الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا مُحْتَرَمًا، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَاكِهَةِ، وَالْبِطِّيخِ، أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ ثَمِينًا كَالْمَتَاعِ، وَالذَّهَبِ، أَوْ غَيْرَ ثَمِينٍ كَالْخَشَبِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ، أَشْبَهَ السَّارِقَ، وَسَوَاءٌ بَطَّ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَوْ قَطَعَهُ، فَأَخَذَهُ، فَعَلَى هَذَا: لَوْ بَطَّ جَيْبَهُ، فَسَقَطَ مِنْهُ نِصَابٌ، فَأَخَذَهُ قُطِعَ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَارِقًا كَالْمُخْتَلِسِ.
[الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا مُحْتَرَمًا]
فَصْلٌ (الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا) لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ قَطْعٌ، وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَا يُسَاوِي الْمَالَ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، لَا يُقَالُ: الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ، مُقَيَّدَةٌ بِهِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَعَلَى هَذَا: لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ كَلْبٍ، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّمًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا بِحُرٍّ لِمَا يَأْتِي (مُحْتَرَمًا) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ، تَجُوزُ سَرِقَتُهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَجَوَازُ الْأَخْذِ مِنْهُ يَنْفِي وُجُوبَ الْقَطْعِ (سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْفَاكِهَةِ وَالْبِطِّيخِ، أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ ثَمِينًا كَالْمَتَاعِ وَالذَّهَبِ، أَوْ غَيْرَ ثَمِينٍ كَالْخَشَبِ وَالْقَصَبِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَلِقَوْلِهِ عليه السلام فِي الثَّمَرِ: «مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَرَوَى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَمَرَ عُثْمَانُ أَنْ تُقَوَّمَ، فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ بِدِينَارٍ، فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ: هِيَ الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي يَأْكُلُهَا النَّاسُ، وَلِأَنَّ هَذَا مَالٌ يُتَمَوَّلُ عَادَةً، وَيُرْغَبُ فِيهِ، فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ كَالْمُجَفَّفِ، وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُ الْإِبَاحَةَ، أَوْ لَا، حَتَّى أَحْجَارٌ، وَلَبَنٌ، وَنَوْرَةٌ، وَفَخَّارٌ، وَزُجَاجٌ، وَمِلْحٌ، وَفِيهِ وَجْهٌ: وَسِرْجِينٌ طَاهِرٌ، وَالْأَظْهَرُ:
وَالْقَصَبِ. وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حُرٍّ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَعَنْهُ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الصَّغِيرِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْطَعُ، فَسَرَقَهُ وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ، فَهَلْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَثَلْجٌ، وَفِي مَاءٍ وَجْهَانِ، وَفِي الْوَاضِحِ: فِي صَيْدِ مَمْلُوكٍ مُحْرَزٍ رِوَايَتَانِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: لَا قَطْعَ فِي طَيْرٍ، لِإِبَاحَتِهِ أَصْلًا، قَالَ فِي الْفُصُولِ: قَالَ شَيْخُنَا: لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذْ كَلُّ الْأَمْوَالِ كَذَلِكَ، وَعِنْدِي أَنَّ قَصْدَ الْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَةِ فِي الْأَصْلِ، كَالصُّيُودِ، وَمَا شَاكَلَهَا، لَا قَطْعَ فِيهَا، وَفِي الرَّوْضَةِ: إِنْ لَمْ يُتَمَوَّلْ عَادَةً، كَمَاءٍ، وَكَلَإٍ مُحْرَزٍ، فَلَا قَطْعَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ، لِأَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مَمْلُوكًا، تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا أَشْبَهَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ، وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ، لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَفْهَمُ، وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ سَيِّدِهِ، وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا عَاقِلًا لَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَائِمًا، أَوْ مَجْنُونًا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ سَيِّدِهِ، وَغَيْرِهِ فِي الطَّاعَةِ، فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ، كَأَعْجَمِيٍّ لَا يُمَيِّزُ، وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا، وَفِي الشَّرْحِ: إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ فِي حَالِ نَوْمِهِ، أَوْ جُنُونِهِ، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَوَجْهَانِ، وَفِي الْكَافِي: لَا يُقْطَعُ كَبِيرٌ، أَكْرَهُهُ، وَفِي التَّرْغِيبِ فِي عَبْدٍ نَائِمٍ وَسَكْرَانَ: وَجْهَانِ.
