الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُنْظِرْهُمْ وَقَاتَلَهُمْ.
وَلَا يُقَاتِلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إِتْلَافُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا يَسْتَعِينُ فِي حَرْبِهِمْ بِكَافِرٍ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَا يُتْبَعُ لَهُمْ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجَازِ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُغْنَمْ لَهُمْ مَالٌ، وَلَا تُسْبَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَنْهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": ثَلَاثًا، وَلِأَنَّ الْإِنْظَارَ الْمَرْجُوَّ بِهِ رُجُوعُهُمْ أَوْلَى مِنْ مُعَالَجَتِهِمْ بِالْقِتَالِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ (فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا مَكِيدَةٌ لَمْ يُنْظِرْهُمْ) لِأَنَّ الْإِنْظَارَ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ أَنْ يَصِيرَ طَرِيقًا إِلَى قَهْرِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَعْطَوْهُ عَلَيْهِ مَالًا أَوْ رَهْنًا، لِأَنَّهُ يُخَلِّي سَبِيلَهُمْ إِذَا انْقَضَتِ الْحَرْبُ كَمَا يُخَلِّي الْأُسَارَى، وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، فَإِنْ سَأَلُوهُ أَنْ يُنْظِرَهُمْ أَبَدًا، وَيَدَعَهُمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ وَيَكُفُّوا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ قَوِيَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ إِقْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا جَازَ (وَقَاتَلَهُمْ) حَيْثُ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ ضَعُفَ عَنْهُ أَخَّرَهُ حَتَّى يَقْوَى، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يُقَاتِلُ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ، وَإِذَا قَاتَلَ مَعَهُمْ عَبِيدٌ، أَوْ نِسَاءٌ، أَوْ صِبْيَانٌ، فَهُمْ كَالرَّجُلِ الْبَالِغِ الْحُرِّ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَمُرَاهِقٌ وَعَبْدٌ كَخَيْلٍ.
[أَحْكَامُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ]
(وَلَا يُقَاتِلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إِتْلَافُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ) لِأَنَّهُ يَعُمُّ مَنْ يَجُوزُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ (إِلَّا لِضَرُورَةٍ) كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ، فَإِنْ رَمَاهُمُ الْبُغَاةُ بِهِ جَازَ رَمْيُهُمْ، (وَلَا يَسْتَعِينُ فِي حَرْبِهِمْ بِكَافِرٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعَانُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِهِ، فَلَأَنْ لَا يُسْتَعَانَ بِهِ فِي قِتَالِ مُسْلِمٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ كَفُّهُمْ لَا قَتْلُهُمْ، وَهُوَ لَا يَقْصِدُ قَتْلَهُمْ، فَإِنِ احْتَاجَ فَقَدَرَ عَنْ كَفِّهِمْ عَنْ فِعْلِ مَا لَا يَجُوزُ جَازَتْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا.
(وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ؟) أَيْ: خَيْلِهِمْ (عَلَى وَجْهَيْنِ) .
أَحَدُهُمَا: لَا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَحْمَدَ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ عَنْ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عَصَمَ أَمْوَالَهُمْ، وَإِنَّمَا أُتِيحَ قِتَالُهُمْ لِرَدِّهِمْ إِلَى الطَّاعَةِ، فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى الْعِصْمَةِ، كَمَالِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ، فَيَجُوزُ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْمَخْمَصَةِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ إِلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى أَسْلِحَةِ الْكُفَّارِ، وَعَلَيْهِ: لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ قِتَالُهُمْ، وَيَجِبُ رَدُّهُ بَعْدَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، كَمَا يَرُدُّ سَائِرَ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَرُدُّهُ حَالَ الْحَرْبِ، لِئَلَّا يُقَاتِلُونَا بِهِ (وَلَا يُتْبَعُ لَهُمْ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجَازِ عَلَى جَرِيحٍ) وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ إِذَا تَرَكُوا الْقِتَالَ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، لِمَا رَوَى
لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ، وَمَنْ أُسِرَ مِنْ رِجَالِهِمْ حُبِسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ، ثُمَّ يُرْسَلَ، وَإِنْ أُسِرَ صَبِيٌّ، أَوِ امْرَأَةٌ، فَهَلْ يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، أَوْ يُخَلَّى فِي الْحَالِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَإِذَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَرْوَانُ، قَالَ: خَرَجَ خَارِجٌ يَوْمَ الْجَمَلِ لِعَلِيٍّ: لَا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ، وَلَا يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحٍ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَعَنْ عَمَّارٍ نَحْوَهُ، وَكَالصَّائِلِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": إِنَّ الْمُدْبِرَ مَنِ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ لَا الْمُتَحَرِّفَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَعَلَى هَذَا: إِذَا قَتَلَ إِنْسَانًا مُنِعَ مِنْ قَتْلِهِ ضَمِنَهُ، وَهَلْ يَلْزَمْهُ الْقِصَاصُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَلَا يُغْنَمُ لَهُمْ مَالٌ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا بِبَغْيِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَعِصْمَةُ الْأَمْوَالِ تَابِعَةٌ لِدِينِهِمْ (وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَحَدٍ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ سَبَبٌ أَصْلًا، بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَإِنَّهُ وُجِدَ مِنْهُمُ الْبَغْيُ وَالْقِتَالُ.
