الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَهَا الْفَسْخُ إِلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فِيمَا إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ. وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ.
بَابُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ
تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ وَوَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ وَلَهُ مَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
سَلَّمْتَ إِلَيْهَا حَقَّهَا، وَإِلَّا بُعِثَ عَلَيْكَ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ أَبَى، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ بِمَكَانِهِ بَاعَ بِقَدْرِ نَصِفِهِ لِجَوَازِ طَلَاقِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَافْتَقَرَ إِلَى الْحَاكِمِ كَالْفَسْخِ لِلْعُنَّةِ، وَلَا يُفْسَخُ إِلَّا بِطَلَبِهَا ; لِأَنَّهُ لَحِقَهَا، أَوْ تَفْسَخُ هِيَ بِأَمْرِهِ، فَإِذَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ فَسْخٌ، لَا رَجْعَةَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُهُ فَسَخَ بِطَلَبِهَا، أَوْ فَسَخَتْ بِأَمْرِهِ، وَلَا يُنَفَّذُ بِدُونِهِ، وَقِيلَ: ظَاهِرًا، وَفِي " التَّرْغِيبِ " يُنَفَّذُ مَعَ تَعَذُّرِهِ، زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ ": مُطْلَقًا، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ طَلَاقٌ لِأَمْرِهِ بِطَلَبِهَا بِطَلَاقٍ، أَوْ نَفَقَةٍ، فَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " التَّبْصِرَةِ "، فَإِنْ رَاجَعَ، فَقِيلَ: لَا تَصِحُّ مَعَ عُسْرَتِهِ، وَقِيلَ: بَلِيَ فَيُطَلِّقُ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً، وَقِيلَ: إِنْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أُجِيبَ، فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ فَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: إِلَى آخَرِ الْيَوْمِ الْمُتَخَلِّفَةِ نَفَقَتُهُ، وَفِي " الْمُغْنِي " يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ فَسْخٌ، فَإِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ فَرَاجَعَ، وَلَمْ يُنْفِقْ فَلِلْحَاكِمِ الْفَسْخُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، وَالْفَسْخَ، وَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ ارْتِجَاعُهَا ; لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ الْوَاجِبِ، أَشْبَهَ تَفْرِيقَهُ بَيْنَ الْمُؤْلِي وَامْرَأَتِهِ.
[بَابُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ]
ِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ مَعَ الْيَسَارِ فَقَطْ (تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] وَمِنَ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ
يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ. وَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ سَائِرِ آبَائِهِ، وَإِنَّ عَلَوْا وَأَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهَا وَلِقَوْلِهِ عليه السلام «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا، وَلَا مَالَ - وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِهِ (وَوَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ) . الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِـ " تَجِبُ "، أَوْ بَعْضِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6](إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ) أَيْ: لَا مَالَ لَهُمْ، وَلا كَسْبَ يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى كَالنَّفَقَةِ. وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ فَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا، فَلَا نَفَقَةَ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ فِي الْخِرَقِيِّ، وَ " الْمُغْنِي " أَنَّ الْوَلَدَ الرَّقِيقَ، لَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حُرًّا (وَلَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَاضِلًا، عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ) وَرَقِيقِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَأُجْرَةِ مِلْكِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْمُحْتَاجِ كَالزَّكَاةِ (وَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ سَائِرِ آبَائِهِ، وَإِنْ عَلَوْا وَأَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِدُخُولِهِمْ فِي اسْمِ الْآبَاءِ، وَالْأَوْلَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] فَيَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ، وَقَالَ:{وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] وَقَالَ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً فَوَجَبَ الْعِتْقُ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، أَشْبَهَ الْوَلَدَ، وَالْوَالِدَيْنِ الْقَرِيبَيْنِ (وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَارِثٍ لِمُوَروثِهِ بِشَرْطِ إِرْثِ الْمُنْفِقِ وَغِنَاهُ وَفَقْرِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ (سَوَاءٌ وِرْثَهُ الْآخَرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] أَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِّ، ثُمَّ عَطَفَ الْوَارِثُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الْوُجُوبِ (أَوْ لَا) يَرِثُهُ (كَعَمَّتِهِ