فَرْعٌ: إِذَا سَرَقَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يُقْطَعْ بِخِلَافِ مَالِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَيِّدَهُ هُوَ السَّارِقُ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حُرٍّ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا) فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، أَشْبَهَ الْكَبِيرَ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الصَّغِيرِ) كَالْمَجْنُونِ، لِأَنَّهُ مَسْرُوقٌ، أَشْبَهَ الْمَالَ وَالْبَهِيمَةَ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ كَالْكَبِيرِ النَّائِمِ (فَإِنْ قُلْنَا: لَا
يُقْطَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُصْحَفٍ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ، وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سَائِرِ كُتُبِ الْعِلْمِ، وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ، وَلَا مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ. وَإِنْ سَرَقَ إِنَاءً فِيهِ خَمْرٌ، أَوْ صَلِيبًا، أَوْ صَنَمَ ذَهَبٍ، لَمْ يُقْطَعْ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُقْطَعُ، فَسَرَقَهُ، وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ) أَوْ ثِيَابٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا (فَهَلْ يُقْطَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ: لَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ، أَشْبَهَ ثِيَابَ الْكَبِيرِ، وَلِأَنَّ يَدَ الصَّبِيِّ عَلَى مَا عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يُوجَدُ مَعَ اللَّقِيطِ يَكُونُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْكَبِيرُ نَائِمًا عَلَى مَتَاعٍ فَسَرَقَهُ وَثِيَابَهُ، لَمْ يُقْطَعْ، لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: يُقْطَعُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَكَمَا لَوْ سَرَقَهُ مُفْرَدًا (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُصْحَفٍ) فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ) ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَالْأَخْبَارِ، وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ، وَالْفِقْهِ، وَقِيلَ: إِنْ سَرَقَهُ ذِمِّيٌّ قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَهُ مُسْلِمٌ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْطَعُ، وَعَلَيْهِ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا، فَوَجْهَانِ (وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سَائِرِ كُتُبِ الْعِلْمِ) الْمُبَاحَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا، وَقِيلَ: إِنْ سَرَقَ كِتَابَ فِقْهٍ، أَوْ حَدِيثٍ يَحْتَاجُهُ لَمْ يُقْطَعْ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إِلَّا بِسَرِقَةِ دَفَاتِرِ الْحِسَابِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ كُتُبِ الْبِدَعِ وَالتَّصَاوِيرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ) كَطُنْبُورٍ، وَمِزْمَارٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مُفَصَّلًا نِصَابًا، لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ إِجْمَاعًا، فَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ كَالْخَمْرِ، وَقِيلَ: إِنْ سَرَقَهُ وَكَسَرَهُ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِلَّا قُطِعَ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: لَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ، أَشْبَهَ الْخَشَبَ وَالْأَوْتَارَ، وَالثَّانِي، وَقَالَهُ الْقَاضِي: يُقْطَعُ، لِأَنَّهُ سرق نصابا مِنْ حِرْزٍ، أَشْبَهَ الْمُفْرَدَ، (وَلَا مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ) ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ سَرَقَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ، لِأَنَّهَا عَيْنٌ مُحَرَّمَةٌ، فَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهَا كَالْخِنْزِيرِ، وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنَ الذِّمِّيِّ، كَالدَّمِ، وَعَنْهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ سَرِقَةً، وَفِي التَّرْغِيبِ مِثْلُهُ فِي إِنَاءِ نَقْدٍ، وَفِي الْفُصُولِ فِي قُضْبَانِ الْخَيْزُرَانِ وَمَخَادِّ الْجُلُودِ الْمُعَدَّةِ لِلصُّوفِيَّةِ: يُحْتَمَلُ كَآلَةِ لَهْوٍ، وَيُحْتَمَلُ الْقَطْعُ (وَإِنْ سَرَقَ إِنَاءً فِيهِ خَمْرٌ) لَمْ يُقْطَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا