الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
السَّادِسُ: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ
الَّذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ كَالَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، أَوْ فِي مَفَازَةٍ، أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ إِذَا قُتِلَ قَوْمٌ، أَوْ مَنْ غَرِقَ مَرْكَبُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ. وَهَلْ يُفْتَقَرُ إِلَى رَفْعِ الْأَمْرِ إِلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ فِي أَمَةٍ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لِعَارِضٍ تَسْتَبْرِئُ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ وَشَهْرٍ لِلْحَيْضِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِنْ عَلِمَتْ عَدَدَهُ فَكَآيِسَةٍ وَإِلَّا سَنَةً.
[السَّادِسُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ]
فَصْلٌ (السَّادِسُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ) حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً (الَّذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ كَالَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ) لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا (أَوْ فِي مَفَازَةٍ) مُهْلِكَةٍ كَبَرِّيَّةِ الْحِجَازِ (أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ إِذَا قُتِلَ قَوْمٌ، أَوْ مَنْ غَرِقَ مَرْكَبُهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالَّذِي يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَرْجِعُ، أَوْ يَمْضِي إِلَى مَكَانٍ قَرِيبٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ خَبَرٌ، (فَإِنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ) أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ، (ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ، وَهُوَ أَنَّ رَجُلًا فُقِدَ، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى عُمَرَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تَرَبَّصِي أَرْبَعَ سِنِينَ فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَتَتْهُ، فَقَالَ: تَرَبَّصِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَتَتْهُ، فَقَالَ: أَيْنَ وَلِيُّ هَذَا الرَّجُلِ؛ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: طَلِّقْهَا، فَفَعَلَ، فَقَالَ عُمَرُ: تَزَوَّجِي مَنْ شِئْتِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالْجُوزْجَانِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَحْسَنُهَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ مِنْ ثَمَانِيَةِ وُجُوهٍ، ثُمَّ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ عَنْ هَذَا، هَؤُلَاءِ الْكَذَّابِينَ، وَقَالَ مَنْ تَرَكَ هَذَا، أَيُّ شَيْءٍ يَقُولُ؛ هُوَ عَنْ خَمْسَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ: كُنْتُ أَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدِ ارْتَبْتُ فِيهِ الْيَوْمَ وَهِبْتُ الْجَوَابَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَكَأَنِّي أُحِبُّ السَّلَامَةَ، قَالَ أَصْحَابُنَا: هَذَا تَوَقُّفٌ يُحْتَمَلُ الرُّجُوعُ عَمَّا قَالَهُ أَوَّلًا وَتَكُونُ زَوْجَتُهُ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ، أَوْ يَمْضِيَ زَمَنٌ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ التَّوَرُّعُ عَمَّا قَالَهُ أَوَّلًا. قَالَ الْقَاضِي: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدِي أَنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ صَحَّ الِاخْتِلَافُ أَلَّا يَحْكُمَ بِحُكْمٍ ثَانٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى الِانْتِقَالِ، وَإِنَّ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا، قَدَّمَهُ
الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ نَفَذَ حُكْمُهُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَلَوْ طَلَّقَ الْأَوَّلُ صَحَّ طَلَاقُهُ وَيَتَخَرَّجُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْحُلْوَانِيُّ. وَعَنْهُ: حَتَّى يَعْلَمَ خَبَرَهُ فَيَقِفُ مَا رَأْيُ الْحَاكِمِ، وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا الْوَلِيُّ بَعْدَ تَرَبُّصِهَا اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى فَتَعْتَدَّ عِدَّةَ طَلَاقٍ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَجَابِرٍ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُعْتَبَرُ فَسْخُ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَهَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى رَفْعِ الْأَمْرِ إِلَى الْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْفُرُوعِ ".
إِحْدَاهُمَا: يَفْتَقِرُ. قَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ " ; لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، أَشْبَهَتْ مُدَّةَ الْعُنَّةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ ضَرَبَهَا الْحَاكِمُ، وَقِيلَ: مُنْذُ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي " الرِّعَايَةِ ".
وَالثَّانِيَةُ: وَهِيَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ، فَلَوْ مَضَتِ الْمُدَّةُ وَالْعِدَّةُ تَزَوَّجَتْ بِلَا حُكْمٍ، وَلِأَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي مَوْتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَبَعُدَ أَثَرُهُ.
