الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصَلٌ (وَ
مَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ، أَوْ حُرْمَتُهُ، أَوْ مَالُهُ، فَلَهُ الدَّفْعُ
عَنْ ذَلِكَ بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى شَرْطَيْنِ، وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّ هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّأْكِيدِ، وَالْمُبَالَغَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ صَلَاحُ الْعَمَلِ فِي تَوْبَةِ الْمُشْرِكِ، قَالَ الْقَاضِي: لَا يُعْتَبَرُ صَلَاحُ الْعَمَلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَأَبِي الْحَارِثِ، لِأَنَّهَا تَوْبَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْحَدِّ أَشْبَهَتْ تَوْبَةَ الْمُحَارِبِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَالْإِسْلَامِ، فَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، وَقِيلَ: قَبْلَ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: قَبْلَ إِقَامَتِهِ، وَفِي بَحْثِ الْقَاضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ عِلْمِ الْإِمَامِ بِهِمْ أَوْ لَا، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ فِي الْحَدِّ لَا يُكْمَلُ، وَإِنَّ هَرَبَهُ فِيهِ تَوْبَةٌ، وَعَنْهُ إِنْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِنَفْيهِ لَمْ يَسْقُطْ، ذَكَرَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِمَا يَسْقُطُ فِي حَقِّ مُحَارِبٍ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ لَا، كَمَا قَبْلَ الْمُحَارَبَةِ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ ": لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِ ذِمِّيٍّ، وَمُسْتَأْمِنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي ذِمِّيٍ، وَنَقَلَهُ فِيهِ أَبُو دَاوُدَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدٌّ سَقَطَ عَنْهُ) لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ، كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ مَا ذَهَبَ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ.
تَذْنِيبٌ: إِذَا وَجَدَ رَجُلًا يَزْنِي مَعَ امْرَأَتِهِ فَقَتَلَهُ، فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ، فَإِنِ ادَّعَى ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَهِيَ شَاهِدَانِ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَرْبَعَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً ضَمِنَهَا وَأَثِمَ، وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً، فَلَا.
فَائِدَةٌ: مَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ حُبِسَ، وَأُطْعِمَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى يَمُوتَ، وَكَذَا مَنِ ابْتَدَعَ بِبِدْعَةٍ وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَيْهَا حُبِسَ حَتَّى يَكُفَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بِدْعَتِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
[مَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ أَوْ مَالُهُ فَلَهُ الدَّفْعُ]
فَصْلٌ
(وَمَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ، أَوْ حُرْمَتُهُ، أَوْ مَالُهُ وَإِنْ قَلَّ، كَافَأَهُ أَمْ لَا (فَلَهُ الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ
دَفْعَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُتِلَ كَانَ شَهِيدًا، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ آدَمِيًّا، أَوْ بَهِيمَةً،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ) ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ ذَلِكَ بِأَسْهَلِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ (دَفَعَهُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَأَدَّى إِلَى تَلَفِهِ وَأَذَاهُ فِي نَفْسِهِ، وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَتَسَلَّطَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَأَدَّى إِلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ، لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، لِحُصُولِ الدَّفْعِ بِهِ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ هَرَبٌ، أَوِ احْتِمَاءٌ، وَنَحْوُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْمُسْتَوْعِبِ " فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مَتَى عَلِمَ، أَوْ ظَنَّ الدَّافِعُ أَنَّ الصَّائِلَ عَلَيْهِ يَنْدَفِعُ بالقول لَمْ يَجُزْ ضَرْبُهُ بِشَيْءٍ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا تُرِيدُ قَتْلَهُ وَضَرْبَهُ لَكِنِ ادْفَعْهُ، وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: رَأَيْتُهُ يَعْجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ: أُقَاتِلُهُ، وَأَمْنَعُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِعَصًا لَمْ يَضْرِبْهُ بِحَدِيدٍ (وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا بِالْقَتْلِ، فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ ضَرَرَهُ إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إِلَّا بِهِ تَعَيَّنَ طَرِيقًا إِلَى الدَّفْعِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) بِالْقَتْلِ، لِأَنَّهُ قَتَلَ لِدَفْعِ شَرِّ الصَّائِلِ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ كَفِعْلِ الْبَاغِي. وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا ضَافَ نَاسًا مِنْ هُذَيْلٍ فَأَرَادَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا، فَرَمَتْهُ بِحَجَرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَا يُودَى بِهِ (وَإِنْ قُتِلَ كَانَ شَهِيدًا) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمِنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلِأَنَّهُ قتل لدفع ظَلَمَ فَكَانَ شهيدا كَالْعَادِلِ إِذَا قَتَلَهُ الْبَاغِي، وَإِنْ قَتَلَهُ فَهَدَرٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَالِ مَزْحٍ، ذَكَرُهُ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَيُقَادُ بِهِ، ذَكَرَهُ آخَرُونَ (وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَكَمَا يَحْرُمُ قَتْلُ نَفْسِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى إِحْيَاءِ نَفْسِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا يَتَّقِي بِهِ، كَالْمُضْطَرِّ إِذَا وَجَدَ الْمَيْتَةَ، وَكَذَا عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ، لَا فِي فِتْنَةٍ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ، قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْمُنَجَّا، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا جَاءَ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ابْنَيْ آدَمَ، الْقَاتِلُ فِي النَّارِ، وَالْمَقْتُولُ فِي الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ فِتْنَةً فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِأَنَّ عُثْمَانَ تَرَكَ الْقِتَالَ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ قِتَالِهِمْ، وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَأَنْكَرَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَعَلَى اللُّزُومِ إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَهْرُبَ، أَوْ يَحْتَمِيَ، أَوْ يَخْتَفِيَ، فَفِي جَوَازِ الدَّفْعِ وَجْهَانِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ حُرْمَتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ قُوَيْلٌ، فَإِنَّهُ إِذَا رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَوِ ابْنَتِهِ، أَوْ أُخْتِهِ يُزْنَي بِهَا، أَوْ تُلُوِّطَ بِابْنِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ، وَهُوَ مَنْعُهُ مِنَ الْفَاحِشَةِ، وَحَقُّ نَفْسِهِ بِالْمَنْعِ عَنْ أَهْلِهِ، فَلَا يَسَعُهُ إِضَاعَةُ هَذِهِ الْحُقُوقِ، وَلَا عَنْ مَالِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ حفظه مِنَ الضَّيَاعِ، وَالْهَلَاكِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَفِي " التَّبْصِرَةِ " فِي الثَّلَاثَةِ: يَلْزَمُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ بَذْلُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَنَقَلَهُ حَنْبَلٌ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": الْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّ تَرْكَ قِتَالِهِ عَنْهُ أَفْضَلُ، وَأَطْلَقَ رِوَايَتَيِ الْوُجُوبِ فِي الْكُلِّ، زَادَ فِي " نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ " عَلَى الثَّلَاثَةِ: وَعِرْضِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَأَطْلَقَ فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لُزُومَهُ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ (وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ آدَمِيًّا) مُكَلَّفًا، أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَعِنْدِي يَنْتَقِضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ (أَوْ بَهِيمَةً) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُجَوِّزِ لِلدَّفْعِ، وَهُوَ الصَّوْلُ، وَلِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا
وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا، أَوْ صَائِلًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ عَضَّ إِنْسَانٌ إِنْسَانًا، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ، ذَهَبَتْ هَدَرًا. وَإِنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حُرْمَةَ لَهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إِذَا أَمْكَنَهُ، كَمَا لَوْ خَافَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْهُ (وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا أَوْ صَائِلًا) أَيْ: إِذَا ادَّعَى صِيَالَةً بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَا إِقْرَارٍ لَمْ يُقْبَلْ (فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا) أَيْ: إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَمْرُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ سِلَاحٌ أَوْ لَا، فَإِنْ خَرَجَ بِالْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِخْرَاجُهُ، لَكِنْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى لِصًّا فَأَصْلَتَ عَلَيْهِ السَّيْفَ، قَالَ الرَّاوِي: فَلَوْ تَرَكْنَاهُ لَقَتَلَهُ. وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ، فَقَالَ: رَجُلٌ دَخَلَ بَيْتِي وَمَعَهُ حَدِيدَةٌ، أَقْتُلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ أَمْكَنَ إِزَالَةُ الْعُدْوَانِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يَجُزِ الْقَتْلُ، وَكَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَفِعْلُ ابْنِ عُمَرَ يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ التَّرْهِيبِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ ضَرْبُهُ بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ بِالْعَصَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ بِالْحَدِيدِ، وَإِنْ وَلَّى هَارِبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا اتِّبَاعُهُ كَالْبُغَاةِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَطَّلَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ، لِأَنَّهُ لَقِيَ شَرَّهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ، فَوَلَّى مُدْبِرًا فَقَطَعَ رِجْلَهُ، فَالرِّجْلُ مَضْمُونَةٌ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، لِأَنَّهُ فِي حَالٍ لَا يَحِلُّ لَهُ ضَرْبُهُ، وَالْيَدُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى، فَالْيَدَانِ غَيْرُ مَضْمُونَتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَضْمَنَ نِصْفَ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ، وَمَاتَ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِلَّا بِالْقَتْلِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ بِهِ، فَلَهُ قَتْلُهُ، وَهُوَ هَدَرٌ، كَالْبَاقِي، وَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَهُوَ شَهِيدٌ لِلْخَبَرِ، وَكَالْعَادِي، وَعَلَى الصَّائِلِ ضَمَانُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِقَطْعِ عُضْوٍ فَقَتَلَهُ، أَوْ قَطَعَ زِيَادَةً عَلَى مَا يَنْدَفِعُ بِهِ، ضَمِنَهُ (وَإِنْ عَضَّ إِنْسَانٌ إِنْسَانًا) عَضًّا مُحَرَّمًا (فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ ذَهَبَتْ هَدَرًا) لِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ:«قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، وَفِي لَفْظٍ: بِثَنِيَّتِهِ، فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ، لَا دِيَةَ لَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ. وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ تَلِفَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّ صَاحِبِهِ فَلَمْ يُضْمَنْ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنِ الدَّافِعُ إِلَّا بِقَطْعِ يَدِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَعْضُوضُ ظَالِمًا أَوْ
مِنْ خِصَاصِ الْبَابِ وَنَحْوِهِ، فَخَذَفَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مَظْلُومًا، لِأَنَّ الْعَضَّ مُحَرَّمٌ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَضُّ مُبَاحًا، كَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ إِلَّا بِعَضِّهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَخْلِيصُ الْمَعْضُوضِ يَدَهُ بِأَسْهَلِ مَا يُمْكِنُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَكَّ لَحْيَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لَكَمَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ جَذَبَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْلُصْ فَلَهُ أَنْ يَعْصِرَ خُصْيَتَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَبْعَجَ بَطْنَهُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْذِبَ يَدَهُ أَوَّلًا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، فَعَدَلَ إِلَى لَكْمِ فَكِّهِ، فَأَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ، لِإِمْكَانِ التَّخَلُّصِ بِمَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ.
(وَإِنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ مِنْ خِصَاصِ الْبَابِ) وَهُوَ الْفُرُوجُ الَّذِي فِيهِ (وَنَحْوِهِ) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَكِنْ ظَنَّهُ مُتَعَمِّدًا، قَالَ فِي " التَّرْغِيبِ ": أَوْ صَادَفَ عَوْرَةً مِنْ مَحَارِمِهِ وَأَصَرَّ، وَفِي " الْمُغْنِي ": وَلَوْ خَلَتْ مِنْ نِسَاءٍ (فَخَذَفَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا) وَفِي " الْفُرُوعِ ": فَتَلِفَتْ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ "، وَغَيْرِهِمَا، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذَنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إِلَّا بِذَلِكَ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلَا يَتْبَعُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَدْفَعُهُ بِالْأَسْهَلِ، فَيُنْذِرُهُ أَوَّلًا، كَمَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ لَمْ يَقْصِدْ أُذُنَهُ بِلَا إِنْذَارٍ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَقِيلَ: بَابٌ مَفْتُوحٌ كَخَصَاصَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا:«وَإِنْ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى بَابٍ لَا سِتْرَ لَهُ غَيْرِ مُغْلَقٍ، فَيَنْظُرُ، فَلَا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ، إِنَّمَا الْخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ.
وَلَوْ كَانَ إِنْسَانٌ عُرْيَانًا فِي طَرِيقٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَمْيُ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ.
فَرْعٌ: إِذَا اطَّلَعَ فَرَمَاهُ، فَقَالَ الْمُطَّلِعُ: مَا تَعَمَّدْتُهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: بَلَى، وإن اطلع أعمى لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: بَلَى، إِنْ كَانَ سَمِيعًا كَالْبَصِيرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاظِرُ فِي مِلْكِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.