(وَمَنْ أُسِرَ مِنْ رِجَالِهِمْ حُبِسَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ) لِأَنَّ فِي إِطْلَاقِهِمْ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ (ثُمَّ يُرْسَلُ) بَعْدَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إِرْسَالِهِمْ خَوْفُ مُسَاعَدَةِ أَصْحَابِهِمْ، وَقَدْ زَالَ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": لَا، مَعَ بَقَاءِ شَوْكَتِهِمْ، وَقِيلَ: يُرْسَلُ إِنْ أُمِنَ ضَرَرُهُ، فَإِنْ بَطَلَتْ، وَيُتَوَقَّعُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ.
فَرْعٌ: إِذَا أَسَرَ رَجُلًا مُطَاعًا خُلِّيَ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": إِنْ أُمِنَ شَرُّهُ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الطَّاعَةِ، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ ": وَكَانَ رَجُلًا جَلْدًا حُبِسَ، وَأُطْلِقَ بَعْدَ الْحَرْبِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ ": وَشُرِطَ عَلَيْهِ أَلَّا يَعُودَ إِلَى الْقِتَالِ.
(وَإِنْ أُسِرَ صَبِيٌّ أَوِ امْرَأَةٌ، فَهَلْ يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، أَوْ يُخَلَّى فِي الْحَالِ، يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ) .
أَحَدُهُمَا: يُحْبَسُونَ، لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ قُلُوبِ الْبُغَاةِ، وَكَالرَّجُلِ.
وَالثَّانِي: يُخَلَّوْنَ فِي الْحَالِ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ "، لِأَنَّهُ لَا يُخْشَى مِنْ تَخْلِيَتِهِ.
فَرْعٌ: لَا يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ قَتْلُ ذَوِي رَحِمِهِ الْبَاغِينَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ، أَشْبَهَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ يُكْرَهُ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ "، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] قَالَ
انْقَضَى الْحَرْبُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَالَهُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ أَخَذَهُ، وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِمْ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَهَلْ يَضْمَنُ الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ أَتْلَفَ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ شَيْئًا ضَمِنَهُ، وَمَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الشَّافِعِيُّ: «كَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ» ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ، وَذَكَرَهُ فِي " الْفُرُوعِ " احْتِمَالًا، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِمُصَاحَبَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ.
تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ فِدَاءُ أُسَارَى أَهْلِ الْعَدْلِ بِأُسَارَى الْبُغَاةِ، فَإِنْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ أُسَارَى أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُ أَسْرَاهُمْ، فَإِنِ اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْبُغَاةِ فَقَدَرَ الْإِمَامُ عَلَى قَهْرِهِمَا، لَمْ يُعِنْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَإِنْ عَجَزَ وَخَافَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى حَرْبِهِ ضَمَّ إِلَيْهِ أَقْرَبَهُمَا إِلَى الْحَقِّ، فَإِنِ اسْتَوَيَا اجْتَهَدَ فِي ضَمِّ إِحْدَاهُمَا، وَلَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ مَعُونَةَ إِحْدَاهُمَا، بَلْ الِاسْتِعَانَةَ عَلَى الْأُخْرَى، فَإِذَا هَزَمَهَا لَمْ يُقَاتِلْ مَنْ مَعَهُ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ (وَإِذَا انْقَضَى الْحَرْبُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَالَهُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ أَخَذَهُ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: مَنْ عَرَفَ شَيْئًا أَخَذَهُ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ بِالْإِسْلَامِ، أَشْبَهَ مَالَ غَيْرِ الْبُغَاةِ (وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِمْ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنُ دَفْعُ الْبُغَاةِ إِلَّا بِقَتْلِهِمْ جَازَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِمْ مِنْ إِثْمٍ، وَلَا ضَمَانٍ، وَلَا كَفَّارَةٍ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ الصَّائِلَ عَلَيْهِ (وَهَلْ يَضْمَنُ الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: لَا ضَمَانَ، قَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " وَ " الْفُرُوعِ "، وَنَصَرَهَا فِي " الشَّرْحِ "، وَالْقَاضِي فِي " الْخِلَافِ "، وَصَحَّحَهَا، لِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ: هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا أَنْ لَا يُقَادَ أَحَدٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ، عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إِلَّا مَا وُجِدَ بِعَيْنِهِ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَاحْتَجَّ بِهِ، رَوَاهُ الْخَلَّالُ، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَلِأَنَّ تَضْمِينَهُمْ يُفْضِي إِلَى تَنْفِيرِهِمْ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ، فَسَقَطَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَأَهْلِ الْعَدْلِ.
وَالثَّانِيَةُ: يَضْمَنُونَ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ: تُودُونَ قَتْلَانَا، وَلَا نُودِي قَتْلَاكُمْ، وَلِأَنَّهَا نُفُوسٌ، وَأَمْوَالٌ مَعْصُومَةٌ
أَخَذُوا فِي حَالِ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ خَرَاجٍ، أَوْ جِزْيَةٍ لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَمَنِ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاتِهِ إِلَيْهِمْ قُبِلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنِ ادَّعَى ذَمِّيٌ دَفْعَ جِزْيَتِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أُتْلِفَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا ضَرُورَةِ دَفْعٍ مُبَاحٍ، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالَّذِي تَلِفَ في غير حَالَ الْحَرْبِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَعَ عَنْهُ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ وَلَمْ يُمْضِهِ، ثُمَّ لَوْ وَجَبَ التَّعْزِيرُ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّينَ لَمْ يَلْزَمْ مِثْلُهُ هُنَا، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ سَائِغٌ، وَأُولَئِكَ كُفَّارٌ لَا تَأْوِيلَ لَهُمْ، وَإِذَا ضَمِنَ الْمَالَ، فَفِي الْقَوَدِ وَجْهَانِ، فَإِنْ أَهْدَرَ فَالْقَوَدُ أَوْلَى (وَمَنْ أَتْلَفَ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ شَيْئًا ضَمِنَهُ) أَيْ: مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الضَّمَانِ، تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ فِي حَالِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ، فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ، وَهَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُ الْبَاغِي؟ إِذَا قَتَلَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي غَيْرِ الْمَعْرَكَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ، فَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَالصَّحِيحُ إِبَاحَةُ قَتْلِهِمْ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ (وَمَا أَخَذُوا فِي حَالِ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ خَرَاجٍ أَوْ جِزْيَةٍ لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى صَاحِبِهِ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا جَبَوْهُ، وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِسَابِ بِهَا ضَرَرًا عَظِيمًا وَمَشَقَّةً كَبِيرَةً، فَإِنَّهُمْ قَدْ يَغْلِبُونَ عَلَى الْبِلَادِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ، فَلَوْ لَمْ يَحْتَسِبْ بِمَا أَخَذُوهُ لَحَصَلَ الضَّرَرُ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى بُغَاةٍ وَخَوَارِجَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْخَوَارِجِ، وَيَقَعُ مَوْقِعَهُ، قَالَ الْقَاضِي فِي " الشَّرْحِ ": هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّمَا يَجُوزُ أَخْذُهُمْ إِذَا نَصَّبُوا لَهُمْ إِمَامًا، وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إِلَيْهِمِ اخْتِيَارًا، وَعَنْ أَحْمَدَ: الْوَقْفُ فِيمَا أَخَذُوهُ مِنْ زَكَاةٍ، فَلَوْ صَرَفَهُ أَهْلُ الْبَغْيِ فِي جِهَتِهِ صَحَّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَدَفْعُ سَهْمِ الْمُسْتَرْزِقَةِ إِلَى أَجْنَادِهِمْ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ (وَمَنِ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاتِهِ إِلَيْهِمْ قُبِلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ (وَإِنِ ادَّعَى ذِمِّيٌّ دَفْعَ جِزْيَتِهِ إِلَيْهِمْ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَأْمُونِينَ، وَلِأَنَّهَا عِوَضٌ أَشْبَهَتِ الْأُجْرَةَ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ إِذَا مَضَى الْحَوْلُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبُغَاةَ لَا يَدَّعُونَ الْجِزْيَةَ لَهُمْ