1 -
فَرْعٌ: إِذَا اخْتَارَتِ الْمُقَامَ فَلَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْحَاكِمِ فَضَرَبَ لَهَا الْمُدَّةَ فَلَهَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ، وَالْعِدَّةُ وَبَعْدَهَا حَتَّى يَحْكُمَ بِالْفُرْقَةِ، وَإِنْ حَكَمَ بِفِرَاقِهَا، انْقَطَعَتْ نَفَقَتُهَا، وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّهَا إِذَا شَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا
1 -
(وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ) وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الرِّعَايَةِ ": أَوِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ (نَفَذَ حُكْمُهُ فِي الظَّاهِرِ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا حَكَمَ بِالْفُرْقَةِ نَفَّذَ ظَاهِرًا، وَلَوْ لَمْ يُنَفِّذْ لَمَا كَانَ فِي حُكْمِهِ فَائِدَةٌ (دُونَ الْبَاطِنِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ (فَلَوْ طَلَّقَ الْأَوَّلُ صَحَّ طَلَاقُهُ) لِأَنَّا حَكَمْنَا بِالْفُرْقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هَلَاكُهُ، فَإِذَا ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ انْتَقَضَ الظَّاهِرُ، وَلَمْ يَبْطُلْ طَلَاقُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ كَاذِبَةٌ، وَكَذَا إِنْ ظَاهَرَ، أَوْ آلَى، أَوْ
أَنْ يَنْفُذَ حُكْمَهُ بَاطِنًا فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ. وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ رُدَّتْ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ خُيِّرَ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَخْذِهَا مِنْهُ وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَ الثَّانِي وَيَأْخُذُ صَدَاقَهَا مِنْهُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَذَفَ ; لِأَنَّ نِكَاحَهُ بَاقٍ بِدَلِيلِ تَخْيِيرِهِ فِي أَخْذِهَا (وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ يُنَفِّذَ حُكْمَهُ بَاطِنًا) هَذَا رِوَايَةٌ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّهُ يُنَفَّذُ بَاطِنًا فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فِي قَوْلٍ، وَهَذَا فَسْخٌ فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي، وَلَا خِيَارَ لِلْأَوَّلِ (فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ) لِأَنَّهَا بَانَتْ بِفُرْقَةِ الْحَاكِمِ فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَمَا لَوْ فُسِخَ نِكَاحُهَا لِعُسْرَتِهِ، أَوْ عُنَّتِهِ فَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا الْإِرْثُ (وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ) أَيْ: تَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَاعْتَدَّتْ لِلْوَفَاةِ (ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ رُدَّتْ إِلَيْهِ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا حَيَاتَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ فَبَانَ حَيًّا، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ، أَشْبَهَ مِلْكَ الْمَالِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إِلَيْهِ مُطْلَقًا، وَكَذَا إِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ (إِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا) فَتَكُونُ زَوْجَةَ الْأَوَّلِ رِوَايَةً وَاحِدَةً ; لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ بَاطِلًا ; لِأَنَّهُ صَادَفَ امْرَأَةً ذَاتَ زَوْجٍ وَتَعُودُ إِلَيْهِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ عَلَى الثَّانِي صَدَاقٌ لِبُطْلَانِ نِكَاحِهِ، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ دُخُولٌ، وَعَنْهُ: يُخَيَّرُ، حَكَاهَا الْقَاضِي وَأَخَذَهَا مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ: إِذَا تَزَوَّجَتِ امْرَأَتُهُ فَجَاءَ خُيِّرَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ الصَّدَاقِ (وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا وَوَطْئِهِ (خُيِّرَ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَخْذِهَا مِنْهُ) فَتَكُونُ امْرَأَتَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ (وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَ الثَّانِي) لِقَوْلِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَقَضَى بِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ الْإِجْمَاعِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَمْسَكَهَا الْأَوَّلُ فَهِيَ زَوْجَتُهُ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، وَلَا يَحْتَاجُ الثَّانِي إِلَى طَلَاقٍ فِي الْمَنْصُوصِ ; لِأَنَّ نِكَاحَهُ كَانَ بَاطِلًا فِي الْبَاطِنِ، وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ قَوْلِهِ إنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى طَلَاقٍ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَيَجِبُ اعْتِزَالُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا كَانَتْ عِنْدَ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ فِي الْأَشْهَرِ، قَالَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ تَجْدِيدُ عَقْدٍ، وَالْقِيَاسُ: بَلَى، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ ; لِأَنَّا تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ عَقْدِهِ
وَهَلْ يَأْخُذُ صَدَاقَهَا الَّذِي أَعْطَاهَا أَوِ الَّذِي أَعْطَاهَا الثَّانِي؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُرَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ. وَلَا خِيَارَ إِلَّا أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَنَقُولُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَاطِنًا فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ، فَأَمَّا مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ وَالسِّيَاحَةِ، فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَبْقَى أَبَدًا حَتَّى تَتَيَقَّنَ مَوْتَهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِمَجِيءِ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ (وَيَأْخُذُ صَدَاقَهَا مِنْهُ) أَيْ: مَنِ الثَّانِي لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ بِعَقْدٍ وَدُخُولٍ (وَهَلْ يَأْخُذُ صَدَاقَهَا الَّذِي أَعْطَاهَا أَوِ الَّذِي أَعْطَاهَا الثَّانِي؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ ". إِحْدَاهُمَا: يَرْجِعُ بِالصَّدَاقِ الَّذِي أَعْطَاهَا هُوَ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَدَّمَهَا فِي " الْكَافِي " لِقَضَاءِ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَلِأَنَّ الثَّانِي أَتْلَفَ الْمُعَوَّضَ فَرَجَعَ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ إِذَا رَجَعُوا فَعَلَيْهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إِلَيْهَا الصَّدَاقَ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَإِلَّا رَجَعَ فِي قَدْرِ مَا قُبِضَ مِنْهُ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَرْجَعُ بِالْمَهْرِ الَّذِي أَصْدَقَهَا الثَّانِي ; لِأَنَّهُ بَذَلَهُ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْأَوَّلِ، فَكَانَ أَوْلَى، وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَيْهَا بِمَا أُخِذَ مِنْهُ فِي رِوَايَةٍ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَالْقِيَاسُ لَا رُجُوعَ، ثُمَّ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَجَمَعَ (وَالْقِيَاسُ أَنْ تُرَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ، وَلَا خِيَارَ) لَهُ ; لِأَنَّهُ زَوْجُهَا، وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ فَرُدَّتْ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ لِبَيِّنَةٍ قَامَتْ بِوَفَاتِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ كَذِبُهَا بِقُدُومِهِ حَيًّا (إِلَّا أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَنَقُولُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَاطِنًا فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ) لِأَنَّ نِكَاحَهُ وَقَعَ بَعْدَ بُطْلَانِ نِكَاحِ الْأَوَّلِ، وَقَضَاءِ عِدَّتِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا الْأَوَّلُ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا خِيَارَ لِلْأَوَّلِ مَعَ مَوْتِهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ زَوْجَةُ الثَّانِي ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَتَرِثُهُ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَهَلْ تَرِثُ الْأَوَّلَ؛ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: تَرِثُهُ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ وَأَنَّهُ مَتَى ظَهَرَ الْأَوَّلُ، فَالْفُرْقَةُ، وَنِكَاحُ الثَّانِي مَوْقُوفًا، فَإِنْ أَخَذَهَا بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِي حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَمْضَى ثَبَتَ نِكَاحُ الثَّانِي (فَأَمَّا مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ كَالتِّجَارَةِ) فِي غَيْرِ مَهْلَكَةٍ (وَالسِّيَاحَةِ) فِي الْأَرْضِ لِلتَّعَبُّدِ، وَالتَّرَهُّبِ، وَقِيلَ: هُوَ الْغَازِي، وَقِيلَ: طَالِبُ الْعِلْمِ (فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَبْقَى أَبَدًا حَتَّى
لِتِسْعِينَ عَامًا مَعَ سَنَةٍ يَوْمَ وُلِدَ ثُمَّ تَحِلُّ وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْأَسِيرِ وَمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَتَيَقَّنَ مَوْتَهُ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي " فَيَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ كَغَيْبَةِ ابْنِ تِسْعِينَ ذَكَرَهُ فِي " التَّرْغِيبِ "، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهَا تَبْقَى مَا رَأَى الْحَاكِمُ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ، وَفِي " الْمُسْتَوْعِبِ " تَبْقَى إِلَى أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ، أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ، لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ فِي الْغَالِبِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ (وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ لِتِسْعِينَ عَامًا مَعَ سَنَةِ يَوْمِ وُلِدَ) نَقَلَهَا عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ أَصْرَمَ، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ ; لِأَنَّهُ الْعُمُرُ الطَّبِيعِيُّ، قُلْنَا: التَّحْدِيدُ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ، وَلِأَنَّ تَقْدِيرَهُ بِذَلِكَ يُفْضِي إِلَى اخْتِلَافِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ، وَخَبَرُ عُمَرَ وَرَدَ فِيمَنْ ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ الْهَلَاكُ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (ثُمَّ تَحِلُّ) لِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِمَوْتِهِ، أَشْبَهَ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ الَّذِي غَيْبَتُهُ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي "، وَ " الشَّرْحِ ": وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ هَذِهِ غَيْبَةٌ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ، فَلَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ كَمَا قَبْلَ التِّسْعِينَ، وَمَتَى ظَهَرَ مَوْتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ، أَوْ بَيِّنَةٍ فَكَمَفْقُودٍ، وَتَضْمَنُ الْبَيِّنَةُ مَا تَلِفَ مِنْ مَالِهِ وَمَهْرِ الثَّانِي (وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْأَسِيرِ) وَكَذَا فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ، أَيْ: حُكْمُهَا حُكْمُ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ ; لِأَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فَوَجَبَ تَسَاوِيهِمَا حُكْمًا، لَكِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تُتَيَقَّنَ وَفَاتُهُ.
فَرْعٌ: إِذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْرَ مُنْقَطِعَةٍ يُعْرَفُ خَبَرُهُ وَيَأْتِي كِتَابُهُ فَلَيْسَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي قَوْلِهِمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهِ فَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ فَسْخَ النِّكَاحِ فَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَإِنْ غَابَ وَعُلِمَ خَبَرُهُ بَقِيَتِ الزَّوْجَةُ مَعَ النَّفَقَةِ وَعَدَمِ الْإِضْرَارِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ الْوَاجِبِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ فَزَوْجَتُهُ بَاقِيَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ، أَوْ رِدَّتُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ
مَاتَ عَنْهَا، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَاتَ، أَوْ طَلَّقَ، وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبْ مَا تَجْتَنِبُهُ الْمُعْتَدَّةُ. وَعَنْهُ: إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ بَلَغَهَا الْخَبَرُ وَعِدَّةُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ فَحُكْمُهُ فِي الْفَسْخِ مَا ذَكَرْنَا إِلَّا أَنَّ الْعَبْدَ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، أَوْ فِي كَسْبِهِ فَيُعْتَبَرُ تَعَذُّرُ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَحَلِّ الْوُجُوبِ.
1 -
(وَمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ مَاتَ، أَوْ طَلَّقَ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَصَحَّحَهُ فِي " الْكَافِي "، وَقَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ عَنْهُمُ الْبَيْهَقِيُّ ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا، فَوَضَعَتْ غَيْرَ عَالِمَةٍ بِفُرْقَةِ زَوْجِهَا ; لَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْعِدَدِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعِدَّةِ بِدَلِيلِ الصَّغِيرَةِ، وَالْمَجْنُونَةِ (وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبْ مَا تَجْتَنِبُهُ الْمُعْتَدَّةُ) لِأَنَّ الْإِحْدَادَ الْوَاجِبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْعِدَّةِ لِظَاهِرِ النُّصُوصِ (وَعَنْهُ: إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَكَذَلِكَ) كَوَضْعِ الْحَمْلِ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ بِهِ (وَإِلَّا فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ بَلَغَهَا الْخَبَرُ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ ; لِأَنَّ الْعِدَّةَ اجْتِنَابُ أَشْيَاءَ، وَلَمْ تَجْتَنِبْهَا، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَا إِذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ كَالْأَوَّلِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ أَشْهَرُ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَعِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ) أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ (عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ) ذَكَرَهُ فِي " الِانْتِصَارِ " إِجْمَاعًا ; لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي ذَلِكَ فِي شَغْلِ الرَّحِمِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ كَالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، لَكِنَّ عِدَّةَ الْأُولَى مُنْذُ وُطِئَتْ، وَعَكْسُهُ الثَّانِيَةُ (وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْمَزْنِي بِهَا) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي "، وَ " الْمُسْتَوْعِبِ "، وَ " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ " ; لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَقْتَضِي شَغْلَ الرَّحِمِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَجِبِ الْعِدَّةُ لَاخْتَلَطَ مَاءُ الْوَاطِئِ وَالزَّوْجِ، فَلَمْ يُعْلَمْ لِمَنِ الْوَلَدُ