَكَرَهَا ابْنُ الْبَنَّا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِدَفْعِ الْعَارِ فَاخْتُصَّ بِهِ الْعُصْبَةُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِذَوِي الْأَنْسَابِ فَقَطْ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ ; لِأَنَّ حَقَّ غَيْرِ الْعَافِي لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنْ يَعْقِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ
وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ فَعَلَيْهِمُ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ. وَسَوَاءٌ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
كَانُوا، وَلَا يَرِثُوا مِنْهَا إِلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا، وَإِنْ قُتِلَتْ فَعَقْلُهَا بَيْنَ وَرَثَتِهَا وَهُمْ يَقْتُلُونَ قَاتِلَهَا» . وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَوْلِ عُمَرَ رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْهُمْ وَكَسَائِرِ حُقُوقِهِ وَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ سَقَطَ كُلُّهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْمَرْأَةُ مُسْتَحِقَّةٌ فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهَا كَالرَّجُلِ، وَزَوَالُ الزَّوْجِيَّةِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْقَوَدِ كَمَا لَمْ يَمْنَعِ اسْتِحْقَاقَ الدِّيَةِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمْ وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ (وَلِلْبَاقِينَ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي) سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا، أَوْ إِلَى الدِّيَةِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ حَقَّهُ مِنَ الْقِصَاصِ سَقَطَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَثَبَتَ لَهُ الْبَدَلُ كَمَا لَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ بَعْضَ دَمِهِ، أَوْ مَاتَ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " إِنْ عَفَا أَحَدُهُمْ فَلِلْبَقِيَّةِ الدِّيَةُ، وَهَلْ يَلْزَمُهُمْ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ (فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاقُونَ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ فَعَلَيْهِمُ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلُوهُ ابْتِدَاءً، سَوَاءٌ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، أَوْ لَا (وَإِلَّا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ) أَيْ: إِذَا قَتَلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْعَفْوِ، أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّ الْعَفْوَ مُسْقِطٌ لِلْقَوَدِ لَمْ يَجِبْ قَوَدٌ ; لِأَنَّ ذلَكَ شُبْهَةً قَدْ دَرَأَتِ الْقَوَدَ كَالْوَكِيلِ إِذَا قَتَلَهُ بَعْدَ الْعَفْوِ، وَقَبْلَ الْعِلْمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ حَكَمَ بِالْعَفْوِ أَوْ لَا ; لِأَنَّ الشُّبْهَةَ مَوْجُودَةٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْعِلْمِ، مَعْدُومَةٌ عِنْدَ وُجُودِهِ (وَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ) فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا قَوَدَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ تَعَذَّرَ، وَالدِّيَةُ بَدَلُهُ، وَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ، أَمَّا الْعَفْوُ عَنِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ عَنْهُ مِنْهَا مَا قَابَلَ حَقَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ قِصَاصًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ عَفَا إِلَى غَيْرِ مَالٍ فَالْوَاجِبُ لِوَرَثَةِ الْقَاتِلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ عَفَا إِلَى الدِّيَةِ، فَالْوَاجِبُ لِوَرَثَةِ الْقَاتِلِ وَعَلَيْهِمْ نَصِيبُ الْعَافِي مِنَ الدِّيَةِ، وَقِيلَ: حَقُّ الْعَافِي مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَبْقَ مُتَعَلِّقًا
كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ، أَوْ بَعْضُهُمْ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا فَلَيْسَ لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ الِاسْتِيفَاءُ حَتَّى يَصِيرَا مُكَلَّفَيْنِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنَ الْمَالِ حَتَّى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا الدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَ غَرِيمَهُ (وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ، أَوْ بَعْضُهُمْ غَائِبًا) لِاسْتِوَائِهِمَا مَعْنًى، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا، فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْعَافِي فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَلَوِ ادَّعَى نِسْيَانَهُ، أَوْ جَوَازَهُ (فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا) أَوْ غَائِبًا (فَلَيْسَ لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ الِاسْتِيفَاءُ حَتَّى يَصِيرَا مُكَلَّفَيْنِ) وَيَقْدُمُ الْغَائِبُ (فِي الْمَشْهُورِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ، نَصَرَهُ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَا بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ وَكَدِيَةٍ، وَكَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، بِخِلَافِ مُحَارَبَةٍ لِتَحَتُّمِهِ وَحَدِّ قَذْفٍ لِوُجُوبِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا (وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ) وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ،، وَاللَّيْثُ ; لِأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَتَلَ ابْنَ مُلْجِمٍ قِصَاصًا، وَفِي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، فَإِنْ مَاتَا، أَوْ أَحَدُهُمَا فَوَارِثُهُمَا كَهُمَا، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى تَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ قصاص غير مُتَحَتِّمٌ، فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا اسْتِيفَاؤُهُ اسْتِقْلَالًا كَمَا لَوْ كَانَ لِحَاضِرٍ وَغَائِبٍ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِنَّمَا قَتَلَ الْحَسَنُ، ابْنَ مُلْجِمٍ حَدًّا لِكُفْرِهِ ; لِأَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ كَافِرٌ، وَقِيلَ: لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْتَظِرِ الْحَسَنُ غَائِبًا مِنَ الْوَرَثَةِ، فَيَكُونُ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلُهُ مُتَحَتِّمٌ، وَهُوَ إِلَى الْإِمَامِ، وَالْحَسَنُ هُوَ الْإِمَامُ، وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْإِمَامِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، لَا بِحُكْمِ الْأَدَبِ (وَكُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنَ الْمَالِ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثِهِ، أَشْبَهَ الْمَالَ، وَعَنْهُ: يَخْتَصُّ الْعَصَبَةَ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ ابْتِدَاءً أَمْ يَنْتَقِلُ عَنْ مُوَرِّثِهِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
فَائِدَةٌ: الْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ " الزَّوْجَانِ " مَرْفُوعًا بِالْأَلِفِ عَطْفًا عَلَى " كُلِّ مَنْ وَرِثَ " وَوُجِدَ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ مَجْرُورًا، وَتَكُونُ " حَتَّى " حَرْفَ جَرٍّ بِمَعْنَى انْتِهَاءِ الْغَايَةِ، أَيْ: وَكُلُّ