سِوَاهُمْ سَوَاءٌ وِرْثَهُ الْآخَرُ، أَوْ لَا كَعَمَّتِهِ وَعَتِيقِهِ، وَحُكِيَ عَنْهُ إِنْ لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ. فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَعَتِيقِهِ) أَيْ: كَابْنِ الْأَخِ مَعَ عَمَّتِهِ، وَالْمُعْتِقِ مَعَ عَتِيقِهِ لِلْآيَةِ (وَحُكِيَ عَنْهُ إِنْ لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ) لِأَنَّ الْوَارِثَ أَحَدُ الْقَرَابَتَيْنِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ كَالْآخَرِ، وَعَنْهُ: تَخْتَصُّ الْعَصَبَةُ مُطْلَقًا، نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ فَيُعْتَبَرُ أَنْ يَرِثَهُمْ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ فِي الْحَالِ لِقَضَاءِ عُمَرَ عَلَى بَنِي عَمِّ مَنْفُوسٍ بِنَفَقَتِهِ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَكَالْعَقْلِ، فَلَا يَلْزَمُ بَعِيدًا مُوسِرًا يَحْجُبُهُ قَرِيبٌ مُعْسِرٌ، وَعَنْهُ: بَلَى إِنْ وَرِثَهُ وَحْدَهُ لَزِمَتْهُ مَعَ يَسَارِهِ وَمَعَ فَقْرِهِ تَلْزَمُ بَعِيدًا مُوسِرًا، فَلَا تَلْزَمُ جَدًّا مُوسِرًا مَعَ أَبٍ فَقِيرٍ، وَأَخَا مُوسِرًا مَعَ ابْنٍ فَقِيرٍ عَلَى الْأُولَى، وَتَلْزَمُ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَإِنِ اعْتُبِرَ إِرْثٌ فِي غَيْرِ عَمُودَيِ نَسَبِهِ لَزِمَتِ الْجَدَّ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ وَأَطْلَقَ فِي " التَّرْغِيبِ " ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ تَوَارُثُهُمَا اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَبِرُّ؛ قَالَ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَمَوْلَاكَ الَّذِي يَلِي ذَاكَ، حَقٌّ وَاجِبٌ وَرَحِمٌ مَوْصُولَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَرِيبِهِ ; لِأَنَّهُ يَرِثُهُ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ.
1 -
(فَأَمَّا ذَوُو الْأَرْحَامِ) وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ بِفَرْضٍ، وَلَا تَعْصِيبٍ (فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهِمْ، وَلِأَنَّ قَرَابَتَهُمْ ضَعِيفَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ فَهُمْ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الْمَالَ يُصْرَفُ إِلَيْهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ بِدَلِيلِ تَقْدِيمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَخْرُجُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: مَا سَبَقَ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ، وَالثَّانِيَةُ: تَجِبُ لِكُلِّ وَارِثٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّهُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَهُوَ عَامٌّ لِعُمُومِ الْمِيرَاثِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، بَلْ أَوْلَى، قَالَ: وَعَلَى هَذَا مَا وَرَدَ مِنْ حَمْلِ الْخَالِ لِلْعَقْلِ فِي قَوْلِهِ «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، وَقَوْلُهُ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ،
أَبُو الْخَطَّابِ: يَخْرُجُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ وَارِثٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَ أُمٌّ وَجَدٌّ، فَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ. وَإِنْ كَانَتْ لَهُ جَدَّةٌ وَأَخٌ، فَعَلَى الْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حِسَابُ النَّفَقَاتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَمَنْ لَهُ ابْنٌ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَكَانَ مِسْطَحٌ ابْنَ خَالَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَيَدْخُلُونَ فِي قَوْلِهِ {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] وَأَوْجَبَهَا جَمَاعَةٌ لِعَمُودَيِ نَسَبِهِ فَقَطْ (وَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ وَارِثٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ مِنْهُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْإِرْثِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْمِقْدَارِ عَلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى وَارِثِهِ مُطْلَقًا (فَإِذَا كَانَ أُمٌّ وَجَدٌّ، فَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ) لِأَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ كَذَلِكَ.
1 -
مَسَائِلُ: ابْنٌ وَبِنْتٌ: النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا.
أُمٌّ، وَابْنٌ: عَلَى الْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي عَلَى الِابْنِ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتٌ، وَابْنُ ابْنٍ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ.
أُمٌّ وَبِنْتٌ: النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَرْبَاعًا كَمِيرَاثِهِمَا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَتْ بِنْتٌ، وَابْنُ بِنْتٍ، فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْبِنْتِ.
(وَإِنْ كَانَتْ لَهُ جَدَّةٌ وَأَخٌ، فَعَلَى الْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ) لِأَنَّ مِيرَاثَهُمَا مِنْهُ كَذَلِكَ (وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حِسَابُ النَّفَقَاتِ) يَعْنِي: أَنَّ تَرْتِيبَ النَّفَقَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ، فَكَمَا أَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ مِنَ الْمِيرَاثِ كَذَلِكَ عَلَيْهَا سُدُسُ النَّفَقَةِ، وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ ; لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَهُ، وَلَوِ اجْتَمَعَ بِنْتٌ وَأُخْتٌ، أَوْ بِنْتٌ وَأَخٌ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِّقَاتٍ، فَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رَدٌّ، أَوْ عَوْلٌ، أَوْ لَا.
وَلَوِ اجْتَمَعَ أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي النَّفَقَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمِيرَاثِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى:
فَقِيرٌ وَأَخٌ مُوسِرٌ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا. وَمَنْ لَهُ أُمٌّ فَقِيرَةٌ وَجَدَّةٌ مُوسِرَةٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا. وَمَنْ كَانَ صَحِيحًا مُكَلَّفًا لَا حِرْفَةَ لَهُ سِوَى الْوَالِدَيْنِ، فَهَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ؛ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]، وَفِي " الْوَاضِحِ ": مَا دَامَتْ أُمُّهُ أَحَقَّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَمِثْلُهُ الْوَلَدُ، أَيْ: يَخْتَصُّ الْوَلَدُ بِنَفَقَةِ وَالِدِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: الْقِيَاسُ فِي أَبٍ، وَابْنٍ أَنْ يَلْزَمَ الْأَبَ سُدُسٌ فَقَطْ، لَكِنْ تَرَكَهُ أَصْحَابُنَا لِظَاهِرِ الْآيَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ "
1 -
(وَمَنْ لَهُ ابْنٌ فَقِيرٌ وَأَخٌ مُوسِرٌ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا) الِابْنُ لِعُسْرَتِهِ، وَالْأَخُ لِعَدَمِ مِيرَاثِهِ وَيَتَخَرَّجُ فِي كُلِّ وَارِثٍ لَوْلَا الْحَجْبُ إِذَا كَانَ مَنْ يَحْجُبُهُ مُعْسِرًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِوُجُودِ الْقَرَابَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِرْثِ، وَالْإِنْفَاقِ. صَحَّحَهُ السَّامِرِيُّ وَصَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ بِذَلِكَ، وَالْمَانِعُ مِنَ الْإِرْثِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْإِنْفَاقِ ; لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ، لَا يُمْكِنُهُ الْإِنْفَاقُ فَوُجُودُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْفَاقِ كَعَدَمِهِ (وَمَنْ لَهُ أُمٌّ فَقِيرَةٌ وَجَدَّةٌ مُوسِرَةٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الْجَدَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَارِثَ الْقَرِيبَ الْمُعْسِرَ إِذَا اجْتَمَعَ مَعَ بَعِيدٍ مُوسِرٍ مِنْ عَمُودَيِ النَّسَبِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الْمُوسِرِ، فَأَبٌ مُعْسِرٌ مَعَ جَدٍّ مُوسِرٍ، النَّفَقَةُ عَلَى الْجَدِّ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَدْفَعُ الزَّكَاةَ إِلَى وَلَدِ ابْنَتِهِ «لِقَوْلِهِ عليه السلام لِلْحَسَنِ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» فَسَمَّاهُ ابْنَهُ، وَهُوَ ابْنُ بِنْتِهِ، فَإِذَا مَنَعَ مَنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إِلَيْهِمْ لِقَرَابَتِهِمْ وَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهُ نَفَقَتُهُمْ مَعَ حَاجَتِهِمْ، وَبَنَاهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الرِّوَايَاتِ (وَمَنْ كَانَ صَحِيحًا مُكَلَّفًا، لَا حِرْفَةَ لَهُ سِوَى الْوَالِدَيْنِ، فَهَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ نَقْصُ الْخِلْقَةِ، وَلَا نَقْصُ الْأَحْكَامِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ عليه السلام لِهِنْدٍ: «خُذِي مَا
رِوَايَتَيْنِ. وَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ إِلَّا نَفَقَةَ وَاحِدٍ بَدَأَ بِالْأَقْرَبِ، فَالْأَقْرَبِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَكْفِيكِ وَوَلَدَكَ بِالْمَعْرُوفِ» وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ بَالِغًا، وَلَا صَحِيحًا، وَلِأَنَّهُ وَلَدٌ فَقِيرٌ فَاسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ عَلَى وَالِدِهِ الْغَنِيِّ كَالزَّمِنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْوَالِدَيْنِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَلَدِ، فَكَلَامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: يَلْزَمُ ; لِأَنَّهُ فَقِيرٌ، وَالثَّانِيَةُ: إِنْ كَانَ يَكْتَسِبُ فَيُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ تَلْزَمْ نَفَقَتُهُ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى كَسْبِ مَا يَقُومُ بِهِ فَتَلْزَمُ نَفَقَتُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ كَانَ نَاقِصَ الْأَحْكَامِ، أَوِ الْخِلْقَةِ، وَظَاهِرُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، أَوَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّ عَجْزَهُمَا أَبَلَغُ مِنْ عَجْزِ غَيْرِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ لَهُ حِرْفَةٌ، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ ; لِأَنَّ الْحِرْفَةَ تُغْنِيهِ وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ لَا تَجِبُ إِلَّا مَعَ الْفَقْرِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْحِرْفَةُ يَحْصُلُ بِهَا غِنَاهُ، فَإِنْ لَمْ تُغْنِهِ، فَالْخِلَافُ. وَعَنْهُ لَا نَفَقَةَ لِفَقِيرٍ غَيْرُ عَمُودَيِ النَّسَبِ، وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُعْدِمَ الْكَسْبُ لِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ؛ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأُولَةِ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ: يَلْزَمُهُ.
