الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ قَائِمًا بِسَوْطٍ لَا جَدِيدٍ وَلَا خَلَقٍ، وَلَا يُمَدُّ وَلَا يُرْبَطُ وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهَا، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْحَدُّ بِالْعِلْمِ، فَهَاهُنَا، أَوْلَى وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ مُتَّهَمٌ (وَلَا يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] ثُمَّ قَالَ: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ.
مَسْأَلَةٌ: نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ وُجُوبَ بَيْعِ رَقِيقٍ زَنَى فِي رَابِعَةٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ عَصَى الرَّقِيقُ عَلَانِيَةً أَقَامَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنْ عَصَى سِرًّا فَيَنْبَغِي أَلَّا تَجِبَ عَلَيْهِ إِقَامَتُهُ، بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ سَتْرِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ، كَمَا تَخَيَّرَ الشُّهُودَ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ سَتْرٍ عَلَى الْمَشْهُودِ وَاسْتِتَابَتِهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَتُوبُ سَتَرُوهُ، وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ضَرَرٌ لِلنَّاسِ، كَانَ الرَّاجِحُ رَفْعَهُ إِلَى الْإِمَامِ.
[إِقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ]
(وَلَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ، جَلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِمَا رَوَى حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» ، رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ زَنَى، فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَاضْرِبُوهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَقَطَعَ يَدَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ فَيُنَجِّسَهُ وَيُؤْذِيَهُ، وَفِي الْمَذْهَبِ: يَنْبَغِي تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى ذَمِّيٍّ فِي الْمَسْجِدِ
[كَيْفِيَّةُ الْجَلْدِ]
(وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ قَائِمًا) فِي الْأَشْهَرِ، وَقَالَهُ عَلِيٌّ، وَنَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّ قِيَامَهُ وَسِيلَةٌ إِلَى إِعْطَاءِ كُلِّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنَ الضَّرْبِ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ قَاعِدًا: لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ (بِسَوْطٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ لِلْحَنَفِيَّةِ: السَّوْطُ فَوْقَ الْقَضِيبِ وَدُونَ الْعَصَا، وَفِي الْمُخْتَارِ لَهُمْ: بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْجَلْدِ (لَا جَدِيدٍ وَلَا خَلَقٍ) نَصَّ عَلَيْهِ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ الْبَالِي، لِخَبَرٍ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا، وَرُوِيَ
يُجَرَّدُ، بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ، وَلَا يُبَالَغُ فِي ضَرْبِهِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ، وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ إِلَّا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْفَرْجَ وَمَوْضِعَ الْمَقْتَلِ، وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً وَتَشُدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، وَتُمْسَكُ يَدَاهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ الْإِيلَامُ دُونَ الْجُرْحِ، إِذِ الْجَدِيدُ يَجْرَحُ، وَالْبَالِي لَا يُؤْلِمُ، فَلَوْ كَانَ السَّوْطُ مَغْصُوبًا أَجْزَأَ، عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ، لِلْإِجْمَاعِ، ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ (وَلَا يُمَدُّ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ (وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُجَرَّدُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا تَجْرِيدٌ (بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ) صِيَانَةً لَهُ عَنِ التَّجْرِيدِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ أَلَمَ الضَّرْبِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُمَا عَلَيْهِ، نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ وَالْفَضْلُ: عَلَيْهِ ثِيَابُهُ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ تَجْرِيدُهُ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْوٌ أَوْ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ نُزِعَتْ، لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِالضَّرْبِ (وَلَا يُبَالَغُ فِي ضَرْبِهِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ تَأْدِيبُهُ وَزَجْرُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ لَا قَتْلُهُ، وَالْمُبَالَغَةُ تُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ تَوَالِيَ الضَّرْبِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إِلَى الْقَتْلِ، وَأَوْجَبَهُ الْقَاضِي، وَلَا يُبْدِي إِبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ (إِلَّا الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ، وَأَوْجِعْ، وَاتَّقِ الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ، وَلِأَنَّهُمَا أَجْمَلُ مَا فِي الْإِنْسَانِ، وَفِي إِصَابَةِ الضَّرْبِ لَهُمَا خَطَرٌ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَمِيَ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، أَوْ قَتَلَهُ (وَالْفَرْجَ وَمَوْضِعَ الْمَقْتَلِ) لِأَنَّ ضَرْبَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى الْقَتْلِ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، بَلْ مَأْمُورٌ بِعَدَمِهِ، وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي مَوَاضِعِ اللَّحْمِ كَالْإِلْيَتَيْنِ وَالْفَخْذَيْنِ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْمُوَالَاةُ فِي الْحَدِّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فِي مُوَالَاةِ الْعُضْوِ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَلِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا نِيَّةَ مَنْ يُقِيمُهُ أَنَّهُ حَدٌّ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَمَرَ عَبْدًا عَجَمِيًّا يَضْرِبُ لَا عِلْمَ لَهُ بِالنِّيَّةِ أَجْزَأَتْ نِيَّتُهُ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُعْتَبَرَ نِيَّتُهُمَا، كَمَا نَقُولُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ غَاسِلِهِ، وَاحْتَجَّ فِي مُنْتَهَى الْغَايَةِ فِي اعْتِبَارِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ بِأَنَّ الصَّرْفَ إِلَى الْفَقِيرِ لَهُ جِهَاتٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ كَالْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ (وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ) أَيِ: الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِيمَا ذَكَرْنَا، عَمَلًا بِالْأَصْلِ السَّالِمِ عَنِ الْمَعَارِضِ (إِلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً وَتَشُدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا) نَصَّ عَلَيْهِمَا (وَتُمْسَكَ يَدَاهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: