الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْحُدُودِ
لَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ إِلَّا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[كِتَابُ الْحُدُودِ]
[تَعْرِيفُ الحدود وَشُرُوطُ إِقَامَتِهَا]
ِ وَهِيَ جَمْعُ حَدٍّ، وَهُوَ الْمَنْعُ، وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَحَارِمُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] وَهِيَ مَا حَدَّهُ وَقَدَّرَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى، كَتَزْوِيجِ الْأَرْبَعِ وَنَحْوِهِ، وَمَا حَدَّهُ الشَّرْعُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، وَالْحُدُودُ: الْعُقُوبَاتُ الْمُقَدَّرَةُ، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنَ الْمَنْعِ، لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الذَّنْبِ، وَأَنْ تَكُونَ سُمِّيَتِ الْحُدُودَ الَّتِي هِيَ الْمَحَارِمُ لِكَوْنِهَا زَوَاجِرَ عَنْهَا، أَوْ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ الْمُقَدَّرَاتُ، وَشَرْعًا: عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ لِتَمْنَعَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهِ.
(لَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ) وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِهِمَا لِلنُّصُوصِ، وَلِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْإِثْمِ فِي الْمَعَاصِي، فَالْحَدُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّرْءِ بِالشُّبَهَاتِ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ يَفِيقُ فِي وَقْتٍ فَأَقَرَّ فِيهِ أَنَّهُ زَنَى وَهُوَ يَفِيقُ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ فِي إِفَاقَتِهِ أَنَّهُ زَنَى وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى حَالٍ، أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِهِ، وَلَمْ تُضِفْهُ إِلَى حَالِ إِفَاقَتِهِ، فَلَا حَدَّ لِلِاحْتِمَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى نَائِمٍ وَلَا نَائِمَةٍ (عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ) لِعُمُومِ النُّصُوصِ، وَقَالَهُ الْأَئِمَّةُ، سَوَاءٌ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِ الْمَرْأَةِ، زَادَ فِي الْوَجِيزِ: مُلْتَزِمٌ، وَهُوَ مُرَادٌ.
[مَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ]
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ، وَلَا يُؤْمَنُ مَعَهُ الْحَيْفُ فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ
الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ إِلَّا السَّيِّدُ، فَإِنَّ لَهُ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ خَاصَّةً عَلَى رَقِيقِهِ الْقِنِّ، وَهَلْ لَهُ الْقَتْلُ فِي الرِّدَّةِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَا يَمْلِكُ إِقَامَتَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
إِلَى نَائِبِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَلِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي حَيَاتِهِ، وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِلَّا لِقَرِينَةٍ كَتَطَلُّبِ الْإِمَامِ لَهُ لِيَقْتُلَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَقَامَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ تَعَدَّى عَلَى الْإِمَامِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا كَالْمُرْتَدِّ، وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ حُضُورُ إِقَامِتِهِ، لِقَوْلِهِ:«وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ، وَلِغَيْرِهِ.
فَرْعٌ: مَنْ أَقَامَ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَزِمَهُ مِنْ حَدِّ زَنًا أَوْ قَذْفٍ بِإِذْنِ إِمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ (إِلَّا السَّيِّدُ) الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ الْعَالِمُ (فَإِنَّ لَهُ إِقَامَةَ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ خَاصَّةً عَلَى رَقِيقِهِ الْقِنِّ) أَيِ: الْكَامِلِ رِقُّهُ فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَلِأَنَّ لِلسَّيِّدِ تَأْدِيبَ أَمَتِهِ بِتَزْوِيجِهَا، فَمَلَكَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا كَالسُّلْطَانِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الصَّبِيَّ، وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى اجْتِهَادٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ، كَالْقَطْعِ وَحَدِّ الْحُرِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَهُ سَمَاعُ بَيِّنَةٍ تَقْتَضِي الْعُقُوبَةَ وَالْعَمَلُ بِهَا إِنْ عَرَفَ شُرُوطَهَا، وَإِلَّا سَمِعَهَا الْحَاكِمُ أَوْ سَيِّدُهُ بِإِذْنِهِ، وَقِيلَ: لَا يَسْمَعُهَا غَيْرُ حَاكِمٍ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ (وَهَلْ لَهُ الْقَتْلُ فِي الرِّدَّةِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا يَمْلِكُهُ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ
وَلَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَلَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ فَاسِقًا أَوِ امْرَأَةً فَلَهُ إِقَامَتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَمْلِكَهُ، وَلَا يَمْلِكَهُ الْمُكَاتَبُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَسَوَاءٌ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، وَإِنْ ثَبَتَ بِعِلْمِهِ، فَلَهُ إِقَامَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَمْلِكَهُ كَالْإِمَامِ، وَلَا يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ.
وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عليه السلام إِنَّمَا أَمَرَ بِالْجَلْدِ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ فِي الْجَلْدِ سَتْرًا عَلَى رَقِيقِهِ، لِئَلَّا يَفْتَضِحَ بِإِقَامَةِ الْإِمَامِ لَهُ فَتَنْقُصَ قِيمَتُهُ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا، وَالثَّانِيَةُ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَطَعَ عَبْدًا لَهُ سَرَقَ، وَحَفْصَةً قَتَلَتْ أَمَةً لَهَا سَحَرَتْهَا (وَلَا يَمْلِكُ إِقَامَتَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ) قَطَعَ بِهِ فِي: الْمُغْنِي، وَالْوَجِيزِ، وَالْآدَمِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسَ، وَغَيْرُهُمْ، لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَفِيهِ وَجْهٌ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمُ الْمَذْهَبَ، لِأَنَّهُ عَبْدٌ (وَلَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى كُلِّهِ، وَالْحَدُّ تَصَرُّفٌ فِي الْكُلِّ (وَلَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ، أَشْبَهَ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَفِيهَا وَجْهٌ صَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَنَقَلَ مُهَنَّا: إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً فَالسُّلْطَانُ، وَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهَا حَتَّى تُحَدَّ، وَيُخَرَّجُ فِي مَرْهُونَةٍ وَمُسْتَأْجَرَةٍ وَجْهَانِ، وَجَعَلَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ مَرْهُونَةً وَمُكَاتَبَةً أَصْلًا كَمُزَوَّجَةٍ (وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ فَاسِقًا أَوِ امْرَأَةً فَلَهُ إِقَامَتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ ثَبَتَتْ بِالْمِلْكِ أَشْبَهَتْ وِلَايَةَ التَّأْدِيبِ، وَالْمَرْأَةُ تَامَّةُ الْمَلِكِ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفَاتِ، أَشْبَهَتِ الرَّجُلَ، وَلِأَنَّ فَاطِمَةَ جَلَدَتْ أَمَةً لَهَا، وَعَائِشَةَ قَطَعَتْ أَمَةً لَهَا سَرَقَتْ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَمْلِكَهُ) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، فَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ الْعَدْلِ، وَقِيلَ: يُقِيمُهُ وَلِيُّ امْرَأَةٍ، وَهَلْ لِلْوَصِيِّ حَدُّ رَقِيقِ مُولِّيهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ) صَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ، وَمِلْكُهُ عَلَى عَبْدِهِ نَاقِصٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْلِكَهُ) لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ بِالْمِلْكِ أَشْبَهَ تَصَرُّفَاتِهِ (وَسَوَاءٌ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ) إِنْ كَانَ يَعْلَمُ شُرُوطَهُ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ فِي ثُبُوتِهِ، فَوَجَبَ أَلَّا يَخْتَلِفَ حَالُ السَّيِّدِ فِيهِ، فَعَلَى هَذَا لِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْمَعَ إِقْرَارَهُ وَيُقِيمَ الْحَدَّ عَلَيْهِ، وَيُقَدِّمَ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ (وَإِنْ ثَبَتَ بِعِلْمِهِ فَلَهُ إِقَامَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَمَلَكَ إِقَامَتَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَأْدِيبَهُ بِعِلْمِهِ، فَكَذَا هُنَا (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَمْلِكَهُ كَالْإِمَامِ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ لِلْحَدِّ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ السَّيِّدِ، لِكَوْنِهَا مُتَّفَقًا