الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَيْهِمْ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ دَفْعَ خَرَاجِهِ إِلَيْهِمْ فَهَلْ يُقْبَلُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ، وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إِلَّا مَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ.
وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَعَانُوهُمُ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، إِلَّا أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(وَإِنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ دَفْعَ خَرَاجِهِ إِلَيْهِمْ فَهَلْ يُقْبَلُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .
أَشْهَرُهُمَا: لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهُ عِوَضٌ أَشْبَهَ الْجِزْيَةَ.
وَالثَّانِي: يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى مُسْلِمٍ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ كَالزَّكَاةِ، وَقِيلَ: بَلَى، إِنْ حَلَفَ (وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ) لِأَنَّهُمْ أَخْطَئُوا فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ بِاجْتِهَادِهِمْ، أَشْبَهَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَيُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْعِلْمُ مَا لَمْ يَكُونُوا دُعَاةً. انْتَهَى. فَأَمَّا الْخَوَارِجُ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ إِذَا خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ فَلَا تُقْبَلُ لَهُمْ شَهَادَةٌ، لِأَنَّهُمْ فُسَّاقٌ (وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إِلَّا مَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ) لِأَنَّ نَفْيَهُمْ فِي أَمْرٍ يُسَوَّغُ فِيهِ التَّأْوِيلُ، أَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْفُرُوعِ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ خَالَفَ حُكْمُ حَاكِمِهِمْ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا، أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَمْوَالَهُمْ نُقِضَ حُكْمُهُ.
فَرْعٌ: إِذَا كَتَبَ قَاضِيهِمْ إِلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ جَازَ قَبُولُ كِتَابِهِ، لِأَنَّهُ قَاضٍ ثَابِتُ الْقَضَاءِ، وَفِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ "، وَ " التَّرْغِيبِ ": الْأَوْلَى رَدُّ كِتَابِهِ قَبْلَ حُكْمِهِ كَسْرًا لِقُلُوبِهِمْ، فَأَمَّا الْخَوَارِجُ إِذَا وَلَّوْا قَاضِيًا لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ لِلْفِسْقِ، وَفِي " الْمُغَنِي "، وَ " الشَّرْحِ " احْتِمَالٌ: يَصِحُّ قَضَاؤُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، كَمَا لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ، أَوْ أَخَذَ جِزْيَتَهُ وَخَرَاجًا وَزَكَاةً.
[اسْتِعَانَةُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ]
(وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَعَانُوهُمْ) طَوْعًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ
ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعُونَةُ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ، وَيُغَرَّمُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ. وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَمِنُوهُمْ لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُمْ، وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَلَمْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبٍ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، كَمَا لَوِ انْفَرَدُوا بِقِتَالِهِمْ، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقِيلَ: لَا يَنْتَقِضُ، لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَعْرِفُونَ الْمُحِقَّ مِنَ الْمُبْطِلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً لَهُمْ، فَعَلَى هَذَا حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ فِي قَتْلِ مُقْبِلِهِمْ، وَالْكَفِّ عَنْ أَسِيرِهِمْ، وَمُدْبِرِهِمْ، وَجَرِيحِهِمْ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَفِي " الْكَافِي " وَ " الشَّرْحِ ": إِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُؤَبَّدٌ، وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ لِخَوْفِ الْخِيَانَةِ مِنْهُمْ، وَيَلْزَمُ الدَّفْعُ عَنْهُمْ، وَالْمُسْتَأْمَنُونَ بِخِلَافِ هَذَا (إِلَّا أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعُونَةُ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ) وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ مَا ادَّعَوْهُ مُحْتَمَلٌ، فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " التَّرْغِيبِ ": وَجْهَانِ (وَيُغَرَّمُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) فِي الْأَصَحِّ حَالَ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْبَغْيِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَأْوِيلَ لَهُمْ، لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ كَيْلَا يُؤَدِّيَ إِلَى تَنْفِيرِهِمْ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى ذَلِكَ فِيهِمْ، وَالثَّانِي: لَا يَضْمَنُونَ كَالْمُسْلِمِينَ.
(وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَأَمَّنُوهُمْ) أَوْ عَقَدُوا لَهُمْ ذِمَّةً (لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُمْ) لِأَنَّ الْأَمَانَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ إِلْزَامُ كَفَّهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَهْلِ الْعَدْلِ قَتْلُهُمْ لِمَنْ لَمْ يُؤَمِّنُوهُ، وَحُكْمُ أَسِيرِهِمْ حُكْمُ أَسِيرِ أَهْلِ الْحَرْبِ قَبْلَ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، فَأَمَّا الْبُغَاةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ قَتْلُهُمْ، لِأَنَّهُمْ أَمَّنُوهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمُ الْغَدْرُ بِهِمْ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": إِلَّا أَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بُغَاةٍ.
أَصْلٌ: إِذَا اسْتَعَانُوا بِمُسْتَأْمَنِينَ فَأَعَانُوهُمْ انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، وَصَارُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ، لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا كَفَّهُمْ عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ مُكْرَهِينَ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُمْ، وَإِنِ ادَّعَوْهُ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَإِنْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ) مِثْلَ تَكْفِيرِ مَنِ
لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ، وَإِنْ سَبُّوا الْإِمَامَ عَزَّرَهُمْ، وَإِنْ جَنَوْا جِنَايَةً أَوْ أَتَوْا حَدًّا أَقَامَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ارْتَكَبَ كَبِيرَةً، وَتَرَكَ الْجَمَاعَةَ (وَلَمْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبٍ) وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، فَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِذَلِكَ قَتْلُهُمْ وَلَا قِتَالُهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ (لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ) وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ رَجُلٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، ثُمَّ قَالَ: لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَمْنَعُكُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ» ، فَعَلَى هَذَا: حُكْمُهُمْ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ، وَالْمَالِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ يَتَعَرَّضُونَ وَيُكَفِّرُونَ، قَالَ: لَا تَعَرَّضُوا لَهُمْ، قُلْتُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يُكْرَهُ مِنْ أَنْ يُحْبَسُوا، قَالَ: لَهُمْ وَالِدَاتٌ وَأَخَوَاتٌ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: الْحَرُورِيَّةُ إِذَا دَعَوْا إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ إِلَى دِينِهِمْ فَقَاتِلْهُمْ، وَإِلَّا فَلَا يُقَاتَلُونَ (وَإِنْ سَبُّوا الْإِمِامَ) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ صَرِيحًا (عَزَّرَهُمْ) لِأَنَّهُمُ ارْتَكَبُوا مُحَرَّمًا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ عَرَّضُوا بِالسَّبِّ فَفِي تَعْزِيرِهِمْ وَجْهَانِ، وَقَالَ فِي الْإِبَاضِيَّةِ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ: يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ، وَأَمَّا مَنْ رَأَى تَكْفِيرَهُمْ فَمُقْتَضَى قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا لِكُفْرِهِمْ (وَإِنْ جَنَوْا جِنَايَةً أَوْ أَتَوْا حَدًّا أَقَامَهُ عَلَيْهِمْ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي ابْنِ مُلْجِمٍ لَمَّا جَرَحَهُ: أَطْعِمُوهُ، وَاسْقُوهُ، وَاحْبِسُوهُ، فَإِنْ عِشْتُ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي، وَإِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُمَثِّلُوا بِهِ، وَلِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِبُغَاةٍ فَهُمْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّ فِي إِسْقَاطِ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَجْرِئَتَهُمْ عَلَى الْفِعْلِ، وَذَلِكَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ.
أَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ فِي مُبْتَدِعٍ دَاعِيَةٍ لَهُ دُعَاةٌ: أَرَى حَبْسَهُ، وَكَذَا فِي " التَّبْصِرَةِ ": عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ وَرَدْعُهُمْ، وَلَا يُقَاتِلُهُمْ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبِهِ فَكَبُغَاةٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي الْحَرُورِيَّةِ: الدَّاعِيَةُ يُقَاتَلُ كَبُغَاةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ يُقَاتَلُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، وَكُلُّ مَنْ مَنَعَ