1 -
(وَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ إِلَّا نَفَقَةُ وَاحِدٍ بَدَأَ) بِامْرَأَتِهِ ; لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ، ثُمَّ بِرَقِيقِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ الْيَسَارِ، وَالْإِعْسَارِ وَيُقَدَّمُ مَنْ يَخْدُمُهُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ (بِالْأَقْرَبِ، فَالْأَقْرَبِ) لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، ثُمَّ الْعَصَبَةِ، ثُمَّ التَّسَاوِي، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ وَارِثٌ، ثُمَّ التَّسَاوِي، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": فَإِنِ اسْتَوَيَا قَدَّمَ الْعَصَبَةَ عَلَى غَيْرِهِ وَإِلَّا فُهِمَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ: يُقَدِّمُ مَنِ امْتَازَ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ، فَإِنْ تَعَارَضَتِ الْمَزِيَّتَانِ، أَوْ فُقِدَتَا فَهُمَا سَوَاءٌ (فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا) هَذَا هُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ لِتَسَاوِيهِمَا، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الْأُمُّ ; لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ وَلَهَا فَضِيلَةُ الْحَمْلِ، وَالرَّضَاعِ، وَالتَّرْبِيَةِ، فَهُوَ أَضْعَفُ مِنْهَا، وَالْمَذْهَبُ يُقَدِّمُ الْأَبَ عَلَيْهَا لِفَضِيلَتِهِ، وَانْفِرَادِهِ
أَبَوَانِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ابْنٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ، وَالثَّانِي: يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِمَا، وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُهُمَا عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ، أَوِ ابْنٌ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِالْوِلَايَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ابْنٌ) وَهُمَا صَحِيحَانِ (فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يُقَسِّمُهُ بَيْنَهُمْ) لِتُسَاوِيهِمْ فِي الْقُرْبِ (وَالثَّانِي: يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِمَا) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ بِالنَّصِّ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: الِابْنُ أَحَقُّ بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا، وَهِيَ أَحَقُّ بِالْبِرِّ (وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُهُمَا عَلَيْهِ) لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا آكَدُ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا قُدِّمَ ; لِأَنَّ نَفَقَتَهُ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ مَعَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ الْكَسْبِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، وَالْأَبُ زَمِنٌ، فَهُوَ أَحَقُّ ; لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكَدُ، وَحَاجَتَهُ أَشَدُّ.
مَسْأَلَةٌ: أُمُّ أُمٍّ وَأُمُّ أَبٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، أَبُو أَبٍ أَوْلَى مِنْ أَبِي الْأُمِّ لِامْتِيَازِهِ بِالتَّعْصِيبِ، وَمَعَ أَبِي أَبِي أَبٍ يَسْتَوِيَانِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ أَبُو أُمٍّ، وَفِي " الْفُصُولِ " احْتِمَالُ عَكْسِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " يُقَدَّمُ الْأَحْوَجُ فِي الْكُلِّ. وَاعْتُبِرَ فِي " التَّرْغِيبِ " بِإِرْثٍ، وَأَنَّ مَعَ الِاجْتِمَاعِ يُوَزَّعُ لَهُمْ بِقَدْرِ إِرْثِهِمْ.
1 -
فَرْعٌ: إِذَا كَانَ مَنْ تُجِبُ عَلَيْهِ خُنْثَى مُشْكِلٌ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ، فَإِنِ انْكَشَفَ حَالُهُ فَبَانَ أَنَّهُ أَنْفَقَ أَكْثَرَ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ أَنْفَقَ أَقَلَّ رَجَعَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مُوسِرًا لَزِمَهُ بِقَدْرِ إِرْثِهِ، وَعَنْهُ: الْكُلُّ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَمِثْلُهُ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَاضِرًا، وَتَعَذَّرَ أَخْذُ نَصِيبِ الْغَائِبِ. 1
(وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ، أَوِ ابْنٌ، وَابْنُ ابْنٍ، فَالْأَبُ وَالِابْنُ أَحَقُّ) لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ وَأَحَقُّ بِمِيرَاثِهِ كَالْأَبِ مَعَ الْأَخِ، وَقِيلَ: بِالتَّسَاوِي، أَيْ: يَسْتَوِي الْجَدُّ، وَالْأَبُ، وَالِابْنُ، وَابْنُهُ لِتُسَاوِيهِمَا فِي الْوِلَادَةِ، وَالتَّعْصِيبِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ سَهْوٌ مِنَ الْقَاضِي، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": إِذَا اجْتَمَعَ ابْنٌ وَجَدٌّ، أَوْ أَبٌ، وَابْنُ ابْنٍ - احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: تَقْدِيمُ الِابْنِ، وَالْأَبِ لِقُرْبِهِمَا، وَلَا يَسْقَطُ إِرْثُهُمَا بِحَالٍ،
وَابْنُ ابْنٍ، فَالْأَبُ وَالِابْنُ أَحَقُّ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ. وَقِيلَ فِي عَمُودَيِ النَّسَبِ: رِوَايَتَانِ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ مُدَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ وَمَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَيُحْتَمَلُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْإِرْثِ، وَالتَّعْصِيبِ، وَالْوِلَادَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ) أَيْ: إِذَا كَانَ دِينُ الْقَرِيبَيْنِ مُخْتَلِفًا، فَلَا نَفَقَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ; لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَلَا وِلَايَةَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا (وَقِيلَ فِي عَمُودَيِ النَّسَبِ: رِوَايَتَانِ) ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، إِحْدَاهُمَا: تَجِبُ ; لِأَنَّ نَفَقَتَهُ مَعَ اتِّفَاقِ الدِّينِ، فَتَجِبُ مَعَ اخْتِلَافِهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَجِبُ، وَنَصَرَهَا فِي " الشَّرْحِ " ; لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ، وَالصِّلَةِ، فَلَمْ تَجِبْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ كَأَدَاءِ زَكَاتِهِ إِلَيْهِ وَعَقْلِهِ عَنْهُ وَإِرْثِهِ مِنْهُ.
(وَإِنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ مُدَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ) كَذَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُصُولِ " لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ وَجَبَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَإِحْيَاءِ النَّفْسِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فِي الْمَاضِي بِدُونِهَا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ، لَا بِفَرْضِ حَاكِمٍ ; لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِفَرْضِهِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ ": لَا تَلْزَمُهُ، وَإِنْ فُرِضَتْ إِلَّا أَنْ يُسْتَدَانَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَظَاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَسْتَدِينُ عَلَيْهِ، فَلَا تَرْجِعُ إِنِ اسْتَغْنَى بِكَسْبٍ، أَوْ نَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَأْخُذُ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّفَقَةُ بِلَا إِذْنٍ كَزَوْجَةٍ، نَقَلَ ابْنَاهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ بِلَا إِذْنِهِ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا احْتَاجَ، وَلَا يَتَصَدَّقُ (وَمَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ رَجُلٍ، فَهَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَخَادِمٌ تَحْتَاجُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْإِعْفَافِ إِلَّا بِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا تَلْزَمُهُ ; لِأَنَّ بِنْيَتَهُ تَقُومُ بِدُونِ الْمَرْأَةِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ نَفْسِهِ. وَحَمَلَهَا فِي " الشَّرْحِ " عَلَى أَنَّ الِابْنَ كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا، وَعَنْهُ: تَجِبُ كَزَوْجَةِ الْأَبِ فَقَطْ، وَعَنْهُ: تَجِبُ فِي عَمُودَيِ النَّسَبِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِعْفَافِ، وَيَلْزَمُهُ إِعْفَافُ أَبِيهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَا ابْنُهُ إِذَا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ، وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَهُ حُرَّةً