الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَدًا، قُطِعَتْ يَدُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ حُدَّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ لِلشُّرْبِ ثُمَّ لِلزِّنَا، وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.
فَصْلٌ وَمَنْ قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ، لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تُفَوِّتَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْقِصَاصِ، فَيَفُوتَ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّ الْعَفْوَ جَائِزٌ، فَيُحْتَمَلُ بِتَأْخِيرِهِ أَنْ يَعْفُوَ الْوَلِيُّ فَيَحْيَى.
الثَّالِثُ: أَنْ يَتَّفِقَ الْحَقَّانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ قِصَاصًا، قُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الرَّجْمِ فِي الزِّنَا، وَيُبْدَأُ بِالْأَسْبَقِ مِنَ الْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَالْقِصَاصِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقُّ آدَمِيٍّ، وَإِنْ سَبْقَ الْقِصَاصُ قُتِلَ قِصَاصًا وَلَمْ يُصْلَبْ، كَمَا لَوْ مَاتَ وَيَجِبُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ فِي الْمُحَارَبَةِ دِيَتُهُ، وَإِنْ مَاتَ الْقَاتِلُ فِي الْمُحَارَبَةِ وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ، وَقُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الْحَدِّ الْمُتَمَحِّضِ فِي الْقَطْعِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ سَبَبُهُ، فَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ اسْتَوْفَى الْحَدَّ، وَالْقَطْعُ فِي الْمُحَارَبَةِ حَدٌّ مَحْضٌ، وَلَيْسَ بِقِصَاصٍ، وَالْقَتْلُ يَتَضَمَّنُ الْقِصَاصَ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَ الْقَتْلُ فِي الْمُحَارَبَةِ وَجَبَتِ الدِّيَةُ، وَلَوْ فَاتَ الْقَطْعُ لَمْ يَجِبْ لَهُ (بَدَلٌ فَإِذَا زَنَى وَشَرِبَ وَقَذَفَ وَقَطَعَ يَدًا، قُطِعَتْ يَدُهُ أَوَّلًا) لِأَنَّهُ مُتَمَحِّضُ حَقِّ آدَمِيٍّ، بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ (ثُمَّ حُدَّ لِلْقَذْفِ) لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهِ لِآدَمِيٍّ (ثُمَّ لِلشُّرْبِ) لِأَنَّهُ أَخَفُّ (ثُمَّ لِلزِّنَا) لِأَنَّهُ أَشَدُّ الْحُدُودِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ: إِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَتْلَانِ بِرِدَّةٍ وَقَوَدٍ، وَقَطْعَانِ بِسَرِقَةٍ وَقَوَدٍ، قُطِعَ وَقُتِلَ لَهُمَا، وَقِيلَ: لِلْقَوَدِ خَاصَّةً، وَفِي الشَّرْحِ: إِذَا سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ، وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ قُتِلَ حَتْمًا وَلَمْ يُصْلَبْ وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ (وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى تَلَفِهِ بِتَوَالِي الْحُدُودِ عَلَيْهِ.
[الْقَتْلُ وَإِتْيَانُ الْحَدِّ خَارِجُ الْحَرَمِ]
فَصْلٌ (وَمَنْ قَتَلَ) أَوْ جَرَحَ (أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ) أَيْ: حَرَمِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ لِلنَّصِّ، وَفِي التَّعْلِيقِ وَجْهٌ: أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ كَمَكَّةَ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا، قَالَ:
يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى حَتَّى يَخْرُجَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ اسْتُوفِيَ مِنْهُ فِيهِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
«إِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا، أَلَّا يُهْرَقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ» (ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ) أَيْ: إِلَى الْحَرَمِ (لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِيهِ) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يُسْتَوْفَى فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْقَتْلَ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ» وَلَا شَكَّ أَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَعْظَمُ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْكُلُّ لِلْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّهُ عليه السلام قَتَلَ ابْنَ خَطَلٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ أُبِيحَ قَتْلُهُ، لِعِصْيَانِهِ أَشْبَهَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] أَيْ: فَأَمِّنُوهُ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ، وَلِأَنَّهُ عليه السلام حَرَّمَ سَفْكَ الدَّمِ بِهَا، وَقَوْلُهُ عليه السلام، «فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» يَدْفَعُ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ قَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي شُرَيْحٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هَيَّجْتُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَكَذَا إِذَا لَجَأَ إِلَيْهِ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ بِهِ فِيهِ كَحَيَوَانٍ صَائِلٍ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (وَلَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: وَلَا يُكَلَّمُ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يُآكَلُ وَلَا يُشَارَبُ، لِأَنَّهُ لَوْ أُطْعِمَ أَوْ أُووِيَ لَتَمَكَّنَ مِنَ الْإِقَامَةِ دَائِمًا، فَيَضِيعُ الْحَقُّ (حَتَّى يَخْرُجَ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ) فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الَّذِي يُصِيبُ حَدًّا ثُمَّ يَلْجَأُ إِلَى الْحَرَمِ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ، حَكَاهُ أَحْمَدُ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَنْ قَتَلَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ أُخْرِجَ إِلَى الْحِلِّ فَيُقْتَلُ فِيهِ، وَمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ قُتِلَ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ، وَالْآدَمِيُّ حُرْمَتُهُ عَظِيمَةٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ قَتْلُهُ لِعَارِضٍ، أَشْبَهَ الصَّائِلَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُبَاحَةِ، فَإِنَّ الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُهَا، فَلَوِ اسْتَوْفَى مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ، أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.